أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/مواضيع متفرقة
كتاب سليم بن
قيس : عن أبان ، عن سليم ، قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول ـ قبل
وقعة صفين ـ : إن هؤلاء القوم لن ينيبوا إلى الحق ولا إلى كلمة سواء بيننا وبينهم
حتى يرامونا بالعساكر تتبعها العساكر ، وحتى يردفونا بالكتائب تتبعها الكتائب ،
وحتى يجر ببلادهم الخميس تتبعها الخميس ، وحتى ترعى الخيول بنواحي أرضهم وتنزل عن
مسالحهم ، وحتى يشن الغارات عليهم من كل فج ، وحتى يلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم
هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله ، والله لقد
رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وأخوالنا
وأعمامنا وأهل بيوتنا ثم لا يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما وجدا في طاعة الله ،
واستقلالا بمبارزة الأقران ، وإن كان الرجل منا والرجل من عدونا ليتصاولان تصاول
الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس الموت ، فمرة لنا من عدونا ، ومرة
لعدونا منا ، فلما رأى الله منا صدقا وصبرا أنزل الكتاب بحسن الثناء علينا والرضا
عنا ، وأنزل علينا النصر ، ولست أقول إن كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه
وآله كذلك ، ولقد كانت معنا بطانة لا يألونا خبالا ، قال الله عز وجل : ( قَدْ
بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ) ولقد
كان منهم بعض من تفضله أنت وأصحابك ـ يا ابن قيس ـ ، فارين ، فلا رمى بسهم ، ولا
ضرب بسيف ، ولا طعن برمح ، إذا كان الموت والنزال توارى واعتل ولاذ كما تلوذ
النعجة العوراء لا يدفع يد لامس ، وإذا ألقى العدو فر ومنح العدو دبره جبنا ولؤما
، وإذا كان عند الرخاء والغنيمة تكلم كما قال الله : ( سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ
حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ) فلا يزال قد استأذن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في ضرب عنق الرجل الذي ليس يريد رسول الله صلى الله عليه وآله قتله
، فأبى عليه ، ولقد نظر رسول الله صلى الله عليه وآله يوما وعليه السلاح تام ،
فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم قال يكنيه : أبا فلان اليوم يومك؟.
فقال الأشعث :
ما أعلمني من تعني! إن ذلك يفر منه الشيطان.
قال : يا ابن
قيس! لا آمن الله روعة الشيطان إذا قال.
ثم قال : ولو
كنا حين كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقضينا الشدائد والأذى
والبأس فعلنا كما تفعلون اليوم لما قام لله دين ، ولا أعز الله الإسلام ، وايم
الله لتحلبنها دما وندما وحيرة ، فاحفظوا ما أقول لكم واذكروه ، فليسلطن عليكم
شراركم والأدعياء منكم والطلقاء والطرداء والمنافقون فليقتلنكم ، ثم لتدعن الله
فلا يستجيب لكم ، ولا يدفع البلاء عنكم حتى تتوبوا وترجعوا ، فإن تتوبوا وترجعوا
فيستنقذكم الله من فتنتهم وضلالتهم كما استنقذكم من شرككم وجهالتكم ، إن العجب كل
العجب من جهال هذه الأمة وضلالها وقادتها وساقتها إلى النار ، إنهم قد سمعوا رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول ـ عودا وبدءا ـ : ما ولت أمة رجلا قط أمرها وفيهم
أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا ، فولوا أمرهم قبلي
ثلاثة رهط ما منهم رجل جمع القرآن ، ولا يدعي أن له علما بكتاب الله ولا سنة نبيه
(ص) ، وقد علموا أني أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأفقههم
وأقرؤهم بكتاب الله وأقضاهم بحكم الله ، وأنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول
الله صلى الله عليه وآله ولا عناء معه في جميع مشاهده ، فرمى بسهم ، ولا طعن
برمح ، ولا ضرب بسيف جبنا ولؤما ورغبة في البقاء ، وقد علموا أن رسول الله صلى
الله عليه وآله قد قاتل بنفسه فقتل أبي بن خلف ، وقتل مسجع بن عوف ـ وكان من
أشجع الناس وأشدهم لقاء ، وأحقهم بذلك ـ وقد علموا يقينا أنه لم يكن فيهم أحد يقوم
مقامي ولا يبارز الأبطال ويفتح الحصون غيري ، ولا نزلت برسول الله صلى الله عليه
وآله شديدة قط ولا كربه أمر ولا ضيق ولا مستضعف [ مستصعب ] من الأمر إلا قال : أين
أخي علي؟ أين سيفي؟ أين رمحي؟ أين المفرج عني عن وجهي؟ فيقدمني فأتقدم
فأقيه بنفسي ويكشف الله بيدي الكرب عن وجهه ، ولله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه
وآله بذلك المن والطول حيث خصني بذلك ووفقني له ، وإن بعض من قد سميت ما كان له
بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن ، ولا فتح ولا نصر غير مرة واحدة ثم فر ومنح عدوه
دبره ورجع يجبن أصحابه ويجبنونه ، وقد فر مرارا ، فإذا كان عند الرخاء والغنيمة
تكلم وأمر ونهى ، ولقد ناداه ابن عبد ود يوم الخندق باسمه فحاد عنه ولاذ بأصحابه
حتى تبسم رسول الله صلى الله عليه وآله لما رأى به من الرعب ، وقال : أين حبيبي
علي؟ تقدم يا حبيبي يا علي ، ولقد قال لأصحابه الأربعة ـ أصحاب الكتاب ـ : الرأي ـ
والله ـ أن يدفع [ ندفع ] محمدا برمته ونسلم من ذلك حين جاء العدو من فوقنا ومن
تحتنا كما قال الله تعالى : ( وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً ) ( وَتَظُنُّونَ
بِاللهِ الظُّنُونَا ) ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً ) ، فقال
صاحبه : لا ، ولكن نتخذ صنما عظيما نعبده ، لأنا لا نأمن أن يظفر ابن أبي كبشة
فيكون هلاكنا ، ولكن يكون هذا الصنم لنا زخرا ، فإن ظفرت قريش أظهرنا عبادة هذا
الصنم وأعلمناهم أنا لن نفارق ديننا ، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كنا مقيمين على
عبادة هذا الصنم سرا ، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بذلك ، ثم خبرني به رسول الله صلى الله عليه وآله بعد قتلي ابن عبد
ود ، فدعاهما ، فقال : كم صنما عبدتما في الجاهلية؟.
فقالا : يا
محمد! لا تعيرنا بما مضى في الجاهلية.
فقال : فكم صنم
تعبدان وقتكما هذا؟.
فقالا : والذي
بعثك بالحق نبيا ما نعبد إلا الله منذ أظهرنا لك من دينك ما أظهرنا.
فقال : يا علي!
خذ هذا السيف ، فانطلق إلى موضع كذا .. وكذا فاستخرج الصنم الذي يعبدانه فاهشمه ،
فإن حال بينك وبينه أحد فاضرب عنقه ، فانكبا على رسول الله صلى الله عليه وآله
، فقالا : استرنا سترك الله.
فقلت أنا لهما :
اضمنا لله ولرسوله ألا تعبدا إلا الله ولا تشركا به شيئا. فعاهدا رسول الله صلى
الله عليه وآله على ذلك ، وانطلقت حتى استخرجت الصنم من موضعه وكسرت وجهه ويديه
وجزمت رجليه ، ثم انصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فوالله لقد
عرفت ذلك في وجههما حتى ماتا ، ثم انطلق هو وأصحابه حين قبض رسول الله صلى الله عليه
وآله فخاصموا الأنصار بحقي ، فإن كانوا صدقوا واحتجوا بحق أنهم أولى من الأنصار
لأنهم من قريش ورسول الله صلى الله عليه وآله من قريش ، فمن كان أولى برسول
الله (ص) كان أولى بالأمر؟! وإنما ظلموني حقي.
وإن كانوا
احتجوا بباطل فقد ظلموا الأنصار حقهم ، والله يحكم بيننا وبين من ظلمنا وحمل الناس
على رقابنا.
والعجب لما قد
أشربت قلوب هذه الأمة من حبهم وحب من صدقهم وصدهم عن سبيل ربهم وردهم عن دينهم ،
والله لو أن هذه الأمة قامت على أرجلها على التراب ، والرماد واضعة على رؤوسها ،
وتضرعت ودعت إلى يوم القيامة على من أضلهم ، وصدهم عن سبيل الله ، ودعاهم إلى
النار ، وعرضهم لسخط ربهم ، وأوجب عليهم عذابه بما أجرموا إليهم لكانوا مقصرين في
ذلك ، وذلك أن المحق الصادق والعالم بالله ورسوله يتخوفان إن غيرا شيئا من بدعهم
وسننهم وأحداثهم عادية العامة ، ومتى فعل شاقوه وخالفوه وتبرءوا منه وخذلوه
وتفرقوا عن حقه ، وإن أخذ ببدعهم وأقر بها وزينها ودان بها أحبته وشرفته وفضلته ،
والله لو ناديت في عسكري هذا بالحق الذي أنزل الله على نبيه وأظهرته ودعوت إليه
وشرحته وفسرته على ما سمعت من نبي الله عليه وآله السلام فيه ، ما بقي فيه إلا
أقله وأذله وأرذله ، ولاستوحشوا منه ، ولتفرقوا مني ، ولولا ما عاهد رسول الله صلى
الله عليه وآله إلي وسمعته منه ، وتقدم إلي فيه لفعلت ، ولكن رسول الله صلى
الله عليه وآله قد قال : كل ما اضطر إليه العبد فقد أحله الله له وأباحه إياه ،
وسمعته يقول : إن التقية من دين الله ، ولا دين لمن لا تقية له ، ثم أقبل علي ،
فقال : أدفعهم بالراح دفعا عني ، ثلثان من حي وثلث مني ، فإن عوضني ربي فأعذرني.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 30 / صفحة [ 322 ]
تاريخ النشر : 2025-08-19