أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/علم الامام/الامام الصادق عليه السلام
رأيت في بعض كتب المناقب ، عن المفضل ، قال
الصادق عليه
السلام : إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه بلغه عن بعض شيء ، فأرسل إليه سلمان الفارسي فقال : إنه
بلغني عنك كيت وكيت وكرهت أن أفضحك ، وجعلت كفارة ذلك فك رقبتك من المال الذي حمل
إليك من خراسان الذي خنت فيه الله والمؤمنين.
قال سلمان : فلما قلت ذلك له تغير وجهه وارتعدت
فرائصه وأسقط في يديه ، ثم قال بلسان كليل : يا أبا عبد الله! أما الكلام فلعمري
قد جرى بيني وبين أهلي وولدي وما كانوا بالذي يفشون علي ، فمن أين علم ابن أبي طالب؟ وأما المال
الذي ورد علي فوالله ما علم به إلا الرسول الذي أتى به ، وإنما هو هدية ، فمن أين
علم؟ يا أبا عبد الله : والله ثم والله .. ـ ثلاثا ـ إن ابن أبي طالب ساحر عليم.
قال سلمان : قلت : بئس ما قلت يا عبد الله؟. فقال : ويحك! اقبل مني ما أقوله فوالله
ما علم أحد بهذا الكلام ولا أحد عرف خبر هذا المال غيري ، فمن أين علم؟ وما علم هو
إلا من السحر ، وقد ظهر لي من سحره غير هذا؟. قال سلمان : فتجاهلت عليه ، فقلت :
بالله ظهر لك منه غير هذا؟. قال : إي والله يا أبا عبد الله؟. قلت : فأخبرني
ببعضه. قال : إذا والله أصدقك ولا أحرف قليلا ولا كثيرا مما رأيته منه ، لأني أحب
أن أطلعك على سحر صاحبك حتى تجتنبه وتفارقه ، فوالله ما في شرقها وغربها أحد أسحر
منه ، ثم احمرت عيناه وقام وقعد ، وقال : يا أبا عبد الله! إني لمشفق عليك ومحب لك
، على أنك قد اعتزلتنا ولزمت ابن أبي طالب ، فلو ملت إلينا وكنت في جماعتنا
لآثرناك وشاركناك في هذه الأموال ، فاحذر ابن أبي طالب ولا يغرنك ما ترى من سحره!
فقلت : فأخبرني ببعضه. قال : نعم ، خلوت ذات يوم أنا وابن أبي طالب (ع) في شيء من
أمر الخمس ، فقطع حديثي وقال لي : مكانك حتى أعود إليك ، فقد عرضت لي حاجة ، فخرج
، فما كان بأسرع أن انصرف وعلى عمامته وثيابه غبار
كثيرة ، فقلت : ما شأنك يا أمير المؤمنين؟. قال : أقبلت على عساكر من الملائكة
وفيهم رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يريدون بالمشرق مدينة يقال لها : صحور ، فخرجت لأسلم عليه
، فهذه الغبرة من ذلك ، فضحكت تعجبا من قوله ، وقلت : يا أبا الحسن! رجل قد بلي في
قبره وأنت تزعم أنك لقيته الساعة وسلمت عليه ، هذا ما لا يكون أبدا. فغضب من قولي
، ثم نظر إلي فقال : أتكذبني؟!. قلت : لا تغضب فإن هذا ما لا يكون. قال : فإن
عرضته عليك حتى لا تنكر منه شيئا تحدث لله توبة مما أنت عليه؟. قلت : لعمر الله.
فاعرضه علي ، فقال : قم ، فخرجت معه إلى طرف المدينة ، فقال لي : يا شاك غمض عينيك
، فغمضتها فمسحهما ثم قال : يا غافل افتحهما ، ففتحتهما فإذا أنا والله ـ يا أبا
عبد الله ـ برسول الله (ص) مع الملائكة لم أنكر منه شيئا ، فبقيت
والله متعجبا أنظر في وجهه ، فلما أطلت النظر إليه فعض الأنامل بالأسنان وقال لي :
يا فلان بن فلان! ( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ
تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) ، قال : فسقطت مغشيا على الأرض ، فلما أفقت قال لي : هل رأيته وسمعت كلامه؟.
قلت : نعم. قال : انظر إلى النبي (ص) ، فنظرت فإذا لا عين ولا أثر ولا خبر من
الرسول صلى
الله عليه وآله ولا من تلك الخيول. فقال لي : يا مسكين فأحدث توبة من ساعتك هذه. فاستقر عندي
في ذلك اليوم أنه أسحر أهل الأرض ، وبالله لقد خفته في ذلك اليوم وهالني أمره ،
ولو لا أني وقفت ـ يا سلمان ـ على أنك تفارقه ما أخبرتك ، فاكتم هذا وكن معنا
لتكون منا وإلينا حتى أوليك المدائن وفارس ، فصر إليهما ولا تخبر ابن أبي طالب (ع)
بشيء مما جرى بيننا ، فإني لا آمنه أن يفعل لي من كيده شيئا. قال : فضحكت وقلت : إنك لتخافه؟.
قال : إي والله خوفا لا أخاف شيئا مثله. قال
سلمان : فنشطت متجاهلا بما حدثني وقلت : يا عبد الله! أخبرني عن غيره فوالله إنك
أخبرتني عن أعجوبة؟.
قال : إذا أخبرك بأعجب من هذا مما عاينته أنا
بعيني. قلت : فأخبرني.
قال : نعم ، إنه أتاني يوما مغضبا وفي يده قوسه
فقال لي : يا فلان! عليك بشيعتك الطغاة ولا تتعرض لشيعتي ، فإني خليق أن أنكل بك.
فغضبت أنا أيضا ـ ولم أكن وقفت على سحره قبل ذلك ـ ، فقلت : يا ابن أبي طالب! مه ،
ما هذا الغضب والسلطنة؟. أتعرفني حق المعرفة؟. قال : نعم ، فوالله لأعرفن قدرك ،
ثم رمى بقوسه الأرض ، وقال : خذيه ، فصارت ثعبانا عظيما مثل ثعبان موسى بن عمران
ففغر فاه فأقبل نحوي ليبلعني ، فلما رأيت ذلك طار روحي
فرقا وخوفا وصحت وقلت : الله! الله! الأمان الأمان يا أمير
المؤمنين ، اذكر ما كان في خلافة الأول مني حين وثب إليك ، وبعد فاذكر ما كان مني
إلى خالد بن الوليد الفاسق بن الفاسق حين أمره الخليفة بقتلك ، وبالله ما شاورني
في ذلك فكان مني ما كان حتى شكاني ووقع بيننا العداوة ، واذكر ـ يا أمير المؤمنين
ـ ما كان مني في مقامي حين قلت : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فمن عاد إلى مثلها
فاقتلوه ، فارتاب الناس وصاحوا وقالوا : طعن على صاحبه ، قد عرفت هذا كله ، وبالله
إن شيعتك يؤذونني ويشنعون علي ، ولو لا مكانك ـ يا أمير المؤمنين ـ لكنت نكلت بهم
، وأنت تعلم أني لم أتعرض لهم من أجلك وكرامتك ، فاكفف عني هذا الثعبان فإنه
يبلعني. فلما سمع هذا المقال مني قال : أيها المسكين لطفت في الكلام ، وإنا أهل
بيت نشكر القليل ، ثم ضرب بيده إلى الثعبان وقال :
ما تقول؟. قلت : الأمان! الأمان! قد علمت أني لم أقل إلا حقا ، فإذا قوسه في يده
وليس هناك ثعبان ولا شيء ، فلم أزل أحذره وأخافه إلى يومي هذا.
قال سلمان : فضحكت وقلت : والله ما سمعت بمثل
هذه الأعجوبات.
قال : يا أبا عبد الله! هذا ما رأيته أنا بعيني
هاتين ، ولو لا أني قد رفعت الحشمة فيما بيني وبينك ما كنت بالذي أخبرك بهذا.
قال سلمان : فتجاهلت عليه ، فقلت : هل رأيت منه
سحرا غير ما أخبرتني به؟. قال : نعم ، لو حدثتك لبقيت منه متحيرا ، ولا تقل ـ يا
أبا عبد الله ـ إن هذا السحر هو الذي أظهره ، لا والله ولكن هو وراثة يرثونها. قلت
: كيف؟.
قال : أخبرني أبي أنه رأى من أبيه أبي طالب ومن
عبد الله سحرا لم يسمع بمثله ، وذكر أبي أن أباه نفيلا أخبره أنه رأى من عبد
المطلب سحرا لم يسمع بمثله.
قال سلمان : فقلت : : حدثني بما أخبرك به أبوك؟.
قال : نعم ، أخبرني أبي أنه خرج مع أبي طالب (ع)
في سفر يريدون الشام مع تجار قريش تخرج من السنة إلى السنة مرة واحدة
فيجمعون أموالا كثيرة ، ولم يكن في العرب أتجر من قريش ، فلما كانوا ببعض الطرق
إذا قوم من الأعراب قطاع شاكون في السلاح لا يرى منهم إلا الحدق ، فلما ظهروا لنا
هالنا أمرهم وفزعنا ووقع الصياح في القافلة ، واشتغل كل إنسان بنفسه يريد أن ينجو
بنفسه فقط ، ودهمنا أمر جليل ، واجتمعنا وعزمنا على الهرب ، فمررنا بأبي طالب وهو
جالس ، فقلنا : يا أبا طالب! ما لك؟ ألا ترى ما قد دهمنا فانج بنفسك معنا؟. فقال :
إلى أين نهرب في هذه البراري؟. قلنا : فما الحيلة؟. قال : الحيلة أن ندخل هذه
الجزيرة فنقيم فيها ونجمع أمتعتنا ودوابنا وأموالنا فيها.
قال : فبقينا متعجبين ، وقلنا : لعله جن وفزع
مما نزل به ، فقلنا : ويحك! ولنا هنا جزيرة؟! قال : نعم. قلنا : أين هي؟. قال :
انظروا أمامكم. قال :فنظرنا إذا والله جزيرة عظيمة لم ير الناس أعظم منها ولا أحصن
منها ، فارتحلنا وحملنا أمتعتنا ، فلما قربنا منها إذا بيننا وبينها واد عظيم من
ماء لا يمكن أحدا أن يسلكه ، فقال : ويحكم! ألا ترون هذا الطريق اليابس الذي في
وسطه قلنا : لا. قال : فانظروا أمامكم وعن يمينكم ، فنظرنا فإذا والله طريق يابس
سهل المسلك ففرحنا ، وقلنا : لقد من الله علينا بأبي طالب ، فسلك وسلكنا خلفه حتى
دخلنا الجزيرة فحططنا ، فقام أبو طالب فخط خطا على جميع القافلة ، ثم قال : يا
قوم! أبشروا فإن القوم لن يصلوا إليكم ولا أحد منهم بسوء.
قال : وأقبلت الأعراب يتراكضون خلفنا ، فلما
انتهوا إلى الوادي إذا بحر عظيم قد حال بينهم وبيننا فبقوا متعجبين ، فنظر بعضهم
إلى بعض ، وقالوا : يا قوم! هل رأيتم قط هاهنا جزيرة أو بحرا؟. قالوا : لا. فلما
كثر تعجبهم قال شيخ منهم ـ قد مرت عليه التجارب ـ : يا قوم! أنا أطلعكم على بيان هذا الأمر الساعة. قالوا : هات ـ يا
شيخ ـ فإنك أقدمنا وأكبرنا سنا وأكثرنا تجاربا [ تجارب ]. قال : نادوا القوم ، فنادوهم ، فقالوا : ما تريدون؟.
قال الشيخ : قولوا لهم : أفيكم أحد من ولد عبد المطلب؟ فنادوهم ، فقالوا : نعم ،
فينا أبو طالب بن عبد المطلب. قال الشيخ : يا قوم! ، قالوا : لبيك. قال : لا
يمكننا أن نصل إليهم بسوء أصلا ، فانصرفوا ولا تشتغلوا بهم ، فوالله ما في أيديكم
منهم قليل ولا كثير ، فقالوا : قد خرفت أيها الشيخ ، أتنصرف عنهم وتترك هذه
الأموال الكثيرة والأمتعة النفيسة معهم؟! ، لا والله ولكن نحاصرهم أو يخرجون إلينا
فنسلبهم. قال الشيخ : قد ( نَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) ، فاتركوا نصحكم وذروا. قالوا : اسكت يا جاهل!
فحطوا رواحلهم ليحاصروهم فلما حطوا أبصر بعضهم بالطريق اليابس ، فصاح : يا قوم!
هاهنا طريق يابس ، فأبصر القوم كلهم الطريق اليابس ، وفرحوا وقالوا : نستريح ساعة
ونعلف دوابنا ثم نرتحل إليهم فإنهم لا يمكنهم أن يتخلصوا ، ففعلوا ، فلما أرادوا
الارتحال تقدمت طائفة منهم إلى الطريق اليابس فلما توسطوا غرقوا وبقي الآخرون
ينظرون إليهم فأمسكوا وندموا فاجتمعوا إلى الشيخ ، وقالوا : ويحك يا شيخ! ألا
أخبرتنا أمر هذا الطريق فإنه قد أغرق فيه خلق كثير. قال الشيخ : قد أخبرتكم ونصحت
لكم فخالفتموني وعصيتم أمري حتى هلك منكم من هلك. قالوا له : ومن أين علمت ذاك يا
شيخ؟. قال : ويحكم! إنا خرجنا مرة قبل هذا نريد الغارة على تجارة قريش ، فوقعنا
على القافلة فإذا فيها من الأموال والأمتعة ما لا يحصى كثرة ، فقلنا قد جاء الغنى آخر الأبد ، فلما أحسوا بنا ـ ولم
يكن بيننا وبينهم إلا قدر ميل ـ قام رجل من ولد عبد المطلب يقال له : عبد الله ،
فقال : يا أهل القافلة! ما ترون؟. قالوا : ما ترى ، قد دهمنا هذا الخيل الكثير ،
فسلوهم أن يأخذوا منا أموالنا ويخلوا سربنا فإنا إن نجونا بأنفسنا فقد فزنا. فقال
عبد الله : قوموا وارتحلوا فلا بأس عليكم. فقلنا : ويحك! وقد قرب القوم وإن
ارتحلنا وضعوا علينا السيوف. فقال : ويحكم! إنا [ إن ] لنا ربا يمنعنا منهم ، وهو رب البيت الحرام والركن والمقام ، وما
استجرنا به قط إلا أجارنا ، فقوموا وبادروا. قال : فقام القوم وارتحلوا ، فجعلوا
يسيرون سيرا رويدا ، ونحن نتبعهم بالركض الحثيث والسير الشديد فلا نلحقهم ، وكثر
تعجبنا من ذلك ، ونظر بعضنا إلى بعض وقلنا : يا قوم! هل رأيتم أعجب من هذا؟! إنهم
يسيرون سيرا رويدا ونحن نتراكض فلا يمكننا أن نلحقهم ، فما زال ذلك دأبنا ودأبهم
ثلاثة أيام ولياليها ، كل يوم يخطون فيقوم عبد الله فيخط خطا حول القافلة ويقول
لأصحابه :لا تخرجوا من الخط فإنهم لا يصلون إليكم فننتهي إلى الخط فلا يمكننا أن
نتجاوزه ، فلما كان بعد ثلاثة أيام ـ كل يوم يسيرون سيرا رويدا ونحن نتراكض أشرفنا
على هلاك أنفسنا وعطبت دوابنا وبقينا لا حركة بنا ولا نهوض ، فقلنا : يا قوم! هذا
والله العطب والهلاك ، فما ترون؟. قالوا : الرأي الانصراف عنهم ، فإنهم قوم سحرة. فقال بعضهم لبعض : إن كانوا
سحرة فالرأي أن نغيب عن أبصارهم ونوهمهم أنا قد انصرفنا عنهم ، فإذا ارتحلوا كررنا
عليهم كرة وهجمنا عليهم في مضيق. قالوا : نعم الرأي هذا ، فانصرفنا عنهم وأوهمناهم
أنا قد يئسنا ، فلما كان من الغد ارتحلوا ومضوا فتركناهم حتى استبطنوا واديا فقمنا
فأسرجنا وركبنا حتى لحقناهم ، فلما أحسوا بنا فزعوا إلى عبد الله بن عبد المطلب ،
وقالوا : قد لحقونا. فقال : لا بأس عليكم ، امضوا رويدا. قال : فجعلوا يسيرون سيرا
رويدا ، ونحن نتراكض ونقتل أنفسنا ودوابنا حتى أشرفنا على الموت مع دوابنا ، فلما
كان في آخر النهار قال عبد الله لأصحابه : حطوا رواحلكم ، وقام فخط خطا وقال : لا
تخرجوا من الخط فإنهم لن يصلوا إليكم بمكروه ، فانتهينا إلى الخط فوالله ما أمكننا
أن نتجاوزه ، فقال بعضنا لبعض : والله ما بقي إلا الهلاك أو الانصراف عنهم على أن
لا نعود إليهم. قال : فانصرفنا عنهم فقد عطبت دوابنا وهلكت ، وكانت سفرة مشومة
علينا ، فلما سمعوا ذلك من الشيخ قالوا : ألا أخبرتنا بهذا الحديث فكنا ننصرف عنهم ولم يغرق منا من غرق؟.
قال الشيخ : قد أخبرتكم ونصحت لكم ، وقلت لكم :
انصرفوا عنهم فليس لكم الوصول إليهم ، وفيهم رجل من ولد عبد المطلب ، وقلتم : إني
قد خرفت وذهب عقلي ، فلما سمع أبي هذا الكلام من الشيخ وهو يحدث أصحابه على رأس
الخطة نظر إلى أبي طالب فقال : ويحك! أما تسمع ما يقول الشيخ؟ قال : بلى يا خطاب!
أنا والله في ذلك اليوم مع عبد الله في القافلة وأنا غلام صغير ، وكان هذا الشيخ
على قعود له ، وكان شائكا لا يرى منه إلا حدقته ، وكانت له جمة قد أرخاها عن يمينه
وشماله.
فقال الشيخ : صدق والله كنت يومئذ على قعود علي
ذؤابتان قد أرسلتهما عن يميني وشمالي. قال الخطاب : فانصرفوا عنا.
فقال أبو طالب : ارتحلوا. فارتحلنا ، فإذا لا
جزيرة ولا بحر ولا ماء ، وإذا نحن على الجادة والطريق الذي لم نزل نسلكه فسرنا
وتخلصنا بسحر أبي طالب حتى وردنا الشام فرحين مستبشرين ، وحلف الخطاب أنه مر بعد
بذلك الموضع بعينه أكثر من عشرين مرة إلى الشام فلم ير جزيرة ولا بحرا ولا ماء ،
وحلفت قريش على ذلك ، فهل هذا ـ يا سلمان ـ إلا ( سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ )؟.
قال سلمان : قلت : والله ما أدري ما أقول لك إلا
أنك تورد علي عجائب من أمر بني هاشم.
قال : نعم ، يا أبا عبد الله! هم أهل بيت
يتوارثون السحر كابرا عن كابر!.
قال سلمان : فقلت ـ وأنا أريد أن أقطع الحديث ـ
: ما أرى أن هذا سحر.
قال : سبحان الله! يا أبا عبد الله! ترى كذب
الخطاب وأصحابه ، أتراك ما حدثتك به مما عايتنه [ عاينته ] أنا بعيني كذب [ كذبا
]؟.
قال سلمان : فضحكت ، فقلت : ويلك! إنك لم تكذب
ولا كذب الخطاب وأصحابه ، وهذا كله صدق وحق.
فقال : والله لا تفلح أبدا ، وكيف تفلح وقد سحرك
ابن أبي طالب؟.
قلت : فاترك هذا .. ما تقول في فك الرقبة والمال
الذي وافاك من خراسان؟.
قال : ويحك! يمكنني أن أعصي هذا الساحر في شيء
يأمرني به؟ نعم أفكها على رغم مني وأوجه بالمال إليه.
قال سلمان : فانصرفت من عنده ، فلما بصر بي أمير
المؤمنين عليه
السلام قال : يا سلمان! طال حديثكما. قلت : يا أمير المؤمنين حدثني بالعجائب من أمر
الخطاب وأبي طالب. قال : نعم ـ يا سلمان ـ قد علمت ذلك وسمعت جميع ما جرى بينكما ،
وما قال لك أيضا إنك لا تفلح.
قال سلمان : والله الذي لا إله إلا هو ما حضر
الكلام غيري وغيره ، فأخبرني مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بجميع ما جرى بيني وبينه.
ثم قال : يا سلمان! عد إليه فخذ منه المال وأحضر
فقراء المهاجرين والأنصار في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وفرقه إليهم.
المصدر : بحار الانوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 30 / صفحة [ 242 ]
تاريخ النشر : 2025-08-15