التفسير بالمأثور/تأويل الآيات والروايات/الإمام الباقر (عليه السلام)
عن جابر ، قال :
قلت لمحمد بن علي عليهما السلام قوله تعالى في كتابه : ( الَّذِينَ آمَنُوا
ثُمَّ كَفَرُوا ) ، قال : هما والثالث والرابع وعبد الرحمن وطلحة وكانوا سبعة عشر
رجلا.
قال : لما وجه
النبي صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام وعمار بن ياسر رحمه الله
إلى أهل مكة ، قالوا : بعث هذا الصبي ولو بعث غيره ـ يا حذيفة إلى أهل مكة ، وفي
مكة صناديدها ، وكانوا يسمون عليا : الصبي ، لأنه كان اسمه في كتاب الله الصبي ،
لقول الله : ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وهو صبي وقال إنني من
المسلمين ، والله الكفر بنا أولى مما نحن فيه ، فساروا فقالوا لهما وخوفوهما بأهل
مكة فعرضوا لهما وغلظوا عليهما الأمر ، فقال علي صلوات الله عليه : ( حَسْبُنَا
اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ، ومضى ، فلما دخلا مكة أخبر الله نبيه صلى الله عليه
وآله بقولهم لعلي عليه السلام وبقول علي لهم ، فأنزل الله بأسمائهم في كتابه ،
وذلك قول الله ألم تر إلى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم
فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .. إلى قوله : ( وَاللهُ ذُو فَضْلٍ
عَظِيمٍ ) ، وإنما نزلت « ألم تر إلى .. » فلان وفلان لقوا عليا وعمارا فقالا : إن
أبا سفيان وعبد الله بن عامر وأهل مكة قد جمعوا لكم فاخشوهم ، فقالوا : حسبنا الله
ونعم الوكيل ، وهما اللذان قال الله : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا )
... إلى آخر الآية فهذا أول كفرهم.
والكفر الثاني
قول النبي عليه وآله السلام : يطلع عليكم من هذا الشعب رجل فيطلع عليكم بوجهه ،
فمثله عند الله كمثل عيسى لم يبق منهم أحد إلا تمنى أن يكون بعض أهله ، فإذا بعلي
عليه السلام قد خرج وطلع بوجهه ، قال : هو هذا ، فخرجوا غضابا وقالوا : ما بقي
إلا أن يجعله نبيا ، والله الرجوع إلى آلهتنا خير مما نسمع منه في ابن عمه!
وليصدنا علي إن دام هذا ، فأنزل الله : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً
إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) ... إلى آخر الآية ، فهذا الكفر الثاني.
وزيادة الكفر
حين قال الله : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ
خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، وقال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي! أصبحت وأمسيت
خير البرية ، فقال له الناس : هو خير من آدم ونوح ومن إبراهيم ومن الأنبياء ..
فأنزل الله : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ ) ... إلى (
سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) قالوا : فهو خير منك يا محمد .. قال الله : ( قُلْ ... إِنِّي
رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) ولكنه خير منكم وذريته خير من ذريتكم ، ومن
اتبعه خير ممن اتبعكم ، فقاموا غضابا ، وقالوا زيادة : الرجوع إلى الكفر أهون
علينا مما يقول في ابن
عمه! وذلك قول الله : ( ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً ).
ـ عن زرارة
وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام عن قوله : (
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) ... ( ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً ) قال :
نزلت في أبي عبد الله بن أبي سرح الذي بعثه عثمان إلى مصر ، قال : و ( ازْدادُوا
كُفْراً ) حين لم يبق فيه من الإيمان شيء.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 30 / صفحة [ 218 ]
تاريخ النشر : 2025-08-14