إرشاد القلوب :
ـ بحذف الإسناد ـ مرفوعا إلى عبد الرحمن بن غنم الأزدي ـ ختن معاذ بن جبل ـ وحين
مات كانت ابنته تحت معاذ بن جبل ، وكان أفقه أهل الشام وأشدهم اجتهادا ، قال : مات
معاذ بن جبل بالطاعون ، فشهدت يوم مات ـ والناس متشاغلون بالطاعون ـ ، قال :
وسمعته حين احتضر وليس في البيت غيري ـ وذلك في خلافة عمر بن الخطاب ـ ، فسمعته
يقول : ويل لي! ويل لي!. فقلت في نفسي : أصحاب الطاعون يهذون ويقولون الأعاجيب.
فقلت له : أتهذي؟. قال : لا ، رحمك الله. قلت : فلم تدعو بالويل والثبور؟. قال :
لموالاتي عدو الله على ولي الله. فقلت له : من هم؟. قال :موالاتي عتيقا و [ رمع ]
على خليفة رسول الله ووصيه علي بن أبي طالب عليه السلام. فقلت : إنك لتهجر!. فقال
: يا ابن غنم! والله ما أهجر ، هذان ، رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي بن
أبي طالب عليه السلام يقولان لي : يا معاذ! أبشر بالنار أنت وأصحابك. أفليس قلتم
إن مات رسول الله صلى الله عليه وآله أو قتل زوينا الخلافة عن علي بن أبي طالب
(ع) فلن تصل إليه ، فاجتمعت أنا و [ عتيق ورمع ] وأبو عبيدة وسالم ، قال : قلت :
متى يا معاذ؟. قال : في حجة الوداع ، قلنا : نتظاهر على علي (ع) فلا ينال الخلافة
ما حيينا ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قلت لهم : أنا أكفيكم قومي
الأنصار فاكفوني قريشا ، ثم دعوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى هذا
الذي تعاهدنا عليه بشر بن سعيد وأسيد بن حصين فبايعاني على ذلك ، فقلت : يا معاذ!
إنك لتهجر ، فألصق خده بالأرض فلما زال يدعو بالويل والثبور حتى مات.
فقال ابن غنم :
ما حدثت بهذا الحديث يا ابن قيس بن هلال أحدا إلا ابنتي امرأة معاذ ورجلا آخر ،
فإني فزعت مما رأيت وسمعت من معاذ.
قال : فحججت
ولقيت الذي غمض أبا عبيدة وسالما فأخبراني أنه حصل لهما ذلك عند موتهما ، لم يزد
فيه حرفا ولم ينقص حرفا ، كأنهما قالا مثل ما قال معاذ بن جبل ، فقلت : أولم يقتل
سالم يوم التهامة؟. قال : بلى ، ولكنا احتملناه وبه رمق.
قال سليم :
فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر ، فقال لي : اكتم علي واشهد أن أبي
قد قال عند موته مثل مقالتهم ، فقالت عائشة : إن أبي يهجر.
قال محمد :
فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان وحدثته بما سمعت من أبي عند موته فأخذت عليه
العهد والميثاق ألا يكتم علي. فقال لي ابن عمر : اكتم علي ، فوالله لقد قال أبي
مثل ما قال أبوك وما زاد ولا نقص ، ثم تداركها ابن عمر بعد وتخوف أن أخبر بذلك علي
بن أبي طالب عليه السلام لما علم من حبي له وانقطاعي إليه ، فقال : إنما كان
يهجر. فأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بما سمعته من أبي وما حدثني به
ابن عمر.
فقال علي (ع) :
قد حدثني بذلك عن أبيك وعن أبيه وعن أبي عبيدة وسالم وعن معاذ من هو أصدق منك ومن
ابن عمر. فقلت : ومن ذاك يا أمير المؤمنين؟.
فقال : بعض من
حدثني. فعرفت ما عنى ، فقلت : صدقت ، إنما ظننت إنسانا حدثك ، وما شهد أبي ـ وهو
يقول ذلك ـ غيري.
قال سليم : قلت
لابن غنم : مات معاذ بالطاعون فبما مات أبو عبيدة؟.
قال : مات
بالدبيلة ، فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت : هل شهد موت أبيك غيرك وأخيك عبد الرحمن
وعائشة وعمر؟. قال : لا. قلت : وهل سمعوا منه ما سمعت؟. قال :
سمعوا منه طرفا فبكوا. وقال [ قالوا ] : هو يهجر ، فأما كل ما سمعت أنا فلا ، قلت
: فالذي سمعوا ما هو؟. قال : دعا بالويل والثبور ، فقال له عمر : يا خليفة رسول
الله! لم تدعو بالويل والثبور؟!. قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه
علي بن أبي طالب يبشراني بالنار ، ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة ،
وهو يقول : قد وفيت بها وظاهرت على ولي الله فأبشر أنت وصاحبك بالنار في أسفل
السافلين ، فلما سمعها عمر خرج وهو يقول : إنه ليهجر! قال : لا والله لا أهجر أين
تذهب؟. قال عمر : كيف لا تهجر وأنت ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ )؟!
قال : الآن أيضا! أولم أحدثك أن محمدا ـ ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله
ـ قال لي وأنا معه في الغار : إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر ، فقلت :
أرنيها ، فمسح يده على وجهه فنظرت إليها ، وأضمرت عند ذلك أنه ساحر ، وذكرت لك ذلك
بالمدينة ، فأجمع رأيي ورأيك أنه ساحر ، فقال عمر : يا هؤلاء! إن أباكم يهجر
فاكتموا ما تسمعون عنه لئلا يشمت بكم أهل هذا البيت ، ثم خرج وخرج أخي وخرجت عائشة
ليتوضؤا للصلاة ، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا ، فقلت له ـ لما خلوت به : يا أبت!
قل : لا إله إلا الله ، قال : لا أقولها ولا أقدر عليها أبدا حتى أرد النار فأدخل
التابوت ، فلما ذكر التابوت ظننت أنه يهجر ، فقلت له : أي تابوت؟. فقال : تابوت من
نار مقفل بقفل من نار فيه اثنا عشر رجلا ، أنا وصاحبي هذا ، قلت : عمر؟. قال : نعم
، وعشرة في جب من جهنم عليه صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع الصخرة.
قلت : أتهذي؟.
قال : لا والله ما أهذي ، ولعن الله ابن صهاك هو الذي ( أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جاءَنِي فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) ، ألصق خدي بالأرض ، فألصقت خده بالأرض
، فما زال يدعو بالويل والثبور حتى غمضته ، ثم دخل عمر علي ، فقال : هل قال بعدنا
شيئا ؟ فحدثته.
فقال : يرحم
الله خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ، اكتم! هذا كله هذيان ، وأنتم أهل
بيت يعرف لكم الهذيان في موتكم؟. قالت عائشة : صدقت ، ثم قال لي عمر : إياك أن
يخرج منك شيء مما سمعت به إلى علي بن أبي طالب (ع) وأهل بيته.
قال : قال سليم
: قلت لمحمد : من تراه حدث أمير المؤمنين عليه السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا
، فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله ، إنه يراه في كل ليلة في المنام وحديثه
إياه في المنام مثل حديثه إياه في اليقظة والحياة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وآله : من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم ولا يقظة ولا
بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة.
قال سليم : فقلت
لمحمد : فمن حدثك بهذا؟. قال : علي. فقلت : قد سمعت أنا أيضا منه كما سمعت أنت ،
قلت لمحمد : فلعل ملكا من الملائكة حدثه. قال : أو ذاك؟ قلت : فهل تحدث الملائكة
إلا الأنبياء؟!. قال : أما تقرأ كتاب الله : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي
ولا محدث.
قلت أنا : أمير
المؤمنين محدث. قال : نعم ، وفاطمة محدثة ، ولم تكن نبية ، ومريم محدثة ولم تكن
نبية ، وأم موسى محدثة ولم تكن نبية ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة ولم
تكن نبية ، فبشروها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ.
قال سليم : فلما
قتل محمد بن أبي بكر بمصر وعزينا أمير المؤمنين ، جئت إلى أمير المؤمنين عليه السلام
وخلوت به فحدثته بما أخبرني به محمد بن أبي بكر وبما حدثني به ابن غنم.
قال : صدق محمد
رحمه الله ، أما إنه شهيد حي مرزوق ، يا سليم! إني وأوصيائي أحد عشر رجلا من ولدي
أئمة هدى مهديون محدثون.
قلت : يا أمير
المؤمنين! ومن هم؟.
قال : ابني [
ابناي ] الحسن والحسين ، ثم ابني هذا ـ وأخذ بيد علي بن الحسين عليهمالسلام وهو
رضيع ـ ثم ثمانية من ولده واحدا بعد واحد
، وهم الذين أقسم الله بهم فقال : ( وَوالِدٍ وَما وَلَدَ ) ، فالوالد رسول الله
صلى الله عليه وآله وأنا ، وما ولد يعني هؤلاء الأحد عشر وصيا صلوات الله عليهم.
قلت : يا أمير
المؤمنين! يجتمع إمامان؟.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 30 / صفحة [ 128 ]
تاريخ النشر : 2025-08-10