التفسير بالمأثور/تأويل الآيات والروايات/الإمام الرضا (عليه السلام)
المفسر بإسناده
عن أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال : جاء رجل إلى الرضا عليه السلام
فقال له : يابن رسول الله أخبرني عن قوله عزوجل: « الحمد لله رب العالمين » ما
تفسيره؟ فقال : لقد حدثني أبي عن جدي عن الباقر عن زين العابدين عن أبيه عليهم السلام
أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أخبرني عن قول الله عزوجل : «
الحمد لله رب العالمين » ما تفسيره؟
فقال : الحمد
لله هو أن عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل
، لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف ، فقال لهم قولوا : الحمد لله على ما أنعم به علينا رب العالمين ،
وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات ، فأما الحيوانات فهو يقلبها في
قدرته ويغذوها من رزقه ويحوطها بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته ، وأما الجمادات فهو
يمسكها بقدرته يمسك المتصل منها أن يتهافت ، ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق ،
ويمسك السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه ويمسك الارض أن تنخسف إلا بأمره ، إن
الله بعباده رؤوف رحيم.
قال عليه
السلام : ورب العالمين : مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن
حيث لا يعلمون ، فالرزق مقسوم وهو يأتي ابن آدم على أي سيرة سارها من الدنيا ، ليس
تقوى متق بزائده ، ولا فجور فاجر بناقصه وبينه وبينه ستر وهو طالبه ، ولو أن أحدكم
يفر من رزقه لطلبه رزقه كما يطلبه الموت ، فقال الله جل جلاله: قولوا : الحمد لله
على ما أنعم به علينا ، وذكرنا به من خير في كتب الاولين قبل أن نكون.
ففي هذا إيجاب
على محمد وآل محمد عليهم السلام وعلى شيعتهم أن يشكروه بما فضلهم وذلك أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال : لما بعث الله عزوجل موسى بن عمران واصطفاه نجيا
وفلق له البحر ونجى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والالواح رأى مكانه من ربه عزوجل
فقال : يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي ، فقال الله جل جلاله : يا
موسى أما علمت أن محمدا (ص) أفضل عندي من جميع ملائكتي و جميع خلقي؟
قال موسى : يارب
فإن كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الانبياء أكرم من آلي؟ قال الله جل
جلاله : يا موسى أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمد على جميع
المرسلين؟
فقال موسى : يا
رب فان كان آل محمد كذلك فهل في امم الانبياء أفضل عندك من امتي؟ ظللت عليهم
الغمام ، وأنزلت عليهم المن والسلوى ، وفلقت لهم البحر فقال الله جل جلاله : يا
موسى أما علمت أن فضل امة محمد على جميع الامم كفضله على جميع خلقي.
فقال موسى :
يارب ليتني كنت أراهم ، فأوحى الله عزوجل إليه : يا موسى إنك لن تراهم فليس هذا
أوان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في الجنان جنات عدن والفردوس بحضرة محمد ، في نعيمها
يتقلبون وفي خيراته يتبحبحون ، أفتحب أن اسمعك كلامهم؟ فقال : نعم إلهي ، قال الله
جل جلاله : قم بين يدي واشدد ميزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل.
ففعل ذلك موسى
عليه السلام فنادى ربنا عزوجل : يا امة محمد ، فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم
وأرحام أمهاتهم : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا
شريك لك ، لك ، قال : فجعل الله عزوجل تلك الاجابة شعار الحج.
ثم نادى ربنا
عزوجل : يا امة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم من قبل أن
تدعوني ، وأعطيتكم من قبل أن تسألوني من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله صادق في أقواله محق في أفعاله ، وأن علي
بن أبي طالب أخوه ووصيه من بعده ووليه ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد ، وأن
أولياءه المصطفين المطهرين المبانين بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما
أولياؤه أدخلته جنتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر.
قال : فلما بعث
الله عزوجل نبينا محمدا (ص) قال : يا محمد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك
بهذه الكرامة ، ثم قال عزوجل لمحمد (ص) : قل : الحمد لله رب العالمين على ما
اختصني به من هذه الفضيلة ، وقال لامته : قولوا أنتم : الحمد لله رب العالمين على
ما اختصنا به من هذه الفضائل.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 26 / صفحة [ 275 ]
تاريخ النشر : 2025-05-20