أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/النبي محمد صلى الله عليه واله/سيرة الرسول واحواله/الإمام علي (عليه السلام)
[قال امير المؤمنين عليه السلام] :
ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه
واله كاف لك في الاسوة ، ودليل لك على ذم الدنيا
وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت عنه
أطرافها، ووطئت لغيره أكنافها، وفطم من رضاعها، وزوي عن زخارفها - وساقها إلى قوله
عليه السلام -: فتأس بنبيك الاطهر الاطيب صلى الله عليه واله، فإن
فيه اسوة لمن تأسى، وعزاء لمن تعزى، وأحب العباد
إلى الله تعالى المتأسي بنبيه صلى الله عليه واله، والمقتص لأثره، قضم الدنيا
قضما، ولم يعرها طرفا، أهضم أهل الدنيا كشحا، وأخمصهم من الدنيا بطنا، عرضت عليه
الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئا فأبغضه، وحقر شيئا فحقره،
وصغر شيئا فصغره، ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله وتعظيمنا ما صغر
الله لكفى به شقاقا لله، ومحادة عن أمر الله، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه
واله يأكل على الارض، ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب
الحمار العاري، ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول:
يا فلانة - لأحدى أزواجه - غيبيه عني، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها،
فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه،
لكيلا يتخذ منها رياشا، ولا يعتقدها قرارا، ولا يرجوا فيها مقاما، فأخرجها من النفس،
وأشخصها عن القلب ، وغيبها عن البصر، وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه، وأن
يذكر عنده، ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه واله ما يدلك على مساوي
الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر
ناظر بعقله أكرم الله محمدا صلى الله عليه واله بذلك أم أهانه ؟ فإن قال: أهانه
فقد كذب والعظيم ، وإن قال: أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا
له، وزواها عن أقرب الناس منه، فتأسى متأس بنبيه، واقتص أثره، وولج مولجه، وإلا
فلا يأمن الهلكة، فإن الله جعل محمدا صلى الله عليه واله علما للساعة، ومبشرا بالجنة
ومنذرا بالعقوبة، خرج من الدنيا خميصا، وورد الآخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر
حتى مضى لسبيله، وأجاب دعي ربه، فما أعظم
منة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتبعه، وقائدا
نطأ عقبه .
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 16 / صفحة [284]
تاريخ النشر : 2024-06-13