أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/النبي زكريا ويحيا عليه السلام/النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
القطان، عن محمد بن سعيد بن أبي شحمة،
عن عبد الله بن سعيد بن هاشم القناني، عن أحمد بن صالح، عن حسان بن
عبد الله الواسطي، عن عبد الله بن لهيعة، عن
أبي قبيل، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كان من زهد
يحيى بن زكريا عليه السلام أنه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الاحبار والرهبان
عليهم مدارع الشعر، وبرانس الصوف، وإذا هم قد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل
وشدوها إلى سواري المسجد، فلما نظر إلى ذلك أتى أمه فقال: يا أماه انسجي لي مدرعة
من شعر وبرنسا من صوف حتى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الاحبار والرهبان، فقالت
له أمه: حتى يأتي نبي الله وأؤامره في ذلك، فلما دخل زكريا عليه السلام أخبرته
بمقالة يحيى، فقال له زكريا: يا بني ما يدعوك إلى هذا وإنما أنت صبي صغير ؟ فقال
له: يا أبه أما رأيت من هو أصغر سنا مني قد ذاق الموت ؟ قال: بلى، ثم قال لامه:
انسجي له مدرعة من شعر، وبرنسا من صوف، ففعلت فتدرع المدرعة على بدنه، ووضع البرنس
على رأسه، ثم أتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى أكلت مدرعة
الشعر لحمه، فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى، فأوحى الله عزوجل إليه:
يا يحيى أتبكي مما قد نحل من جسمك ؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت إلى النار إطلاعة لتدرعت
مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه، وبدا للناظرين
أضراسه فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه وأقبل زكريا عليه السلام واجتمع الاحبار والرهبان
فأخبروه بذهاب لحم خديه، فقال: ما شعرت بذلك، فقال زكريا عليه السلام: يا بني
ما يدعوك إلى هذا ؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني، قال: أنت أمرتني بذلك
يا أبه، قال: و متى ذلك يا بني ؟ قال: ألست القائل: إن بين الجنة والنار لعقبة لا
يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله ؟ قال: بلى، فجد واجتهد وشأنك غير شأني، فقام يحيى
فنفض مدرعته فأخذته أمه، فقالت: أتأذن لي يا بني أن أتخذ لك
قطعتي لبود تواريان أضراسك وتنشفان دموعك ؟ فقال لها:
شأنك، فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه وتنشفان دموعه حتى ابتلتا من دموع عينيه
فحسر عن ذراعيه، ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه، فنظر زكريا
عليه السلام إلى ابنه وإلى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إن هذا
ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين. وكان زكريا عليه السلام إذا أراد أن يعظ
بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى يحيى عليه السلام لم يذكر جنة ولا نارا،
فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة فجلس في غمار الناس
والتفت زكريا عليه السلام يمينا وشمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول: حدثني حبيبي
جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أن في جهنم جبلا يقال له السكران، في
أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى، في ذلك الوادي جب قامته
مائة عام، في ذلك الجب توابيت من نار، في تلك التوابيت صناديق من نار، وثياب من
نار، وسلاسل من نار، وأغلال من نار، فرفع يحيى عليه السلام رأسه فقال: واغفلتاه من
السكران، ثم أقبل هائما على وجهه، فقام زكريا عليه السلام من مجلسه فدخل على أم
يحيى فقال لها: يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لا نراه إلا وقد ذاق
الموت، فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها: يا أم يحيى
أين تريدين ؟ قالت: أريد أن أطلب ولدي يحيى، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه،
فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له: يا راعي هل رأيت شابا من
صفته كذا وكذا ؟ فقال لها: لعلك تطلبين يحيى بن زكريا ؟ قالت: نعم ذاك ولدي، ذكرت
النار بين يديه فهام على وجهه، قال: إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا، ناقعا
قدميه في الماء، رافعا بصره إلى السماء يقول: " وعزتك مولاي لا ذقت بارد الشراب حتى
أنظر إلى منزلتي منك " فأقبلت أمه فلما رأته أم يحيى دنت منه فأخذت برأسه فوضعته
بين ثدييها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها حتى أتى المنزل،
فقالت له أم يحيى: هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف فإنه ألين ؟
ففعل، وطبخ له عدس فأكل واستوفى فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته، فنودي في منامه:
يا يحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري ؟ فاستيقظ فقام
فقال: يا رب أقلني عثرتي، إلهي فوعزتك لا أستظل بظل سوى بيت المقدس، وقال لامه:
ناوليني مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستورداني المهالك، فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة
وتعلقت به، فقال لها زكريا: يا أم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه
ولن ينتفع بالعيش، فقام يحيى عليه السلام فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه، ثم
أتى بيت المقدس فجعل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى كان من أمره ما كان.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [165]
تاريخ النشر : 2024-05-29