أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/اصحاب الرس/الإمام الحسين (عليه السلام)
الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن الهروي،
عن الرضا، عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: أتى
علي بن أبي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة أيام
رجل من أشراف تميم يقال له عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في
أي عصر كانوا ؟ وأين كانت منازلهم ؟ ومن كان ملكهم ؟ وهل بعث الله عزوجل إليهم رسولا
أم لا ؟ وبماذا أهلكوا ؟ فإني أجد في كتاب الله ذكرهم ولا أجد خبرهم. فقال له علي
عليه السلام: لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ولا يحدثك به أحد بعدي إلا
عني، وما في كتاب الله عزوجل آية إلا وأنا أعرف تفسيرها، وفي أي مكان نزلت من
سهل أو جبل، وفي أي وقت نزلت من ليل أو نهار، وإن ههنا لعلما جما
- وأشار إلى صدره - ولكن طلابه يسير، وعن قليل يندمون لو فقدوني، قال: كان من قصتهم
يا أخا تميم أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت، كان يافث بن
نوح غرسها على شفير عين يقال لها روشاب كانت أنبطت لنوح عليه السلام بعد الطوفان،
وإنما سموا أصحاب الرس لانهم رسوا نبيهم في الارض، وذلك بعد سليمان بن داود
عليه السلام، وكانت لهم اثنتا عشر قرية على شاطئ نهر يقال له: الرس من بلاد
المشرق، وبهم سمي ذلك النهر، ولم يكن يومئذ في الارض نهر أغزر منه، ولا أعذب منه،
ولا قرى أكثر ولا أعمر منها تسمى إحداهن أبان، والثانية آذر، والثالثة دي، والرابعة
بهمن، والخامسة إسفندار، والسادسة فروردين، والسابعة أردي بهشت، والثامنة
خرداد، والتاسعة مرداد، والعاشرة تير، والحادي عشرة مهر، والثاني عشرة شهر
يورد، وكانت أعظم مدائنهم إسفندار وهي التي ينزلها ملكهم، و كان يسمى تركوذ بن
غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم، وبها العين والصنوبرة،
وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة، وأجروا إليها نهرا
من العين التي عند الصنوبرة، فنبتت الحبة وصارت شجرة عظيمة، وحرموا ماء العين والانهار
فلا يشربون منها ولا أنعامهم، ومن فعل ذلك قتلوه ويقولون: هو حياة آلهتنا، فلا
ينبغي لاحد أن ينقص من حياتها، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم،
وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة
التي بها كلة من حرير فيها من أنواع الصور، ثم يأتون بشاء وبقر فيذبحونها
قربانا للشجرة، ويشعلون فيها النيران بالحطب، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها
في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروا للشجرة سجدا يبكون ويتضرعون
إليها أن ترضى عنهم، فكان الشيطان يجئ فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي:
أني قد رضيت عنكم عبادي ! فطيبوا نفسا، وقروا عينا، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك، ويشربون
الخمر، ويضربون بالمعازف، ويأخذون الدستبند، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم
ثم ينصرفون، وإنما سمت العجم شهورها بأبان ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء
تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا، وعيد شهر كذا، حتى إذا كان عيد
قريتهم العظمى اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا
من ديباج عليه من أنواع الصور، وجعلوا له اثني عشر بابا كل باب لأهل قرية منهم،
ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق، ويقربون لها الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة
التي في قراهم فيجئ إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا، ويتكلم من جوفها
كلاما جهوريا، ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها، فيرفعون
رؤوسهم من السجود، وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلمون من الشرب
والعزف، فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة،
ثم ينصرفون، فلما طال كفرهم بالله عزوجل وعبادتهم غيره بعث
الله عزوجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا
بن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عزوجل ومعرفة ربوبيته فلا
يتبعونه، فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه من
الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال: يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي والكفر
بك، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر، فأيبس شجرهم أجمع، وأرهم قدرتك وسلطانك،
فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها فهالهم ذلك وقطع بهم، وصاروا فرقتين: فرقة قالت:
سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء والارض إليكم ليصرف وجوهكم عن
آلهتكم إلى إلهه، وفرقة قالت: لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها
ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه، فأجمع
رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الافواه، ثم أرسلوها في
قرار العين إلى أعلى الماء، واحدة فوق الاخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء،
ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة، وأرسلوا فيها نبيهم، وألقموا فاها
صخرة عظيمة، ثم أخرجوا الانابيب من الماء وقالوا: نرجو الآن أن ترضى عنا
آلهتنا إذا رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها، ويصدنا عن عبادتها، ودفناه تحت كبيرها
يتشفى منه، فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان، فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم،
وهو يقول: " سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي، وعجل
بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي " حتى مات، فقال الله جل جلاله لجبرئيل: يا جبرئيل
أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا
رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني ؟ كيف
وأنا المنتقم ممن عصاني، ولم يخش عقابي، وإني حلفت بعزتي لأجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين،
فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديدة الحمرة فتحيروا فيها وذعروا
منها وتضام بعضهم إلى بعض، ثم صارت الارض من تحتهم حجر كبريت يتوقد، وأظلتهم سحابة
سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في
النار، فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [148]
تاريخ النشر : 2024-05-28