أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام السجاد (عليه السلام)
أخبرنا جماعة، عن
أبي المفضل، قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن حسن العلوي الحسني، قال: حدثنا
أبو نصر أحمد بن عبد المنعم بن نصر الصيداوي، قال: حدثنا حسين بن شداد الجعفي، عن أبيه
شداد ابن رشيد، عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما
السلام): أن فاطمة بنت علي بن أبي طالب لما نظرت إلى ما يفعل ابن أخيها علي بن الحسين
بنفسه من الدأب في العبادة، أتت جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الأنصاري، فقالت
له: يا صاحب رسول الله، إن لنا عليكم حقوقا، ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك
نفسه اجتهادا أن تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين بقية
أبيه الحسين، قد انخرم أنفه، وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه دأبا منه لنفسه في العبادة.
فأتى جابر بن عبد الله باب علي بن الحسين (عليهما السلام)، وبالباب أبو جعفر محمد بن
علي (عليهما السلام) في أغيلمة من بني هاشم قد اجتمعوا هناك، فنظر جابر إليه مقبلا،
فقال: هذه مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسجيته، فمن أنت يا غلام؟
قال: فقال: أنا
محمد بن علي بن الحسين، فبكى جابر بن عبد الله (رضي الله عنه). ثم قال: أنت والله الباقر
عن العلم حقا، ادن مني بأبي أنت وأمي، فدنا منه فحل جابر أزراره ووضع يده في صدره فقبله،
وجعل عليه خده ووجهه، وقال له: أقرئك عن جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) السلام،
وقد أمرني أن أفعل بك ما فعلت، وقال لي: يوشك أن تعيش وتبقى حتى
تلقى من ولدي من اسمه محمد يبقر العلم بقرا. وقال لي: إنك تبقى حتى تعمى ثم يكشف لك
عن بصرك.
ثم قال لي: ائذن
لي على أبيك، فدخل أبو جعفر على أبيه فأخبره الخبر، وقال:
إن شيخا بالباب،
وقد فعل بي كيت وكيت، فقال: يا بني ذلك جابر بن عبد الله. ثم قال:
أمن بين ولدان أهلك
قال لك ما قال وفعل بك ما فعل؟ قال: نعم إنا لله، إنه لم يقصدك فيه بسوء، ولقد أشاط
بدمك.
ثم أذن لجابر، فدخل
عليه فوجده في محرابه، قد أنضته العبادة، فنهض علي (عليه السلام) فسأله عن حاله سؤالا
حفيا ، ثم أجلسه بجنبه، فأقبل جابر عليه يقول: يا بن رسول الله، أما علمت أن الله
(تعالى) إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد
الذي كلفته نفسك؟ قال له علي بن الحسين (عليهما السلام): يا صاحب رسول الله، أما علمت
أن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلم
يدع الاجتهاد له، وتعبد - بأبي هو وأمي - حتى انتفخ الساق وورم القدم، وقيل له: أتفعل
هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: أفلا أكون عبدا شكورا.
فلما نظر جابر إلى
علي بن الحسين (عليهما السلام) وليس يغني فيه من قول يستميله من الجهد والتعب إلى القصد،
قال له: يا بن رسول الله، البقيا على نفسك، فإنك لمن أسرة بهم يستدفع البلاء، وتستكشف
اللاواء ، وبهم تستمطر السماء.
فقال: يا جابر،
لا أزال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما (صلوات الله عليهما) حتى ألقاهما؟ فأقبل جابر على
من حضر فقال لهم: والله ما أرى في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب
(عليهما السلام)، والله لذرية علي بن الحسين (عليهما السلام) أفضل من ذرية يوسف بن
يعقوب، إن منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 636
تاريخ النشر : 2023-05-03