الشيعة والتفسير الترتيبي
المؤلف:
آية الله جعفر السبحاني
المصدر:
مفاهيم القرآن
الجزء والصفحة:
ج10 ، ص 380- 382.
26-11-2014
4107
قد تعرّفت على منهج التفسير الموضوعي فهلمّ معي ندرس المنهج الرائج بين المفسّرين وهو المنهج الترتيبي ، وأظنّ أنّ القارئ في غنى عن تعريفه لشيوعه.
وقد قام المسلمون بهذا النمط من التفسير على اختلاف مشاربهم في تفسير القرآن ، وقام فضلاء الشيعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمّة المعصومين بهذا النمط من التفسير ، وقد أخذوا علوم القرآن وتبيين مفاهيمها عن أئمّتهم ، فأوّل من دوّن أقواله في التفسير منهم هو عبد الله بن العباس ( المتوفّى سنة 68 ه ) ، وأوّل من كتب تفسيراً تلميذه سعيد بن جبير ( المتوفّى عام 95 ه ) (1) ، واستمرّ الأمر إلى عصرنا هذا ، بل لم يكتف كثير منهم بتأليف تفسير واحد حتى ضمّ إليه آخر ، بل كثير منهم عزّزهما بثالث ورابع ، وقد استخرج أسماء هؤلاء المعزّزين شيخ الباحثين « آغا بزرگ الطهراني » في معجمه. (2)
والغالب على التفاسير المدوّنة في القرون الأُولى هو تفسير القرآن بالأثر ، ومن نماذجه تفسير « فرات بن إبراهيم الكوفي » الراوي عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي ( المتوفّى حوالي 300 ه ) ، والمعلّم لأبي غالب الزاري ( المولود 285 ه ) ، وتفسير « علي بن إبراهيم القمي » ( حياً عام 307 ه ) ، و« تفسير العياشي » محمد بن مسعود أُستاذ الشيخ الكليني ( المتوفّى عام 329 ه ) ، إلى غير ذلك من التفاسير المؤلّفة في العصور الأُولى ، فانّ الجلّ لولا الكلّ تفاسير روائية ، وكأنّهم كانوا يجتنبون تفسير القرآن تفسيراً فكرياً تحليليّاً علمياً تحرّزاً من وصمة التفسير بالرأي ، وقد كان هذا النمط سائداً إلى أواخر القرن الرابع بين الشيعة ، حتى أحسّ العلماء بالحاجة الشديدة إلى التفسير العلمي والتحليلي ، منضمّاً إلى ما روي عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام ، وأوّل (3) من فتح هذا الباب الشريف الرضي ( المتوفّى 406 ه ) فألّف كتاب « حقائق التأويل » ، في عشرين جزءاً ، ثمّ أخوه الشريف المرتضى ( المتوفّى 436 ه ) في أماليه المسمّى ب « الغرر والدرر » ، ثمّ تلميذه الأكبر الشيخ الطوسي مؤلف « التبيان » ( المتوفّى 460 ه ) إلى أن صار هذا المنهج هو المنهج المتّبع الشائع في جميع الأعصار إلى عصرنا هذا ، وقلّت العناية بالمنهج الروائي المحض إلاّ في بعض الأعصار ( القرنين الحادي عشر والثاني عشر ) ، كما سيوافيك تفصيله ، وبذلك حصل التطوّر الواضح في تفسير القرآن الكريم ، ولعلّ العناية بالأثر وصيانة تلك الكنوز عن الاندراس حملت المفسّرين في تلك الأعصار على تفسير القرآن بنمط واحد ولون فارد ، وهو التفسير بالأثر من غير فرق بين السنّة والشيعة حتى أنّ أبا جعفر الطبري ( المتوفّى 310 ه ) ، وضع تفسيره على ذلك المنهج ، وقلّما يتّفق أن يستكشف أسرار الآيات ويبسط الكلام فيها.
غير أنّ احتكاك الثقافات والضرورات الاجتماعية فرضت على المفسّرين المنهج العلمي من التفسير حتى يكون ملبّياً لحاجاتهم ، فانّ القرآن بحر لا ينزف.
فأدخلوا في التفسير قراءة القرآن ، وإعرابه ، وغوامضه ، ومشكلاته ، ومعانيه ، وجهاته ، ونزوله ، وأخباره ، وقصصه ، وآثاره ، وحدوده ، وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، والكلام على مطاعن المبطلين ، والاستدلال على ما يتفرّد به المفسّر في المذهب الفقهي أو الاعتقادي ، وقد ألّف في أواسط القرن الرابع علي بن عيسى الرماني تفسيره المعروف ، وهو بمنهجه العلمي تفوّق على التفاسير المتقدّمة عليه.
وها نحن نذكر أسماء أعلام المفسّرين بالأثر المروي عن النبيّ والآل ، ثمّ نبتعهم بسرد أسماء مشاهير المفسّرين بالتفسير العلمي ، فالمنهج الأوّل يمتد إلى نهاية القرن الرابع ، كما أنّ المنهج الثاني يبتدئ بطلوع القرن الخامس حسبما وصل إلينا من كتبهم ، وبما أنّ أكثر ما أُلّف في العصور الأُولى غير واصلة إلينا ، لا يمكن لأحد القضاء الباتّ في الموضوع ، وأنّ جميع ما في تلك القرون تفاسير روائيّة ، وإنّما نعتمد في ذلك على الحدس وما ذكره الشيخ في أوّل التبيان ، والله العالم.
__________________
1. فهرست ابن النديم : 57.
2. الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 4 / 233 ـ 346.
3. نذكر ذلك على وجه التقريب ، لأنّه لم يصل إلينا ممّن تقدّم عليه ، تفسير عليه ذاك الطابع.
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في المناهج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة