كلام صدر المتألّهين حول الإنسان الكامل
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص85-78
2025-12-18
42
في حاشيته على «الأسفار الاربعة» للحكيم المتألّه صدر المتألّهين الشيرازيّ أعلى الله درجته ضمن بحثه في العلّة الغائيّة حيث قال: ثُمَّ إلى عِبَادَةِ الإنسانِ وتَشَبُّهِهِ بِالْمَبْدَإ الأعلى في الْعِلْمِ والْعَمَلِ وإدْرَاكِهِ لِلْمَعْلُومَاتِ وتَجَرُّدِهِ عَنِ الْجِسْمَانِيَّاتِ؛ فَعِبَادَتُهُ أَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الأرْضِيَّةِ، ومَعْرِفَتُهُ أعْظَمُ الْمَعَارِفِ الْحَيْوَانِيَّةِ؛ ولَهُ فَضِيلَةُ النُّطْقِ وشَرَفُ الْقُدْرَةِ وكَمَالُ الْخِلْقَةِ. يقول السبزواريّ: «قيّد [الملّا صدرا] في عبارته عبارة الإنسان بالأرضيّة والحيوانيّة، لأنه أين عبادته من عبادات الأفلاك والفلكيّات اللاتى لا يغشاها نوم العيون ولا فترة الأبدان.
عبدت الله تعالى على الدوام وما مسّها أعياء ولا لغوب، وأين معرفته من معرفة الملائكة المعصومين، سيّما المقرّبين كما قيل: لكن في هذا النوع الأخير صنف أفضل المَلَك فضلًا عن الفلك.
وهم خلاصة عباد الله المعبود ونخبة عالم الوجود سيّما المحمّديّون منهم الذين قالوا: رُوحُ الْقُدُسِ في جِنَانِ الصَّاقُورَةِ، ذَاقَ مِنْ حَدَائِقِنَا الْبَاكُورَةِ.[1]
وقيل في رئيسهم وسيّدهم: بل مطلق هذا الصنف من الإنسان هم على هذا النحو، قال الشيخ فريد الدين العطّار النيسابوريّ قدّس سرّه: والسرّ في ذلك أنّ الإنسان الكامل بالفعل واقع تحت الاسم الأعظم وهو اسم الجلالة والملك تحت الأسماء التنزيهيّة كالسبّوح والقدّوس أمّا الفلك تحت الدائم والرافع والربّ ونحوه، فالإنسان معلّم بجميع الأسماء التنزيهيّة والتشبيهيّة.
ألا ترى أنّ روح الفلك دائماً روح مضاف، وروح هذا الإنسان روح مرسل يطلق عن وثاق الجسم الطبيعيّ، بل المثاني بل عن العالمين الصوريّين فيخلع النعلين ويطرح الكونين؟ والملك المقرّب وإن كان روحاً مطلقاً إلّا أنه ليس معلماً بجميع الأسماء التنزيهيّة والتشبيهيّة. هؤلاء الصنف هم الخواتم في السلسلة الصعوديّة، وهم العقول الصاعدة الغنيّة عن استعمال البدن وآلاته.
وكأنهم وهم في جلابيب أبدانهم قد أنضوها[2]، فهم بإزاء العقول التي هي فواتح السلسلة النزوليّة وإن بقي حجاب ما، فسيرفع رأساً كما قال على عليه السلام عند الخلع: فُزْتُ ورَبِّ الْكَعْبَةِ. فعبادتهم كيفاً أجلّ من عبادة الفلك، فربّ قليل من خالص العمل يرجح على الكثير كثرة وافرة كذا المعرفة بالنسبة إلى الملك، فإنّ الإنسان الكامل يعرف الله تعالى بجميع أسمائه، وحينئذٍ فلعلّ مراده قدّس سرّه الإنسان البشريّ بما هو بشر».[3]
وأمّا صدر المتألّهين قدّس الله سرّه فإنّه لم يذكر مقامات الإنسان الكامل ودرجاته في موضع واحد أو موضعين من كتبه، بل ذكرها في أغلب المواضع، ولا سيّما في «الأسفار» فإنّه ذكرها في مواضع كثيرة منها، بل يمكن أن نعتبر «الأسفار الأربعة» مقامات الإنسان الكامل ودرجاته ونضع لكتاب «الأسفار» عنوان الإنسان الكامل، ويمكن القول حقّاً إنّه أحسن ما صنّف في هذا الموضوع لغاية الآن من حيث شموليّته؛ ونذكر فيما يلي مقطعاً موجزاً منه كمثال: وَهَذَا أيضاً مِنْ لَطَائِفِ صُنْعِ اللهِ وحِكْمَتِهِ في خَلْقِ الإنْسَانِ الْكَامِلِ؛ وصَيْرُوُرَتِهِ إنْسَاناً كَبيراً بَعْدَ مَا كَانَ عَالَماً صَغيراً، فَكَأنَّ الْوُجُودَ كُلُّهُ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ دَارَ على نَفْسِهِ؛ وكَأنهُ كِتَابٌ كَبيرٌ، فَاتِحَتُهُ عَيْنُ خَاتِمَتِهِ؛ والْعَالَمُ كُلُّهُ تَصْنِيفُ اللهِ، وابْتَدَأ بِالْعَقْلِ واخْتَتَمَ بِالْعَاقِلِ؛ كَمَا قَالَ تَعَإلى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ}{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِير}.[4]
[1] وتعريبه: شتّان بين الحبيب (الله) وبينك أيّها المضلّل، وشتّان بين نور الله وبين الذين هم أضل.
[2] أنضوها: نزعوها أو أبلوها.
[3] «الأسفار الأربعة» ج 2، ص 275 و276.
[4] «الأسفار الأربعة» ج 7، ص 18.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة