حوار المؤلّف (الطهراني) مع بعض علماء السنّة في المسجد الحرام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص137-141
2025-12-16
42
أتذكّر جيّداً أني تشرّفت بالذهاب إلى بيت الله الحرام للمرّة الثانية سنة 1390 هجرية، ومعي اثنان من أبنائي لأداء مناسك الحجّ. وفي صباح ذات يوم جلسنا في زاوية من المسجد الحرام بعد القيام بالطواف المستحبّ لعدّة مرّات؛ وذلك للزيارة، والنظر إلى البيت، ومراقبة كيفيّة طواف الناس.
وبينما نحن كذلك فإذا أحد علماء السنّة أقبل علينا وعانقنا، وجلس إلى جانبنا؛ وقدّم لنا نفسه على أنه من مدينة حَلَب في سوريا، واسمه عُمَرْ عادِل مَلَا حِفْجي، ثمّ تجاذبنا معه أطراف الحديث.
وكان التعرّف عليه مناسبة أفضت إلى مجيء عالم آخر من علماء العامّة، كان يقول: إنّه من أئمّة الجماعة في المدينة؛ سلّم وجلس أمامي؛ تلا ذلك مجيء جماعة كثيرة من أهل السنّة تدريجاً، كلّهم جلسوا إلى جنبنا، فتشكّل من الجمع مجلس تقريباً.
عند ذلك سألت عن مُتعة الحجّ فقالوا: لا نتمتّع ما لم نحجّ.
قلتُ: نحن نعلم أنّ رسول الله أعلن للناس في حِجَّة الوَداع من على الصفا أنّ الحجّ قد صار حجّ التمتّع من الآن حتى يوم القيامة لمن كانت بيوتهم بعيدة عن المسجد الحرام. أي: عند ما يحرمون من الميقات، فإنّهم ينوون حجّ العُمْرَة، ويُحِلّون بعد دخولهم مكّة وأداء مناسك العمرة؛ ولهم عند ذلك التمتّع بالنساء؛ ثمّ يبقون في مكّة إلى أن يُحرموا منها لأداء مناسك الحجّ والوقوف في عرفات والمشعر.
واعترضوا على النبيّ أنهم جاءوا لأداء مناسك الحجّ وشبابهم معرّسون تحت شجر الأراك ورءوسهم تقطر من غسل الجنابة!
فقال رسول الله: ما قلته من تلقاء نفسي، إنّما هو حُكم أتى به جبرئيل الآن! ثمّ شَبَّكَ أصَابِعَهُ، وقال: دخلت العمرةُ في الحجّ إلى يوم القيامة.
فمن جاء من مكان بعيد، فعليه أداء الحجّ والعمرة معاً، ويحلّ بينهما؛ هذا هو حكم الله!
قالوا: نعم، هو كذلك ولكنّ عمر غيّر ذلك لمصلحة؛ أي: رفع المتعة؛ وأمر قائلًا بأنّ كلّ من أحرم من الميقات، فبنيّة الحجّ؛ ولا يجوز له التمتّع بالنساء حتى آخر منسك من مناسك الحجّ.
قلتُ: دعونا من قولكم أنّ عُمَر قام بهذا العمل لمصلحة رآها، ولا نخوض في هذا البحث؛ بَيدَ أني أقول: هل أنّ عمل عُمَر حُجّة؟ وهل يجب علينا اتّباعه حتى يوم القيامة؟!
لم يكن عُمَر نبيّاً؛ ولم ينزل عليه الوحي. فكيف يسوغ لنا أن نُعرض عن كلام رسول الله، وهو وحيٌ من الله يُوحى يأتيه به جبرئيل، ونأخذ بكلام عمر؟!
أنّ عمر قال للناس كلاماً في عصره؛ فما ذا يعنينا نحن منه؟!
وهل أنّ كلام عمر مقدّم على كلام رسول الله، وجبرئيل، وآيات القرآن؟! وهل يشترك عمر مع رسول الله في حُجّيّة الكلام، حتى إذا تعارض كلامهما، فإنّا قدّمنا كلام عمر عليه مثلًا؟ أو أنّ كلامه ينسخ كلام الرسول؟ وبالتالى، ما لم يتحقّق أحد هذه الامور، ولم يثبت؛ فليس لنا أن نعرض عن حجّيّة كلام رسول الله من وحي تفكيرنا الخاصّ وأذواقنا النفسيّة!
وهنا آثر العالمان السنّيان الصمت؛ ولم يجيبا بشيء؛ وخيّم الوجوم على المجلس برهة. فالتفتُّ إلى الشيخ عُمَر عَادِل، وهو- كما قلت- من أهل حَلَب، وكان وسيماً للغاية. واستبان أنه وافقني على ما قلت. التفتُّ إليه وقلتُ: لما ذا لا تقولون لهؤلاء أن يكفّوا عن إيذاء الزوّار؟!
لقد وزّعوا أفراد الشرطة حول قبر رسول الله، وليس لأحد أن يقبّل القبر المطهّر، فأيّ عمل هذا؟ يفد الحجّاج من شتّى بقاع المعمورة مشتاقين لزيارة قبر نبيّهم، ولعلّهم لا يفلحون بالمجيء إلّا مرّة واحدة في حياتهم فهم يريدون التعبير عن حبّهم لنبيّهم من خلال تقبيل قبره المقدّس، ولأنهم قد حرموا لقاء رسول الله فإنّهم يقبّلون الباب، والضريح، وهم يبكون في عواطف جيّاشة فيّاضة تملا الرحب.
وإذا ما حاولوا التقبيل؛ فإنّ أسواط الشرطة تنهال على رؤوسهم بغتةً أن: لا تقبّل يا مشرك! هذا الضريح من حديد! الحديد لا يقبّل! تقبيل الحديد شرك؛ ويؤيّد الآمرون بالمعروف هذه التخرّصات أيضاً ويقولون: هذه الأعمال شرك.
يقف الحجّاج المساكين إلى ناحية حائرين مدهوشين، وهم في حالة يرثي لها كالخشبة اليابسة؛ ويتحدّثون مع أنفسهم: أيّ خطب هذا؟! أيّ شرك هذا؟!
اناشدكم بصاحب هذا البيت، هل يقبّل الحجّاج الحديد والفولاذ أو يقبّلون جسم رسول الله، أو نفس رسول الله؟! هل يقبّلون الحديد والخشب، أو يقبّلون النفس المقدّسة للصدّيقة الطاهرة؟ أ لا يخطر ببالكم أن تقبّلوا يد أبيكم أو امّكم أو استاذكم أو معلمّكم أو مربيّكم من العلماء؟ هل تحترمون روحه، أو تحترمونه كقطعة من لحم فقط؟!
فالتفت إلى الشيخ عُمَر عَادِل في تلك الحال، وكان في قمّة الغضب والامعاض: وقال لي: يا سَيِّدُ! واللهِ هُمْ مُشْرِكُونَ؛ هُمْ مُشْرِكُونَ. يقصد الوهّابيّين، ثمّ أردف قائلًا:
بعد فراغي من صلاة الصبح والطواف هذا اليوم رأيت جماعة من الإيرانيّين واقفين، ومعهم شخص كان يقرؤهم الدعاء، وهم يردّدون معه.
كان يقول في دعائه: إلَهي بِحَقِّ فَاطِمَةَ وأبِيهَا وبَعْلِهَا وبَنِيهَا والسِّرِّ الْمُسْتَوْدَعِ فِيهَا كَذَا وكَذَا.
فمرّ عليهم إمام جماعة هذا المسجد، أعني: المسجد الحرام، وصاح بهم: هذا شرك! لا تقولوا هكذا! أنّ طلب شيء من فاطمة شرك!
فامتعضت من كلامه للغاية، وتقدّمت إليه قائلًا: إخْسَأ! إخْسَأ! ثمّ قلت له: عندي سؤال (قسماً بالله وبهذا البيت، ما رأيت هذا السؤال من قبل في كتاب قطّ، ولم يخطر ببالى فيما مضى؛ بل كأنه القي في روعي تلك اللحظة أن أقوله) وسؤالى هو: هل تعلم أنّ إخوة يوسف أتوا بقميصه من مصر، وألقوه على وجه أبيهم يعقوب في كَنْعان فارتدّ بصيراً؟ وقال جلّ من قائل: {فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً}.(الآية 96، من السورة 12: يوسف).
فقال إمام المسجد: نعم، أعلم هذا!
قلتُ: ممّ كان ذلك القميص؟!
قال: من القطن أو من الكتّان!
قلتُ: وهل للقطن أو الكتّان هذا الأثر القويّ الذي يعيد البصر إلى عين يعقوب، وليس لفاطمة الزهراء التي سمّاها النبيّ: سيّدة نساء العالمين. هذا الأثر إذ تكون شفيعة عند الله، وتقضي حوائج المؤمنين؟!
ثمّ قال: يَا سَيِّد! واللهِ خَسَأ خَسَأ.
وقال: نحن السنّة كلّنا بُرَاء من الوهّابيّين! لقد ابتدعوا مذهباً خاصّاً، وهو مذهب جامد متزمّت لا محتوى له. نحن أيضاً جئنا من مكان بعيد متلهّفين لتقبيل قبر رسول الله، وهؤلاء يحولون بيننا وبين ذلك!
وبعد ذلك، دعانا إلى حَلَب، لنذهب إلى هناك وننزل ضيوفاً عنده.
وكان يقول: نحن نحبّ أهل البيت حبّاً جمّاً؛ ونساؤنا يعتقدن أنّ أعمالهنّ لا تقبل ما لم يرين فاطمة الزهراء في المنام. وعلى وجه الخصوص كان يقول: «تعال. وانظر ما ذا تفعل نساؤنا! ثمّ تحدّث عنهنّ! وأنا عندي أخوات ملا حبّ أهل البيت قلوبهنّ».
الاكثر قراءة في شبهات وردود
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة