أوّلًا: الظهور بإذن الله
إنّ خروج الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) إنّما هو بأمر الله العزيز من أجل هداية الناس، وجميع أعماله إنّما هي عن أمر الله . وأهمّ الوظائف التي جعلها الله على عاتقه هي إقامة دولةٍ كريمةٍ على امتداد العالم؛ هذه الدولة التي ستتحقّق وتتشكّل بإذن الله تعالى.
1. الآية الأولى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ﴾ .
تفسير الآية:
كان مشركو مكّة يعمَدون إلى ظلم المسلمين الذين كانوا حديثي العهد بالإسلام، ويمارسون عليهم أصناف الأذى والتعذيب؛ وقد استشهد بعضهم على إثر ما لاقى من ذلك. بدوره كان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) يأمرهم بالصبر والتحمّل، وقد استمر الحال على ذلك إلى أن هاجروا إلى المدينة.
هذه الآية هي من أولى الآيات التي أَذِنت بجهاد المشركين ، فأُذن للمسلمين المظلومين بمواجهة الظالمين والأخذ بحقوقهم كاملة منهم.
أحاديث أهل البيت(عليهم السلام):
أوصى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) المسلمين بمودّة أهل البيت (عليهم السلام) واتّباعهم؛ لكنّهم أهملوا هذه الوصية وقابلوا أهل البيت (عليهم السلام) بالظلم والأذى، ولو أنّه (صلى الله عليه وآله) تقدّم إليهم باضطهاد أهل البيت (عليهم السلام) وجفائهم كما تقدّم إليهم في الوصاية بهم لما زادوا على ما فعلوا.
وقد ألحق هؤلاء الظلم بالعالَمين وحرموا العالَم من الحقّ والعدالة؛ عندما أبعدوا أهل البيت (عليهم السلام) عن الحكم والسلطة.
يروي عاصم بن حميد عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال:
لَقِيَ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اَللَّهِ؟ فَقَالَ: «وَيْحَكَ، أَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ كَيْفَ أَصْبَحْتُ؟ أَصْبَحْنَا فِي قَوْمِنَا مِثْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ، يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَنَا وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا، وَأَصْبَحَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) يُلْعَنُ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَأَصْبَحَ عَدُوُّنَا يُعْطَى الْمَالَ وَالشَّرَفَ، وَأَصْبَحَ مَنْ يُحِبُّنَا مَحْقُورًا مَنْقُوصًا حَقُّهُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَزَلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَصْبَحَتِ الْعَجَمُ تَعْرِفُ لِلْعَرَبِ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ مِنْهَا، وَأَصْبَحَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ لِقُرَيْشٍ بِأَنَّ مُحَمَّدًا (صلى الله عليه وآله) كَانَ مِنْهَا، وَأَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَرَبِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا (صلى الله عليه وآله) كَانَ مِنْهَا، وَأَصْبَحَتِ الْعَرَبُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَجَمِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا (صلى الله عليه وآله) كَانَ مِنْهَا، وَأَصْبَحْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لاَ يُعْرَفُ لَنَا حَقٌّ، فَهَكَذَا أَصْبَحْنَا يَا مِنْهَالُ» .
سيأتي يومٌ يأذن به الله الحكيم للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) بالقيام والمطالبة بحقوق أهل البيت (عليهم السلام) والصالحين؛ حين يأتي (عجل الله تعالى فرجه) فيقضي على الظالمين والطغاة ويقتلع بذلك الظلم والفساد من العالم.
عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام): في قول الله عزّ وجلّ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ﴾ ، قال: «هِيَ فِي الْقَائِمِ (عجل الله تعالى فرجه) وَأَصْحَابِهِ» .
عن عبد الله بن مسكان عن الإمام الصادق(عليه السلام)في قوله عزّ وجلّ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ...﴾، قال: «إِنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَ: نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْقَائِمِ (عجل الله تعالى فرجه) إِذَا خَرَجَ يَطْلُبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَهُوَ قَوْلُهُ: نَحْنُ أَوْلِيَاءُ اَلدَّمِ وَطُلاَّبُ الدِّيَة».
بحسب الظاهر، فإنّ الإمام الصادق(عليه السلام)ينفي ما ذهب إليه العامّة في الآية ؛ بينما عدّ زمان قيام الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) –بناءً على جري القرآن الكريم– المصداق الأبرز لهذه الآية. ذلك الزمان الذي تزول فيه كلّ أشكال الظلم، وتُستوفى فيه حقوق المظلومين بتمامها، وطلب دماء الإمام الحسين(عليه السلام)لا يتحقّق إلّا بإقامة الحقّ والعدل –الذي خرج لأجله ذلك الإمام العزيز– على امتداد العالم.
2. الآية الثانية: ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِ﴾ .
تفسير الآية:
بناءً على هذه الآية، ما من أحدٍ قادرٌ على أن يُنجي الإنسان إذا انقطعت به الأسباب سوى الله عزّ وجلّ الذي جعله خليفته في أرضه، وجميع الأمور بيده تعالى.
أحاديث أهل البيت(عليهم السلام):
مع كلّ إشراقةٍ ليومٍ جديد يُلقي الفساد والإجرام بظلّه أكثر فأكثر على العالمين، ويزيد الاضطرار على امتداد العالم. والعالم كلّه في انتظار مقيم العدل الذي سيأتي بقدرة الله وأمره؛ ليقضي على الظلم والفساد ويُنجي البشريّة. إنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) أكثر من يدرك هذا الاضطرار الذي نحن فيه، وهو في الواقع ينتظر الإذن الإلهيّ حتّى يرفع اضطرار أهل الأرض بظهوره.
في روايةٍ سأل عبد الله بن جعفر الحِميَريّ النائب الثاني محمّد بن عثمان العمريّ: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِيْ مَا وَعَدْتَنِي» .
وقد عدّت بعض الروايات الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) المصداق الأبرز للمضطرّ؛ فلتُلاحظ معي هذين الحديثين:
الحديث الأول: عن أبي خالد الكابُليّ عن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)قال:
«ثُمَّ يَنْتَهِي إِلَى الْمَقَامِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَنْشُدُ اَللَّهَ حَقَّهُ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ الْمُضْطَرُّ فِي كِتَابِ اَللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ ٱلۡأَرۡضِۗ﴾» .
الحديث الثاني: عن صالح بن عقبة عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)في نزول الآية قال:
«نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، هُوَ وَاللهِ الْمضْطَرُّ إِذَا صلّى فِي الْمَقَامِ رَكْعَتَينِ وَدَعَا اللهَ فَأَجَابَه وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ» .
ثانيًا: الظهور وعد الله
إنّ ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) وحكم الصالحين للعالم أجمع وَعْد الله، والله لا يُخلف وعْده أبدًا ؛ جاء في روايةٍ عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) يرويها الشيعة والسنّة: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إلاَّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا وَقِسْطًا» .
كذلك نُقل عن داوود بن قاسم الجعفريّ قوله:
كنّا عند أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليهما السلام)، فجرى ذكر السفيانيّ وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام):هل يبدو للّه في المحتوم؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو للّه في القائم، فقال: إِنَّ الْقَائِمَ مِنَ الْمِيعَادِ، وَاَللّٰهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعٰاد» .
بحسب هذه الرواية، البداء يقع في الأمر المحتوم أيضًا، أي إمكان عدم حصوله وتحقّقه قائمٌ وموجود، يقول العلّامة المجلسيّ في بيان هذه المسألة: «لعلّ للمحتوم معانٍ يُمكن البَداء في بعضها» .
من هنا يُمكن القول إنّه لا شكّ ولا ريب في وقوع الأمر المحتوم؛ لكنّ الله لم يوجب على نفسه تحقيق ذلك الأمر، على خلاف ما يَعِد به تعالى ويُلزم نفسه بإيجاده وتحقيقه.
تناولت عدّة آياتٍ بعباراتٍ مختلفةٍ الوعد بالقضاء على الظالمين وإقامة حكومة الصالحين، نُشير في هذا الفصل إلى آيتين منها:
1. الآية الأولى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ .
تفسير الآية:
لقد ذُكرت هذه الآية في القرآن الكريم ستّ مرّات ؛ كان أنبياء الله (عليهم السلام) يدعون أقوامهم إلى عبادة الله، ويهدونهم إلى طريق الصلاح والحياة الطيّبة، ويبشّرونهم بنِعم الدنيا والآخرة، وينذرونهم
عذاب الدنيا والآخرة إنْ هم عصَوا؛ لكنّ كثيرًا منهم أَبَوا أن يتّبعوا الحقّ واستعجلوا العذاب فكانوا يقولون: متى يأتي ما تعدوننا به من العذاب؟ ثمّ يُنزل الله عليهم العذاب ويُنجي نبيّه والذين آمنوا معه، وهذا ما حصل في زمن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) حينما قُضي على مشركي مكّة وشبه الجزيرة العربيّة، وأصبح الإسلام هو الحاكم في تلك المنطقة. إذًا، سيأتي يومٌ يتحقّق فيه هذا الوعد بعذاب الكافرين في العالم بأسره.
أحاديث أهل البيت(عليهم السلام):
جاء في أكثر من روايةٍ أنّ تحقّق هذا الوعد سيكون في زمن ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، نذكر في المقام الحديث الآتي:
عن عبد الرحمٰن بن سليط عن الإمام الحسين(عليه السلام)قال:
«مِنَّا اِثْنَى عَشَرَ مَهْدِيًّا، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمْ اَلتَّاسِعُ مِنْ وُلْدِي وَهُوَ الْإِمَامُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ، يُحْيِي اَللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيَظْهَرُ بِهِ دِينُ الْحَقِّ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون، لَهُ غَيْبَةٌ يَرْتَدُّ فِيهَا أَقوَامٌ وَيَثْبُتُ فِيهَا عَلَى اَلدِّينِ آخَرُونَ، فَيُؤْذَوْنَ وَيُقَالُ لَهُمْ: «مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»؟ أَمَا إِنَّ اَلصَّابِرَ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْأَذَى وَاَلتَّكْذِيبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللَّهِ صلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه»ِ.
2. الآية الثانية: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾ .
تفسير الآية:
في الآية التي سبقت هذه الآية جرى الحديث عن طاعة الله عزّ وجلّ والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وفي هذه الآية يَعِد الله الرحيم المؤمنين الصالحين الذي يتّبعون رسوله أنّه سيستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم كأنبياء الله نوح وموسى وداوود وسليمان (عليهم السلام). كذلك شكّل حكم النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) والمسلمين على شبه الجزيرة العربيّة في صدر الإسلام نموذجًا محدودًا وجزئيًّا لذلك، أمّا المصداق التامّ لهذا الوعد الذي سيشمل العالم بأسره فلم يتحقّق حتى الآن.
قال العلّامة الطباطبائيّ (رضوان الله تعالى عليه) في تفسيره:
«ظاهر وقوع الآية موقعها أنّها نزلت في ذيل الآيات السابقة من السورة، وهي مدنيّةٌ ولم تنزل بمكّة قبل الهجرة على ما يؤيّد سياقها وخاصّة ذيلها .فالآية -على هذا-، وعدٌ جميلٌ للذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ الله تعالى سيجعل لهم مجتمعًا صالحًا يختصّ بهم، فيستخلفهم في الأرض ويمكّن لهم دينهم ويبدلهم من بعد خوفهم أمنًا لا يخافون كيد منافقٍ ولا صدّ كافرٍ، يعبدونه لا يشركون به شيئًا».
أحاديث أهل البيت(عليهم السلام):
صحيحٌ أنّ الجنّة هي المستقرّ الأبديّ للمؤمنين الصالحين، ولكن، وبحسب الروايات فإنّ هذه الآية تتحدّث عن الاستخلاف في الدنيا في عصر الظهور والرجعة.
الحديث الأول: ينقل الشيخ الطبرسيّ عن العيّاشيّ بإسناده إلى الإمام زين العابدين(عليه السلام)أنّه تلا الآية: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾، وقال: «هُمْ وَاللهِ شِيعَتُنَا أَهْلُ البَيتِ، يفعَلُ الله ذلِك بِهِمْ عَلَى يدَي رَجُلٍ مِنَّا وَهُوَ مَهْدِيّ هَذِهِ الأُمَّة» .
الحديث الثاني: عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَهْبَطَ اَلرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكًا إِلَى اَلسَّمَاءِ اَلدُّنْيَا، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَصَبَ لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ والْحَسَنِ والْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عِنْدَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ فَيَصْعَدُونَ عَلَيْهَا وَيَجْمَعُ لَهُمُ الْمَلاَئِكَةَ وَالنبيّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَيَفْتَحُ أَبْوَابَ اَلسَّمَاءِ، فَإِذَا زَالَتِ اَلشَّمْسُ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله): يَا رَبِّ مِيعَادَكَ اَلَّذِي وَعَدْتَ فِي كِتَابِكَ وَهُوَ هَذِهِ الْآيَة: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ﴾، وَيَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ وَالنبيّونَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَخِرُّ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ والْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سُجَّدًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: يَا رَبِّ اغْضَبْ، فَإِنَّهُ قَدْ هُتِكَ حَرِيمُكَ وَقُتِلَ أَصْفِيَاؤُكَ وَأُذِلَّ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، فَيَفْعَلُ اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَذَلِكَ وَقْتٌ مَعْلُومٌ» .
الحديث الثالث: جاء في تفسير النعمانيّ عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام):
«وَمِثْلُهُ مَا خَاطَبَ اللهُ بِهِ الأئمّة، وَوَعَدَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالاِنْتِقَامِ مِنْ أَعْدَائِهِمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔاۚ﴾، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُوْنُ إِذَا رَجَعُوا إِلَى الْدُنْيَا».
نكاتٌ في الآية
النكتة الأولى: بدايةً كان الكلام في الآية بضمير المخاطب لكنّه انتهى بضمير الغائب، وهذا يدلّ على أنّ الوعود التي ذكرتها الآية ستتحقّق في المستقبل مع أشخاصٍ غير المخاطبين بها في صدر الإسلام .
النكتة الثانية: جاء في آخر الآية: ﴿وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ﴾، هذه العبارة تدلّ على أنّ وعد الله سيتحقّق في عصر ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، إذ لا محلّ في الآخرة للفسق والعصيان.
ثالثًا: حصول الظهور بغتةً
ذكرت بعض الآيات في القرآن الكريم أنّ يوم القيامة يأتي بغتةً؛ فجاء في سورة الأعراف: ﴿يَسَۡٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةۗ يَسَۡٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنۡهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ .
بالإضافة إلى الوقوع الفجائيّ والمباغت ليوم القيامة، أشار القرآن الكريم إلى أنّ العذاب الدنيويّ للكافرين يأتيهم بغتةً أيضًا، وممّا جاء في هذا الخصوص في القرآن الكريم:
قوله تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوٓاْ أَن تَأۡتِيَهُمۡ غَٰشِيَة مِّنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوۡ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَة وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ﴾ .
جاء الرسل من عند الله يدعون الناس إلى التوحيد وعبادة الله، وينذرونهم العذاب إنْ هم عصَوا. وبعد حينٍ من الزمن، يحلّ العذاب بالكافرين من حيث لا يحتسبون وهم في أَوج غرورهم وتكبّرهم، بينما ينجو المؤمنون من العذاب. وقد جرت هذه السنّة الإلهيّة، ونزل العذاب الدنيويّ على الكافرين في زمن بعض الأنبياء كنوح وهود وصالح ولوط وموسى (عليهم السلام)، لكنّ تحقّق أحد أبرز مصاديق هذه الآيات يكون عند هلاك الظالمين جميعهم، يوم يعمّ فيه دين التوحيد العالم بأسره، وذلك بعد أن يأتي أمر الله بالظهور بغتةً؛ فيهدم الإمام وأنصاره حكم الظالمين وسلطانهم وهم في أَوج ظلمهم وطغيانهم.
وأيضًا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَة فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ﴾ .
طبقًا للروايات التي بيّنت ذيل الآية، عند قيام الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) سيحلّ العذاب بالكافرين بغتةً وتزول دولتهم، نشير هنا إلى روايتين منها:
الحديث الأول: قال أبو حمزة الثماليّ: سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن قول الله: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ﴾، فقال (عليه السلام): أَمَّا قَوْلُه: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ﴾ يَعْنِي فَلَمَّا تَرَكُوا وَلاَيَةَ عَلِيٍّ وَقَدْ أُمِرُوا بِهَا، ﴿فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ﴾ يَعْنِي دَوْلَتَهُمْ فِي اَلدُّنْيَا وَمَا بُسِطَ لَهُمْ فِيهَا، وَأَمَّا قَوْلُه: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَة فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ﴾ يَعْنِي قِيَامَ الْقَائِمِ (عجل الله تعالى فرجه) حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُلْطَانٌ قَطُّ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: «بَغْتَةً» .
الحديث الثاني: عن المُفضّل بن عمر عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)أنّه قال: «نَزَلَتْ فِي بَنِي فُلاَن [أي بني العبّاس أو حكومات الظالمين] ثَلاَثُ آيَاتٍ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارا﴾ يَعْنِي الْقَائِمَ بِالسَّيْف، ﴿فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ﴾. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَة فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ 44 فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾، قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ (عليه السلام): بِالسَّيْفِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ 12 لَا تَرۡكُضُواْ وَٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسَۡٔلُونَ﴾ يَعْنِي الْقَائِمَ (عجل الله تعالى فرجه) يَسْأَلُ بَنِي فُلاَنٍ عَنْ كُنُوزِ بَنِي أُمَيَّةَ» .
إلى جانب هذه الأحاديث، هناك أحاديث أخرى شبّهت ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) بغتةً بيوم القيامة، منها:
الحديث الأول: عن الإمام الحسن(عليه السلام)أنّه قال: سَألْتُ جَدِّي رَسُولَ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله) عَنِ الأئمّة بَعْدَهُ فَقَالَ: «الأئمّة بَعْدِي عَدَدَ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ اِثْنَا عَشَرَ أَعْطَاهُمُ اَللَّهُ عِلْمِي وَفَهْمِي وَأَنْتَ مِنْهُمْ يَا حَسَنُ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَمَتَى يَخْرُجُ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْت؟ قَالَ: «يَا حَسَنُ، إِنَّمَا مَثَلُهُ كَمَثَلِ اَلسَّاعَةِ ثَقُلَتْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضِ لاٰ تَأْتِيكُمْ إِلاّٰ بَغْتَةً» .
الحديث الثاني: عن دعبل الخزاعيّ شاعر أهل البيت (عليهم السلام) قال:
أَنْشَدْتُ مَوْلاَيَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى اَلرِّضَا(عليه السلام)قَصِيدَتِيَ اَلَّتِي أَوَّلُهَا:
مَدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِلاَوَةٍ وَمَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْفِرُ الْعَرَصَاتِ
فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى قَوْلِ:
خُرُوجُ إِمَامٍ لاَ مَحَالَةَ خَارِجٌ يَقُومُ عَلَى اسْمِ اَللَّهِ وَالْبَرَكَاتِ
يُمَيِّزُ فِينَا كُلَّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَيُجْزِي عَلَى اَلنَّعْمَاءِ وَاَلنَّقِمَاتِ
بَكَى الإمام اَلرِّضَا(عليه السلام)بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: يَا خُزَاعِيُّ نَطَقَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى لِسَانِكَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ، فَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا الْإِمَامُ وَمَتَى يَقُومُ؟ فَقُلْتُ: لاَ يَا مَوْلاَيَ، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ بِخُرُوجِ إِمَامٍ مِنْكُمْ يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنَ الْفَسَادِ وَيَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، فَقَالَ: يَا دِعْبِلُ، الْإِمَامُ بَعْدِي مُحَمَّدٌ ابْنِي وَبَعْدَ مُحَمَّدٍ ابْنُه عَلِيٌّ وَبَعْدَ عَلِيٍّ اِبْنُهُ الْحَسَنُ وَبَعْدَ الْحَسَنِ اِبْنُهُ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ الْمُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إلاَّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اَللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، وَأَمَّا مَتَى فَإِخْبَارٌ عَنِ الْوَقْتِ، وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَتَى يَخْرُجُ الْقَائِمُ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ؟ فَقَالَ:«مَثَلُهُ مَثَلُ اَلسَّاعَةِ لاٰ يُجَلِّيهٰا لِوَقْتِهٰا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضِ لاٰ تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً» .
رابعًا: حكم الصالحين إلى يوم القيامة
يشكّل تسلّم الصالحين للحكومة العالميّة على يدي الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، أحد أهمّ معالم ظهوره المبارك، هذا الحكم الذي سيستمرّ إلى يوم القيامة. تكرّرت عبارتا: ﴿وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ ، و﴿وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ﴾ عدّة مرّاتٍ في القرآن الكريم، والمصداق الأصليّ لحُسن العاقبة ﴿وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ ، لكنّ الآية مطلقةٌ فتشمل الحياة الدنيا؛ من هنا كانت العاقبة الحسنة للمتّقين في هذه الدنيا أيضًا، وقد عدّت الروايات حكم الصالحين في الدنيا أحد مصاديق ﴿وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾.
الحديث الأول: عن أبي بكر الحضرميّ قال: لما حُمل أبو جعفر الباقر(عليه السلام)إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه، قال لأصحابه ومن كان بحضرته: إذا رأيتموني قد وبّخت محمّدَ بنَ عليّ ثمّ رأيتموني قد سكتّ فليُقبل عليه كلّ رجلٍ منكم فليوبّخه. فلمّا حضر الإمام(عليه السلام)وقاموا جميعًا بتوبيخه، نهض(عليه السلام)قائِمًا ثُمَّ قالَ: «أيُّهَا النّاسُ، أينَ تَذهَبونَ؟ وأينَ يُرادُ بِكُم؟ بِنا هَدَى اللّهُ أوَّلَكُم، وبِنا يَختِمُ آخِرَكُم، فَإِنْ يَكُنْ لَكُم مُلكٌ مُعجّلٌ فَإِنّ لَنا مُلكًا مُؤَجَّلًا، ولَيسَ بَعدَ مُلكِنا مُلكٌ، لِأَنّا أهلُ العاقِبَةِ؛ يَقولُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾» .
تُشير عبارة ﴿وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ الواردة في هذه الرواية إلى حكم الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) في المستقبل. وعلى الرغم من احتمال أنْ يكون المُراد بهذه العبارة الحكومة العالميّة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في آخر الزمان، أو حكم الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) في زمن الرجعة أو في الآخرة، يُحتمل أيضًا أنْ يكون المُراد سائر مراحل وفترات حكم الأئمّة (عليهم السلام)؛ ولكن بناءً على احتجاج الإمام مع هشام، ولمّا كانت سلطته وحكمه في الدنيا؛ نرى من المناسب أن يكون مراد الإمام من ذلك الدولة الكريمة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، لأنّهم (عليهم السلام) نورٌ واحد، ودولة الإمام المهديّ تُعدّ دولتهم أيضًا.
الحديث الثاني: عن أبي صادق الكيسانيّ عن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: «دَوْلَتُنَا آخِرُ اَلدُّوَلِ، وَلَنْ يَبْقَى أَهْلُ بَيْتٍ لَهُمْ دَوْلَةٌ إِلاَّ مَلَكُوا قَبْلَنَا؛ لِئَلاَّ يَقُولُوا إِذَا رَأَوْا سِيرَتَنَا: إِذَا مَلَكْنَا سِرْنَا مِثْلَ سِيرَةِ هَؤُلاَءِ، وَهُوَ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾» .
تُفيد هذه الرواية أنْ ما من أهل بيتٍ إلّا وسيحكمون قبل حكم الأئمّة المعصومين حتّى يحين وقت دولتهم، حتّى لا يقول أحدٌ: «لو حَكمنا لسلكنا مسلكهم». وقد استُفيد من آية ﴿وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ كشاهدٍ على تولّي الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) الحكم. ولمّا كانت الرواية تُفيد بأنّ دولة أهل البيت (عليهم السلام) ستكون بعد حكم جميع الدول؛ فهذا يناسب أن يكون مراد الإمام هو الدولة الكريمة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه).
الحديث الثالث: جاء في الحديث القدسيّ الذي ينقله الإمام الرضا (عليه السلام)عن آبائه الكرام (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ... قُلْتُ: يَا رَبِّ وَمَنْ أَوْصِيَائِي؟ فَنُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ أَوْصِيَاؤُكَ الْمَكْتُوبُونَ عَلَى سَاقِ عَرْشِي، فَنَظَرْتُ وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي جَلَّ جَلاَلُهُ إِلَى سَاقِ الْعَرْشِ فَرَأَيْتُ اثْنَيّ عَشَرَ نُورًا، فِي كُلِّ نُورٍ سَطْرٌ أَخْضَرُ عَلَيْهِ اسْمُ وَصِيٍّ مِنْ أَوْصِيَائِي، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَآخِرُهُمْ مَهْدِيُّ أُمَّتِي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ هَؤُلاَءِ أَوْصِيَائِي مِنْ بَعْدِي؟ فَنُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ أَوْلِيَائِي وَأَحِبَّائِي وَأَصْفِيَائِي وَحُجَجِي بَعْدَكَ عَلَى بَرِيَّتِي، وَهُمْ أَوْصِيَاؤُكَ وَخُلَفَاؤُكَ وَخَيْرُ خَلْقِي بَعْدَكَ. وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي لَأُظْهِرَنَّ بِهِمْ دِينِي، وَلَأُعْلِيَنَّ بِهِمْ كَلِمَتِي، وَلَأُطَهِّرَنَّ الْأَرْضَ بِآخِرِهِمْ مِنْ أَعْدَائِي، وَلَأُمَلِكَنَّهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَلَأُسَخِّرَنَّ لَهُ اَلرِّيَاحَ، وَلَأُذَلِّلَنَّ لَهُ اَلسَّحَابَ اَلصِّعَابَ، وَلَأَرقِيَنَّهُ فِي الْأَسْبَابِ، وَلَأَنْصُرَنَّهُ بِجُنْدِي، وَلَأَمُدَّنَّهُ بِمَلاَئِكَتِي؛ حَتَّى يُعْلِنَ دَعْوَتِي، وَيَجْمَعَ الْخَلْقَ عَلَى تَوْحِيدِي، ثُمَّ لَأُدِيمَنَّ مُلْكَهُ وَلَأُدَاوِلَنَّ الْأَيَّامَ بَيْنَ أَوْلِيَائِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
الاكثر قراءة في الدولة المهدوية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة