نشأة المدن بفعل عوامل تفاعلت فيما بينها وهي اما عوامل طبيعية كالخصائص الجيولوجية والموقع واشكال سطح الارض والتربة والمناخ والموارد المائية او بشرية لاسيما يتعلق بالسكان ونشاطاتهم الاقتصادية وتفاعلهم مع الطبيعة:
1ـ الموقع الجغرافي : يلعب الموقع الجغرافي دورا بارزاً في نشوء المدينة اذ عادة ما تكون بعض الخصائص الجغرافية في الموقع عنصر جذب لنشوء نواة المدينة الأولى فاغلب مدن العالم نشأة على ضفاف الأنهار التي توفر لها مورد اساس لمياه الشرب فضلاً عن كون الانهار عنصر جمالي وترفيهي من خلال استثمار الواجهات المانية الأغراض النزهة والترفيه لسكان المدينة ، وتلعب السواحل البحرية دور بارز في نشوء كثيراً من المدن اذ تتوفر الاراضي المنبسطة والاجواء المعتدلة فضلاً عن نشوء الموانئ التي تنشط الحركة التجارية وتوفر طرق النقل وفرص العمل لسكان المدن ، ويمكن تلخيص دور الموقع الجغرافي في نشوء ونمو المدن بالنقاط الاتية:
ـ الموقع الجغرافي عند تقاطع الطرق التجارية وقرب الممرات المائية يحقق سهولة الوصول اليه ويجعل من المدن مراكز تجارية مهمة في العالم كما هو الحال في موقع مدينة اسطنبول التي تقع عند حدود القارات وتتحكم في مضيق البسفور.
ـ الموقع الجغرافي يوفر عنصر حماية طبيعية من خلال وجود الجبال والتلال او الانهار التي تحيط بالمدن كان عاملاً رئيسياً في نشوء الكثير من المدن المحصنة ضد الهجمات مثال ذلك مدينة روما التي نشأت على سبعة تلال وفرت لها موقعاً دفاعياً مميزاً.
المواقع الجغرافية التي تقع على موانئ طبيعية أو طرق برية مهمة غالبا ما تصبح ذات اهمية تجارية واقتصادية مزدهرة كمدينة لندن ومدينة شنغهاي اللتان تقع على المحيطات او الانهار الكبيرة.
ـ يلعب المناخ دوراً في نشوء المدن فالموقع الذي يمتاز بوجود مناخ معتدل يجذب السكان للعيش والزراعة ويوفر اجواء مريحة كما هو الحال ازدهار المدن على ساحل البحر المتوسط بسبب موقعها ومناخها الملائم.
ـ الموقع الذي تتوفر فيه موارد طبيعية كالمياه والتربة والمعادن عادة ما يكون موقع جذب للسكان ونشوء المدن كما هو الحال نشوء مدن الحضارات في وادي الرافدين والنيل.
ـ المواقع الجغرافية التي توفر فرصاً للتوسع والنفوذ اصبحت عواصم للإمبراطوريات والدول الكبرى على سبيل المثال مدن اثينا وقرطاج ازدهرت بسبب موقعها الاستراتيجي الذي جعلها تتحكم في حركة التجارة الدولية في البحر المتوسط.
2 ـ الموارد الطبيعية نشأة المدن الأولى كمراكز لإدارة شؤون الأرياف المجاورة عندما زاد الانتاج عن الاكتفاء الذاتي فظهرت الحاجة الى اماكن لخزن وتسويق الانتاج الزراعية من الارياف المجاورة فكانت نواة لنشوء المدينة وقد لعبت العوامل الطبيعية دوراً بارزاً في عملية الاستقرار الريفي والحضري مثل وجود المصادر المائية الدائمة كالأنهار والأراضي الزراعية المنتجة حول المدن والمناخ الملائم للإنتاج الزراعي النباتي والحيواني الذي يوفر للمدينة المواد الغذائية، كما أن وجود المعادن والمواد الأولية للصناعة يؤدي الى نشوء المدن الصناعية وتوسعها نتيجة لتوفر فرص عمل التشغيل الايدي العاملة كما وتعزز الاساس الاقتصادي للمدن ، ويمكن تحديد دور الموارد الطبيعية في نشوء وتطور المدن كالاتي:
ـ تعد المياه من اهم الموارد الطبيعية التي تؤثر على نشوء المدن اذ غالبا ما تنشأ المدن على ضفاف الانهار أو بالقرب منها أو بالقرب من البحيرات والسواحل اذ تتوفر المياه للأغراض الحياتية والزراعة والصناعة والنشاطات الأخرى في المدينة.
ـ التربة الخصبة الصالحة للزراعة تشجع نشوء المدن كونها تشجع على الانتاج الزراعي النباتي والحيواني وتوفر المواد الغذائية للمدن اذ نشأت قديما المدن الزراعية التي تعتمد في حياتها على الاكتفاء الذاتي.
ـ ان وجود المعادن كالذهب والفضة والحديد والنفط وغيرها من المعادن التي يمكن استثمارها لأغراض الصناعة تشجع على نشوء المدن ونموها لما توفره من فرص لتشغيل الايدي العاملة وتصبح مركز جذب سكاني وممكن ان تكون اقطاب نمو تحقق وفورات داخلية وخارجية للمدنية وتساهم في تعزيز الاساس الاقتصادي للمدن.
ـ وجود الغابات والاخشاب ساهم قديما في نشوء المدن من خلال كونها موردا يستفاد منه في البناء وتوفير الطاقة لأغراض التدفئة فضلاً عن التجارة.
ـ لعب الموقع الجغرافي دورا في نشوء بعض المدن من خلال وجود محددات طبيعية كالجبال والمسطحات المائية التي توفر حماية طبيعية للمدن وتمنع الأعداء من الوصول.
ـ ان توفر مصادر الطاقة ساهم في نشوء المدن لاسيما وجود الفحم كمصدر للطاقة كان احد اسباب الثورة الصناعية ، وكذلك ساهم انتاج النفط في القرن العشرين في نشوء ونمو مدن كبيرة مثل دبي في الامارات العربية المتحدة ومدينة يستبرغ في الولايات المتحدة الأمريكية.
3 ـ طرق المواصلات : تلعب طرق النقل والتجارة دور بارز في نشوء المدن وتطورها وازدهارها ان تنشأ المدن على الطرق التجارية الرئيسية لتقديم الخدمات والتسويق كما وتنشا مدن الموانئ لتقديم الخدمات التجارية من نقل وخزن وتوزيع ، وقد اشتهرت كثير من مدن العالم بكونها مراكز تجارية عالمية كمدينة دبي في الامارات العربية المتحدة وغيرها ، يمكن تلخيص دور طرق النقل في نشوء وتطور المدن عبر التاريخ بما يأتي :
ـ الطرق الجيدة تشجع حركة التجارة من خلال نقل السلع والبضائع بين المدينة واقليمها المجاور وبينها وبين المدن الأخرى مما يسهم ذلك في نمو اقتصادها وازدهارها .
ـ توفر الطرق ووسائل النقل سهولة الحركة والتنقل مما يساعد على نمو وتوسع المدن والاستقرار في مناطق جديدة في اطراف المدن كما وتنشأ مدن التوابع او المدن العنقودية حول المدن الكبيرة مما يؤدي الى التقليل من الاختناقات والحركة داخل المدن.
ـ تسهم طرق النقل الى ربط المدن ببعضها وتسهل عملية التبادل التجاري والثقافي والاقتصادي والسياسي بينها كما ويعزز التعاون والتكامل بين المدن وتنميتها.
سهولة الوصول بين المدينة واقليمها يسهل الوصول الى الخدمات المجتمعية من تعليم وخدمات صحية لسكان الارياف مما يؤدي الى الاستقرار وعدم الهجرة الى المدن المجاورة.
ـ تساهم الطرق المتطورة ووسائل النقل الحديثة في تحقيق الأمن الداخلي للمدن من خلال سهولة وصول الاجهزة الامنية وخدمات اطفاء الحريق ومكافحة الجريمة.
4 ـ مدى توفر الحماية والامن من العوامل التي تؤثر على نشوء المدن لا سيما المدن القديمة اذ ان توفر عناصر الحماية الطبيعية للموقع يشجع نشوء المدن وحمايتها من الاخطار الخارجية والكوارث الطبيعية ، يمكن تحديد دور الحماية والأمن في نشوء ونمو المدينة بالنقاط الاتية :
ـ غالباً ما كانت تبنى المدن قديماً في مواقع توفر الحماية من خلال وجود الظواهر الطبيعية كالجبال والتلال والمسطحات المائية التي توفر حماية وتسهل الدفاع عن المدينة ضد الاعتداءات الخارجية.
ـ كانت المدن القديمة تحاط بالأسوار والقلاع التي تسهل عملية الدفاع عن المدينة في اثناء غزوها من قبل الاعداء كما هو حال مدينة بغرار المدورة التي كانت محاطة بأسوار وقناة مائية وفرت لها عنصر دفاعي ، في المدن التي يتوفر فيها الأمان تجذب السكان للاستقرار بأمان فيها.
ـ المدن التي كان يتوفر فيها الامان وقوانين تحمي السكان وممتلكاتهم تجذب التجار واصحاب رؤوس الاموال للاستثمار فيها وبالتالي تنشط فيها الحياة الاقتصادية وينمو فيها الأساس الاقتصادي.
ـ الحماية تعزز الثقة والأمان بين السكان وتساهم في خلق مجتمع مزدهر ومستقر يمكنه التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد الأمن المجتمعي وتكون أكثر قدرة على البقاء والنمو.
5 ـ مدى توفر الفرص الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة والصيد والتجارة يدعم نشوء ونمو المدن وتطورها ، ويمكن تلخيص دور النشاطات الاقتصادية في نشوء ونمو المدن من خلال :
ـ وجود النشاطات الصناعية والتجارية من شأنها ان توفر فرص عمل مما يؤدي إلى استقطاب السكان سواء من ريفها المجاور أو من المدن الأخرى بحثاً عن حياة افضل.
ـ وجود المدن على الطرق التجارية ومدن الموانئ تنتعش فيها حركة التبادل التجاري وتوفر فرص عمل مما يؤدي إلى نمو السكان وازدهار الحياة الاقتصادية فيها.
ـ ان التطور الصناعي بعد الثورة الصناعية كان من أبرز العوامل التي ساعدة في نشوء المدن وتطورها كما ادى الى تحول كثير من القرى الريفية الى مدن.
ـ المدن التي تنشط اقتصاديا تكون مصدر للأبداع والتطور التكنولوجي اذ يجتمع فيها العلماء والمهندسون مما يوفر بيئة داعمة للتنمية والاستدامة الحضرية.
6ـ تلعب العوامل الثقافية والدينية دورا في نشوء بعض المدن التي تجذب الزوار والحجاج والباحثين عن العلم والمعرفة والعلماء وتنشط فيها السياحة الدينية ويكون دورها في نشوه ونمو المدن من خلال :
ـ تأسيس المدن حول المراكز الدينية ان نشأت العديد من المدن حول مواقع دينية هامة كالمعابد والمزارات والأضرحة تجذب السكان اليها مما يؤدي الى تأسيس الاسواق والخدمات لتلبية احتياجاتهم كمدينة مكة المكرمة التي نمت حول الكعبة كموقع ديني مركزي للمسلمين فضلا عن أن بعض المدن تم تأسيسها لتكون عواصم روحية مثل مدينة الفاتيكان بالنسبة للديانة الكاثوليكية.
ـ تنمو المدن بفضل التعليم والثقافة فبعض المدن التي كانت تضم جامعات ومراكز تعليمية ازدهرت ونمت على سبيل المثال مدينة بغداد في العصر العباسي ومدينة باريس في العصور الوسطى ، هذه المدن اصبحت مراكز علمية وثقافية تجذب العلماء وطلاب العلم والمعرفة والمثقفين من جميع انحاء العالم مما ادى الى نموها وازدهار الحياة فيها بعض المدن نشأت كمستعمرات دينية لأقليات تبحث عن مكان تمارس فيه طقوسها بحرية كما هو الحال المدينة سولت ليك الهندية التي اسسها اتباع كنيسة يسوع المسيح (المورمون).
ـ تتحول بعض المواقع التي تقام فيها مهرجانات واحتفالات دينية وكذلك المهرجانات الثقافية التي تعكس التراث والحضارة تساهم في نشوء المدن اذ تكون جاذبة للسياح مما يؤدي الى نمو اقتصادها وازدهار الحياة فيها.
ـ تنشأ بعض المدن كمراكز سياسية أو إدارية يشجع السكان للاستقرار بالقرب من مراكز القرار والاستفادة من الخدمات التي توفرها السلطات ، اذ تعد المراكز السياسية والإدارية القوة المحركة لتطوير البنى التحتية والخدمات المجتمعية والنمو الاقتصادي و الثقافي في المدن من خلال :
ـ اختيار مواقع استراتيجية للعواصم لتحقيق سهولة الوصول الى اجزاء الدولة والفاع عنها كما هو الحال في مدينة القاهرة التي تأسست كمركز اداري للعالم الإسلامي في العصور الوسطى ومدينة بغداد التي أصبحت عاصمة للخلافة العباسية ، في حين تأسست مدن اخرى لتكون مراكز ادارية للحكم مثل مدينة واشنطن كانت مقراً للحكومة الفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية.
ـ المدن التي تقع فيها مراكز للحكم والادارة غالبا ما تتمتع باستقرار امني وتتركز فيها الجامعات المرموقة التي تجذب الطلبة من كل مكان وتساهم في التنمية الثقافية والفكرية ، فضلاً عن وجود مراكز الاتصالات الوطنية والدولية وشبكات النقل المتطورة والمطارات مما يتحقق فيها نشاط ونمو اقتصادي يساهم في تطورها وتتحقق فيها الاستدامة الحضرية.
8 ـ واخيرا تلعب العوامل الاجتماعية دورا بارزا في نمو المدن من خلال البحث عن حياة افضل لوجود خدمات البنى التحتية والخدمات المجتمعية من تعليم وصحة وترفيه وخدمات الامن ، والتجمعات البشرية في المدن تشجع التعاون والاشتراك بمشاريع اقتصادية تعزز التماسك الاجتماعي ويخلق بيئة مستقرة وامنة ، كما وان التنوع الثقافي يخلق بيئة مناسبة للابتكار والتحول الحضاري.
الاكثر قراءة في جغرافية المدن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة