البيئة الريفية والتحضر
المؤلف:
د. محمد دلف احمد الدليمي
المصدر:
تخطيط المدن والاستدامة الحضرية
الجزء والصفحة:
ص 5 ـ 9
2025-11-22
18
المدينة هي حالة متطورة عن القرية ضمن مراحل تطور المجتمع البشري فبعد مرحلة الجمع والالتقاط ومرحلة الصيد ثم مرحلة الزراعة وتدجين الحيوان ومن ثم وفرت الانتاج تطلب الامر الى الخزن والتبادل التجاري والحاجة الى الادارة ومن هنا بدأت وجود النواة الأولى للمدينة ، وعندما تتكلم عن التركيب البيئي للسكان فإننا نقصد به توزيع السكان الحضر والريف والسكان البدو إن وجد، وهذا أمر مهم عندما يتم التخطيط للتنمية على المستوى القريب والبعيد. فإذا كان السكان البدو قد ارتبطت حياتهم الاقتصادية بتربية الحيوان والتنقل من مكان إلى آخر تبعا لتوفر الاكل لحيواناتهم، فأن سكان الريف ارتبطت حياتهم الاقتصادية بالزراعة وتربية الحيوان أحياناً، بينما سكان الحضر فحياتهم الاقتصادية تعتمد على الخدمات والتجارة والصناعة.
إن نسبة السكان في الحضر والريف تعطي مؤشراً على درجة التحضر والتقدم في المجال التكنولوجي لا سيما المجال الزراعي ، إذ تبلغ نسبة السكان الحضر في الولايات المتحدة الأمريكية بحدود (83,7%) بينما في العراق (77%) وفي سوريا (55,4%) في عام 2015 حسب ما جاه به تقرير التنمية البشرية لعام 2006 وتقديرات 2015 كما موضح في الجدول (1) ، وهذا يعطي مؤشراً لإمكانية استخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج الزراعي في الدول المتقدمة مع محدوديتها في البلدان النامية وعليه فإن أي برنامج تنموي في الدول النامية يفترض أن يحدد التوزيع البيئي للسكان الذي يفترض أن يكون متوازناً مع درجة التقدم التكنولوجي ودرجة التحضر للإقليم أو البلد.
تعاني دول العالم الثالث من حالة عدم توازن حضاري لسكان الحضر والريف بسبب التخلف الاقتصادي والاجتماعي ويتمثل ذلك في الآتي:
1. انخفاض نسبة السكان الحضر إذ لا تتجاوز (50 - 60%) من مجموع السكان بينما تصل نسبة السكان الحضر في الدول المتقدمة إلى (84%) كما هو الحال في أميركا ويعود السبب في ذلك إلى استخدام الطرق البدائية في الزراعة في الدول النامية وعدم توفر فرص عمل كافية في المدن.
2. إن زيادة عدد السكان الحضر في الأقطار النامية تحدث عادة قبل إطلاق عمليات التنمية ولذلك تظهر فيها ظاهرة التريف الحضري (Ru-urban) وتنعكس آثارها على نمط العلاقات الاجتماعية وكذلك الآثار السلبية على البيئة العمرانية في المدن.
3. إن بعض البينات الصناعية في الدول النامية لازالت في طور التكوين ولا تحتل إلا مرتبة هامشية بالقياس عما هو عليه في الدول الصناعية.
4. إن أغلبية سكان الحضر في الأقطار النامية لازالت تزاول الحرف المتواضعة التي تعبر عن تدهور الحالة الاجتماعية العامة وانتشار البطالة.
5. إن زيادة عدد السكان الحضر في الأقطار النامية تحدث عادة قبل إطلاق عمليات التنمية ولذلك تظهر فيها ظاهرة التريف الحضري (Ru-urban) وتنعكس آثارها على نمط العلاقات الاجتماعية وكذلك الآثار السلبية على البيئة العمرانية في المدن.
6. إن تزوح سكان الأرياف إلى المدن في الدول النامية يقترن بظهور الأحياء السكنية الفقيرة الأكواخ والصرائف ومدن الصفيح في مناطق هامشية في المدن.
7. إن الضغط الديموغرافي في المدن القادم من الأرياف يصاحبه عدم توازن بين المؤشرات الكمية والنوعية للموارد البشرية يعكس حالة عدم التوازن الحضاري بسبب عدم إمكانية التكيف للعصر الجديد في المدينة مع حياة المدينة الجديدة ويؤدي ذلك إلى صراع نفسي وعدم الاستقرار الاجتماعي.
لذلك فأن التنمية الريفية يجب أن تنطلق من تنمية الموارد البشرية إعداد وتدريب العاملين وتأهيلهم علميا ومهنيا لتتجاوب مع متطلبات التطور الاجتماعي والحضاري.
من خلال تحليل معطيات الجدول (1) يمكن ملاحظة الحقائق الخاصة حول أثر التنمية على عملية التحضر في مختلف بلدان العالم ومنها بلدان تمتاز بتنمية بشرية عالية وبلدان نامية يمكن أن نثبت الحقائق الآتية:
1. إن نسبة سكان الحضر في البلدان الصناعية بلغت (75%) من مجموع السكان في تلك الدول وهذا يعطي مؤشراً على التقدم الصناعي في تلك الدول الذي وفر فرص عمل للسكان في المجال الصناعي والخدمي من ناحية يقابله استخدام المكننة في الإنتاج الزراعي مما يقللان من استخدام الأيدي العاملة في عمليات الإنتاج الزراعي.
2. إن هناك تفاوتاً بين الدول التي تمتاز بتنمية بشرية عالية انعكست على نسبة سكان الحضر فيها إذ بلغت نسبة سكان الحضر في المانيا (88%) بينما بلغت نسبة سكان الريف فيها (912) وفي كندا نسبة سكان الحضر (9677) يقابلها (23%) سكان ريف وفي فرنسا بلغت نسبة سكان الحضر (76%) يقابلها (924) سكان ريف، وبلغت نسبة السكان الحضر في سوريا بلغت (950.55) ومصر (42.7%) والمغرب (9658) وليبيا (984,5) حسب ما جاء في تقرير التنمية البشرية لعام 2006. وهذا يعكس حالة التوازن بين قلة سكان الريف ومدى استخدام المكننة في الإنتاج الزراعي يقابله حالة التوازن بين ارتفاع نسبة سكان الحضر ومدى توفر فرص العمل بالقطاعات الأخرى في الدول المتقدمة وعكس ذلك في الدول النامية.
3. تلاحظ في البلدان النامية والعربية منها وجود تسارع كبير في نمو سكان الحضر على حساب الريف، على سبيل المثال كانت نسبة سكان الحضر في العراق عام 1960 حوالي (9643) وأصبحت عام 2000 (977)، وفي مصر بلغت (38%) وقطر (972) والجزائر (30%) وتونس (36%)، وأصبحت هذه النسب عام 2000 في مصر (46%) وقطر (93%) والجزائر (60%) وتونس (60%) هذه النسب تعطي مؤشراً على هجرة واسعة من الريف إلى المدينة بسبب قلة الخدمات في المناطق الريفية وعدم توفر فرص العمل في القطاع الزراعي لعدم وجود خطط تنموية ناجحة وقلة الدعم الحكومي ولد ذلك ضغطاً كبيراً على الخدمات في المناطق الحضرية وتفشي البطالة بعكس حالة التوازن في الدول المتقدمة يتطلب ذلك وضع برامج تنموية شاملة في البلدان العربية لخلق حالة التوازن في التوزيع البيئي للسكان.
4. من خلال ملاحظة النمو الديموغرافي للسكان في البلدان المتقدمة والبلدان النامية وجود فجوة كبيرة في معدلات النمو السكاني كما موضح في الجدول (2) فقد بلغ معدل النمو السكاني السنوي في البلدان الصناعية (0.7%) يقابله (3.5%) في البلدان النامية أي أن هنالك نمو متسارع للسكان في البلدان النامية والعربية منها ويعود السبب إلى التوجه إلى تحديد النسل في البلدان المتقدمة صناعياً بينما يستمر نمو السكان بشكل طبيعي في البلدان العربية نتيجة لتأثير القيم الاجتماعية والدينية التي تحرم تحديد النسل وأن الزيادة المضطردة في نمو السكان في البلدان النامية تحتاج إلى أن يقابلها نمو متزايد في الدخل القومي وتحسين المستوى الثقافي والصحي والعدالة في توزيع الدخل ضمن خطط للتنمية الشاملة في تلك البلدان وبدون ذلك فإن دائرة الفقر سوف تزداد بمرور الزمن.


الاكثر قراءة في جغرافية السكان
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة