جملة من معجزات نبينا محمّد ـ صلى الله عليه وآله-
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1، ص 300 - 304
2025-10-29
46
قال العلّامة الحلي ـ قدس سره ـ في شرح تجريد الاعتقاد : «نقل عنه ـ صلى الله عليه وآله ـ معجزات كثيرة كنبوع الماء من بين أصابعه حتى اكتفى الخلق الكثير من الماء القليل بعد رجوعه من غزوة تبوك ، وكعود (1) ماء بئر الحديبية لما استسقاه أصحابه بالكلية ، ونشفت البئر ، فدفع سهمه إلى البراء بن عازب ، فأمره بالنزول ، وغرزه في البئر فغرزه فكثر الماء في الحال ، حتى خيف على البراء بن عازب من الغرق ، ونقل عنه ـ عليه السلام ـ في بئر قوم شكوا إليه ذهاب مائها في الصيف ، فتفل فيها حتى انفجر الماء الزلال منها ، فبلغ أهل اليمامة ذلك ، فسألوا مسيلمة لما قل ماء بئرهم ذلك ، فتفل فيها فذهب الماء أجمع ، ولما نزل قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قال لعلي ـ عليه السلام ـ : شق فخذ شاة ، وجئني بعس من لبن ، وادع لي من بني أبيك بني هاشم ، ففعل علي ـ عليه السلام ـ ذلك ، ودعاهم. وكانوا أربعين رجلا فأكلوا حتى شبعوا ، ما يرى فيه إلّا أثر أصابعهم ، وشربوا من العس حتى اكتفوا واللبن على حاله ، فلما أراد أن يدعوهم إلى الإسلام ، قال أبو لهب : كاد ما سحركم محمّد ، فقاموا قبل أن يدعوهم إلى الله تعالى ، فقال لعلي ـ عليه السلام ـ : افعل مثل ما فعلت ، ففعل في اليوم الثاني كالأول ، فلما أراد أن يدعوهم عاد أبو لهب إلى كلامه ، فقال لعلي ـ عليه السلام ـ : افعل مثل ما فعلت ، ففعل مثله في اليوم الثالث ، فبايع عليا ـ عليه السلام ـ على الخلافة بعده ومتابعته.
وذبح له جابر بن عبد الله عناقا يوم الخندق ، وخبز له صاع شعير ، ثم دعاه ـ عليه السلام ـ فقال : أنا وأصحابي؟ فقال : نعم ، ثم جاء إلى امرأته وأخبرها بذلك ، فقالت له : أأنت قلت امض وأصحابك؟ فقال : لا ، بل هو لما قال : أنا وأصحابي قلت : نعم ، فقالت : هو أعرف بما قال ، فلما جاء ـ عليه السلام ـ قال : ما عندكم؟ قال جابر : ما عندنا إلّا عناق في التنور وصاع من شعير خبزناه ، فقال ـ عليه السلام ـ : أقعد أصحابي عشرة عشرة ، ففعل فأكلوا كلهم.
وسبح الحصا في يده ـ عليه السلام ـ وشهد الذئب له بالرسالة ، فإن اهبان ابن أوس (2) كان يرعى غنما له فجاء ذئب فأخذ شاة منها فسعى نحوه ، فقال له الذئب : أتعجب من أخذي شاة ، هذا محمّد يدعو إلى الحق فلا تجيبونه فجاء إلى النبي وأسلم ، وكان يدعى مكلم الذئب.
وتفل في عين علي ـ صلى الله عليه وآله ـ لما رمدت فلم ترمد بعد ذلك أبدا ، ودعا له بأن يصرف الله تعالى عنه الحر والبرد ، فكان لباسه في الصيف والشتاء واحدا ، وانشق له القمر ، ودعا الشجرة فأجابته وجاءته تخد الأرض من غير جاذب ولا دافع ، ثم رجعت إلى مكانها ، وكان يخطب عند الجذع فاتخذ له منبرا فانتقل إليه فحن الجذع إليه حنين الناقة إلى ولدها فالتزمه فسكن.
وأخبر بالغيوب في مواضع كثيرة ، كما أخبر بقتل الحسين ـ عليه السلام ـ وموضع الفتك به (3) فقتل في ذلك الموضع ، وأخبر بقتل ثابت بن قيس بن الشماس فقتل بعده ـ عليه السلام ـ وأخبر بفتح مصر وأوصاهم بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما ، وأخبرهم بادعاء مسيلمة النبوة باليمامة ، وادعاء العنسي (4) النبوة بصنعاء ، وأنهما سيقتلان ، فقتل فيروز الديلمي العنسي قرب وفاة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وقتل خالد بن الوليد مسيلمة.
وأخبر عليا ـ عليه السلام ـ بخبر ذي الثدية وسيأتي ، ودعا على عتبة بن أبي لهب لما تلا ـ عليه السلام ـ (وَالنَّجْمِ) فقال عتبة : كفرت برب النجم ، بتسليط كلب الله عليه ، فخرج عتبة إلى الشام فخرج الأسد ، فارتعدت فرائصه فقال له أصحابه : من أي شيء ترتعد؟ فقال : إن محمدا دعا علي فو الله ما أظلت السماء على ذي لهجة أصدق من محمّد ، فأحاط القوم بأنفسهم ومتاعهم عليه ، فجاء الأسد فلحس رءوسهم واحدا واحدا (5) حتى انتهى إليه ، فضغمه ضغمة (6) ، ففزع منه ومات ، وأخبر بموت النجاشي ، وقتل زيد بن حارثة بمؤتة ، فأخبر ـ عليه السلام ـ بقتله في المدينة وأن جعفرا أخذ الراية ، ثم قال : قتل جعفر ، ثم توقف وقفة ، ثم قال : وأخذ الراية عبد الله بن رواحة ، ثم قال : وقتل عبد الله بن رواحة وقام ـ عليه السلام ـ إلى بيت جعفر واستخرج ولده ، ودمعت عيناه ونعى جعفرا إلى أهله ، ثم ظهر الأمر كما أخبر ـ عليه السلام ـ وقال لعمار : تقتلك الفئة الباغية ، فقتله أصحاب معاوية ، ولاشتهار هذا الخبر لم يتمكن معاوية من دفعه ، واحتال على العوام ، فقال : قتله من جاء به ، فعارضه ابن عباس وقال : لم يقتل الكفار إذن حمزة ، وإنما قتله رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لأنه هو الذي جاء به إليهم حتى قتلوه.
وقال لعلي ـ عليه السلام ـ : ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين ، فالناكثون طلحة والزبير ؛ لأنهما بايعاه ونكثا ، والقاسطون هم الظالمون وهم معاوية وأصحابه ، لانهم ظلمة بغاة ، والمارقون هم الخارجون عن الملة وهم الخوارج ، ثم قال العلّامة الحلي ـ قدس سره ـ : «وهذه المعجزات بعض ما نقل واقتصرنا على هذا القدر لكثرتها وبلوغ الغرض بهذه ، وقد أوردنا معجزات اخرى منقولة في كتاب نهاية المرام» (7).
وأيضا أشار إلى بعض المعجزات آية الله الشيخ محمّد جواد البلاغي وأنا أذكر منها ما لم ينقله العلّامة الحلي ـ قدس سره ـ قال : «فمنها تظليل الغمامة له في مسيره ، والتصاق الحجر بكف أبي جهل لما أراد أن يرميه به ، ونسج العنكبوت ، وتفريخ الحمامة في ساعة على باب الغار ، ونزول قوائم مهر سراقة بن مالك بن جشعم المدلجي في الأرض وخروجها بدعائه لما تبعه ، ومسحه على ضرع العنز الحائل ، حتى درّ لبنها وارتووا منه ، وكذا شاة أمّ معبد وغيرها ، ورده لعين قتادة بن النعمان إلى موضعها بعد ما قلعت فصارت أحسن عينيه ، وإبرائه المجذوم من جهينة بمسحه بالماء الذي تفل فيه ، وإبرائه رجل عمرو بن معاذ يوم قطعت إذ تفل عليها ، ويد معاذ بن عفراء في بدر ، وإخباره في القرآن الكريم بأن الله كفاه المستهزئين ، وبظهوره على الدين كله ، وبدخول المسلمين المسجد الحرام آمنين محلقين ومقصرين ، وبغلبة الروم في بضع سنين ، وإخباره وهو محصور في الشعب بشأن صحيفة قريش القاطعة ، وإخباره بفتح المسلمين مصر والشام والعراق ، وبموت كسرى في يومه ، وبأن فاطمة ابنته أول أهله لحوقا به ، وبأن أبا ذر يموت وحده ، ويسعد بدفنه جماعة من أهل العراق ، وأن إحدى نسائه تنبحها كلاب الحوأب ، وبقتل علي ـ عليه السلام ـ في شهر رمضان ، وأن كريمته الشريفة تخضب من دم رأسه ، وأن ولده الحسين - عليه السلام - يقتل بكربلاء إلى غير ذلك ، ومن معجزاته استجابة دعائه ، وسقيا المطر باستقائه في موارد كثيرة جدا ، وقد أنهت كتب الحديث والتاريخ موارد معجزاته ـ صلى الله عليه وآله ـ وكراماته من نحو ما ذكرناه وغيره إلى أكثر من ثلاثة آلاف ، وأن الكثير منها في عصره وما بعده هو قسم المستفيض أو المشهور أو المتواتر ، ولكن عادة المصنفين على الاقتصار على سند المشيخة فكسته هذه العادة في الظاهر ثوب رواية الآحاد ، لكن الإعجاز المشترك بينها ، الشاهد على الرسالة يزيد على حد التواتر ويبلغ درجة الضروريات وها هي كتب الحديث والتاريخ» (8).
______________
(1) وفي نسخة كغور ماء ، ولعلها أصح بناء على أن قوله بالكلية قيد للغور ، فيكون كغور الماء بالكلية.
(2) وفي نسخة رهبان بن أوس وفي شرح الفاضل الشعراني وهبان بن أوس.
(3) أي القتل على غفلة ، وفي بعض النسخ : وموضع القتل به.
(4) وفي نسخة : العبسي.
(5) وفي نسخة : فجاء الأسد يهمش رءوسهم واحدا واحدا ، وكيف كان لحس ، أي لعق. وهمش ، أي عض.
(6) ضغمه ، أي عضه بملء فمه.
(7) كشف المراد ص 355 ـ 357 الطبعة الحديثة بقم المشرّفة.
(8) انوار الهدى : ص 135 ـ 137.
الاكثر قراءة في النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة