قصة ستني
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج15 ص 314 ــ 316
2025-10-25
38
ذكرنا فيما سبق طائفة كبيرة من العقود والوثائق الديموطيقية التي من عهد الملك «بطليموس الثالث» ومعظمها من نوع واحد؛ أي إنها إما عقود بيع أو شراء أو زواج وما إلى ذلك. غير أنه ظهر لنا بين الوثائق الديموطيقية نوع آخر جديد يكشف لنا عن صفحة هامة في حياة الشعب وأحاسيسه وعاداته وأخلاقه وأفكاره الدينية وما طرأ عليها من تغيرات منذ أقدم العهود، وكل ذلك قد صِيغَ في صورة قصة شعبية انتشرت بين أفراد الشعب عامة، وهذه القصة هي «قصة ستني» التي وقعت حوادثها في عهد سابق للعصر الذي كتبت فيه، وأعني بذلك عصر الرعامسة.
والواقع أن الخط الذي كُتِبت به هذه القصة هو من طراز الخط الذي كان مستعملًا في عهد ملوك البطالمة الأول، والمُرجَّح كثيرًا أن القصة دُوِّنت في عهد «بطليموس الثالث» في السنة الخامسة عشرة شهر طوبة، وقد تُرجِمت مرات عدة، غير أن أحسن ترجمة ظهرت حتى الآن هي التي وضعها الأستاذ «جرفث» (1).
ولا نزاع في أن قصة «خعمواس» بن «رعمسيس الثاني» التي سنتحدث عنها هنا، ونضع ترجمتها تلفت النظر من كل الوجوه، وتُعتَبر من أجمل الأعمال الأدبية الخيالية التي خلَّفتها لنا مصر في العصر المتأخر، وهي في الواقع تُنسَب إلى أجمل عهد في العصر الديموطيقي؛ وذلك حينما كانت كتابة هذه اللغة قد أصبحت كاملة ومعبرة؛ هذا فضلًا عن أنها خالية من الأغلاط والزيادات.
وعنوان هذه القصة يوجد في الواقع في نهاية القصة، كما وصلت إلينا في حالتها الممزقة، وهذا العنوان هو: «هذه كتابة كاملة تتحدث عن «خعمواس» و«ني-نفر-كا-بتاح» و«أهوري» زوجه، و«مرأب» ابنهما».
ويدل ترقيم البردية على أن الصفحتين الأوليين قد ضاعتا، وأن الصفحة الثالثة قد مسَّها عطب في كل من أسطرها الأولى، ولحسن الحظ نجد أن سائر البردية كاملًا على وجه التقريب، ولكن بدايتها — كما قلنا — قد فُقِدت كلها، وفي بداية الصفحة الثالثة نقرأ أن «خعمواس» (2) كان في قبر فرد يدعى «ني نفر-كا-بتاح» وهو ابن فرعون من الفراعنة القدامى، وقد مُثِّل هذا الأمير في القصة بأنه تزوج من أخته الوحيدة، وأنه قد لاقى حتفه هو وزوجه وابنهما، وبذلك قضى على آمال الملك في أن يكون له وريث من نسله، وكانت أرواح «ني-نفر-كا-بتاح» وأخته وزوجه «أهوري» وابنهما «مرأب» في القبر.
وعند بداية المتن نجد أن «أهوري» تقصُّ على «خعمواس» قصة الكارثة التي نزلت بهم، وتنسب كل الكوارث التي انصبَّت عليهم إلى خروج «ني-نفر-كا-بتاح» هائمًا على وجهه للحصول على كتاب سحر يرغب «خعمواس» في أن يأخذه منه، وبهذا المفتاح نفهم المعنى التقريبي للجزء المفقود من القصة.
ولا بد أن نذكر على أية حال أن ما فُقِد يزيد على نصف ما بقي لنا من البردية، ولا بد أنه كان يحتوي على حوادث طويلة قد فُقِدت الآن دون أمل في الحصول عليها إلا إذا وصلت إلينا نسخة أخرى قد تكون في جوف تربة مصر الغنية بالآثار والمفاجآت.
والنقاط الرئيسية التي جاءت في بداية القصة يمكن أن تلخص فيما يأتي: كان «ستني خعمواس» بن الفرعون «وسر ماعت رع» «رعمسيس الثاني» شغوفًا مجدًّا في البحث عن الكتابات القديمة، وقد نما إليه خبر وجود كتاب اللغة للإله «تحوت» رب الآداب والعلوم والسحر، وقد كتبه بخطه، وعرف أن هذا الكتاب كان يوجد في جبَّانة «منف» في مقبرة «ني-نفر-كا-بتاح» ابن فرعون يدعى «مر-نب-بتاح»، ولما أفلح «ستني-خعمواس» في معرفة هذا القبر المزعوم، ودخله بصحبة أخيه «أنهررو» Anheru وجد هناك أرواح صاحب القبر وزوجه وابنه، وبجانبهم الكتاب الذي كان يسعى في الحصول عليه، غير أنهم أبوا أن يعطوه إياه؛ فقد كان مِلكهم ولأنهم دفعوا حياتهم الدنيوية ثمنًا له، وقد أفادتهم قوته السحرية جزاء وفاقًا حتى وهم في قبرهم. هذا، وقد حاولت «أهوري» أن تصرف خعمواس عن الاستيلاء على الكتاب بإخباره عن قصتهم المحزنة.
........................................................
1- Griffith. The stones of the High priest of Memphis. P. 68, Maspero: Les Contes populaires de I’Egypyte Ancienne 3e édition. P. 100
2- يعني اسم «خعمواس» الظهور في طيبة؛ مما يدل على أنه على ما يظهر قد وُلِد في العاصمة الجنوبية، ولكنه عاش ومات في «منف» وقد كان رئيسَ كلِّ النظام الديني لعصره، كما كان أبرز أولاد رعمسيس الثاني. هذا، ونعلم من الوثائق المعاصرة أن أمَّه كانت تُدعَى «أست-نفرت»، وتدل شواهد الأحوال على أنه في صباه قد اشترك في حروب والده، غير أن أعماله المدوَّنة لدينا تحمل بوجه خاص صبغة دينية، ويظهر ذلك بصورة بارزة في أحفال الأعياد القومية منذ السنة الثلاثين من عهد رعمسيس وما بعدها.
والظاهر أن «خعمواس» مات في السنة الخامسة والخمسين من حكم والده الذي دام حوالي سبع وستين سنة، وإلا فإنه كان المرشح الأول لتولي العرش المصري بعد وفاة والده، والواقع أن خليفة رعمسيس هو ابنه مرنبتاح، وهو الابن الثالث عشر لرعمسيس، على حسب ترتيب الأولاد.
وقبر «خعمواس» يوجد بالقرب من الهرم الأكبر، وقد جاء ذكره كثيرًا على الآثار المصرية، ولكن في القصص الديموطيقية لم يُمثَّل في صورة بطولة عظيمة، بل قد قُصَّت مآسيه وحسب، والظاهر أنه كان يسخر من عمله الذي لم يأت بشيء له قيمة أمام الآلهة، أو حتى أمام الحكماء والسحرة في ذلك العصر المنحط. هذا، ويدل الكشف عن بعض متون دينية متأخرة على أنه كان بحَّاثة لا يَكِل.
وكان اللقب الذي يحمله هو لقب «ستم» وهو لقب كهاني، ولم يكن مخصصًا لكاهن «منف» ولكن كان يحمله دائمًا، وكان كاهن بتاح يحمل اللقب المزدوج ستم ورئيس الصناع، ولا نزاع في أن خعمواس كان يحمل اللقبين. هذا، ونجد أن خعمواس في القصص الديموطيقية يحمل لقب ستم، ومن ثَم فإن اسم ستني أو ستمى خعمواس يرجع إلى اللقب الذي كان يحمله هذا الأمير مدة حياته.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة