هداية الموجودات على يد الإمام
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص147-149
2025-10-12
283
إنّ الأئمة الذين يهدون بأمر الله لهم تعامل مع ملكوت الموجودات، فهم يهدون كلّ موجود إلى الله ويوصلونه من وجهته الأمرية- وليس فقط من وجهته الخلقية- إلى كمال الله تعالى.
انّ قلب الموجودات بيد الإمام، فهو يهديهم إلى الله تعالى من جهة السيطرة والإحاطة بقلوبهم؛ فالإمام- إذاً- هو الذي يهدي الناس إلى الله، يهديهم بالأمر الملكوتي الموجود والملازم له دائماً، وهذه في الحقيقة هي الولاية بحسب الباطن في أرواح وقلوب الموجودات، نظير ولاية كلّ فرد من أفراد البشر عن طريق باطنه وقلبه بالنسبة إلى أعماله، وهذا هو معنى الإمام.
أمّا في الآية الشريفة فانّ الله تعالى يبيّن علّة منح هذا المنصب بهذه الكيفيّة: {لَمَّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ}[1].
أحدها الصبر في طريق الله، والمقصود بالصبر الإستقامة والثبات في جميع الامتحانات والابتلاءات التي تعرض للعبد في طريق العبوديّة والوصول إلى المراد، والأخر أن يكونوا قد وصلوا إلي مرحلة اليقين قبل ذلك.
ونرى في آياتٍ من القرآن المجيد انّها تَعُدُّ علامةَ اليقين كشفَ الحجب الملكوتيّة، فصاحب اليقين هو الذي يدرك حقائق الموجودات وملكوتها، والمحجوب هو الذي يغطي قلبه ستار يمنعه من مشاهدة الأنوار الملكوتيّة، مثل قوله تعالى: {وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[2].
وهذه الآية تشير إلى انّ إرادة ملكوت السماوات والأرض كان مقدّمة لإفاضة اليقين على قلب ابراهيم، ومن هنا فانّ اليقين لن ينفصل عن مشاهدة الانوار الملكوتيّة.
وكقوله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}[3].
لو كنتم تعلمون كعلم أصحاب اليقين، لرأيتم الجحيم ولشاهدتم حقيقة جهنّم أي ملكوت الأفعال القبيحة ومعصية الله والنفس الأمّارة.
وكقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ، وما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}[4].
ويُستفاد من الآيات المتقدّمة انّ المقرّبين- أي أصحاب اليقين- هم الذين ارتبطوا بالملكوت وبحقائق العالم، واجتازت قلوبهم جانب المشاهدة الخلقيّة، فلم يعودوا محجوبين عن الله، لا يحجبهم عنه الحجاب القلبيّ من المعصية والجهل والشكّ والنفاق، واولئكم هم أصحاب اليقين الذين يرون العليّين والحقائق الملكوتيّة للأبرار والأخيار، كما أنهم يشاهدون الحقيقة الملكوتيّة للأشرار وأهل المعاصي التي هي (الجحيم).
وبناءً على هذا فانّ الإمام وهو الهادي إلى أمر ملكوتي، يجب أن يكون قد وصل حتماً إلى مقام اليقين وانكشف له عالم الملكوت، وصار متحقّقاً بكلمات الله؛ وكما ذكر فانّ الملكوت هو الوجهة الباطنية للموجودات، لذا فانّ هذه الآية الشريفة {وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا}[5] تشير بوضوح إلى انّ كلّ ما يتعلّق بأمر الهداية، أي القلوب والأعمال، فانّ باطنها وحقيقتها بيد الإمام، ووجهتها الملكوتيّة والأمريّة حاضرة بمشهد من الإمام لا تخفى عنه لحظة واحدة.
[1] الآية 24، من السورة 32: السجدة.
[2] الآية 75، من السورة 6: الأنعام.
[3] الآية 5 و6، من السورة 102: التكاثر.
[4] الآية 18- 21، من السورة 83: المطفّفين.
[5] الآية 73، من السورة 21: الأنبياء.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة