من هو الذبح العظيم
المؤلف:
الفيض الكاشاني
المصدر:
تفسير الصافي
الجزء والصفحة:
ج4، ص276 -280
2025-09-29
279
قال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]
بما بدله عظيم القدر أو الجثة سمين. العياشي عن الصادق (عليه السلام) إنه سئل كم كان بين بشارة إبراهيم (عليه السلام) باسماعيل وبين بشارته بإسحق قال كان بين البشارتين خمس سنين قال الله سبحانه فبشرناه بغلام حليم يعني إسماعيل وهي أول بشارة بشر الله بها إبراهيم (عليه السلام) في الولد ولما ولد لابراهيم إسحق (عليهما السلام) من سارة وبلغ إسحق ثلاث سنين أقبل إسماعيل إلى اسحق وهو في حجر إبراهيم فنحاه وجلس في مجلسه فبصرت به سارة فقالت يا إبراهيم نحي ابن هاجر ابني من حجرك ويجلس هو مكانه لا والله لا تجاورني هاجر وابنها في بلاد أبدا فنحهما عني وكان إبراهيم (عليه السلام) مكرما لسارة يعزها ويعرف حقها وذلك لأنها كانت من ولد الأنبياء وبنت خالته فشق ذلك على إبراهيم (عليه السلام) واغتم لفراق إسماعيل فلما كان في الليل أتى إبراهيم آت من ربه فأراه الرؤيا في ذبح ابنه إسماعيل (عليه السلام) بموسم مكة فأصبح إبراهيم (عليه السلام) حزينا للرؤيا التي رآها فلما حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم (عليه السلام) هاجر وإسماعيل في ذي الحجة من أرض الشام فانطلق بهما إلى مكة ليذبحه في الموسم فبدأ بقواعد البيت الحرام فلما رفع قواعده خرج إلى منى حاجا وقضى نسكه بمنى ثم رجع إلى مكة فطاف بالبيت اسبوعا ثم انطلقا فلما صارا في السعي قال إبراهيم (عليه السلام) لاسماعيل يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك في الموسم عامي هذا فماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر فلما فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم (عليه السلام) إلى منى وذلك يوم النحر فلما انتهى إلى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه الأيسر وأخذ الشفرة ليذبحه نودي أن يا ابراهيم (عليه السلام) قد صدقت الرؤيا إلى آخره وفدى إسماعيل (عليه السلام) بكبش عظيم فذبحه وتصدق بلحمه على المساكين.
وعنه (عليه السلام) أنه سئل عن صاحب الذبح فقال هو إسماعيل (عليه السلام).
وعن الباقر (عليه السلام) مثله والقمي عن الصادق (عليه السلام) مثله.
وفي الفقيه عنه (عليه السلام) إنه سئل عن الذبيح من كان فقال إسماعيل (عليه السلام) لأن الله تعالى ذكر قصّته في كتابه ثم قال وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين قال وقد اختلفت الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل (عليه السلام) ومنها ما ورد بأنه إسحق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن سحق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله ذلك من قلبه فسماه الله بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك قال وقد ذكرت إسناد ذلك.
في كتاب النبوة متصلا بالصادق (عليه السلام).
أقول: ويؤيد هذا أن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب فلا يناسب الأمر بذبحه مراهقا.
وفي الكافي عنهما (عليهما السلام) يذكران أنه لما كان يوم التروية قال جبرئيل لإبراهيم (عليه السلام) ترو من الماء فسميت التروية ثم أتى منى فأباته بها ثم غدا به إلى عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرفة فبنى مسجدا بأحجار بيض وكان يعرف أثر مسجد إبراهيم (عليه السلام) حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلي الأمام يوم عرفة فصلى بها الظهر والعصر ثم عمد به إلى عرفات فقال هذه عرفات فاعرف بها مناسكك واعترف بذنبك فسمّي عرفات ثم أفاض إلى المزدلفة فسميت المزدلفة لأنه إزدلف إليها ثم قام على المشعر الحرام فأمر الله أن يذبح ابنه وقد رأى فيه شمائله وخلائقه وأنس ما كان إليه فلما أصبح أفاض من المشعر إلى منى فقال لامه زوري البيت أنت واحتبس الغلام فقال يا بني هات الحمار والسكين حتى اقرب القربان سئل الراوي ما أراد بالحمار والسكين قال أراد أن يذبحه ثم يحمله فيجهزه ويدفنه قال فجاء الغلام بالحمار والسكين فقال يا أبت أين القربان قال ربك يعلم أين هو يا بني أنت والله هو إن الله قد أمرني بذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني إن شآء الله من الصابرين قال فلما عزم على الذبح قال يا أبت خمر وجهي وشد وثاقي قال يا بني الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليك اليوم قال الباقر (عليه السلام) فطرح له قرطان الحمار ثم أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه قال فأقبل شيخ فقال ما تريد من هذا الغلام قال أريد أن أذبحه فقال سبحان الله غلام لم يعص الله طرفة عين تذبحه فقال نعم إن الله قد أمرني بذبحه فقال بل ربك ينهاك عن ذبحه وإنما أمرك بهذا الشيطان في منامك قال ويلك الكلام الذي سمعت هو الذي بلغ بي ما ترى لا والله لا اكلمك ثم عزم على الذبح فقال الشيخ يا إبراهيم إنك إمام يقتدى بك فإن ذبحت ولدك ذبح الناس أولادهم فمهلا فأبى أن يكلمه ثم قال (عليه السلام) فأضجعه عند الجمرة الوسطى ثم أخذ المدية فوضعها على حلقه ثم رفع رأسه إلى السماء ثم انتحى عليه المدية فقلبها جبرئيل (عليه السلام) عن حلقه فنظر إبراهيم فإذا هي مقلوبة فقلبها إبراهيم (عليه السلام) على حدها وقلبها جبرئيل (عليه السلام) على قفاها ففعل ذلك مرارا ثم نودي من ميسرة مسجد الخيف[1] يا ابراهيم (عليه السلام) قد صدقت الرؤيا واجتر الغلام من تحته وتناول جبرئيل الكبش من قلة بثير فوضعه تحته وخرج الشيخ الخبيث حتى لحق بالعجوز حين نظرت إلى البيت والبيت في وسط الوادي فقال ما شيخ رأيته بمنى فنعت نعت إبراهيم (عليه السلام) قالت ذاك بعلي قال فما وصيف رأيته معه ونعت نعته فقالت ذاك ابني قال فإني رأيته أضجعه وأخذ المدية ليذبحه قالت كلا ما رأيته إبراهيم (عليه السلام) أرحم الناس وكيف رأيته يذبح ابنه قال ورب السماء والأرض ورب هذه البنية لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية ليذبحه قالت لم قال زعم أن ربه أمره بذبحه قالت فحق له أن يطيع ربه قال فلما قضت مناسكها فرقّت أن يكون قد نزل في ابنها شيء فكأني أنظر إليها مسرعة في الوادي واضعة يدها على رأسها وهي تقول رب لا تؤاخذني بما عملت بام إسماعيل قال فلما جاءت سارة فاخبرت الخبر قامت إلى إبنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشا في حلقه ففزعت واشتكت وكان بدو مرضها الذي هلكت فيه قال (عليه السلام) أراد أن يذبحه في الموضع الذي حملت ام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عند الجمرة الوسطى فلم يزل مضربهم يتوارثون به كابر عن كابر حتى كان آخر من ارتحل منه علي بن الحسين (عليهما السلام) في شيء كان بين بني هاشم وبين بني امية فارتحل فضرب بالعرين.
والعياشي والقمي عن الصادق (عليه السلام) ما يقرب منه بزيادة ونقصان.
[1] الخيف ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء ومنه سمي مسجد الخيف بمنى.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة