مناظرة هِشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد في لزوم وجود الإمام في المجتمع
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص18-22
2025-09-29
332
روى الحجّة الكليني في كتاب (الكافي)[1]، عن علي بن ابراهيم، عن والده، عن حسن بن ابراهيم، عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام جماعةٌ من أصحابه منهم حُمران بن أعين ومحمّد بن النّعمان وهِشام بن سالم والطّيار وجماعةٌ فيهم هِشام بن الحَكَم[2] وهو شابّ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام: يا هشام! أ لا تخبرني كيفَ صنعتَ بعمرو بن عبيدٍ؟ فقال هِشام: يا ابن رسول الله إني اجِلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك. فقال أبو عبد الله: إذا أمرتُكم بشيءٍ فافعلوا.
قال هشام: بَلَغني ما كان فيه عمرو بن عبيدٍ وجلوسُه في مسجد البصرة، فَعَظُمَ ذلك على، فخرجتُ اليه ودخلتُ البصرةَ يومَ الجمعة فأتيتُ مسجدَ البصرة، فاذا أنا بحَلْقَة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شَمْلَةٌ سوداء مُتّزراً بها من صوف، وشملةٌ مُرتدياً بها، والناسُ يسألونه، فاستفرجتُ الناسَ فأفرجوا لي، ثم قعدتُ في آخر القوم على ركبتيّ ثم قلتُ: أيهّا العالم! إني رجلٌ غريبٌ تأذنُ لي في مسألة! فقال لي: نعم!
فقلتُ: ألَكَ عَيْنٌ؟
فقال: يا بُني أي شيء هذا من السؤال، وشيء تراه كيف تسألُ عنه؟
فقلتُ: هكذا مسالتي
فقال: يا بُني سَل وإن كانتْ مسألتُك حمقاء.
قلتُ: أجِبني فيها.
قال لي: سَل!
قلتُ: ألَكَ عَيْنٌ؟
قال: نعم.
قلتُ فما تصنعُ بها؟
قال: أرى بها الألوان والأشخاص.
قلتُ: فَلَكَ أنْفٌ؟
قال: نعم.
قُلتُ: فما تصنعُ به؟
قال: أشمّ به الرّائحة.
قلتُ: ألَكَ فمٌ؟
قال: نعم.
قلتُ: فما تصنعُ به؟
قال: أذوقُ به الطّعْمَ.
قُلْتُ: فَلَكَ اذُنٌ؟
قال: نعم.
قلتُ: فما تصنعُ بها؟
قال: أسمعُ بها الصّوتَ.
قلتُ: ألَكَ قَلْبٌ؟
قال: نعم.
قلتُ: فما تصنعُ به؟
قال: اميّزُ به كُلما وَرَدَ على هذه الجوارح والحواسّ.
قلتُ: أوَ ليسَ في هذه الجوارح غنى عن القلب؟
فقال: لا.
قلتُ: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمةٌ؟
قال: يا بُني! إنّ الجوارح إذا شكّت في شيءٍ شَمّتْهُ أو رأته أو ذاقته أو سمعته رَدّتْهُ إلى القلب فَيَسْتَيْقِنُ اليقين ويُبْطِلُ الشَكّ.
قال هشام: فقلتُ له: فإنّما أقامَ الله القلبَ لشكّ الجوارح؟
قال: نعم.
قلتُ: لا بُدّ من القلب وإلّا لم تستيقن الجوارحُ؟
قال: نعم.
فقلتُ له: يا أبا مروان[3]، فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يُصحّح لها الصحيحَ ويتيقّنُ به ما شُكّ فيه ويَتْرُكُ هذا الخلقَ كلّهم في حَيْرتهم وشكّهم وإختلافهم، لا يُقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ويُقيم لك إماماً لجوارحك تردّ اليه حيرتَك وشكّك؟!
قال: فسكتَ ولم يقل لي شيئاً، ثم التفتَ إلى فقال لي: أنت هشامُ بن الحكم؟ فقلتُ: لا.
قال: أمِن جُلسائِهِ؟
قلتُ: لا.
قال: فمن أين أنتَ؟
قال: قُلتُ: من أهل الكوفة.
قال: فأنتَ إذاً هو. ثم ضمّني اليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتّى قمتُ.
قال: فضحك أبو عبد الله عليه السلام وقال: يا هشام. مَن علمك هذا؟
قال: شيءٌ أخذتُه منك وألّفتُهُ.
فقال: هذا والله مكتوبٌ في صُحُف إبراهيم وموسى.[4]
وباعتبار انّ الإمام بمنزلة قلب العالم ومخّه، فانّ سروره وحُزنه سيؤثرّ في جوارحه وأعضائه أي في جميع مخلوقات الله واحداً فواحداً.
يقول السيوطي في (الخصائص الكبرى): وأخرج الحاكمُ والبيهقيّ وأبو نعيم عن الزُّهري قال: لما كَانَ صباحُ قُتِلَ عَلي بنُ أبي طَالِبٍ، لم يُرْفَعْ حَجَرٌ في بَيْتِ المقْدِسِ إلَّا وُجِدَ تحتهُ دَمٌ.
وأخرج أبو نعيم من طريق الزُّهري عن سعيد بن المسيّب قال: صَبِيحة يَوم قُتِلَ عَلي بْنُ أبي طَالِبٍ، لم تُرفَعُ حَصَاةٌ مِنَ الأرضِ إلَّا وتحتها دَمٌ عَبِيطٌ.[5]
[1] (اصول الكافي)، المجلّد الأول، ص 169، كتاب الحجّة، باب الإضطرار إلى الحجّة.
[2] ولد هشام بن الحكم في الكوفة، ونشأ وترعرع في واسط، ثم عمل بالتجارة في بغداد وسكن هناك إلى آخر عمره؛ وقد نُقل مدحُه والثناء عليه عن الأئمّة الصادق والكاظم والرضا عليهم السّلام. كان راوياً للحديث وله أصل في الاصول الأربعمائة الشيعيّة، وكان من أجلّة المحدّثين ومهرة المتكلّمين والمناظرين، وكان له في فتوّته مهارة كبيرة في فنّ المناظرة (رجال الميرزا محمّد بن علي الأردبيلي المعروف بـ(جامع الرواة) ج 2، ص 313 وهذه الرواية يرويها المجلسي أيضاً في (بحار الأنوار) ج 7، ص 3، نقلًا عن (إكمال الدين) و(علل الشرايع) و(الأمالي) للشيخ الصّدوق.
[3] (أبو مروان) كُنية عمرو بن عبيد.
[4] يروي الصدوق هذه الرواية في (الامالي)، ص 351، عن سعد بن عبد الله، عن ابراهيم بن هاشم، عن اسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام جماعة من أصحابه فيهم حُمران بن أعين ومؤمن الطّاق وهشام بن سالم والطيّار وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شابّ؛ ثمّ ينقل عين الحديث إلى آخره. وأورده المرحوم المجلسي في (بحار الانوار) الطبعة الكمباني ج 14، ص 549 (السماء والعالم)، وفي الطبعة الحروفية ج 61، ص 248 عن (أمالي الصدوق).
[5] الخصائص الكبرى)، ج 2، ص 124، حسب نقل (شيعه در اسلام) للسبط، القسم الثاني، ص 124.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة