ثورة الغز
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 219 ــ 220
2025-09-24
233
لم تكن الظروف السياسية والعسكرية المحيطة بالسلطان سنجر مواتية لاستمرار حكمه، فقد كان شيخاً هرماً، وأخذ نفوذه ينحسر تدريجاً عن الأقاليم المجاورة له بعد الحروب الكثيرة التي حفل بها عهده، كما أن هزيمته أمام القراخطائيين أصابت دولته بضربة قوية، وقامت دول وإمارات مستقلة كثيرة من حوله مثل الدولة الخوارزمية والدولة القراخطائية، وكانت الدولة الغورية تسيطر على جبال الغور ومدينة فيروزكوه القريبة من غزنة، ثم امتد نفوذها إلى هراة وحاصر ملكها علاء الدين حسين ( 556 هـ / 1149 - 1161م) مدينة بلخ في عام (547هـ / 1152م)، فتصدى له السلطان سنجر وهزمه وأسره، ثم أطلق سراحه ورده إلى بلاده وأضحى علاء الدين حسين كأحد أتباعه، فأظهر طاعته ووفاءه له والانقياد إليه(1).
وكانت ثورة الغز التي اشتعلت في عام (548هـ / 1153م) الفتنة الأخيرة التي قضت على السلاجقة العظام في المشرق والغز من القبائل التركية البدوية المسلمة التي تسكن بلاد ما وراء النهر، وعندما استولى القراخطائيون عليها طردوهم منها، فنزحوا إلى خراسان واستقروا بالقرب من مدينة بلخ يرعون مواشيهم من مراعيها، فأراد حاكمها قماج، إبعادهم، فطلب منهم الابتعاد عنها، فاستقطبوه بالمال فسكت مدة ثم عاد وطلب منهم الانتقال إلى مكان آخر بعيد عن مدينته، وعبثاً حاولوا بذل المال له ليعود عن رأيه، وأصرّ على أن يغادروا بلاده.
نتيجة لهذا الإصرار والتصلب في المواقف كان لا بد من الصدام المسلح، فسار قماج إليهم على رأس عشرة آلاف فارس لإجلائهم عن المنطقة، فاصطدموا به وتغلبوا عليه ونهبوا متاعه وتجهيزاته وأكثروا القتل في عسكره، وفر إلى السلطان سنجر في مرو، فأخبره بالوضع المتردي في بلخ فأرسل السلطان إليهم يتهددهم ويتوعدهم إن لم يغادروا بلاده فاعتذروا وبذلوا مالاً كثيراً ليكف عنهم ويتركهم في مراعيهم، فلم يجبهم إلى ذلك، فجهَّز حملة عسكرية بلغ تعداد أفرادها مائة ألف فارس وسار على رأسها لقتالهم غير أنه تعرّض لهزيمة نكراء في (محرم 548هـ / نیسان 1153م). وأمعن الغز في جنود السلاجقة قتلاً وأسراً، وكان قماج من بين القتلى، ووقع السلطان سنجر في أسرهم مع جماعة من أمرائه، فقتلوهم وأبقوا السلطان أسيراً، وانسابوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، ودخلوا العاصمة مرو وخربوها وكذلك فعلوا بنيسابور، وبكل بقعة نزلوا بها.
وعندما عادت فلول الجيش السلجوقي إلى نيسابور وكان الغز قد خرجوا منها، اختاروا سليمان شاه بن السلطان محمود سلطاناً عليهم وخطبوا له، وسار على رأسهم إلى مرو لقتال الغز غير أنه تعرَّض للهزيمة، وولى جنده الأدبار متوجهين إلى نیسابور فتبعهم الغز، ونهبوا في طريقهم مدينة طوس وخربوها وقتلوا كثيراً من أهلها، ولما وصلوا إلى نيسابور في( شوال 549هـ كانون الأول 1154م) لم يجدوا من يدافع عنها أو يحميها، فنهبوها نهباً ،مجحفاً، وقتلوا رجالها، وسبوا نساءها وأطفالها، وأخذوا ،أموالهم وأحرقوا ما بها من خزائن الكتب، وانتشروا في مدن خراسان الأخرى ففعلوا بها مثل ما فعلوا بمرو ونيسابور.
وتدليلاً على شدة هول الكارثة ذكر ابن الأثير أنه يتعذر وصف ما جرى منهم على تلك البلاد جميعها، ولم يسلم من خراسان شيء لم تنهبه الغز غير هراة ودهستان؛ لأنها كانت حصينة فامتنعت (2).
لم يكن السلطان سليمان شاه على قدر المسؤولية التي ألقيتعلى عاتقه، فكان سيء السيرة والتدبير ضعيف الإرادة، استمرت دولة السلاجقة العظام في عهده في التدحرج نحو الهاوية، لذلك غادر خراسان في (صفر 549هـ / نيسان 1154م) وعاد إلى جرجان، فاجتمع الأمراء واختاروا محمود بن محمد، ابن أخت السلطان سنجر، سلطاناً عليهم وخطبوا له على منابر، خراسان فاستدعوه وانقادوا له، وذلك في شوال/ كانون الأول، فترأسهم وهاجم الغز الذين كانوا يحاصرون هراة، وجرت بينهما معارك عدة كان النصر في أغلبها للغز (3).
وفي الوقت الذي كانت فيه دولة السلاجقة العظام تتعرض لفتنة الغز، نشط الأمراء والمماليك في استغلالها لاقتطاع ما يمكن اقتطاعه من الأملاك السلجوقية. فقد علا شأن أحد مماليك السلطان سنجر، ويُدعى أي أيه ويُلقب بالمؤيد، فاستولى على نيسابور وطوس ونسا وأبيورد وشهرستان ودامغان وطرد الغز منها واستقل بها، وعدل في الرعية، واستقطب الناس بسيرته الحسنة، فاستقرت له الأمور وكثرت جموعه.
ويبدو أن السلطان محمود بن محمد يئس أخيراً من قتال الغز، فسار إلى نیسابور، فوجد المؤيد قد غلب عليها فراسل الغز في الصلح، ويبدو أن هؤلاء استمروا على ولائهم للسلاجقة على الرغم من ثورتهم فوافقوا على الصلح الذي تم في (رجب 550هـ/ أيلول 1155م).
..................................................................
(1) ابن الأثير: جـ 9 ص 189
(2) الكامل في التاريخ: جـ 9 ص 201.
(3) ابن الأثير: جـ 9 ص 204، 205.
الاكثر قراءة في الدولة العباسية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة