عقيدتنا في الإسلام
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1، ص 269 - 274
2025-09-09
287
نعتقد أن الدين عند الله الإسلام وهو الشريعة الإلهية الحقة التي هي خاتمة الشرائع وأكملها وأوفقها في سعادة البشر ، وأجمعها لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم وصالحة للبقاء مدى الدهور والعصور ، لا تتغير ، ولا تتبدل ، وجامعة لجميع ما يحتاجه البشر من النظم الفردية والاجتماعية والسياسية ، ولما كانت خاتمة الشرائع ولا تترقب شريعة اخرى تصلح هذا البشر المنغمس بالظلم والفساد ، فلا بد أن يأتي يوم يقوى فيه الدين الإسلامي فيشمل المعمورة بعد له وقوانينه (أ).
ولو طبقت الشريعة الإسلامية بقوانينها في الأرض تطبيقا كاملا صحيحا لعم السلام بين البشر وتمت السعادة لهم ، وبلغوا اقصى ما يحلم به الإنسان من الرفاه والعزة والسعة والدعة والخلق الفاضل ، ولا نقشع الظلم من الدنيا ، وسادت المحبة والإخاء بين الناس أجمعين ، ولا نمحى الفقر والفاقة من صفحة الوجود.
وإذا كنا نشاهد اليوم الحالة المخجلة والمزرية عند الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين ، فلأن الدين الإسلامي في الحقيقة لم يطبق بنصه وروحه ابتداء من القرن الأول من عهودهم ، واستمرت الحال بنا ـ نحن الذين سمينا أنفسنا بالمسلمين ـ من سيئ إلى أسوأ ، إلى يومنا هذا ، فلم يكن التمسك بالدين الإسلامي هو الذي جر على المسلمين هذا التأخر المشين ، بل بالعكس ، إن تمردهم على تعاليمه واستهانتهم بقوانينه وانتشار الظلم والعدوان فيهم من ملوكهم إلى صعاليكهم ، ومن خاصتهم إلى عامتهم ، هو الذي شل حركة تقدمهم ، وأضعف قوتهم وحطم معنوياتهم ، وجلب عليهم الويل والثبور ، فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) تلك سنة الله في خلقه (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) ، (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) ، (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
وكيف ينتظر من الدين أن ينتشل الامة من وهدتها وهو عندها حبر على ورق لا يعمل بأقل القليل من تعاليمه. من الإيمان والأمانة والصدق والاخلاص وحسن المعاملة والايثار وأن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه وأشباهها من أول اسس دين الإسلام ، والمسلمون قد ودعوها من قديم أيامهم إلى حيث نحن الآن ، وكلما تقدم بهم الزمن وجدناهم أشتاتا وأحزابا وفرقا يتكالبون على الدنيا ويتطاحنون على الخيال ويكفر بعضهم بعضا بالآراء غير المفهومة ، أو الامور التي لا تعنيهم ، فانشغلوا عن جوهر الدين وعن مصالحهم ومصالح مجتمعهم بأمثال النزاع في خلق القرآن ، والقول بالوعيد والرجعة وأن الجنة والنار مخلوقتان أو سيخلقان ونحو هذه النزاعات التي أخذت منهم بالخناق وكفّر بها بعضهم بعضا ، وهي وإن دلت على شيء فإنما تدل على انحرافهم عن سنن الجادة المعبدة لهم إلى حيث الهلاك والفناء ، وزاد الانحراف فيهم بتطاول الزمان حتى شلهم الجهل والضلال وانشغلوا بالتوافه والقشور وبالأتعاب والخرافات والأوهام وبالحروب والمجادلات والمباهاة ، فوقعوا بالأخير في هاوية لا قعر لها يوم تمكن الغرب المتيقظ العدو اللدود للإسلام من أن يستعمر هذه البقاع المنتسبة إلى الإسلام وهي في غفلتها وغفوتها ، فيرمى بها في هذه الهوة السحيقة ولا يعلم إلّا الله تعالى مداها ومنتهاها (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ).
ولا سبيل للمسلمين اليوم وبعد اليوم إلّا أن يرجعوا إلى أنفسهم فيحاسبوها على تفريطهم ، وينهضوا إلى تهذيب أنفسهم والأجيال الآتية بتعاليم دينهم القويمة ، ليمحوا الظلم والجور من بينهم ، وبذلك يتمكنون من أن ينجوا بأنفسهم من هذه الطامة العظمى ، ولا بد بعد ذلك أن يملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، كما وعدهم الله تعالى ورسوله ، وكما هو المترقب من دينهم الذي هو خاتمة الأديان ولا رجاء في صلاح الدنيا واصلاحها بدونه ، ولا بد من إمام ينفي عن الإسلام ما علق فيه من أوهام وألصق فيه من بدع وضلالات ، وينقذ البشر وينجيهم مما بلغوا إليه من فساد شامل وظلم دائم وعدوان مستمر واستهانة بالقيم الأخلاقية والأرواح البشرية ـ عجل الله فرجه وسهل مخرجه ـ.
______________________
(أ) إن جامعية الإسلام وأكمليته واضحة لمن راجع القرآن الكريم والروايات الواردة عن النبي وأهل بيته ـ عليهم الصلوات والسلام ـ فإنهما يحتويان الكليات الاساسية التي تقدر على بيان حاجات الناس في جميع امورهم من الاعتقادات والاخلاقيات والسياسيات والاجتماعيات والمعاملات والآداب والسنن وغيرها ، كما مرت الإشارة إلى اعتراف فحول فن الفلسفة بأكملية ما في الاصول الإسلامية في مسائل التوحيد ، بحيث لم تبلغه العقول إلّا بعد القرون العديدة ، وهكذا في الفقه وغيره.
قال الفاضل الشعراني ـ قدس سره ـ : «ليس فقه الإسلام ناقصا ، بل لنا كليات يمكن استخراج حكم المسائل المستحدثة منها في كل عصر وزمان ، وهذا أمر رائج من زمان الشيخ الطوسي إلى زماننا هذا ، ولعل مسائل تحرير العلامة تقرب من أربعين ألفا ، وهي تستخرج من ألفين أو ثلاثة آلاف من المنصوصات» (1).
وأيضا الأخلاق الإسلامية فاق الأخلاق اليونانية وغيره ؛ لأنه مضافا إلى كونه مبينا للوظائف الاجتماعية والفردية والتخلق بالأخلاق الحسنة والاعتدال فيها ، يوجه الإنسان نحو الغاية القصوى ، وهو القرب إلى الله تعالى ، وبالجملة كلما زاد عمر الاسلام ، ازداد نورا وظهورا ، ومن نظر في محتوى القرآن والاصول الإسلامية الواصلة إلينا من طريق أهل البيت ـ عليهم السلام ـ اعترف بعظمته وخضع في ساحته ، إلّا أن يكون معاندا ، إذ ليس مكتب من المكاتب بمثل مكتب الإسلام في الغنى والاحتواء لجميع ما يحتاج الناس إليه وفي الأقومية والإتقان.
هذا حقيقة واضحة بل ضرورية لكل من اطلع على محتوى الإسلام ، ولإرشاد الناس إلى هذه الحقيقة وردت الآثار والروايات الكثيرة المتواترة ، ومن جملتها : ما رواه محمّد بن يعقوب عن أبي الحسن موسى ـ عليه السلام ـ حديثا وفيه : قال سماعة : «فقلت : أصلحك الله! أتى رسول الله الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال : نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة ، فقلت : فضاع من ذلك شيء؟ فقال : لا ، هو عند أهله» (2) فالإسلام هو الدين الجامع الذي يقدر لرفع احتياج الناس وإدارة الامور وسوق الناس نحو سعادتهم الدنيوية والاخروية ، وستأتي إن شاء الله حاكمية هذا الدين على جميع أقطار الأرض بظهور ولي الله الأعظم مولانا المهدي الحجة بن الحسن أرواحنا فداه ، ولعل نظر المصنف في قوله : فلا بد أن يأتي يوم يقوى فيه الخ الى ذلك فتدبر جيدا.
______________
(1) راجع كتاب راه سعادت : ص 214.
(2) الاصول من الكافي : ج 1 ص 57.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة