[4] نقلًا عن كيوان السميعيّ في مقدّمة تعليقة كتاب« شرح گلشن راز» ص 65.
بقاء العين الثابتة أو عدم بقائها عند الفناء في كتاب« الشمس الساطعة»
وقام جناب الدكتور السيّد يحيى اليثربيّ استاذ الفلسفة في جامعة تبريز في كتابه القيّم« فلسفة عرفان»( فلسفة العرفان) تحليل لأصول العرفان ومبانيه ومسائله؛ الطبعة الثانية لمركز منشورات مكتب الإعلام الإسلاميّ في قم، بتقديم بحث كامل تحت عنوان« الفناء والبقاء في الله».
ولمّا كانت الصفحات من 445 إلى 480 تعالج المقابلات والمباحثات التي أجراها الحقير مع استاذنا الكبير الفقيد، علّامة عصره وحكيم زمانه والعالم بالله وبأمر الله والعارف الكامل، جامع المعقول والمنقول آية عظماء الله: العلّامة الحاجّ السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ التبريزيّ أرواحنا لتراب مرقده الفداء فرأيتُ، ولمزيد من التوضيح ورفع الشبهات المتوهّمة حول نظريّة الحقير، أن أنقل هنا بعض ما يلزم من مواضيع ذلك البحث. بحول الله وقوّته ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
وقد كانت المقابلات التي وردت في القسم الثانى من كتاب« الشمس الساطع» تدور حول بحثى مع سماحته في بقاء العين الثابت في مرحل الفناء التامّ في ذات الله تبارك- وتعالى وعدم بقائها.
و كان سماحة العلّامة يصرّ على قوله في بقاء العين الثابتة في حين كان الحقير يقول بعدم ذلك، كما ذكر المؤلّف المحترم في ص 445 حتى 447 وقد رفض نظريّتي في خاتمة البحث في ص 479 و480. وقد ذكر( المؤلّف) في الصفحات السابقة عند شرحه لمعنى الفناء وأقسامه وتفصيله اموراً وبيّنها، ومنها ما ورد في ص 457 و458 لإثبات عدم إمكانيّة فناء الحقيقة، حيث ذكر كلاماً للجاميّ وهو:
يمكن الحصول على حلّ لهذه المشكلة في البيان الواضح الذي ذكره الجاميّ فيما يخصّ الفناء. وقد نقلنا فيما سبق بيانه بالتفصيل، وهاهنا نذكر جزءاً من ذلك لبحثه بدقّة وهو قوله:
و أمّا الفناء والبقاء فلهما معنى آخر لدى هذه الطائفة: فهم لا يقصدون بالبقاء بقاء ذات شىء معيّن، بل يعنون بقاء صفات ذلك الشيء وكما يقصدون بالفناء فناء صفاته لا فناء ذاته. بمعنى أنّ المراد من كلّ شيء ليس العين( الثابتة) لذلك الشيء، لكنّ المراد من ذلك هو أنّه طالما كان هذا المعنى موجوداً في ذلك الشيء، فإنّه يُكسب الشيء معنى« البقاء»؛ وذلك لحصول المقصود من ذلك الشيء. وأمّا إذا ازيح ذلك المعنى عن ذلك الشيء فحينئذٍ يسمّى الشيء ب-« الفاني» وذلك لفوات المقصود منه وفقدانه. وهذا ظاهر في التعارف، حيث يقول من يهرم ويضعف: أنا لستُ ذلك الذي كنتُ. فالرجل هو هو لكنّه صفاته تغيّرت؛ كذا في« شرح التعرّف».
ففناء الممكن في الواجب إنّما يكون باضمحلال آثار الإمكان واندراسها، لا بل بانعدام حقيقته؛ كمثل اضمحلال الأنوار المحسوسة في نور الشمس.
چراغ آنجا كه خورشيد منير است *** ميان بود ونابودى اسير است»
يقول:« أنّ المصباح المُضاء حيث الشمس المنيرة، موجودة، أسير بين الوجود والعدم».
و يضيف بعد ذلك قائلًا: أنّ اضمحلال آثار الإمكان في لطيفة أنانيّة العارف، إنّما يكون في ذكائه وإدراكه، لا في جسمه وروحه البشريّة.(« نقد النصوص في شرح نقش الفصوص» الطبعة الجديدة، التعليقة).
و هذا الاضمحلال لآثار الإمكان وفناء الصفات البشريّة سيكون بمعنى أنّ العارف- سيكون بعيداً عنها نوعاً ما؛ كمثل بُعد الشيخ عن الشابّ. وهذا في الحقيقة حركة وتحوّل، وبعبارة أخرى: ولادة جديدة ازيلت عنها بعض الصفات واحتلّت صفات أخرى مكانها. وقد هجر العارف الصفات البشريّة وخواصّها ولوازمها المعروفة، وحصل على صفات وخواصّ وآثار أخرى والتي ليست من نوع صفاتها السابقة وحينئذٍ ستتّخذ لها تعبيراً آخر من مثل: الصفات الإلهيّة والتخلّق بأخلاق الله.
أقول: أنّ التوحيد الذاتيّ بخلاف التوحيد الصفاتيّ هو محلّ البحث والنزاع، وكلام الجاميّ هذا يرجع كلّه إلى التوحيد الصفاتيّ وهو خارج عن بحثنا.
و يعني الفناء الذاتيّ فناء زيد مثلًا في ذات الله عزّ وجلّ. ويعني الفناء التامّ لزيد: أنّ زيداً قد اجتاز كلّ الرسوم ولم يبق له اي اسم أو رسم. هذا هو معنى الفناء التامّ؛ ومعنى ذات الله جلّ جلاله أنّ الوجود البحت أزليّ أبديّ سرمديّ لا متناهٍ، حيث يكون منزّهاً عن كلّ صفة واسم، وخالصاً من كلّ شائبة.
ففي هذه الحالة، إذا قلنا: أنّ العين الثابتة تظلّ باقية في زيد، لزم وقوع أحد المحالين: إمّا أنّنا لم نفرض الفناء على أنّه فناء تامّاً وكاملًا، وأحللنا قدراً من وجود إنّيّة زيد التي تميّزه عن غيره فيه. وهذا خلف؛ لأنّ هذا لا يعني فناء تامّاً. وزيد هذا مع معيّة عينه الثابتة لا يمكنه ولوج الذات؛ لأنّ الذات بسيطة من جميع الجهات وولوجه إلى الذات يستلزم كسر الذات ومحدوديّتها وتركيبها وحدوثها؛ وهذا محال.
و بناء على ذلك، فلا الذات مستعدّة للتخلّي عن بساطتها، ولا زيد- بما أنّه زيد- يمكنه ولوج الذات. فالعين الثابتة هي عبارة أخرى لأنانيّة زيد وماهيّته وتميّزه. فكيف يحقّ له ولوج الذات، والحال أنّها بسيطة من جميع الجهات؟!
و لذلك، إمّا أن ننكر الوصول إلى مقام الفناء الذاتيّ بالمرّة، وإمّا أن نضيف إليها الفناء الذي هو حقيقة العدم والاندكاك ونرفق معها العين الثابتة.
إن الالتزام بالعين الثابتة في الذات، تستلزم محدوديّة الذات وتعيّنها وتركيبها، أو عدم فرض الفناء فناء منذ البداية، أو عدم صبغها بصبغة العدم التامّ والكامل؛ اي الفناء في الصفات. فنحن نقول: أنّ التعيّن يعني زيداً، وأنّ الإطلاق يعني الذات.
و مع الأخذ بنظر الاعتبار وحدة الوجود الحقّة والحقيقيّة والالتزام بوحدة الصرافة الذي يعني انسجامه مع القول بتشخّص الوجود، فإنّه لا يسعنا إلّا أن نقول إنّه لا يمكن أن- تكون هناك ذات واحدة بحتة وبسيطة ولا متناهية محدودة في وجود زيد؛ وإلّا لسقط من الوحدة والتشخّص وصبغة التناهي والتركيب، وبالتالي فإنّه سيتلبّس بلباس الحدوث؛ وهذا خلاف البرهان.
فإذا نظرتم إلى هذه الذات البسيطة، التي تمثّل الوجود وتمتلك تجرّداً وبساطة، بعين البساطة تلك، فإنّ ذلك سيعني الله، والذات، والقديم، إلى آخر أسمائه الحسنى؛ وأمّا إذا نظرتم بعين التعيّن المحدود والمقيّد، فسيعني هذا زيداً وحادثاً ومركّباً.
و على هذا، فالأمر هنا يتعلّق بمسألتين. فزيدٌ إذاً يعني التعيّن، اي العين الثابتة. وإذا أزلتم التعيّن وقلتم: الفناء من التعيّن، فهذا يعني الذات وحسب. وفناء زيد يرجع إلى إسقاط التعيّن. موجود بلا تعيّن، بحت وبسيط، واللامتناهي، هو الذات، وهو الله.
فزيد لن يكون زيداً بدون تعيّن؛ لأنّ تعيّنه يكمن في زيديّته هو. فإذا فني وخلع عنه لباس التعيّن وسُلب من جميع مراتب التعيّن، وهو ما يعني الفناء التامّ والمطلق، فلن يكون بعد ذلك هو نفسه. لن يكون زيداً، بل عدماً. لا وجود لزيد والله موجود. أنّ معنى فناء زيد، هو عدمه ووجود الله. لقد فني زيد في الله؛ اي أنّ زيداً أضحى معدوماً بينما الله موجود.
و لا يصحّ الاستشهاد بالبيت التالي لتمثيل الفناء الذاتيّ وبقاء العين الثابتة:
چراغ آنجا كه خورشيد منير است *** ميان بود ونابودى اسير است»
يقول:« أنّ المصباح المُضاء حيث الشمس المنيرة، موجود اسير بين الوجود والعدم».
فهذا التشبيه مختلف. لأنّ نور المصباح هو غير نور الشمس. وحقيقة هذا الأسر بين الوجود والعدم متحقّق على أيّة حال؛ إلّا أنّ الموجودات المتعيّنة للممكنات بأسرها هي غير الوجود البحت والمجرّد والبسيط، والشمس ليست الذات الأزليّة الأبديّة للّه.
و استناداً إلى أصالة الوجود ووحدته وتشخّصه، فإنّه لا يوجد هناك إلّا وجود واحد قديم وحسب وهو وجود مستقلّ ذو أثر. أنّ الموجودات الممكنة هي موجودات ظلاليّة وتبعيّة ومرآتيّة وآيتيّة ومجازيّة وغير مستقلّة وتعيّنيّة. وعلى هذا، فهي لا تمتلك نوراً، مع كثرتها ومجموعها. إنّه نور الله الذي تجلّى فيها بهذا المقدار. ولا يمكن للموجودات أن تكون إلّا مرايا ومجالات ومظاهر.
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ.( صدر الآية 23، من السورة 53: النجم). نعم، ولعلّ من الأفضل الاستشهاد في هذا المقام بشعر الشيخ العراقيّ:
آفتابى در هزاران آبگينه تافته *** پس به رنگ هر يكى تابى عيان انداخته
جمله يك نور است ليكن رنگهاى مختلف *** اختلافى در ميانِ اين وآن انداخته
يقول:« أنّ الشمس تشعّ في آلاف المرايا وكلّ مرآة تعكس شعاع الشمس بشكل ولون خاصّ بها.
فالكلّ ينبع من نور وشعاع واحد إلّا أنّ كلّ واحد من تلك الإشعاعات له لونه وشكله الخاصّ».
و هو ما تسبّب في نشوء تلك الاختلافات.(« اللمعات» للعراقيّ، ص 389، اللمعة 15).
إذا أردنا أن نمثّل ذلك تمثلًا صحيحاً وقويماً، افترضوا: نصب محطّات أو مراكز في مناطق مختلفة من العالم لعكس أشعة الشمس، وإظهارها في مصابيح مختلفة في المناطق التي غربت عنها الشمس. فإذا أشرقت الشمس عند الافق، فعندها لن يكون لتلك المحطّات أو المراكز اي أثر. أنّ مثل نور هذه المصابيح كمثل سائر الأنوار المنبعثة من الشمس نحو الأرض، فهو لا يمتلك في نفسه تشخّصاً ولا وجوداً، فهو ليس إلّا ذلك الشعاع الوحدانيّ للشمس. ولذا، فإنّ هذه المصابيح ليست أسيرة بين الوجود والعدم؛ بل إنّها في هذه الحالة تمثّل عدماً صرفاً.