إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ هل صحيح أنها نزلت بأبي طالب ؟
قال تعالى : {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].
وهل صحيح أنها نزلت بأبي طالب عليه السّلام ؟ !
نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف ، وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يحبّه ، ويحبّ إسلامه « 1 ».
ولم تنزل بأبي طالب عليه السّلام كما يرويه العامة وبعض الروايات الضعيفة ، ونذكر بعض الروايات التي تدل على إيمان وإسلام أبي طالب عليه السّلام :
1 - قال ابن عباس ، عن أبيه ، قال : قال أبو طالب للنبيّ عليه السّلام : يا بن أخي ، أرسلك اللّه ؟ قال : « نعم » قال : فأرني آية . قال : « ادع لي تلك الشجرة » فدعاها ، فأتت حتّى سجدت بين يديه ، ثم انصرفت ، فقال أبو طالب : أشهد أنك صادق . يا عليّ ، صل جناح ابن عمّك « 2 ».
2 - قيل للصادق عليه السّلام : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافرا ؟ فقال :
« كذبوا ، كيف يكون كافرا وهو يقول :
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيّا كموسى خطّ في أول الكتب » ؟
وفي حديث آخر : « كيف يكون أبو طالب كافرا وهو يقول :
لقد علموا أن ابننا لا مكذّب * لدينا ، ولا يعنى بقيل الأباطل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال « 3 » اليتامى عصمة للأرامل » ؟ « 4 »
3 - قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « بينا النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في المسجد الحرام ، وعليه ثياب له جدد ، فألقى المشركون عليه سلى « 5 » ناقة ، فملؤوا ثيابه بها ، فدخله من ذلك ما شاء اللّه ، فذهب إلى أبي طالب ، فقال له : يا عمّ ، كيف ترى حسبي فيكم ؟ فقال له : وما ذلك ، يا بن أخي ؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبو طالب حمزة ، وأخذ السّيف ، وقال لحمزة : خذ السلى ، ثم توجّه إلى القوم ؛ والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم معه ، فأتى قريشا وهم حول الكعبة ، فلمّا رأوه عرفوا الشرّ في وجهه ، ثمّ قال لحمزة : أمرّ السلى على سبالهم « 6 » ، ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم . ثم التفت أبو طالب عليه السّلام إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقال : يا بن أخي ، هذا حسبك فينا » « 7 ».
4 - قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « لمّا توفّي أبو طالب عليه السّلام نزل جبرئيل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقال : يا محمد ، اخرج من مكّة ، فليس لك بها ناصر .
وثارت قريش بالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فخرج هاربا ، حتى أتى إلى جبل بمكّة يقال له الحجون ، فصار إليه » « 8 ».
5 - قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « أسلم أبو طالب عليه السّلام بحساب الجمّل ، وعقد بيده ثلاثة وستّين » .
ثم قال عليه السّلام : « إنّ مثل أبي طالب عليه السّلام مثل أصحاب الكهف ، أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الشرك ، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين » « 9 ».
وقال أحمد الداوديّ : كنت عند أبي القاسم الحسين بن روح ( قدس اللّه روحه ) إذ سأله رجل : ما معنى قول العبّاس للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : إنّ عمّك أبو طالب قد أسلم بحساب الجمّل ، وعقد بيده ثلاثة وستّين ؟ فقال : عنى بذلك : إله أحد جواد .
وتفسير ذلك : إنّ الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والهاء خمسة ، والألف واحد ، والحاء ثمانية ، والدال أربعة ، والجيم ثلاثة ، والواو ستة ، والألف واحد ، والدال أربعة . فذلك ثلاثة وستّون « 10 » .
6 - قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف ، أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الشّرك ، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين » « 11 » .
7 - قال الأصبغ بن نباتة : سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : « واللّه ما عبد أبي ، ولا جدّي عبد المطلب ، ولا هاشم ، ولا عبد مناف ، صنما قط » .
قيل له : فما كانوا يعبدون ؟
قال عليه السّلام : « كانوا يصلّون إلى البيت ، على دين إبراهيم عليه السّلام ، متمسّكين به » « 12 » .
8 - ذكر ابن بابويه في كتاب ( التوحيد ) من شعر أبي طالب قوله :
أنت الأمين محمّد * قرم أغرّ مسوّد
لمسوّدين أطائب * كرموا وطاب المولد
أنت السّعيد من السّعو * د تكنّفتك الأسعد
من بعد آدم لم يزل * فينا وصيّ مرشد
فلقد عرفتك صادقا * بالقول لا تتفنّد
ما زلت تنطق بالصّواب * وأنت طفل أمرد
قال ابن بابويه : ولأبي طالب في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مثل ذلك في قصيدته اللاميّة ، حيث يقول :
وما مثله في الناس سيّد معشر * إذا قايسوه عند وقت التماصل
فأيّده ربّ العباد بنوره * وأظهر دينا حقّه غير زائل
ومنها :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل
يطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
وميزان صدق لا يخيس « 13» شعيرة * وميزان عدل وزنه غير عائل « 14 » « 15 »
9 - قال الطّبرسيّ في ( مجمع البيان ) : ثبت إجماع أهل البيت عليهم السّلام على إيمان أبي طالب عليه السّلام ، وإجماعهم حجّة ، لأنّهم أحد الثقلين اللذين أمر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالتمسّك بهما ، بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : « ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا » .
ذكره الطّبرسيّ في قوله تعالى : {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ} [الأنعام : 26] ، وذكر من أشعار أبي طالب ما يدلّ على إيمانه ، لم نذكر منها هنا شيئا مخافة الإطالة « 16 » .
وقال ابن طاوس ، في ( طرائفه ) : ومن عجيب ما بلغت إليه العصبيّة على أبي طالب من أعداء أهل البيت عليهم السّلام أنهم زعموا أن المراد من قوله تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أبو طالب عليه السّلام ! وقد ذكر أبو المجد بن رشادة الواعظ الواسطي في مصنّفه ( كتاب أسباب نزول القرآن ) ما هذا لفظه ، قال : قال الحسن بن مفضّل ، في قوله تعالى : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ كيف يقال أنّها نزلت في أبي طالب ، وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن في المدينة ، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بمكّة ؟ !
وإنّما نزلت هذه الآية في الحارث بن النعمان بن عبد مناف « 17 » ، وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يحبّه ، ويحبّ إسلامه ، فقال يوما للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : إنّا لنعلم أنك على الحقّ ، وأن الذي جئت به حقّ ، ولكن يمنعنا من اتّباعك أن العرب تتخطّفنا من أرضنا ، لكثرتهم وقلّتنا ، ولا طاقة لنا بهم ، فنزلت الآية ، وكان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يؤثر إسلامه لميله إليه « 18» .
وقال ابن طاوس أيضا : وكيف استجاز أحد من المسلمين العارفين مع هذه الروايات ، ومضمون الأبيات « 19 » أن ينكروا إيمان أبي طالب عليه السّلام ؟ وقد تقدّمت رواياتهم بوصيّة أبي طالب عليه السّلام أيضا لولده عليّ عليه السّلام بملازمة محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وقوله : إنّه لا يدعو إلا إلى خير . وقول نبيّهم : « جزاك اللّه خيرا ، يا عمّ » . وقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : « لو كان حيا قرّت عيناه » .
ولو لم يعلم نبيّهم أن أبا طالب مات مؤمنا ما دعا له ، ولا كانت تقرّ عينه بنبيّهم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ولو لم يكن إلّا شهادة عترة نبيّهم له بالإيمان لوجب تصديقهم لما شهد نبيّهم أنّهم لا يفارقون كتاب اللّه ، ولا ريب أنّ العترة أعرّف بباطن أبي طالب من الأجانب ، وشيعة أهل البيت عليهم السّلام مجمعون على ذلك ، ولهم فيه مصنّفات « 20 » .
________________
( 1 ) بحار الأنوار : ص 35 ، ح 152 .
( 2 ) أمالي الصدوق : ص 491 ، ح 10 .
( 3 ) الثمال : الغياث ، والذي يقوم بأمر قومه . « مجمع البحرين - ثمل - ج 5 ، ص 332 » .
( 4 ) الكافي : ج 1 ، ص 373 ، ح 29 .
( 5 ) السّلى : الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد ، يكون ذلك للناس والخيل والإبل . « لسان العرب - سلا - ج 14 ، ص 316 » .
( 6 ) السّبلة : الشارب . « الصحاح - سبل - ج 5 ، ص 1724 » .
( 7 ) الكافي : ج 1 ، ص 373 ، ح 30 .
( 8 ) الكافي : ج 1 ، ص 373 ، ح 31 .
( 9 ) معاني الأخبار : ص 285 ، ح 1 .
( 10 ) معاني الأخبار : ص 286 ، ح 2 .
( 11 ) الكافي : ج 1 ، ص 373 ، ح 28 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 14 ، ص 70 .
( 12 ) كمال الدين وتمام النعمة : ص 174 ، ح 32 .
( 13 ) خاس به : غدر به . « الصحاح - خيس - ج 3 ، ص 926 » .
( 14 ) عال الميزان : جار . « لسان العرب - عيل - ج 11 ، ص 489 » .
( 15 ) التوحيد : ص 158 ، ح 4 .
( 16 ) مجمع البيان : ج 4 ، ص 444 .
( 17 ) في مجمع البيان : ج 7 ، ص 406 : الحارث بن نوفل بن عبد مناف .
( 18 ) الطرائف : ص 306 .
( 19 ) في « ط ، ي » : الآيات .
( 20 ) الطرائف : ص 306 .
الاكثر قراءة في سؤال وجواب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة