النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
صلح الإمام الحسن "ع"
المؤلف:
السيد علي الخامنئي
المصدر:
إنسان بعمر 250 سنة
الجزء والصفحة:
ص155-192
2025-07-11
42
الظّروف التّاريخيّة للصّلح
كان عهد الإمام المجتبى عليه السلام وواقعة صلحه مع معاوية ـ ما سُمّي بالصّلح ـ حدثاً مصيريّاً وفريداً على امتداد مسير الثورة الإسلاميّة في العهد الأوّل. فليس لدينا نظير لهذه الحادثة. وهنا أُقدّم إيضاحًا مقتضبًا لهذه العبارة ثمّ أدخل إلى أصل المطلب.
إنّ ثورة الإسلام أي الفكر الإسلاميّ والأمانة الّتي تحمل عنوان الإسلام والّتي أرسلها الله سبحانه إلى العالمين، كانت في عهدها الأوّل عبارة عن نهضةٍ واحدة وتحرّكٍ واحد، جاء في إطار حركة جهاديّة ونهضة ثوريّة عملاقة. وما إن أعلن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الفكر في مكّة حتّى حشد أعداء الفكر التّوحيديّ وأعداء الإسلام صفوفهم للوقوف بوجهه والحيلولة دون أن يشقّ هذا الفكر طريقه، فعمد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى تنظيم هذه النهضة بتعبئة قواه من العناصر المؤمنة صانعًا ملحمةً جهاديّةً في غاية الفطنة والقوّة والتقدّم داخل مكّة استمرّت إحدى عشرة سنة، فكانت تلك المرحلة الأولى.
وبعد ثلاث عشرة سنة، ومن خلال تعاليم النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والشّعارات الّتي رفعها والتّنظيم الّذي اعتمده والتّضحيات الّتي بُذلت ومجموع العوامل التي توفّرت، تحوّل هذا الفكر إلى حكومة ونظام، وتبدّل إلى نظامٍ سياسيّ وحياتيّ لأمّة بأكملها، وكان ذلك عندما قدم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وجعل منها قاعدة له وبسط فيها الحكومة الإسلاميّة، فتحوّل الإسلام من نهضة إلى حكومة، وهذه هي المرحلة الثّانية.
استمرّت هذه المسيرة على مدى عشر سنوات من حياة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والفترة الّتي تلتها من عهد الخلفاء الأربعة، ومن ثمّ إلى زمان الإمام المجتبى عليه الصّلاة والسّلام، وخلافته الّتي استمرّت ما يناهز ستّة أشهر، برز خلالها الإسلام على شكل حكومة. وكان كلّ شيء يتّخذ هيئة النّظام الاجتماعيّ، أي الحكومة والجيش والعمل السياسيّ والثقافيّ والقضائيّ وتنظيم العلاقات الاقتصادية للأمّة، وكان قابلًا للاتّساع، ولو قُدّر له أن يمضي قُدُمًا على هذا النّحو لكان قد عمّ المعمورة بأكملها، أي لكان الإسلام أثبت أنّ لديه هذه القابليّة.
لقد تنامى التيّار المعارض في زمن الإمام الحسن عليه السلام إلى أن استطاع أن يبرز كواحدٍ من العراقيل. بالطبّع، إنّ هذا التيّار المعارض لم يظهر إلى الوجود في عهد الإمام المجتبى عليه السلام، بل في السّنوات التي سبقته. فلو أراد شخصٌ أن يبتعد قليلًا عن الجوانب العقائدية ويعتمد فقط على الشّواهد التاريخيّة، لعلّه يستطيع الادّعاء أنّ هذا التيّار لم يظهر إلى الوجود حتّى في العهد الإسلاميّ، وإنّما كان استمرارًا لما شهدته مرحلة نهضة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أي مرحلة مكّة. بعد ذلك، وصلت الخلافة في عهد عثمان - الّذي كان من بني أميّة ـ إلى أيدي هؤلاء القوم، وأبو سفيان - الذي كان أعمى يومها - كان يجلس بعيدًا مع أصدقائه. فسأل: من هم الحاضرون في الجلسة؟ فجاءه الرّد: فلانٌ وفلانٌ وفلان، فلمّا اطمأنّ بأنّ الحاضرين جميعهم من قومه، ولا يوجد شخصٌ غريب بينهم، خاطبهم قائلاً: "تلقّفوها تلقّف الكرة"[1]، أي تناولوا الحكومة كتناول الكرة ولا تدعوها تفلت منكم. وقد تناقلت تواريخ الشّيعة والسنّة هذه الحادثة. فهذه ليست مسألة عقائديّة، ونحن لا نتناولها وفق رؤية عقائديّة، ولا أُحبّذ أن أتناولها من خلال هذه الرؤية، بل إنّني أُثيرها من بعدها التاريخيّ فقط.
بالطّبع، كان أبو سفيان في ذلك الوقت مسلمًا وقد أسلم، غاية الأمر، كان إسلام ما بعد الفتح أو على شرُف الفتح، عندما لم يكن الإسلام يعيش زمن الغربة والضّعف، فكان إسلامه بعد بلوغ الإسلام أوج قدرته. لقد بلغ هذا التيّار ذروته في عهد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبرز متجسّدًا بمعاوية بن أبي سفيان وهو يقف بوجه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. فباشر هذا التيّار معارضته سادًّا الطّريق بوجه الحكومة الإسلاميّة - أي الإسلام بطابعه الحكوميّ - مفتعلًا المشاكل حتّى تحوّل إلى عائق أمام تقدّم تيّار الحكومة الإسلاميّة عمليًّا.
لقد ذكرنا مرارًا فيما يتعلّق بصلح الإمام الحسن عليه السلام، وما نصّت عليه المصنّفات والكتب أيضًا، عدم قدرة من كان في نفس موقف الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وفي مثل ظروفه، إلّا أن يقوم بمثل ما قام به الإمام الحسن عليه السلام، بما في ذلك أمير المؤمنين عليه السلام نفسه، ولا يستطيع أحدٌ أن يقول إنّ الجانب الفلانيّ من عمل الإمام عليه السلام هو مثارٌ للتّشكيك. كلّا، ففعله عليه السلام كان مطابقًا للاستدلال المنطقيّ الّذي لا يقبل التخلّف.
من هو الأكثر ثوريّة من بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ومن الّذي فاقهم في اصطباغ حياته بصبغة الشّهادة وفاقهم حميّةً للمحافظة على الدّين ومواجهة العدوّ؟ إنّه الحسين بن عليّ عليه السلام، وهو عليه السلام قد شارك الإمام الحسن عليه السلام في هذا الصّلح، فلم يعقد الإمام الحسن الصّلح وحده بل عقداه معًا، غاية الأمر أنّ الإمام الحسن عليه السلام كان المتقدّم يتبعه الإمام الحسين في ذلك. كان الإمام الحسين عليه السلام أحد الذائدين عن مبدأ صلح الإمام الحسن عليه السلام. وعندما بدر اعتراضٌ من أحد الأنصار المقرّبين ــ من هؤلاء المتحمّسين الثائرين ــ على ما فعله الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، ردّ عليه الإمام الحسين عليه السلام، "وغمز الحسين حجراً"[2]، وليس هنالك من يقول: لو كان الإمام الحسين مكان الإمام الحسن لما وقّع الصّلح، كلا، فلقد كان الإمام الحسين إلى جانب الإمام الحسن ووقّع الصلح، ولو لم يكن الإمام الحسن عليه السلام وكان الإمام الحسين عليه السلام وحيدًا في تلك الظّروف لحدث ما حدث ووقع الصلح.
ضرورة الهدنة والصّلح
لقد كانت للصّلح عوامله، ولم يكن بالإمكان تفاديه، فلا مناص منه. يومها لم تكن فكرة شهادة الإمام أمرًا ممكنًا. ويثبت المرحوم الشّيخ راضي آل ياسين، رضوان الله تعالى عليه، في كتابه "صلح الحسن"، تعذّر الشّهادة إذ ذاك ــ وقد ترجمت هذا الكتاب قبل عشرين عاماً وجرى طبعه ـ فليس كلّ قتلٍ شهادة، بل الشّهادة قتلٌ بشروط، ولم تكن تلك الشّروط متوفّرة حينها. ولو قُدّر للإمام الحسن عليه السلام القتل يومذاك لما مات شهيدًا، فقد كان متعذّرًا على أيّ أحد القيام بتحرّكٍ مضمون المصلحة في تلك الظّروف فيُقتل شهيدًا إلّا أن ينتحر.
لقد تحدّثنا عن الصّلح بأبعاده المختلفة. والقضيّة الّتي تبلورت الآن هي أنّ الأمر جرى تنظيمه بعد صلح الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بذكاءٍ وحنكة بنحوٍ لا يدخل فيه الإسلام والنّهضة الإسلاميّة في نفق الخلافة بما تحمله من مواصفات الملكيّة، وهذا كان فنّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. فقد قام هذا الإمام بعملٍ جعل تيّار الإسلام الأصيل ـ الذي كان قد انطلق من مكّة ووصل إلى الحكومة الإسلاميّة وإلى زمن أمير المؤمنين، وإلى زمنه هو ـ يسير في مجرًى آخر، غاية الأمر، أنّه وإن لم يكن على شكل حكومة، لأنّ ذلك لم يكن ممكنًا، فعلى الأقل جرى مرّة أخرى على شكل نهضة. كانت هذه المرحلة الثالثة للإسلام. مرّةٌ أخرى، نهض الإسلام، الإسلام الأصيل، الإسلام المقارع للظلم، الإسلام الّذي لا يداهن، الإسلام البعيد عن التحريف والمنزّه من التحوّل إلى ألعوبة تتقاذفها الأهواء والنزوات. لقد بقي، ولكن بقي على شكل نهضة. أي أنّه في زمن الإمام الحسن عليه الصّلاة والسلام، فإنّ الفكّر الثوريّ الإسلاميّ الذي كان قد طوى مرحلة ووصل إلى السّلطة والحكومة، عاد مرّةً أخرى وتحوّل إلى نهضة. وبالطّبع، كانت هذه المرحلة، مرحلة الثورة، أكثر تعقيدًا بمراتب ممّا كانت عليه في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نفسه، لأنّ الّذين رفعوا الشعارات كانوا ممّن تلبّسوا بزيّ الدّين ولم يكونوا من أهله. وهنا تكمن المشكلة الّتي واجهها أئمّة الهدى عليهم السلام. بالطّبع، من خلال مجمل الآيات وعموم حياة الأئمّة عليهم السلام لقد استنبطُّ ما يلي أنّ هؤلاء العظام عليهم السلام ومنذ صلح الإمام المجتبى عليه السلام وحتى النهاية كانوا دائمًا بصدد إعادة هذه النهضة مجدّدًا لتتّخذ شكل حكومة علويّة وإسلاميّة.ويوجد روايات بهذا الصدد. بالطّبع، يُمكن للبعض الآخر أن لا يرى المسألة على هذا النّحو وأن يراها بنحوٍ آخر، لكنّ تشخيصي هو على هذا الشّكل. كان الأئمّة عليهم السلام يريدون أن يبدّلوا النّهضة مجدّدًا إلى حكومة وتيّارٍ إسلاميٍّ أصيل، وأن يكون هذا التيّار الإسلاميّ بعيدًا عن التلوّن والامتزاج والتلوّث بلوث الأهواء النّفسية، ليمسك بزمام الأمور. بيد أنّ هذا العمل كان عملًا صعبًا.
الغاية من الصلح
إنّ أهم ما كانت الأمّة بحاجة إليه خلال المرحلة الثانية من النهضة - فترة خلافة السفيانيّين والمروانيّين والعبّاسيّين - معرفتها وتشخيصها لمواطن الأصالة في الإسلام ومكامن الانبعاث الّتي ينطوي عليها الإسلام الأصيل والقرآنيّ، من بين طيّات التفسيرات المختلفة والمشتّتة، وأن لا يخلطوا بينها. فهذا التّاكيد في الأديان على التعقّل والتدبّر ليس عبثًا.
وما ورد في القرآن الكريم من حثّ النّاس على التفكّر والتعقّل والتدبّر فيما يتعلّق بأهمّ الموضوعات الدّينيّة وهو التوحيد، ليس لغوًا. فالتوحيد لا ينحصر في قولنا إنّ الله موجودٌ، وهو واحدٌ لا اثنين، بل هذه صورة من التوحيد. فحقيقة التوحيد هي أنّه محيطٌ بلا شاطئ يغرق فيه أولياء الله، وهو وادٍ عظيم الشّأن، لقد طُلب من المؤمنين والمسلمين الموحّدين السّير في هذا الوادي ذي العظمة بتفكّرٍ وتدبّرٍ وتعقّل. وفي الحقيقة، إنّ العقل والتفكّر هما اللذان يستطيعان التقدّم بالإنسان إلى الأمام. وبطبيعة الحال، فإنّ هذا العقل إنّما يتغذّى ويستمدّ من نور الوحي والمعرفة ويستلهم من تعاليم أولياء الله على مراحل متعدّدة، لكن في النّهاية، إنّ الّذي يتحرّك إلى الأمام هو العقل، ومن دونه لا مجال للحركة أبدًا.
إنّ الشّيء الذي كان يحتاج إليه الشّعب الإسلاميّ، على مرّ القرون الّتي تمّ التسلّط فيها عليه باسم الخلافة ــ أي حتّى القرن السّابع، فترة الخلافة العبّاسيّة، وبالطبع، بعد انهيار الخلافة العبّاسيّة، كانت تأتي حكومات من هنا وهناك تحكم باسم الخلافة، كزمن المماليك في مصر، وما تلاها كذلك في البلدان العثمانيّة وأماكن أخرى ــ إنّ ما كان يحتاج إليه هو تحكيم العقل ليعلم ما إذا كانت رؤية الإسلام والقرآن والكتاب الإلهيّ والأحاديث المسلّمة بشأن أولياء الأمور تنطبق مع الواقع المعاش أم لا، إنّ هذا أمر في غاية الأهمية.
لقد تميّزت فترة الخلافة المروانيّة والسّفيانيّة والعبّاسيّة بإفراغ القيم الإسلاميّة من محتواها الحقيقيّ، إذ بقيت منها صورها لكنّ المضامين تبدّلت إلى مضامين جاهليّة وشيطانيّة.
لقد تحوّل ذلك الجهاز الّذي كان يريد تربية وصناعة أناسٍ عقلاء متعبّدين مؤمنين أحرار بعيدين عن التلوّث، خاضعين لله متكبّرين على المتكبّرين - والذي كان أفضله الجهاز الإداريّ الإسلاميّ الذي كان في عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جهاز يُربّي النّاس ويُعلّمهم أصناف المكر ويجعلهم من أهل الدّنيا والأهواء والشّهوات والتملّق وبعيدين من المعنويّات، أناسًا فارغين، ديدنهم الفسق والفساد.
وللأسف، كان الوضع على هذه الشّاكلة على امتداد فترة الخلافة الأمويّة والعبّاسيّة. لقد سطّروا في كتب التّاريخ أمورًا، لو شئنا التطرّق إليها لطال بنا المقام. لقد بدأ الأمر في عهد معاوية، حيث امتدح المؤرّخون معاوية كثيرًا بوصفه بالحلم وسعة الصدر وسماحه لمعارضيه بالتفوّه بما شاؤوا أمامه. ولعلّه كان كذلك لبرهةٍ من الزّمن وفي أوائل حكمه. ولكن هنالك أبعاد أخرى إلى جانب هذا البعد من شخصيّته، نادرًا ما تطرّقوا إليه. فهناك الكثيرون ممّن لم يشيروا إلى طريقة استمالته للأفراد والأقطاب والأشراف من الرّجال لكي يتنصّلوا ممّا يعتقدون ويؤمنون به، بل وتجنيدهم لمواجهة الحقّ. والكثيرون لم يكتبوا مثل هذه الأمور. وهذا - بطبيعة الحال - مدوّن في التّاريخ، وهناك أناسٌ كتبوا ما نعرفه نحن الآن.
إنّ النّاس الّذين كانوا يخضعون لتربية تلك الأجهزة، كانوا يدرجون على عدم التفوّه بما يُخالف هوى الخليفة ورغبته، فيا له من مجتمع! ويا له من إنسان! وأين هي تلك الإرادة الإلهيّة والإسلاميّة الموجودة في النّاس لإصلاح المفاسد وإزالتها وجعل المجتمع مجتمعًا إلهيًّا؟ فهل أنّ مثل هذا الشّيء سيكون ممكنًا؟
يروي "الجاحظ" أو لعلّه "أبو الفرج الأصفهانيّ" أنّ معاوية توجّه إبان حكمه إلى مكّة راكبًا فرسًا، وكان أحد الوجهاء إلى جانبه يومها، ومعاوية منهمكٌ في الحديث معه ويتبعهما آخرون. كان معاوية يُحدّث هذا الرجل متفاخرًا بأمجاده وأمجاد أبيه "أبي سفيان" في الجاهليّة. وكانت مجموعة من الأطفال تلهو في الطّريق، وعلى ما يبدو كانوا يلعبون بالأحجار. وفي تلك الأثناء أصاب حجرٌ جبهة ذلك الرّجل المرافق لمعاوية فسالت الدّماء منها لكنّه لم ينبس ببنت شفة ولم يقطع على معاوية حديثه، فأخذ يتصبّر بينما كانت الدماء تسيل على وجهه ولحيته. وفيما كان معاوية يسهب في الحديث، وإذ به يلتفت إلى صاحبه فيرى الدّماء قد غطّت وجهه، فقال له: إنّ الدماء تسيل من جبهتك، فأجاب الرجل معاوية: أدماءٌ تسيل من جبهتي؟! أين ومتى؟ فلشدّة انبهاره بمعاوية، تظاهر بعدم إحساسه بإصابة الحجر وجرحه وسيلان الدّم من جبهته. فقال له معاوية: عجبٌ لك، أصاب الحجر جبهتك ولم تشعر به! فأجاب: كلّا، لم أشعر به، ثمّ ضرب يديه وقال: واه، إنّه دمٌ! ثم أخذ يُقسم بنفس معاوية وبمقدّساته: لو لم تخبرني، لما شعرتُ بجريان الدّماء لِما في كلامك من حلاوة! فسأله معاوية: كم هو عطاؤك من بيت المال؟ فأجابه: كذا ـ على سبيل المثال ـ قال معاوية: لقد ظلموك، فلا بدّ أن يُزاد أضعافًا ثلاثة! هذه هي الثّقافة الّتي كانت سائدة في الجهاز الحكوميّ لمعاوية.
الذين كانوا يُمسكون بزمام الأمور في تلك الفترة هم الأشخاص الذين كانوا يتزلّفون للزّعماء والخلفاء، فلم تكن الأعمال تُقسّم على أساس الصّلاح والكفاءة، وعادة العربيّ كانت أن يعطي أهميّة بالغة للأصل والنّسب، حيث كان يسأل: ذاك الشّخص من أيّ عشيرة هو؟ ومن هم آباؤه؟ إلّا أنّ هؤلاء حتّى الأصول والأنساب لم يكونوا يراعونها... وفي زمن عبد الملك وبعض أولاده، تمّ تنصيب شخص باسم يوسف بن عمر الثقفيّ واليًا على العراق لمدّةٍ طويلة، وقد بقي حاكمًا وواليًا على العراق لسنوات. وكان معقّدًا وشقيًّا. ومن نافل ما يُنقل عن عقدته أنّه كان قصير القامة، فكان عندما يُعطي قطعة القماش للخيّاط كي يخيطها له، يسأل الخيّاط: هل تكفي هذه القطعة لقامتي؟ فكان الخيّاط ينظر إلى هذه القطعة من القماش، فإذا قال مثلًا إنّها مناسبة لك أيّها الأمير وربّما تزيد، كانوا يأخذون منه ذلك القماش فورًا ويأمرون بمعاقبته. فأدرك الخيّاطون القضيّة، فصاروا عندما يعرض عليهم قطعة القماش ويسألهم ما إذا كانت تكفي لهيكله أم لا، يردّون: كلا، يبدو أنّها لا تكفي ويلزمنا كثير من الجهد لكي نجعلها تتّسق مع بدنك الضّخم. فكان يسرّه ذلك، رُغم علمه بكذب الخيّاط! لقد كان أحمق إلى هذا الحدّ! إنّه ذلك الرجل الّذي قتل زيد بن عليّ عليه السلام في الكوفة. فمثل هذا، تسلّط على نفوس النّاس وأموالهم وأعراضهم لسنوات. فلم يكن يملك لا الأصل ولا النّسب ولا العلم ولا القابليّة، لكن لقربه من قطب السّلطة فقد عُيّن لهذا المنصب، وهذا وبال، ومن أعظم الآفّات الّتي تفتك بأيّ نظام.
الثّمار العظيمة للصلح
استمرّ هذا التيّار على هذا المنوال، فيما كان يسير إلى جانبه تيّار إسلاميّ أصيل هو إسلام القيم والقرآن الّذي لا يعرف المهادنة مع ذلك التيّار الحاكم المنافي للقيم، ومصداقه البارز أئمّة الهدى عليهم السلام والكثير من المسلمين الموالين لهم. وبفضل وجود الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فقد حافظ هذا التيّار القيميّ للنهضة الإسلاميّة على الإسلام - فلولا صلح الإمام المجتبى لما كُتب لذلك الإسلام القيميّ النّهضويّ البقاء، ولزال من الوجود، لأنّ الغلبة كانت لتكون في خاتمة المطاف من نصيب معاوية، ولم يكن الوضع بحيث يمكن أن تكون الغلبة للإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فقد كانت جميع العوامل تسير بالاتّجاه المعاكس لغلبة الإمام المجتبى عليه السلام، ولأن تكون الغلبة لمعاوية وذلك لأنّ الجهاز الإعلاميّ كان طوع يده، ولأنّ شخصيته في العالم الإسلاميّ لم تكن تلك الشّخصيّة الّتي يعجزون عن تبريرها وإبرازها.
ولولا لجوء الإمام الحسن عليه السلام للصلح لكانوا قضوا على وجود آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تمامًا، ولما بقي من يحفظ النّظام القيميّ الأصيل للإسلام، ولكان انتهى كلّ شيء، ولامّحى ذكر الإسلام. ولما كان الدّور ليصل لحادثة عاشوراء. فلو كان الإمام المجتبى عليه السلام قد قرّر الاستمرار في الحرب ضدّ معاوية وانتهت (الحرب) باستشهاد آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، لكان الإمام الحسين عليه السلام قُتل في نفس تلك الحادثة ولحصل نفس الشّيء لكبار الأصحاب، أمثال حجر بن عُديّ، ولكان مات الجميع وما بقي من يستفيد من الفرصة للمحافظة على الإسلام بإطاره القيمي. فقد كان للإمام المجتبى عليه السلام حقٌّ عظيم على بقاء الإسلام.
بالطّبع، كان الصّلح مفروضًا، وقد وقع صلحٌ في النّهاية. ولكن يجب القول بأنّ الإمام لم يكن راغباً به. وتلك الشّروط الّتي أقرّها الإمام، في الواقع، زلزلت أسس عمل معاوية. فالصّلح بذاته وشروط الإمام الحسن عليه السلام، كانت جميعها مكرًا إلهيًّا، ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ﴾[3]، أي لو أنّ الإمام الحسن حارب وقُتل في الحرب - وكان هناك احتمالٌ كبير لأن يُقتل على يد أصحابه أو على يد الجواسيس الّذين اشتراهم معاوية ـ لكان معاوية ليقول أنا لم أقتله بل قتله أصحابه، ولعلّه كان سيقيم العزاء عليه أيضًا، ويبيد جميع أصحاب أمير المؤمنين من بعدها، ولما كان بقي هناك أي شيء باسم التشيّع، حتّى تظهر بعد 20 سنة في الكوفة جماعة تدعو الإمام الحسين عليه السلام. فما كان ليبقى أيّ شيء أصلًا. لقد حفظ الإمام الحسن الشّيعة، أي إنّه حفظ البناء حتّى ترجع الحكومة إلى أهل البيت بعد عشرين أو 25 سنة.
الاعتراض على الصلح
بعد أن صالح الإمام الحسن معاوية، بدأ الجاهلون عديمو الوعي يذمّونه بمختلف العبارات، حتّى كان بعضهم يُسلّم عليه بـ "مذلّ المؤمنين"[4]، ويقولون له إنّك بصلحك هذا قد أذللت المؤمنين المتحمّسين لقتال معاوية واستسلمت لمعاوية، وفي بعض الأحيان كانوا يستخدمون عبارات أكثر احترامًا وأدبًا، إلا أنّ المضمون كان واحدًا. وقد قام الإمام الحسن عليه السلام في مقابل هذه الاعتراضات والملامات بمخاطبتهم بجملة لعلّها هي الأبلغ في كلّ خطبته: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾[5]. وهي آيةٌ قرآنية، وكأنّه يريد أن يقول: قد يكون ما جرى فتنة لكم وامتحانًا أو إنّه متاعٌ محدود لمعاوية.
وهذا يدلّ دلالة واضحة على أنّ الإمام كان ينتظر المستقبل، وهذا المستقبل لا يمكن أن يكون سوى أنّ الحكومة الّتي لا يُمكن أن تكون مقبولة بنظر الإمام الحسن عليه السلام والّتي هي على غير الحقّ يجب أن تتنحّى جانبًا وتأتي حكومة وفق رأيه. لهذا، كان يقول لهم إنّكم لستم مطّلعين على فلسفة هذا الأمر. فماذا تعلمون؟ لعلّ هناك مصلحة في هذا الأمر.
جاء اثنان في بداية الصّلح من وجهاء الشّيعة - مُسيّب بن نَجَبة وسليمان بن صُرَد - ومجموعة من المسلمين إلى الإمام المجتبى عليه السلام. وقالوا لدينا قوى كثيرة من خراسان ومن العراق وغيرهما، ونحن نضعهم تحت تصرّفك، كما إنّنا مستعدّون لملاحقة معاوية حتّى الشام. فطلبهم عليه السلام إلى خلوةٍ وتحدّث معهم لهنيهة. وبعد أن خرجوا من عنده كانوا هادئين وتركوا قوّاتهم ولم يعطوا لمن كان معهم أيّ جوابٍ واضح. ويدّعي طه حسين بأنّ هذا اللقاء في الواقع قد وضع حجر الأساس لجهاد الشّيعة، أي إنّه يريد القول بأنّ الإمام الحسن عليه السلام قد جلس معهم وشاورهم وأوجد في هذا الاجتماع التّشكيلات الشّيعيّة العظيمة.
بناءً عليه، فإنّ هذا المعنى واضحٌ في حياة الإمام الحسن عليه السلام وفي كلماته، وإن لم تكن أرضيّة مثل هذا القيام مهيّأة في ذلك العصر لأنّ وعي النّاس كان قليلًا والإمكانات المالية للعدوّ وإعلامه كانت كثيرة جدًّا. لقد استعمل العدوّ أساليب ما كان الإمام الحسن عليه السلام ليستعملها، كدفع الأموال دون طائل، وجمع الفاسدين والأشرار وأمثالهم. فلذلك كانت يد معاوية مبسوطة بخلاف الإمام الحسن عليه السلام.
توجد رواية عن الإمام الباقر عليه السلام يقول فيها: "وُقّت هذا الأمر في السبعين"[6] فبالتقديرات الإلهية إنّ أمر الحكومة يعود إلى أهل البيت حتّى ولو بعد مرور 30 سنة على شهادة أمير المؤمنين عليه السلام و10 سنوات على شهادة الإمام الحسين عليه السلام. إلّا أنّ منتهى الأمر هو كيف يمكن أن تحصل هذه النتيجة بمثل هذه العظمة؟ ذلك عندما يُهيّئ النّاس مقدّماتها بالإرادة والعزم. فالله تعالى لا يُحابي أحدًا، وليس له من أقارب! فالأمر الّذي كان على عاتق النّاس لم يُنجزوه. أمّا العمل الّذي كان على عاتق الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام فقد أدّياه، ولكن العمل الّذي كان على عاتق الخواص ــ عبد الله بن جعفر وعبد الله بن عبّاس وغيرهما ــ فلم يتمّ. حتّى أولئك الّذين جاؤوا فيما بعد إلى كربلاء وحاربوا مع الإمام الحسين عليه السلام فلم يقوموا بما كان ينبغي عليهم القيام به في زمان مسلم، لقد قصّروا، وإلّا لما حدث لمسلم ما حدث. كان عليهم أن ينهوا المسألة ولم يفعلوا. وهذا التقصير أدّى إلى أن تحدث واقعة كربلاء.
ثمّ يقول عليه السلام: "فلمّا أن قُتل الحسين صلوات الله عليه اشتدّ غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة"[7]. أي أنّه في الظاهر قد تأخّر. وبرأيي قد وصل إلى سنة 140أي أنّه تأخّر سبعين سنة. وهي السّنوات الّتي وصل فيها العبّاسيّون إلى السّلطة... أي من المعلوم أنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام، قد هيّأ الأرضيّة لهذا العمل الكبير وإلا فإنّ الأئمّة عليهم السلام لم يكونوا ليتركوا القضيّة. فهل أنّ قضية الولاية والحكومة هي قضيّة بسيطة؟! لقد كان هذا أساس الدّين ومحوره. ولكن هذا ما حدث في النّهاية.
الصّلح وتبديل مجرى الخلافة
لقد قيل الكثير بشأن هذا الصّلح. وأمّا ما أُريد أن أقوله فهو التّعامل مع قضيّة صلح الإمام الحسن عليه السلام من وجهة نظر جديدة. لأنّ هذه الحادثة تُمثّل مقطعًا تاريخيًّا شديد الحساسية يجعل أهميّة هذه الحادثة أكبر من أيّ حادثة سياسيّة طيلة تاريخ الإسلام. إنّ تاريخ الإسلام مليءٌ بالأحداث المختلفة - أحداث عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وما بعده وعصر أمير المؤمنين عليه السلام والحوادث في عهد الأئمّة عليهم السلام والأمويّين والعبّاسيّين - فالإسلام تاريخٌ مليءٌ بالحوادث المهمّة. لكن قليلةٌ هي الأحداث الّتي لدينا والتي تُشبه هذه الحادثة، حادثة الإمام الحسن عليه السلام، من حيث البُعد المصيريّ للتّاريخ الإسلاميّ كلّه، فأنا العبد قد نقّبت وبحثت في تاريخ الإسلام ولعلّه يوجد ما يشبه هذه الحادثة واحدة او اثنتين، كان لهما هذا التّأثير على كل تيّار حركة الإسلام وتاريخ الإسلام كلّه وعلى مرّ القرون المتمادية. فمن هذه النّاحية، فإنّ حادثة (الإمام الحسن) حادثة مهمّةً جداً.
خلاصة الأمر إنّ هذه الحادثة عبارة عن تبديل تيّار الخلافة الإسلاميّة إلى المَلَكية. هذه جملة مليئة بالمعنى والمضمون لو تأمّلنا فيها. فالخلافة هي نوع من الحكومة والملكية هي نوعٌ آخر. ولا ينحصر التمايز بين هاتين بخصوصيّة واحدة أو خمس خصوصيّات. فمسار الملكيّة ومسار الخلافة، هما مساران منفصلان ويتمايزان بالكامل على مستوى إدارة المسلمين وحكمهم، وإدارة البلاد والمجتمع الإسلاميّ. ففي هذه الحادثة تبدّل مسار القطار العظيم للتاريخ الإسلاميّ والحياة الإسلاميّة، مثلما يحدث عندما تنظرون إلى القطارات عند تغيّر مساراتها، ففي محلٍّ ما يتمّ تبديل هذه السكّة ويؤدّي ذلك إلى أن يتغيّر مسار القطار 180 درجة، وقد يكون القطار متّجهًا شمالًا فيُصبح بعد ذلك متّجهًا جنوبًا. وبالطبع، إنّ هذا التغيير إلى 180 درجة لا يحصل في لحظةٍ واحدة ٍملموسة، لكن مآل ذلك أنّ الإنسان يُشاهد شيئًا يُشبه هذا الأمر. أنا أنظر إلى هذه الحادثة من زاوية النّظر هذه.
صراع الحق والباطل
هناك سبعة أسئلة أساس تدور حول هذه القضية:
الأوّل: بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام حلّ مسارٌ آخر مكان المسار السّابق، فانتقلت السّلطة من خطٍّ إلى خطٍّ آخر، بحسب تعبير اليوم. فما هي مميّزات وخصائص هذين الخطّين؟ وما هي خصائص هذين المسارين اللذين تبادلا الأدوار معًا؟
الثاني: ما هي أساليب تيّار الباطل الّذي أمسك بالسّلطة من أجل كسب السّيادة والهيمنة على المجتمع؟
الثالث: ما هي أساليب تيّار الحقّ الّذي خسر السلطة ــ أي تيّار الإمام الحسن ــ من أجل مقاومة تيّار الباطل؟ ما هي الأساليب والطرق الّتي استخدمها الإمام؟
الرابع: تحليل ودراسة الهزيمة. ماذا حدث حتّى انهزم تيّار الحقّ في هذه الأحداث؟ ما هو تحليل هذه الأمور؟
الخامس: كيف كان سلوك المنتصرين تجاه المغلوبين؟ لأنّ من أهم الفصول المليئة بالدروس والعبر هو هذا الفصل.
السادس: كيف كان سلوك المغلوبين مقابل الغالبين؟ أيّ سياسة اختاروا؟ وأيّ استراتيجيّة؟ وماذا كانت عاقبة الأمر؟
السابع: ماذا كانت العاقبة؟
خصائص تيّار الحقّ والباطل
فيما يتعلّق بخصائص كلّ تيّار، هناك الكثير ممّا يُمكن أن يُقال، بحيث لو أردنا أن نُعدّدها لاحتجنا إلى لائحةٍ طويلة،...، فإنّ تيّار الحقّ، أي تيّار الإمام الحسن عليه السلام، يُعطي الأصالة للدّين، فبالنسبة لهم الأصل كان الدّين. فما هو الدّين؟ هو أن يبقى الإيمان والاعتقاد بالدين بين النّاس وأن يبقوا متعبّدين به ومتمسّكين بالإيمان والعمل، وأن يكون الدين حاكمًا في إدارة المجتمع. فالأصل بالنسبة لهم كان أن يتحرّك المجتمع وفق إدارة الدّين وسيادته وحاكميّته وأن يكون النّظام هو النّظام الإسلاميّ. أمّا الحصول على السّيادة والحكومة والإمساك بزمام السّلطة فيأتيان بالمرتبة الثانية، والثالثة والرابعة وهكذا، وغيرها من القضايا الفرعية. لكنّ القضيّة الأساس كانت أنّ هذا النّظام وهذا المجتمع ينبغي أن يُدار وفق حاكمية الدّين، وأن يبقى أبناء هذا المجتمع على دينهم وإيمانهم، وأن يترسّخ ويتعمّق هذا الأمر في قلوبهم. كانت هذه هي خصائص التيّار الأوّل.
أمّا بالنّسبة للتيّار الثاني فقد كان الأصل عنده هو الإمساك بالسّلطة وبأيّ ثمنٍ كان. كانوا يريدون الحكومة... وكانت هذه هي السّياسة الحاكمة على التيّار الثاني. وكانت القضيّة بالنّسبة لهذا التيّار الإمساك بالسّلطة بأيّ ثمنٍ كان وبأيّة وسيلة كانت وبأيّ نحو كان.
مثلما هو معروفٌ اليوم بين السياسيين في العالم. فالقيم والأصول بالنّسبة لهم لا تُشكّل أصلًا. فإن استطاعوا أن يُحافظوا على الأصول الموجودة في أذهانهم فليكن، وإن لم يتمكّنوا فإنّ الأصل بالنسبة لهم يكون بأن يبقوا على السّلطة في أيديهم. هذا ما هو مهمٌّ بالنسبة لهم. ومثل هذا يُعدّ حدًّا حسّاسًا ومهمًّا. فمن الممكن أن يكون كلٌّ من التيّارين يعملان بظواهر الدّين، كما كان عليه الأمر في الحرب بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية. ففي يومٍ من الأيّام، نجد أنّ جماعة من المقاتلين كانوا في صفوف أمير المؤمنين عليه السلام ـ في حرب صفّين الّتي وقف معاوية فيها مقابل أمير المؤمنين عليه السلام ـ ثم تردّدوا، وكان من بينهم عدّة من أولئك الّذين يحملون الشّبهات ولا يستطيعون أن يحلّوها بأنفسهم، ولا هم يرجعون إلى شخصٍ قادرٍ على ذلك، فلذلك كانوا يعزمون على إشاعتها، فيجمعون مجموعة من الأفراد من حولهم. ومثل هؤلاء كانوا يقعون في التردّد، فيقولون لماذا نحن نتحارب؟ فهم يُصلّون ونحن نُصلّي، وهم يقرؤون القرآن ونحن نقرأ القرآن، وهم يذكرون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ونحن كذلك، فوقعوا في مثل هذا التردّد والحيرة. وكان هناك عمّار بن ياسر ــ وقد وجدت نقطةً بارزةً بشأن عمّار بن ياسر في تاريخ صدر الإسلام ـ هذا الجليل المحلِّل والكاشف للمسائل المليئة بالشبهات والدقيقة، والّتي كانت في ذلك الزمان مورد غفلة وجهالة. فهذا هو شأن عمّار بن ياسر في تاريخ الإسلام، فإذا كنّا نعرف مالكًا الأشتر بسيفه وشجاعته، فعلينا أن نعرف عمّار بن ياسر بكلامه وفكره ورؤيته الصحيحة وكشفه للكثير من الأمور في تاريخ صدر الإسلام. فأنا بحثت ووجدت أنّه نادرًا ما كان هناك موارد هي محلّ شبهة في زمن أمير المؤمنين عليه السلام ولم يكن لعمّار بن ياسر يد أو حضور فيها، لقد كان هذا الرّجل الجليل رجلًا استثنائيًّا.
لقد علم عمّار بن ياسر أنّ هناك جماعة وقعوا في هذه الشّبهة، فذهب إليهم وبيّن لهم الحقائق. واتّضح لهم أنّ القضيّة ليست قضيّة أنّه هو يُصلّي وأنت تُصلّي، وقال أُقسم بالله إنّني رأيت في حربٍ أخرى هاتين الرّايتين تتقابلان، هذه الرّاية الّتي يحملها أمير المؤمنين عليه السلام اليوم، وهذه الرّاية الّتي تقف مقابله ويحملها معاوية، وذلك في معركة بدر. ففي معركة بدر تقابلت هاتان الرّايتان ـ راية بني هاشم وراية بني أميّة ـ فكان تحت هذه الرّاية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وتحت تلك الراية كان معاوية هذا وأبوه، وكان النبيّ وأمير المؤمنين عليه السلام نفسه حاضرين تحت هذه الرّاية. فالخلاف بينهما خلافٌ حول الأصول، فلا تنظروا إلى هذه الظواهر، وأزيلوا هذه الشّبهة من أذهانكم.
قد يراعي هذا التيّار، الّذي تكون السّلطة أساسًا بالنسبة له، الظّواهر الإسلاميّة في بعض الأحيان، وهذا ليس دليلًا ومعيارًا، بل ينبغي النّظر إلى باطن القضيّة وتشخيصها بذكاءٍ، وكيف أنّ كلّ تيّار ينطبق على أيّ شيء، هذا هو المطلب الأوّل. فخصائص كلّ من التيارين: أنّ هناك تيّارًا لا همّ له سوى الوصول إلى السّلطة، وتيّارًا يتّجه نحو القيم والمبادئ والأصول. فهو يؤمن بالبُنى والأفكار الإسلاميّة الأصيلة، أي القيم الإسلاميّة، ويسعى من أجلها ويُجاهد في سبيلها. ففي هذه الجهة الأصوليّة وحفظ القيم الأصلية، وفي الجهة المقابلة، هناك سعي نحو السّلطة وطلب الحصول عليها، أحيانًا يكون الأمر بهذا النّحو وأحيانًا أخرى بذاك النّحو ولكن في كلُ الأحوال ما يريده هو أن تكون السّلطة بيده. هذا هو المطلب الأوّل.
أساليب تيّار الحقّ والباطل في العمل
أمّا بالنسبة لتيّار الباطل فما هي الأساليب الّتي استخدمها؟ فمثل هذا لافت للأنظار جدًّا. إنّ أساليب الباطل في العموم هي مزيج من عدّة أشياء، أي إنّ خطّة معاوية كانت خطّة مؤلّفة من عدّة أقسام من أجل الحفاظ على السّلطة وترسيخها، ولكلّ قسمٍ أسلوبه في العمل والتّنفيذ. فأحد هذه الأساليب كان عبارة عن استعراض القوّة، وفي بعض الأماكن كان يستعرضها من خلال العنف والقمع والتّنكيل، وثانيها هو المال، الّذي يُعدّ أكثر الأشياء فعاليّة بيد عوامل الشرّ، الآخر هو الإعلام، والرابع هو العمل السياسي، أي الأساليب السّياسيّة، والمقايضات السّياسيّة. هذه بمجموعها كانت أساليب معاوية.
أنتم ترون في مكانٍ ما أنّ معاوية قد وصل به العنف إلى قتل حُجر بن عديّ، الّذي هو من صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى ولو كان قتله يُحمّله ثمنًا باهظًا. ثمّ يلاحق رشيد الهجريّ حتّى يقتله. ونجده يولّي زياد بن أبيه، هذا الفرد الظّالم والمعقّد والّذي لا قيمة عنده ولا همّ له سوى السّلطة، والّذي كان سيّئ الأخلاق، يولّيه على الكوفة ـ الّتي هي مركز سلطة الفكر الشيعيّ والفكر الولائيّ ـ ويُعطيه الإجازة والصّلاحية ليفعل ما يريد. وبشأن زياد بن أبيه كتب المؤرّخون (والنص للإمام الحسين عليه السلام): "أخذْك بالظنّة وقتلْك أولياءه على التهم"[8]، فكان يأخذ أيّ شخصٍ بالتّهمة وسوء الظّنّ لأدنى مورد، فيعتقل ويحبس ويُنكّل بكلّ من اتُّهم بالانتماء لأهل البيت أو التعاون معهم ومع ذلك التيّار المغلوب، ويقتله ويقضي عليه. لقد عمّت فتنته في الكوفة والعراق الّذي كان مركز حاكميّة التشيّع وأهل البيت عليهم السلام. هكذا كان يستعرض قوّته. ومعاوية نفسه في موردٍ آخر، كان يلاطف امرأة عجوزاً تأتي من القبيلة الفلانيّة وهي تسبّه وتشتمه وتوبّخه بأنّك فعلت كذا وكذا وكذا، فيضحك لها ويُلاطفها ولا يقول لها شيئاً. يأتي عديّ بن حاتم إلى معاوية وقد كان فاقد البصر، فيقول معاوية: "يا عديّ إنّ عليًّا لم يُنصفك، لأنّه حفظ ولديه في حروبه وأخذ منك ولديك". يبكي عُديّ ويقول: "يا معاوية، أنا لم أُنصف أمير المؤمنين حينما استُشهد هو وأنا ما زلت حيًّا"[9]. وكان كلّ من يأتي من المرتبطين بأهل البيت عليهم السلام إلى مجلس معاوية، ويحصل فيه أقل إهانة لأمير المؤمنين، كان يحمل على معاوية وأتباعه بشجاعة وقوّة وصراحة، وكان معاوية يضحك ويلاطف وأحيانًا كان يبكي. كان يقول: أجل تقول حقًّا. لعلّ ذلك بالنّسبة لكم لا يُصدّق، ولكن هذا هو الواقع، هكذا كان الإعلام، فالإعلام أكثر الأساليب سمًّا وخطرًا على مرّ التاريخ. وكان الباطل يستفيد منه كثيرًا. ولا يُمكن لتيّار الحقّ أن يستخدم الإعلام كما يستخدمه الباطل في أيّ زمن. فلأجل أن يتمكّن الإعلام من التغطية الكاملة على الأذهان يحتاج إلى التّلاعب وإلى الكذب والخداع. وتيّار الحقّ ليس من جماعة الكذب والخداع. إنّه تيّار الباطل الّذي لا يهمّه أي شيء، فالمهمّ عنده هو أن يقلب الحقيقة في أعين النّاس. وهو يستفيد من جميع الوسائل، وقد فعل.
وما هو مشهور ومتناقل على ألسنٍ متعدّدة، أنّه عندما قُتل أو ضُرب أمير المؤمنين عليه السلام في محرابه، تعجّب أهل الشام كيف أنّ عليًّا كان في المحراب. فالمحراب هو للصلاة، وبعض النّاس لا يُصدّق مثل هذا، ولكن هذا هو الواقع، فعلى مدى سنوات كانت حكومة معاوية، ومن قبله أخيه يزيد بن أبي سفيان، تبثّ مثل هذه الأنباء في الشام، وتُعتّم الأجواء وتشوّش الأذهان، بحيث إنّه لم يكن من الممكن لأحد أن يفهم غير هذا، هذا ما حدث. كان الإعلام لمصلحة بني أميّة ومعاوية وضدّ آل النبيّ. فهذا الواقع الّذي قام في العالم الإسلامي وبقي إلى حوالي مائة سنة بعد الهجرة ــ أي لعلّه أربعون أو خمسون سنة بعد عهد أمير المؤمنين عليه السلام، كان أمير المؤمنين يُلعن خلالها على المنابر ــ وهذا اللعن في عالم الإسلام، الّذي يُتّهم به الشّيعة ويلامون عليه أنّه لماذا تلعنون بعض الصحابة، كان من عمل معاوية وأخلاقه، فهم من قام بهذا العمل، إنّه عمل معاوية. فأمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي كان أفضل القوم[10] وأقدمهم إسلاماً[11] وأقرب أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كان يُطعن به ويُلعن لعشرات السّنوات على المنابر. وحتّى زمن عمر بن عبد العزيز، الّذي منع ذلك عندما صار خليفةً، وقال لا يحقّ لأحد أن يفعل هذا. فبعد عبد الملك بن مروان، حكم ولداه، الوليد وسليمان، بحدود 12 أو 13 سنة، ثمّ جاء بعدهما عمر بن عبد العزيز، وبعد سنة أو سنتين من حكومته، حكم ولدا عبد الملك الآخران أي يزيد وهشام. لم يسمح عمر بن عبد العزيز لهم أن يلعنوا أمير المؤمنين، وهو ما كانوا يفعلونه إلى ذلك الوقت. هذا هو أحد الأعمال الّتي كانوا يفعلونها. أجل، في البداية كان النّاس يتعجّبون لكنّهم اعتادوا على ذلك شيئًا فشيئًا.
نقرأ في التاريخ أنّه لم يبقَ من قارئٍ أو محدّثٍ أو راوٍ في الدين أو في العالم الإسلاميّ إلّا وأجبره جهاز حكومة معاوية وأتباعه على اختلاق حديثٍ أو تفسير آية، وأمثال ذلك، في ذمّ أهل البيت عليهم السلام وفي مدح أعدائهم.
هذا سُمرة بن جندب بن معروف الّذي وردت بشأنه الرواية المعروفة "لا ضرر ولا ضِرار"[12]، وهو كان من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، غاية الأمر أنّه صحابيّ غضب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عليه، وذلك بسبب تلك القصّة المعروفة أنّه كان له شجرة في أرضٍ لعائلةٍ وكان يذهب ويُزعجهم ويدخل عليهم في بيتهم من دون أي استئذان، مع وجود العائلة والنّساء والأطفال في ذلك البيت، وكانوا يرونه وقد دخل عليهم فجأة لأنّ له هذه الشجرة، فشكوا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : بِع هذه الشجرة لأصحاب هذا البيت، فقال: لا أبيعها، هذه شجرتي وأنا أُريد أن أهتمّ بشجرتي، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : بِعها لي، فلم يقبل، فقال له الرّسول: أعطيك المبلغ الفلانيّ، فلم يقبل، فقال له الرسول: أعطيك شجرة في الجنّة، وهذا يعني وعدًا بالجنّة، لكنّه لم يقبل، وقال: أريد هذه الشّجرة ولا بدّ، فلمّا وجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الإصرار قال لصاحب المنزل اذهب واقتلع هذه الشجرة وارمِها خارجًا، "فلا ضرر ولا ضِرار في الإسلام". أي إنّه لا يوجد في الإسلام ما يقبل بأذيّة النّاس وضررهم، فلا يوجد في الإسلام مثل هذا أنّه بحجّة أنّ هذا ملكي فأؤذي النّاس. فحديث "لا ضرر" المعروف، والّذي يُعدّ من الأصول والقواعد الفقهية عندنا، هو بشأن هذا الرجل. إنّ سمرة بن جندب بقي حيًّا إلى زمن معاوية. ولها من عاقبة، لأنّ معاوية كان يتتبّع الصّحابة ويسعى إليهم. فقد كان لأصحاب النبيّ شهرة ومكانة ولهذا كان يسعى لجمعهم حوله. فأحضره معاوية إليه وقال له إنّني أرغب في أن تقول إنّ هذه الآية المعروفة، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾[13] قد نزلت بعليٍّ عليه السلام، أراد معاوية أن يجعل هذه الآية مقابل كلام أمير المؤمنين عليه السلام في ذمّ الدنيا، في تلك الخطبة القاصعة في نهج البلاغة الّتي لها أثرٌ كبير. أنتم تلاحظون أنّ تلك الكلمات والخطب كانت في منتهى الجمال.
تصوّروا اليوم مثلًا شخصًا يؤلّف كتابًا أو شعرًا أو مقالةً في غاية الفصاحة والجمال والفنّ حول موضوعٍ ما، من الطبيعيّ أنّ الموضوع سيأخذ مجده، وسيكون لصاحب هذا الأثر الفنّي حلاوة في أعين النّاس.
وهنا لا يمكن في الواقع مقارنة كلام أمير المؤمنين عليه السلام بأيّ أثرٍ من الآثار الفنّية الّتي نعرفها، إنّه فوق ذلك بكثير، إنّه آية في الجمال. وهذه كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، وكذلك هي في الواقع في بيان القيم الإسلاميّة والمعارف الإسلاميّة، كانت ممّا لا يمكن لمعاوية تحمّله وقبوله، لأنّها تجعل أمير المؤمنين عليه السلام مورد استحسان في أعين النّاس. أراد (معاوية) أن يواجه هذه الكلمات الزاهدة في مذمّة الدنيا، والّتي نُقلت عن أمير المؤمنين عليه السلام، فلذلك قال معاوية لسمرة بن جندب قل إنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أي أنّ عليًّا عليه السلام (وفق ذلك) سيكون ممّن يتحدّث عن الدّنيا بحديثٍ رائعٍ ويُعجب النّاس ويقسم على ذلك لكنّه في الواقع هو من ألدّ أعداء الله والإسلام.
والآية الأخرى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾[14] قيل إنّها نزلت في ابن ملجم. هذه من الأمور الّتي كان يحتاجها معاوية كثيرًا في إعلامه ودعاياته. فقال لأحد أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الّذي شاهده في المعارك وكان إلى جنبه ـ فسمرة بن جندب كان منذ حداثته جنديًّا وكان يُشارك في المعارك رغم أنّه كان تحت سنّ التكليف، كان من هذا النوع، وكان من أصحاب النبيّ أيضًا ـ قال له قل إنّ هذه الآية قد نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام، اقترح عليه ذلك، لكنّ سمرة بن جندب، رغم أنّه كان سيئًا وشقيًّا، لكنّ وجدانه لم يكن مستعدًّا، فقال: كلّا. والّذين كانوا يتوسّطون لهذا الأمر في بلاط معاوية قالوا له لا تقلق فإنّ حسابك سيصلك، فلا تقلق بشأن المال وسوف يُعطيك 50 ألف درهمًا، وكان هذا المبلغ في ذلك الزمان كثيرًا جدًّا، فخمسون ألف مثقال من الفضّة يعني خمسة مثاقيل من الذّهب، في حسابات ذلك الزّمان، هذا يُعدّ ثروة كبيرة، قالوا له نعطيك خمسين ألفًا، فقال: كلّا، لا أقبل. هنا يقول بعض النّاس إنّ سمرة بن جندب كان في الواقع يتلاعب وأراد أن يرفع السّعر لا أنّه قد أنّبه ضميره، فهو كان يعلم بأنّ معاوية يحتاج إلى هذا الأمر وفي الحقيقة كان يحاول أن يساوم. هنا، هل أنّ وجدانه كان يتقبّل الأمر أم لا، لا أعرف، ولا أضع ذلك على ذمّتي، ولكن عندما لم يقبل رفعوا السّعر إلى مائة ألف درهم ولم يقبل أيضًا، حتّى وصل الأمر إلى نحو 500 ألف درهم تقريبًا، لكن مثل هذا المبلغ الكبير جدًّا، هو ثروة استثنائيّة، ولكن مع ذلك لم يقبل. هنا، قال معاوية لذلك الّذي كان يتوسّط إنّ هذا الرجل بلا عقلٍ وهو مجنون لأنّه لا يعرف ما هي الـ 500 ألف، فقولوا له: 500 ألف وأحضروه إلى هنا حتّى أرى هل أنّه سيقبل أم لا. فأمر معاوية من كان مسؤولًا عن بيت المال أن يحضر هذا المبلغ إلى المجلس. وكما تعلمون في تلك الأزمة الأموال ستكون من الذّهب، وعندما توضع في الأكياس ستكون ثقيلة وذات حجم كبير وتحتاج إلى من يحملها، فأحضر الحمّالون الأكياس ووضعوها فوق بعضها بعضًا حتّى وصلت إلى أعلى السّقف، وقالوا هذه هي الـ 500 ألف، فهل أنت جاهزٌ أم لا؟ عندما نظر إلى هذه الأموال ورأى هذه الثّروة العظيمة قبِل، وفسّر تلك الآية كما أراد معاوية وبقيت في الكتب. وصحيحٌ أنّ مثل هذه الكلمات الممتزجة بالخطأ والرّذالة قد تمّ اختلاقها في العالم الإسلاميّ، وبالأغلب جاء العلماء فيما بعد واستبعدوها، لكن هذه رشحاتٌ من هؤلاء وقد بقيت في أذهان عدّة وأثّرت فيهم، وهذه من الأعمال الّتي كان يقوم بها معاوية في الإعلام. فمجموع هذه الأساليب هي الّتي شكّلت أساليب معاوية لكسب الزّعامة والسّلطة.
أمّا تيّار الحقّ فلم يجلس ساكنًا مقابل هجمات الباطل. فقد كانت له أساليبه والّتي يُمكن اختصارها:
أوّلًا: بالمقاومة والحركة المقتدرة. فبعضٌ تصوّر أنّ الإمام الحسن عليه السلام لم يُحارب خوفًا، كلّا، إنّ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كان عازمًا بشدّة على الحرب وهو من شجعان العرب. كنت أتأمّل في كتابٍ يذكر بطولات الإمام المجتبى عليه السلام في القضايا المختلفة، فبطولاته في الأحداث المختلفة كثيرة. غاية الأمر أنّه في حروب أمير المؤمنين عليه السلام، وحيث كان الميدان ميدان حرب كان أمير المؤمنين عليه السلام نفسه يمنع أن يُحارب الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام، وكان يمنع أن يقعا في الخطر. فقال بعضهم لماذا ترسل محمّد ابن الحنفية وهو ابنك وتمنع من إرسال الحسن والحسين عليهما السلام؟ فقال إنّي أخاف أن ينقطع نسل الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فهما بقيّة النبيّ وأُريد أن أحفظ نسل النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. كان يشعر بالخطر في ميدان الحرب وأراد أن يحفظهما، لا بسبب حبّه فهو يُحبّ أبناءه الآخرين، ونفس أمير المؤمنين عليه السلام هو رجل الحرب ورجل الميدان والمخاطر وليس من أولئك الّذين يتوهّمون الخطر. غاية الأمر أنّهما ابنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأمير المؤمنين عليه السلام لم يرغب أن يوقعهما في الخطر. ولأنّهما حضرا في حروب أمير المؤمنين عليه السلام فلم يكن لهما صولات كثيرة لأجل هذا، لهذا لم يُسجّل اسم هذين العظيمين ــ الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام - ضمن الشّجعان، ولكن كان للإمام الحسن عليه السلام مشاركة في الحروب الإسلاميّة ضدّ إيران، كما كان له حضورٌ في دفاعه عن بيت عثمان أمام المهاجمين والثوّار، بأمرٍ من أمير المؤمنين عليه السلام ، وكذلك كان له حضورٌ في القضايا المهمّة الكثيرة. وفي واقعتي الجمل وصفّين كان له دورٌ مهمٌّ واستثنائيّ بحيث شاهدت أنّ اسم الإمام الحسن عليه السلام ورد كثيرًا في وقائع صفّين والجمل خاصّةً. فيما شاهدت أنّ اسم الإمام الحسين عليه السلام كان أقل. أي إنّه كان للإمام الحسن المجتبى عليه السلام حضورٌ أكبر في الميادين والأحداث من الإمام الحسين عليه السلام. لقد كان رجل الحرب والسّياسة والتدبير والفصاحة والقوّة. عندما يُطالع المرء محادثات ومناظرات الإمام الحسن عليه السلام يقشعرّ بدنه من قوّته وقدرته. وفي وقائع الصّلح، وبعد الصّلح، نُقل عن هذا العظيم من الكلمات القاطعة والقاصعة ما كان في بعض الموارد أشدّ قوّةً وأحدّ من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام. ولعلّه قليلًا ما شاهدت مثل هذه الشدّة والقدرة في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في مقابل الأعداء، بسبب أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يواجه مثل هؤلاء الأعداء، الّذين كانوا بمثل تلك الوقاحة والخبث، وجهًا لوجه وعن قرب. لهذا، لا يوجد أيّ نقصٍ في عمل الإمام الحسن عليه السلام. إنّما كان النّقص في الظّروف الزّمانيّة. وباقتدارٍ وقف للدّفاع إلى الحدّ الممكن، وهذا كان أحد أساليبه. ففي بعض المواطن يكون الوقوف المقتدر سبباً للضرر. فإنّ تغيير الأسلوب والمناورة في اختيار الأساليب يُعدّان عملًا أساساً وضروريًّا.
ثانيًا: الإعلام. إنّ العمل الإعلاميّ في جهاز الحقّ له أهميّة فائقة. وغاية الأمر أنّ تيّار الحقّ مكتوفٌ في الإعلام، فلا يُمكنه استخدام أيّ أسلوبٍ وأيّ وسيلةٍ كانت. فهو لا يُبيّن سوى الحقّ والواقع. هناك أشياءٌ تكون مرغوبة عند النّاس، والتيّار الباطل لا يأبى أبدًا أن يُظهرها كما يُحبّ النّاس، لكنّ تيّار الحقّ لا يُمكنه ذلك، بل يُبيّن الحقّ ولو كان مرًّا. كيف كان يُخاطب أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه بطريقة مرّة بحيث يتعجّب الإنسان؟ نحن الّذين نُحبّ أن تكون أساليبنا مثل أسلوب أمير المؤمنين عليه السلام نتعجّب أحيانًا من هذا الأسلوب في بعض الموارد. أمّا معاوية، فلم يكن يستخدم هذا الأسلوب بتاتًا. كان معاوية يتملّق النّاس، ويسعى للحصول على دعمهم بأيّ ثمنٍ. لم يفعل عليّ بن أبي طالب عليه السلام هذا الأمر أبدًا، لا أنّه لم يكن يعرفه بل لإنّه خلاف التّقوى وخلاف الأصول، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: "لولا التّقى لكنت أدهى العرب"[15]. في هذه الأمور، فإنّ الحقيقة هي هذه، فمن الواضح المعلوم بالرّجوع إلى سوابق عليّ ومعايشته للنبيّ ومفاخره العظيمة وذهنيّته وروحه المتألّقة أنّه أعلم من معاوية وأذكى وأكثر حنكةً، ويُمكنه أن يقوم بالكثير من الأعمال والأفعال غاية الأمر أنّ الحقّ لا يُجيز ولا يسمح.
ثالثًا: السّعي نحو القيم. والأسلوب الآخر هو الإصرار على حفظ القيم. فالشيء المهم جدًّا عند جهاز الحقّ والذي يتمّ الاعتناء به في أساليبهم هو إصرارهم على حفظ القيم بأيّ ثمنٍ كان. وفي النّهاية التّراجع إلى حدّ حراسة بقاء الدّين. فلو أنّ الحقّ رأى أنّ الصمود يؤدّي إلى أن يزول أصل الدين، فإنّه يتراجع. فالإمام الحسين عليه السلام يقول: "الموت خيرٌ من ركوب العار والعار خيرٌ من دخول النار"[16]، فلو أنّه تقرّر أن أقبل العار فأقبله ولكن لا أدخل جهنّم. يوجد بعض الأماكن بحيث نرى بعض النّاس، ولأجل أن لا يتحمّل العار، يقوم بعملٍ لا يهمّه معه أن يناله العذاب والسّخط الإلهيّان. ما هو العار؟ الأصل هو أن يكسب الإنسان رضا الله وأن يؤدّي تكليفه، ولو بالتّراجع عن كلامٍ قاله أو خطٍّ مشى عليه أو تراجع عن موقفٍ له، فكلّ ما يريده الله، وكلّ ما يرضي الله يُعتبر أصلًا في حياة الأئمّة. كان الأمر كذلك في حياة الإمام الحسن عليه السلام. فعندما وجد أنّه لا بدّ له أن يقبل بالصّلح مع معاوية من أجل الضّرورات وضغط الظّرف الواقع، رغم أنّه في ذلك الوقت كان يُرسل الجند ويُحرّض على الحرب ويُجيّش الجيوش ويُرسل الكتب ويقوم بكلّ ما هو لازمٌ من أجل الحرب وعلى مختلف المستويات، وعندما رأى أنّه لا يُمكن (القيام بالحرب) قَبِل بالصّلح. فانفضّ عنه أقرب النّاس إليه... مع أنّ الكثيرين في ذلك الوقت، وبعد أن صالح الإمام الحسن، فرحوا ومن أعماق قلوبهم لأنّهم كانوا متنفّرين من الحرب، ولكن حتّى نفس هؤلاء الّذين فرحوا، رجعوا إلى الإمام الحسن عليه السلام وأرادوا أن يلوموه على تراجعه عن موقفه، حتّى المقرّبون والوجهاء الّذين كانوا من الصّحابة المشهورين، جاؤوا إليه وتحدّثوا معه بعباراتٍ غير لائقة. لكنّ الإمام عليه السلام تراجع من أجل الحفاظ على الدّين.
أسباب هزيمة تيّار الحقّ
القضيّة اللاحقة هي تحليل هزيمة تيّار الحق، إنّ السبب الأساس في هزيمة الإمام الحسن عليه السلام كان ضعف الرؤية العامّة وامتزاج الإيمان بالدوافع المادّية. ففي مجال ضعف الوعي العام، كان النّاس بعيدين كلّ البعد عن الوعي، وكان إيمانهم الدّينيّ ممتزجًا بالدّوافع المادّيّة. لقد أضحت المادّيّة عندهم أصلًا، وتزلزلت عندهم القيم لما يزيد على عشر أو عشرين سنة من بعد الصّلح. وحدث ذلك في كلّ مجالات القيم. وكان هناك شيء من التمييز وغيرها من الأمور، كلّ هذه أدّت إلى ألّا يتمكّن الإمام الحسن عليه السلام من المقاومة. وأمّا سلوك الغالبين مع المغلوبين فبدلًا من أن يأتوا إلى الإمام الحسن عليه السلام وأتباعه، فيأسروهم أو يقتلوهم فإنّهم على العكس من ذلك، عندما تسلّطوا على الأمور، احترموهم بالظّاهر وتعاملوا مع الإمام الحسن عليه السلام بكلّ احترام. لكنّ معاوية وجماعته قرّروا أن يمحوا الشّخصيّة ويضعفوها. فيحفظ الشّخص ويبيد الشّخصيّة، هذا كان نهجهم. هذا كان أصلًا أساساً في الإعلام عندهم.
وأمّا الجّماعة المغلوبة فماذا فعلت مع الغالبين؟ لقد كانت استراتيجيّتهم أن يُنظّموا تيّار الحقّ وسط هذا الفضاء المليء بالفتن والغشاوة والمخاطر والسّموم وأن يعطوه شكلًا ليكون العمود الفقريّ لحفظ الإسلام. والآن حيث لا نقدر أن نجعل كلّ المجتمع في ظلّ الفكر الإسلاميّ الصحيح، فبدلًا من أن نهتمّ بتيّارٍ هشٍّ قابلٍ للزّوال ـ وهو التيّار العام - فلنحفظ تيّارًا عميقًا وأصيلًا في أقلّية ونحفظه لكي يبقى ويضمن حفظ الأصول الإسلاميّة. هذا ما فعله الإمام الحسن عليه السلام. فقد شكّل تيّارًا محدودًا، أو الأفضل أن نقول نظّمه، وهو تيّار الأصحاب أو الأنصار وأصحاب أهل البيت عليهم السلام أي تيّار التشيّع. وبقي هؤلاء طيلة تاريخ الإسلام، وفي كلّ عهود القمع والتّنكيل. وقد أدّى ذلك إلى أن يضمنوا بقاء الإسلام، ولو لم يكن هؤلاء لتبدّل كلّ شيءٍ. فقد كان تيّار الإمامة، تيّار رؤية أهل البيت عليهم السلام، ضامنًا للإسلام الواقعيّ.
وأمّا العاقبة فإنّ جماعة الغالبين والمتسلّطين والمنتصرين أضحوا مُدانين ومغلوبين، والمستضعفون أضحوا الحكّام والفاتحين في ذهنيّة العالم الإسلاميّ. إذا نظرتم اليوم إلى الذهنيّة الموجودة في العالم الإسلاميّ، وهي تلك الذهنية الّتي روّج لها تقريبًا الإمام الحسن عليه السلام وأمير المؤمنين عليه السلام، فهي ليست الذهنيّة الّتي أرادها معاوية ويزيد من بعده، وكذلك عبد الملك بن مروان وخلفاء بني أميّة. لقد انهزمت تلك الذهنيّة الّتي كانت لديهم بالكامل وزالت ولم تعد موجودة في التّاريخ. لو أردنا أن نُطلق عنوانًا على ذهنيّتهم لقلنا إنّها ذهنية النّواصب. النّواصب هي فرقة من الفرق الّتي لم يعد لها في العالم الإسلاميّ اليوم وجودٌ خارجيّ بحسب الظّاهر. فالنّواصب هم أولئك الّذين كانوا يسبّون أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام ولا يقبلون إسلامهم، حيث إنّ هذا هو تيّارهم الفكريّ. فلو كان من المقرّر أن يكون معاوية فاتحًا وحاكمًا لكان اليوم من المفترض أن يكون تيّاره هو الحاكم في العالم الإسلاميّ. في حين أنّ الأمر ليس كذلك. إنّ التيار الفكريّ لأمير المؤمنين عليه السلام وللإمام الحسن عليه السلام هو الحاكم في العالم. وإن كان في بعضٍ من الفروع وقسمٍ من عقائد الدّرجة الثّانية والثّالثة لم يُنقل، لكنّه في المجموع هذا هو التيّار، الإمام الحسن عليه السلام بناءً على هذا هو الفاتح وتيّاره هو الّذي انتصر. هذه هي خلاصة وقائع صلح الإمام الحسن عليه السلام من ناحية تأثيرها على كلّ التاريخ الإسلاميّ.
[1] بحار الأنوار، ج 31، ص 197.
[2] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج 16، ص 15.
[3] سورة آل عمران، الآية 54.
[4] ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، الطبعة الأولى، قم، 1403هـ، ص 308.
[5] سورة الأنبياء، الآية 111.
[6] الكليني، الكافي، ج1، ص 368.
[7] م.س، ج1، ص 368.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 214.
[9] راجع: أمالي المرتضى، ج1، ص 298.
[10] الشيخ الكليني، الكافي، ج15، ص201، "كان عليّ أفضل النّاس بعد رسول الله".
[11] الحراني الأصفهاني، عبد الله بن نور الله، عوالم العلوم والمعارف، تحقيق وتصحيح محمد باقر الأبطحي الأصفهاني، نشر مؤسسة الإمام المهدي، إيران ـ قم، الطبعة الأولى،1413هـ، ج11، ص 383، ".. قد زوّجتك أقدمهم إسلاماً، وأعظمهم حلماً، وأحسنهم خُلقاً، وأعلمهم بالله علماً".(من كلام الرسول مع ابنته حضرة الصدّيقة الكبرى).
[12] الكافي، ج5، ص 280.
[13] سورة البقرة، الآية 204.
[14] سورة البقرة، الآية 207.
[15] الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 24.
[16] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 75، ص 128.
الاكثر قراءة في صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
