النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
أمير المؤمنين "ع" بمرحلة الخلافة
المؤلف:
السيد علي الخامنئي
المصدر:
إنسان بعمر 250 سنة
الجزء والصفحة:
ص107-134
2025-07-08
18
لقد بايعت جميع الأقطار الإسلاميّة أمير المؤمنين عليه السلام. وحتّى ذلك الوقت، لم يكن قد جرى مثل هذه البيعة العامّة الّتي تمّت لأمير المؤمنين عليه السلام، حيث إنّ جميع الأقطار الإسلاميّة وكلّ الكبراء والصحابة قد بايعوه، باستثناء الشام. فقط عدّة قليلة، أقل من عشرة أشخاص لم يُبايعوا أمير المؤمنين عليه السلام، فأحضرهم إلى المسجد واحدًا واحدًا وسألهم لماذا لم يُبايعوا - وكان من بين هؤلاء عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقّاص ــ فكان أن قدّم كلّ واحدٍ منهم عذرًا، وقال شيئًا. فبعضٌ منهم عاد وبايع، وبعضٌ آخر لم يُبايع مطلقًا ــ عددٌ قليلٌ جدًّا بعدد أصابع اليد الواحدة - فتركهم أمير المؤمنين عليه السلام. ولكن بقية الوجوه المعروفة كطلحة والزبير وغيرهما، جميعًا قد بايعوا أمير المؤمنين، وقبل أن يُبايعوه قال لهم: "واعلموا أنّي إن أجبتكم"، وهو يشير إلى أنّهم لو أصرّوا أن يُمسك هو بالحكومة "ركبت بكم ما أعلم"[1]، فلا تتصوّروا أنّني سأُراعي تلك الوجوه والشخصيّات والهياكل القديمة والمشهورين والمعروفين، كلا، ولا تتصوّروا أنّني سأتّبع فلانًا وأقلّد فلانًا، أي إنّني سأُديركم بحسب ما أعلم وما أُشخّص وما أعرفه من الإسلام. وهكذا فقد أتمّ أمير المؤمنين عليه السلام الحجّة على النّاس وقَبِل بالخلافة. كان من الممكن لأمير المؤمنين هنا، ولأجل حفظ المصالح ورعاية جوانب القضيّة وأمثالها، أن يتنازل ويجذب إليه القلوب، لكنّه وبكلّ قاطعية أصرّ على الأصول والقيم الإسلاميّة بحيث إنّ كلّ هؤلاء الأعداء قد اصطفّوا في مقابله، وقد واجه أمير المؤمنين عليه السلام معسكرًا مليئًا بالمال والقهر والتزوير، ومعسكرًا آخر فيه الشخصيّات الوجيهة والمعتبرة والمعروفة، ومعسكرًا ثالثًا يضمّ المتظاهرين بالقداسة والتعبّد، لكنّهم جاهلون بحقيقة الإسلام وروحه وتعاليمه ويجهلون شأنيّة أمير المؤمنين عليه السلام ومقامه من أهل التشبّث بالعنف والقسوة وسوء الخلق.
ميزان الحقّ والقيم الإسلاميّة
لقد قاتل أمير المؤمنين عليه السلام ثلاثة معسكرات بثلاثة خطوطٍ منفصلة، هم الناكثون والقاسطون والمارقون. وكلّ واحدة من هذه الوقائع تدلّ على تلك الروح الرفيعة للتوكّل على الله والإيثار والبعد عن الأنانيّة والإنّية، في أمير المؤمنين عليه السلام. واستُشهد في النهاية على هذا الطريق، حتّى قيل بشأنه إنّ عدل عليّ عليه السلام قد قتله. لو لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام مريدًا للعدالة، وعمد بدل ذلك إلى رعاية هذا وذاك، وتقديم الشأنية والمقام والشّخصيّة على مصالح العالم الإسلامي لكان أكثر الخلفاء نجاحًا وقدرةً، ولما وجد له معارضًا. لكنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو ميزان الحقّ والباطل. ولهذا كان عليه السلام يتحرّك وفق جوهر التكليف دون أيّ ذرّة من تدخّل الأنا والمشاعر الشّخصيّة والمنافع الذاتيّة، وقد تحرّك على هذا الطريق الّذي اختاره. هكذا كانت شخصيّة أمير المؤمنين عليه السلام. لهذا فإنّ عليًّا عليه السلام هو في الواقع ميزان الحقّ. هكذا كانت حياته عليه السلام، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾. فلم يكن عظيمًا في الشّهادة فحسب، ولم يكن عند الممات ممّن يفدي نفسه فحسب، بل على مدى حياته كان يُقدّم نفسه دومًا في سبيل الله.
أثبت أمير المؤمنين خلال هذه المدّة أنّ الأصول الإسلاميّة والقيم الإسلاميّة الّتي وُجدت في مرحلة عزلة الإسلام وفي مرحلة صغر المجتمع الإسلاميّ، قابلةٌ للتّطبيق مثلما أنّها كذلك في مرحلة الرّفاهية والتّوسّع والاقتدار والتقدّم والازدهار الاقتصاديّ للمجتمع الإسلاميّ. فمن المهم جدًّا أن نلتفت إلى هذه النقطة. لقد نزل الوحي الإلهيّ بالأصول الإسلاميّة، والعدالة الإسلاميّة، وتكريم الإنسان، وروح الجهاد، والبناء الإسلاميّ، والمرتكزات الأخلاقيّة والقيمية الإسلاميّة، فـي زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تمّ تطبيقها من قِبَل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فـي المجتمع الإسلاميّ ضمن الحدود المتاحة. ولكن كيف كان المجتمع الإسلاميّ فـي عهد الرّسول؟ تأسّست القيم الإسلاميّة فـي بيئة صغيرة وضئيلة، إذ حتى عشر سنوات لم يكن سوى المدينة، وكانت مدينة صغيرة تضمّ بضعة آلاف من النّاس، ثمّ فُتحت مكّة والطائف، وهي منطقة محدودة بثروات قليلة جدًّا، فالفقر كان شاملًا، والإمكانات الّتي كانت فـي متناول أيديهم كانت ضئيلة جدًّا..
مضت خمس وعشرون سنة على رحيل الرّسول عن الدّنيا. وكانت مساحة الدّولة الإسلاميّة قد ازدادت، خلال هذه المدّة، مئات الأضعاف، لا ضعفين أو ثلاثة أو عشرة. فيوم تسلّم أمير المؤمنين عليه السلام الحكم كانت الأرض التي تمتدّ من آسيا الوسطى حتّى شمال أفريقيا ــ أي مصر ـ داخلةً ضمن نطاق الدولة الإسلاميّة. ففي بداية الأمر، تلاشت إحدى الدولتين العظميين المجاورتين للدّولة الإسلاميّة - وأعنـي بهما إيران والرّوم ـ فقد تلاشت إحداهما نهائيًّا وهي الدّولة الإيرانيّة، وصارت كافّة الأراضي الإيرانية بيد الإسلام. ودخلت أجزاء مهمّة من الأراضي الرّومانيّة ـ بلاد الشام وفلسطين والموصل ومناطق أخرى ـ أيضًا فـي دائرة الإسلام. مثل هذه الرقعة الواسعة كانت بيد الإسلام يومذاك. إذًا، لقد توفّرت ثروات طائلة ولم يعد هناك فقرٌ أو عوزٌ أو شحٌّ في الطّعام، وأصبح الذهب كثيرًا، والأموال وفيرة، وأصبح هناك ثروات طائلة. لذا، كانت الدّولة الإسلاميّة قد أصبحت ثريّة. الكثيرون تمتّعوا برفاه جاوز الحدود. لو لم يكن الإمام عليّ عليه السلام في البين، ربّما كان التاريخ ليحكم بأنّ المبادئ الإسلاميّة والقيم النبويّة كانت جيّدة لعصر المدينة النبويّة فقط، أي لذلك العهد الّذي تميّز بضآلة حجم المجتمع الإسلاميّ وفقره. أمّا بعد أن اتّسع المجتمع الإسلاميّ واختلط بالحضارات المختلفة حيث وفدت من إيران والرّوم ثقافات وحضارات شتّى إلى حياة النّاس، وانضوت شعوب مختلفة تحت مظلّة المجتمع الإسلامي، فلا تبقى تلك المبادئ كافية ولا قادرة على إدارة البلد. وقد أثبت أمير المؤمنين عليه السلام، طوال هذه السنوات الخمس، بممارساته وسيرته وأسلوبه فـي الحكم أنّ الأمر على العكس من ذلك، فتلك المبادئ نفسها الّتي كانت متألّقة في صدر النبوّة ـ ذات التوحيد، والعدل، والإنصاف والمساواة بين النّاس - هي ممكنة التطبيق على يد خليفة قويّ كأمير المؤمنين عليه السلام. هذا شيء خلّده التاريخ. ومع أنّ هذا المنهج لم يستمرّ بعد أمير المؤمنين عليه السلام، لكنّه أثبت أنّ الحاكم الإسلاميّ ومديري المجتمع والمسؤولين المسلمين إذا قرّروا وعزموا وكانوا أصحاب عقيدة راسخة لأمكنهم تطبيق نفس تلك المبادئ فـي عهد اتّساع رقعة الدّولة الإسلاميّة وظهور ظروف جديدة ومتنوِّعة للحياة، حتّى ينتفع بها النّاس... فمن الواضح أنّ إقامة العدالة الاجتماعيّة فـي مجتمع يضمّ عشراً أو خمس عشرة ألف نسمة فـي المدينة تختلف اختلافًا هائلًا عنها فـي مجتمع يضمّ عشرات الملايين أو مئات الملايين كما كان الحال في عهد أمير المؤمنين عليه السلام. وقد نهض أمير المؤمنين عليه السلام بهذه المهام.
عدالة الإمام عليّ عليه السلام
نورد هنا نماذج من أعمال أمير المؤمنين عليه السلام تجلّت فـي كلمات هذا العظيم. وهناك آلاف الأمثلة الأخرى فـي حياته. جاء النّاس وأصرّوا وبايعوا، لكنّه لم يوافق. وازداد إصرار جميع النّاس، من أكابر وصغار ورؤساء وصحابة قدماء، فقالوا جميعًا: كلّا، لن يكون غير عليّ بن أبـي طالب عليه السلام ولن يستطيع ذلك سواه. جاؤوا وأخذوا الإمام مصرّين. فقال الإمام عليه السلام: إذًا فلنذهب إلى المسجد. ارتقى الإمام المنبر، وألقى خطبة أوضح فيها آراءه، فقال: الأموال الّتي استحوذ عليها الخواصّ والوجهاء من دون وجه حقّ سأُعيدها إلى بيت المال أينما وجدّتها. حيث استطاع بعض الأشخاص خلال تلك السّنوات مصادرة أموال من بيت المال لصالحهم. فقال سأُعيد كلّ هذه الأموال: "لو وجدّته قد تُزوّج به النساء"، أي أنّكم جعلتم تلك الأموال مهورًا لنسائكم، أو "مُلك به الإماء" واشتريتم بها الجواري لحريمكم "لرددّته"[2] وأعدّته إلى بيت المال. ليعلم النّاس والأكابر أنّ هذه هي طريقتي.
بعد أيّامٍ بدأت المعارضات، وكان المستضعفون من النّاس والطّبقة المضطَّهدة فـي المجتمع يتمنّون من الله أن يُتّبع مثل هذا المنهج، أمّا أصحاب النّفوذ والمخاطبون الحقيقيّون بهذا الكلام فمن البديهيّ أن يسخطوا. فجلسوا وعقدوا اجتماعًا وقالوا: ما هذا الّذي يريد عليّ صنعه؟ قام الوليد بن عقبة ــ وهو نفسه الّذي كان والي الكوفة في زمن عثمان ــ وجاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام، نيابةً عنهم، فقال له: يا عليّ! إنّ لبيعتنا إيّاك شروطًا، "ونحن نُبايعك اليوم على أن تضع عنّا ما أصبناه من المال فـي أيّام عثمان"[3]، شرطنا هو أن لا تنال من الأموال الّتي حصلنا عليها وتترك لنا ما كسبناه خلال العهد الّذي سبقك. ومن بعد الوليد بن عقبة، جاءه طلحة والزبير. الوليد بن عقبة، بالطّبع، يختلف عن طلحة والزبير. فالوليد بن عقبة كان فـي الحقيقة من حديثي العهد بالإسلام، وكانت عائلته ضدّ الإسلام ومعارضة للثّورة وقد حاربت الإسلام. وبعد ذلك حين ساد الإسلام، فـي نهاية عهد النبيّ، دخل فـي الإسلام كغيره من بنـي أميّة.
أمّا طلحة والزبير فكانا من السّابقين في الإسلام ومن أعوان الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم المقرّبين. جاء طلحة والزبير أيضًا ــ وهما يومذاك من أكابر الإسلام ومن البقية الباقية لأصحاب الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم ــ إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وتكّلما كلامًا فيه عتاب، منه قولهم: "إنّك جعلت حقّنا فـي القَسْم كحقّ غيرنا".
فقد ساويت بيننا وبين غيرنا فـي تقسيم بيت المال. "وسوّيت بيننا وبين من لا يُماثلنا"، ساويت فـي منح أموال بيت المال بيننا وبين من هم ليسوا مثلنا، فأيّ قسمة هذه؟ لماذا لا تُقرّر امتيازات معيّنة؟ "من لا يُماثلنا فـي ما أفاء الله تعالى بأسيافنا ورماحنا"[4] هذه خيرات استُحصلت بأسيافنا. نحن الّذين رفعنا الإسلام، نحن الّذين بذلنا الجهود والمساعي، وإذا بك تساوينا بالجُدد والأعاجم ومن جاؤوا من البلدان المفتتحة.
لم يُسجّل لنا التّاريخ جواب أمير المؤمنين عليه السلام للوليد بن عقبة، لكنّه أجاب الآخرين. صعد الإمام المنبر وأجابهم جوابًا شديدًا. قال بشأن قضيّة المساواة فـي تقسيم بيت المال: "فإنّ ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء"، فلست أنا من أسّس لهذه الطريقة وهذا المنهج، "بل وجدتُ أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحكم بذلك"[5]، لم أجئ بأسلوبٍ جديد من عندي، إنّما أتّبع الفعل الّذي كان يأتي به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. أريد تكريس تلك القيم والقواعد الاعتقادية والسّلوكيّة في المجتمع، في هذا العصر. وقد كرّسها الإمام عليّ عليه السلام وكان يفعل. وقد دفع أمير المؤمنين عليه السلام ثمن ذلك أيضًا.
فكان ثمن هذا العمل أن نشبت ثلاثة حروب. وقف أمير المؤمنين عليه السلام. ومن البديهيّ أنّه كان يرى لنفسه حقّ الخلافة. ولكن لم يكن الأمر على هذا النّحو بعد رحيل الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يتحرّك على مدى خمس وعشرين سنة من أجل الشّيء الّذي كان يعلم أنّه حقّه. وإذا كان هناك من يريد التحدّث بالأمر، كان يُهدّئه، "إنّك لقلق الوضين ترسل في غير سدد،... دع عنك نهبًا صيح في حجراته"[6]. لم تصدر عنه ردود فعل إزاء تلك القضيّة على مدى خمس وعشرين سنة. لكنّ أمير المؤمنين عليه السلام تحمّل عبء ثلاثة حروب ــ حرب الجمل، وحرب صفّين، وحرب النهروان ــ مقابل قضيّة تبدو في الظاهر أقل من تلك القضيّة ــ وهي قضية العدالة الاجتماعيّة، وقضيّة إحياء الأصول النبويّة، وإعادة تشييد الصّرح الإسلامي المتين الذي أرسى دعائمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فكم كانت هذه القضيّة مهمّة بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام! وهذا هو الإنجاز العظيم الّذي نهض به أمير المؤمنين عليه السلام. وله فـي هذا المجال كلمة أخرى، يقول فيها: "لا تمنعنّكم رعاية الحقّ لأحدٍ عن إقامة الحقّ عليه"[7]، أي إنّ الإنسان إذا كان مؤمنًا ومجاهدًا فـي سبيل الله وبذل جهدًا كبيرًا وخاض المعارك وأنجز أعمالًا كبيرة فستكون مراعاة حقّه واجبة. وأمّا إذا تعدّى هذا الشّخص حدوده فـي حالةٍ خاصّة وضيّع حقًّا من الحقوق، فلا ينبغي التّغاضي عن خطئه هذا بحجّة أعماله الحسنة السّابقة، إذًا لا بدّ من التمييز بين الأمور. فإذا كان الإنسان صالحًا وذا قدرٍ كبيرٍ وسابقة محمودة وجهودٍ بذلها للإسلام والبلاد فهذا جيّد وحقوقه مقبولة ومحفوظة وينبغي أن تُقدّر، ولكن إذا تعدّى وتجاوز، فإنّ مراعاة ذلك الحقّ ينبغي أن لا تؤدّي إلى غضّ الطّرف عن المخالفة الّتي ارتكبها. هذا هو منطق أمير المؤمنين.
كان هناك شاعرٌ اسمه النّجاشيّ، هو من شعراء أمير المؤمنين عليه السلام ومدّاحيه، وصاحب أفضل القصائد فـي حرب صفّين في تحريض النّاس ضدّ معاوية، ومن محبّي أمير المؤمنين عليه السلام وأحد الدّاخلين فـي حزبه، وأفعاله مشهورة بالإخلاص والولاية والسّوابق، وكان قد شرب الخمر فـي نهار شهر رمضان. حين علم أمير المؤمنين عليه السلام بالأمر قال إنّ حدّ الخمر معروف، آتوني به لإقامة الحدّ عليه. أقام أمير المؤمنين عليه السلام عليه حدّ الخمر أمام أعين النّاس، ثمانين سوطًا. فجاءت عائلته وقبيلته إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا: يا أمير المؤمنين، أرقت ماء وجوهنا. لقد كان هذا من أصحابك وأصدقائك ـ وبتعبيرنا المعاصر ـ كان من تيّارك. فقال أنا لم أفعل شيئًا، إنّه مسلم ارتكب مخالفة، فوجب عليه حدّ من حدود الله، فأقمت ذلك الحدّ. بالطبع، النّجاشيّ، وبعد أن جُلد من قِبَل عليّ عليه السلام، قال: طالما كان الأمر كذلك، فسأذهب إلى معاوية وأنظم أشعاري به. فقام وفارق أمير المؤمنين عليه السلام والتحق بمعسكر معاوية. فلم يقل أمير المؤمنين عليه السلام إنّ النجاشيّ قد تركنا وهذه خسارة مؤسفة، فلنحاول إبقاءه هنا، كلّا، إنْ ذهب، فليذهب! بالطبع، من الأفضل كان أن يبقى. هذا هو منطق أمير المؤمنين عليه السلام ومنهجه. قال الإمام عليه السلام لأصحاب النجاشي: "فهل هو إلاّ رجلٌ من المسلمين انتهك حرمة من حُرَم الله فأقمنا عليه حدّاً كان كفّارته"[8]. أقمنا عليه الحدّ فسقط عنه ذنبه.
وكان هناك رجلٌ من قبيلة بنـي أسد ـ كان من أقارب أمير المؤمنين عليه السلام ــ وجب عليه حدٌّ من الحدود. فقال نفرٌ من محبّي أمير المؤمنين عليه السلام ومن رجال قبيلة ذلك الشخص: لنذهب إلى أمير المؤمنين عليه السلام ونُعالج المشكلة بنحوٍ من الأنحاء. فجاؤوا أوّلًا إلى الإمام الحسن المجتبى[9] عليه السلام ليكون واسطتهم لدى أبيه، فقال الإمام الحسن: لا ضرورة لمجيئي، اذهبوا أنتم، فوالدي أمير المؤمنين يعرفكم. فجاؤوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا: هذه هي حالنا فساعدنا. فقال الإمام عليه السلام فـي معرض إجابتهم لا مانع لديّ فـي أيّ أمر أكون فيه حرًّا مختارًا، وسأفعله لكم، ففرح هؤلاء وخرجوا، وفـي الطّريق صادفوا الإمام الحسن عليه السلام فسألهم: ماذا فعلتم؟ قالوا له: انتهى الأمر على خيرٍ والحمد لله، وقد وعدنا أمير المؤمنين عليه السلام. فسألهم: ماذا قال لكم أمير المؤمنين؟ قالوا: قال لنا أفعل لكم ما أكون حرًّا فيه ويعود أمره إلـيّ. فتبسّم الإمام الحسن عليه السلام وقال: إذًا اذهبوا وافعلوا كلّ ما يجب أن تقوموا به فـي حال إقامة الحدّ عليه! وأقام أمير المؤمنين عليه السلام الحدّ عليه بعد ذلك. فجاؤوا وقالوا: يا أمير المؤمنين، لمَ أقمت الحدّ على هذا الرجل؟ فقال: ليس الحدّ ممّا أملك أمره وحرّية التصرّف فيه. الحدّ حكمٌ إلهيّ. قلتُ لكم ما أكون حرًّا فيه أفعله لكم[10]. والحدّ ليس فـي يدي. هذا، وبنو أسد من أصدقاء أمير المؤمنين عليه السلام والمخلصين له. هكذا كانت حياة أمير المؤمنين عليه السلام.
هناك روايات كثيرة عن قضائه وثيابه ومعيشته وأولاده. يقول الرّاوي: ذهبت فشاهدت الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام جالسين يأكلان الطّعام، طعامهما كان خبزًا وخلًّا وبعض الخضار. فقلتُ لهما يا سيّداي أنتما أميران، أنتما العائلة الحاكمة، ابنا أمير المؤمنين وفي السّوق كلّ هذه المأكولات "وفي الرحبة ما فيها"، في الرحبة ــ بقرب الكوفة ــ يُباع كلّ شيء والنّاس تشتري، وأنتما ابنا الأمير عليه السلام، أهذا هو طعامكما؟ فالتفتا إليه وقالا: "ما أغفلك عن أمير المؤمنين"[11]، أنت غافل عن أمير المؤمنين، اذهب وانظر إلى حياته! كان الإمام هكذا حتّى مع عائلته.
لقد سمعتم بقصّة زينب الكبرى والاستعارة من أبـي رافع، وكذلك قصّة عقيل الّذي جاء إلى الإمام وطلب: "صاع من بُرّ"، أي أراد من القمح مقداراً أكثر من حصّته. فأخذ الإمام تلك الحديدة المحمّاة وقرّبها منه ــ بالطّبع لم يضعها عليه ــ وهدّده ولم يقبل طلبه. جاءه عبد الله بن جعفر ــ ابن أخيه وصهره، زوج السيّدة زينب ــ وقال: يا أمير المؤمنين ليس فـي يدي شيء، وأنا مضطرّ لبيع بعض أدوات منزلي. فساعدني ببعض شيء، فلم يوافق الإمام عليه السلام وقال: إلاّ إذا قلت لـي اذهب يا عمّ واسرق واعطني من مال النّاس.
لقد حدّد أمير المؤمنين عليه السلام معيار الحكم فـي مجتمع ٍمتطوّرٍ وكبيرٍ ومتحضّرٍ وثريّ، فـي زمانه على أساس ما كان فـي زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. كلّ شيء كان قد تطوّر. أراد أمير المؤمنين عليه السلامبسلوكه إثبات أنّه بالإمكان إحياء تلك المبادئ حتّى في أحلك الظروف. هذا هو العمل العظيم الّذي قام به أمير المؤمنين عليه السلام. فمبدأ الإيمان، والعدالة، والجهاد، وصناعة النّاس، والإدارة الكفوءة اللائقة المؤمنة - فحياة أمير المؤمنين عليه السلام زاخرة بأحداث وأمور أنتم أيهّا النّاس وعلى مدى سنوات تسمعون وقد سمعتم من كلّ قسمٍ منها على شكل قصص وروايات وأحاديث له عليه السلام - كلّها دلائل على هذه الحقيقة، وخلاصتها أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يُبرهن للعالَم أنّ هذه المبادئ الإسلاميّة ممكنة التّطبيق في كلّ الظروف. وهذا هو الواقع. ليست المبادئ الإسلاميّة في شكل ثياب أمير المؤمنين عليه السلام بحيث إذا كان يرتدي مئزرًا أو قميصًا علينا اليوم ارتداء نفس الملابس. المبادئ الإسلاميّة هي العدالة، والتوحيد، وإنصاف النّاس، واحترام حقوقهم، ومتابعة شؤون الضعفاء، والوقوف بوجه الجبهات المعادية للإسلام والدين، والإصرار على ركائز الحقّ والإسلام والدّفاع عن الحقّ والحقيقة. هذه مفاهيم ممكنة التطبيق فـي جميع العصور.
بالطبع، نحن عندما نذكر هذا الكلام اليوم، فإنّنا نأتي به من مكانٍ رفيع، فمن ذا الّذي بوسعه حتّى أن يتصوّر التشبّه بأمير المؤمنين عليه السلام؟ كلّا، لا أحد يمكنه التشبّه بأمير المؤمنين عليه السلام. الإمام السجّاد عليه السلام وهو حفيد أمير المؤمنين عليه السلام وله مقام العصمة، حين قيل له إنّك كثير العبادة قال أين عبادتنا من عبادة عليّ عليه السلام ؟ أي إنّ الإمام العابد السجّاد يقول ليس بالإمكان مقارنتي بعليّ عليه السلام. وبين الإمام السجّاد عليه السلام وخيرة العُبّاد والزهّاد في زماننا آلاف الفراسخ. أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى النّموذج والقمّة واتّجاه الحركة وحدّد الملاك، فلنصل أينما استطعنا الوصول. النّظام الإسلاميّ نظام العدل والإنصاف وخدمة النّاس واحترام حقوق الإنسان ومجابهة الظّلم الّذي يُمارسه القويّ ضدّ الضعيف. هذه هي مشكلات البشريّة المهمّة على امتداد التاريخ. ابتُليت البشريّة بهذه المشكلات دائمًا وما تزال تُعاني من هذا البلاء. لاحظوا اليوم كيف يدّعي العتاة والأقوياء فـي العالم أنّ العالم كلّه لهم. تُعاني الشّعوب الصّفعات وضنك العيش بسبب هذا التعسّف. إنّ منطق الإسلام ومنطق أمير المؤمنين عليه السلام ومنطق الحكومة العلويّة مجابهة هذه الأشياء، سواء داخل المجتمع إذا أراد قويٌّ ابتلاع ضعيف، أم على المستوى العالميّ والدوليّ.
القدرة والمظلوميّة والنصر
لقد التأمت في شخصيّة وحياة وشهادة هذا الرّجل الفذّ ثلاثة عناصر تبدو غير منسجمة تمامًا مع بعضها البعض في الظاهر، وتلك العناصر الثلاثة عبارة عن: القوّة، والمظلومية، والانتصار.
فقوّته تكمن في إرادته الصّلبة وعزمه الراسخ، وفي تسيير دفّة الشّؤون العسكريّة في أعقد المواقف، وفي هداية العقول نحو أسمى المفاهيم الإسلاميّة والإنسانيّة، وتربية وإعداد شخصيّات كبرى من قبيل مالك الأشتر وعمّار وابن عباس ومحمّد بن أبي بكر وغيرهم، وشقّ مسار مميّز في تاريخ الإنسانيّة. ويتمثّل مظهر قوّته في اقتداره المنطقيّ واقتداره في ميادين الفكر والسياسة، وفي اقتدار حكومته وشدّة ساعده. ليس ثمّة ضعف في شخصيّة أمير المؤمنين عليه السلام في أيّ جانب من جوانبها. ويُعتبر في الوقت ذاته من أبرز الشّخصيّات المظلومة في التّاريخ. وقد كانت مظلوميّته في كلّ جوانب حياته، لقد ظُلم في أيّام شبابه، حيث تعرّض للظّلم حينذاك من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وظُلِم في سنوات كهولته وفي عهد خلافته واستُشهد مظلومًا، وظلّ من بعد استشهاده يُسبّ على المنابر على مدى سنوات طوال، وتُنسب إليه شتّى الأكاذيب.
لدينا في جميع الآثار الإسلاميّة شخصيّتان أُطلقت عليهما صفة "ثار الله". ولا توجد في اللغة الفارسية كلمة معادلة تمامًا لكلمة "الثأر" كما في اللغة العربية، فعندما يُقتل شخص ظلمًا فأسرته هي وليّ دمه، وهذا ما يُسمّى بالثأر، ولأسرته حقّ المطالبة بثأره. أمّا ما يُسمّى بـ "دم الله" فهو تعبيرٌ قاصر وناقص لكلمة الثأر ولا يوصل المعنى المطلوب. فالثّأر معناه حقّ المطالبة بالدّم. فإذا كان لأسرةٍ ما ثأر، فلها حقّ المطالبة به. وورد في التّاريخ الإسلاميّ اسما شخصيّتين، وليّ دمهما الله، فهو الّذي يطلب بثأرهما، أحدهما الإمام الحسين عليه السلام، والآخر هو أبوه أمير المؤمنين عليه السلام: "يا ثار الله وابن ثاره"[12]، أي أنّ المطالب بدم أبيه هو الله تعالى أيضًا.
أمّا العنصر الثالث الّذي طبع حياة الإمام عليّ عليه السلام فهو النّصر، حيث تغلّب في حياته على جميع التّجارب العصيبة الّتي فُرضت عليه، ولم تستطع جميع الجبهات، الّتي سنذكرها لاحقَا، والّتي فتحها ضدّه أعداؤه أن تنال منه وإنّما هُزِمت كلّها أمامه. ومن بعد استشهاده أخذت حقيقته الناصعة تتجلّى وتتفتّح يومًا بعد آخر أكثر ممّا كانت عليه في أيّام حياته. ففي عالم اليوم، ليس العالم الإسلاميّ وحده وإنّما العالم كلّه، هناك أناس كثيرون لا يؤمنون حتّى بالإسلام، إلا أنّهم يؤمنون بعليّ بن أبي طالب عليه السلام كشخصيّة تاريخيّة لامعة. وهذا هو جلاء ذلك الجوهر الوهّاج، وكأنّ الله يُكافئه على ما لحق به من ظلم. فلا بدّ أنّ يكون لتلك المظلوميّة ولذلك الكبت والضّغط والتعتيم ولتلك الحقيقة السّاطعة مع تلك التّهم العجيبة، التي واجهها بالصّبر، ثواب عند الله. وثوابها هو أنّك لا تجد على مدى التاريخ شخصيّة، على هذه الدرجة من التألّق وقد نالت القبول بكلّ هذا الإجماع. ولعلّ أفضل الكتب الّتي سُطّرت حتّى اليوم بحقّ أمير المؤمنين عليه السلام، وأكثرها ولهًا وحبًّا، هي تلك الّتي كتبها أشخاص غير مسلمين. وفي ذهني أسماء ثلاثة كتّاب مسيحيّين كتبوا بوَلهٍ حول أمير المؤمنين عليه السلام كتبًا جديرة بالثناء حقًّا. وكان هذا الحبّ قد نشأ منذ اليوم الأوّل، أي من بعد استشهاده، حيث تكالب الجميع على الإساءة إليه والانتقاص منه ـ من الطّغمة الّتي كانت تحكم الشام ومن كان يدور في فلكها، وممّن امتلأ غيظًا من سيف أمير المؤمنين ومن عدله ـ فكانت هذه القضيّة واضحة منذ ذلك الوقت. وأنا أذكر ها هنا مثالًا واحدًا على ذلك: انتقص ابن عبد الله بن عروة بن الزبير من أمير المؤمنين عليه السلّام ذات يوم، أمام أبيه عبد الله بن عروة بن الزبير. وكان آل الزبير كلّهم ضدّ عليّ، إلا واحدًا منهم وهو مصعب بن الزبير الّذي كان رجلًا شجاعًا وكريمًا، وهو الّذي دخل لاحقًا في صراعٍ مع المختار الثقفيّ في الكوفة، ومن بعده مع عبد الملك بن مروان، وهو زوج سكينة، أي إنّه أوّل صهر للإمام الحسين عليه السلام، فكان آل الزبير كلّهم خصومًا لأمير المؤمنين عليه السلام أبًا عن جدّ، باستثنائه هو. وهذا ما يدركه الإنسان من خلال دراسته للتاريخ. وبعدما سمع عبد الله ذلك الانتقاص على لسان ابنه قال جملة ليست حيادية كثيرًا، إلا أنهّا تنطوي على نقطة مهمّة وهي: "والله يا بُنيّ، ما بنى النّاس شيئًا قطّ إلّا هدمه الدّين، ولا بنى الدّين شيئًا فاستطاعت الدنيا هدمه". أي إنّهم يحاولون عبثًا هدم اسم أمير المؤمنين عليه السلام القائم اسمه على أساس الدّين والإيمان، "ألم ترَ إلى عليّ كيف تُظهر بنو مروان من عيبه وذمّه؟ والله لكأنّهم يأخذون بناصيته رفعًا إلى السّماء. وأما ترى ما يندبون به موتاهم من التّأبين والمديح؟ والله لكأنّما يكشفون به عن الجيف"[13]. لعلّ هذه الكلمة قيلت بعد نحو ثلاثين سنة من شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، أي إنّه عليه السلام وعلى الرغم من فداحة الظّلم الّذي نزل به، أضحى هو المنتصر في حياته وفي التاريخ وفي ذاكرة الإنسانيّة.
ويمكن تلخيص قضية قوّة أمير المؤمنين إلى جانب مظلوميّته الّتي انتهت إلى هذا الحال في ما يلي:
القاسطون
لقد اصطفّت ضدّ عليّ عليه السلام في أيّام حكومته الّتي استمرّت أقلّ من خمس سنوات، ثلاثة تيارات هي: القاسطون، والناكثون، والمارقون، إذ ينقل عنه عليه السلام السنّة والشّيعة أنّه قال: "أُمرت أن أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين"[14]. وهذه التسمية هو الّذي أطلقها على تلك الفئات الثلاث، فالقاسطون بمعنى الظّالمين، لأنّه عندما يأتي الفعل قسط مجرّدًا: قَسَطَ يقسِط، بمعنى جار يجور، وظلم يظلم. وحينما يأتي على صيغة الثّلاثيّ المزيد على وزن أفعل: أقسط يُقسط، فمعناه العدل والإنصاف. وعلى هذا، إذا استعمُلت كلمة القسط على وزن إفعال، تعني العدل، وإذا جاءت على صيغة قَسَطَ يقسِط فهي على عكس ذلك، أي بمعنى الظّلم والجور. فهو عليه السلام سمّاهم الظّالمين. ولكن من هم أولئك القاسطون؟ القاسطون فئة دخلت الإسلام ظاهريًّا لمصالحها الخاصّة ولم تكن تعترف بالحكومة العلويّة أساسًا. ولم تُجدِ كلّ الأساليب، الّتي انتهجها معها أمير المؤمنين عليه السلام، نفعًا. والتفّت تلك الفئة حول محور بني أميّة الّذي كان معاوية بن أبي سفيان ــ والي الشام آنذاك ــ أبرز شخصيّة فيه، ثمّ يأتي من بعده مروان بن الحكم والوليد بن عقبة. شكّل هذا المحور جبهة رفضت التّفاهم والاتّفاق مع أمير المؤمنين عليه السلام. ومع أنّ المغيرة بن شعبة وعبد الله بن عبّاس وغيرهما أشاروا على أمير المؤمنين عليه السلام منذ أوّل حكومته بالإبقاء عليهم في مناصبهم لبعض الوقت، غير أنّه أبى عليهم ذلك، فذهبت بهم الأوهام إلى أنّه لم يُحسن اتّخاذ الموقف السياسيّ المناسب. ولكنّهم هم الّذين كانوا في غفلةٍ كما برهنت عليه الأحداث اللاحقة، فمعاوية لم يكن يأتلف مع أمير المؤمين عليه السلام رغم كلّ ما كان يفعله عليه السلام، ولم يكن يقبل به رغم كلّ الأساليب الّتي اتّبعها عليه السلام لأجل هذه الغاية. ولم يكن ذلك النّهج ممّا ترتضيه حكومة كالحكومة العلويّة، على الرغم من تحمّل السّابقين لبعض هؤلاء.
كان هناك أقلّ من ثلاثين سنة ما بين إسلام معاوية وهبوبه لمحاربة أمير المؤمنين عليه السلام. فكان هو وأذنابه قد حكموا الشّام لسنواتٍ طوال وبسطوا نفوذهم فيها وأسّسوا لهم قاعدة واسعة هناك. ولم تكن الأحوال آنذاك كما كانت عليه في الأيّام الأولى الّتي كان بالإمكان أن يُقال لهم فيها ـ إذا ما أظهروا الخلاف ـ إنّكم دخلتم الإسلام توًّا، ولا يحقّ لكم الخلاف. فهم كانوا قد ثبّتوا لهم قدمًا عند ذاك. إذًا كان هذا التيّار يرفض الحكومة العلويّة جملةً وتفصيلًا، ويرنو إلى نمطٍ آخر من الحكم يكون زمامه بيده، وهو ما ثبت عنهم فيما بعد وذاق العالم الإسلاميّ مرارة حكمهم. فهذا معاوية نفسه، الّذي كان في عهد صراعه مع أمير المؤمنين عليه السلام يُظهر الودّ والمحبّة لبعض الصّحابة، قد أبدت حكومته فيما بعد أسلوبًا في غاية العنف والشدّة حتّى انتهى بها الحال إلى عهد يزيد وواقعة كربلاء، ومن بعده إلى زمن مروان وعبد الملك والحجّاج بن يوسف الثقفيّ ويوسف بن عمر الثقفيّ الّذين يُعدّون من جملة نتائج تلك الحكومة وثمارها. ومعنى هذا أنّ الحكومات الّتي يهتزّ التّاريخ لذكر جرائمها ـ كحكومة الحجّاج على سبيل المثال ـ كان معاوية هو الّذي أرسى أسسها وحاربه أمير المؤمنين عليه السلام من أجلها. فقد كانت غايتهم معروفة منذ البداية، إذ إنّهم كانوا يبتغون حكومة دنيويّة محضة تدور في فلك ذواتهم ومصالحهم الذاتية، وهي المظاهر الّتي شاهدها الجميع في حكومة بني أميّة.
ولا نودّ الدخول هنا في أيّ بحث عقائديّ أو كلاميّ. والأمور الّتي نعرضها هي من صلب التاريخ، وليس تاريخ الشّيعة طبعًا، وإنّما تاريخ ابن الأثير وابن قتيبة وما شابه ذلك. وهي نصوص مدوّنة ومحفوظة، وتدخل في عداد الحقائق المسلّم بها وليس في إطار الاختلافات الفكريّة بين الشّيعة والسنّة.
النّاكثون
الجبهة الثّانية الّتي حاربت أمير المؤمنين عليه السلام هي جبهة الناكثين. والناكث هو الناقض، والمراد به هنا ناقض البيعة. وهذه الفئة بايعت أمير المؤمنين عليه السلام في البداية إلا أنّها نقضت البيعة فيما بعد ونكثتها. وكان أفراد هذه الفئة ـ على العكس من الفئة الأولى ـ مسلمين ملتزمين، وفي الخندق الموالي. إلا أنّ ولاءهم واعترافهم بحكومة عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان منوطًا بإعطائهم حصّة مقبولة فيها والتّشاور معهم ومنحهم المناصب والمسؤوليّات الحكوميّة مع عدم التعرّض لما في أيديهم من ثروات وعدم السّؤال عن مصادرها. ويُمكن ملاحظة مدى ضخامة الثروات الّتي خلّفها أمثال هؤلاء بعد موتهم. إذًا، كانت هذه الفئة ترتضي حكم أمير المؤمنين عليه السلام ولكن بشرط عدم المساس بمثل هذه الأمور، وأن لا يُقال لأحدهم من أين لك هذه الثّروة؟ وكيف حصلت عليها؟ وما إلى ذلك. ولهذا السّبب بايع أكثرهم منذ البداية، في حين أنّ بعضًا آخر لم يُبايع، فسعد بن أبي وقّاص لم يُبايع منذ البداية، إلّا أنّ طلحة والزبير وأكابر الصّحابة وغيرهم بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام وأسلموا له القيادة، بيد أنّهم أدركوا بعد مضيّ ثلاثة أو أربعة أشهر عدم إمكانيّة الانسجام مع هذه الحكومة الّتي لا تُفرّق في تعاملها بين القريب والبعيد، ولا ترى لذاتها ولا لأفراد أُسرها أيّ امتياز، ولا تقرّ بأيّ امتياز للسّابقين في الإسلام - وإن كان أمير المؤمنين عليه السلام نفسه أوّلهم إسلامًا ـ ولا تُحابي أحدًا في تطبيق الأحكام الإلهيّة. ولهذه الأسباب جنّدوا أنفسهم لمعارضة هذه الحكومة وتسبّبوا في وقوع معركة الجمل الّتي كانت فتنة حقًّا، وقُتل في هذه المعركة عددٌ كبيرٌ من المسلمين، وانتهت المعركة بانتصار أمير المؤمنين عليه السلام وإعادة الأمور إلى نصابها. وهذه هي الجبهة الثانية الّتي شغلت أمير المؤمنين عليه السلام ردحًا من الزمن.
المارقون
أما الجبهة الثالثة فكانت جبهة المارقين، والمارق بمعنى الخارج والهارب. وقيل إنّهم سمّوا بالمارقين لخروجهم من الدين كخروج السّهم من القوس. وكانت هذه الفئة متمسّكة بظواهر الدين، ويُكثرون من التبجّح باسم الدين. وهؤلاء هم الخوارج الّذين وضعوا أسسهم الفكريّة على أساس فهم مغلوط للدين ــ وهي ظاهرة خطيرة طبعًا ــ ولم يأخذوا الدّين عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي كان مفسّرًا للقرآن وعالمًا بالكتاب. أمّا تكتّلهم أو ما يُسمّى بالاصطلاح المعاصر "تحزّبهم" فكان يستلزم سياسة معيّنة، وكانت هذه السّياسة توجّه من مكانٍ آخر. والسّمة البارزة الّتي كانت تُميّز أعضاء هذه الفئة هي أنّك لا تكاد تتلفّظ بكلمة حتّى يُسارع أحدهم إلى الإتيان بآية من القرآن، وكانوا كثيرًا ما يقرؤون أثناء صلاةِ جماعةِ أمير المؤمنين عليه السلام آيات معرّضين به، أو يقومون عند منبره ويقرؤون آية فيها تعريض يقصدونه بها، وكان شعارهم "لا حكم إلّا لله"، بمعنى أنّنا لا نعترف بحكومتك، ونحن أتباع حكومة الله! هذه الفئة، الّتي كان ظاهر أمرها على هذه الشّاكلة، كان تنظيمها واتّجاهها السياسيّ يجري وفقًا لآراء وتوجيهات كبار القاسطين والشّخصيّات البارزة في حكومة الشّام ـ أي عمرو بن العاص ومعاوية ـ إذ كانت لهذه الفئة علاقات بأولئك الأشخاص، فالأشعث بن قيس، كما يشير الكثير من القرائن. كان رجلًا غير نزيه. واتّبعت هذه الفئة طائفة كبيرة من البسطاء فكريًّا. إذًا، الفئة الثالثة الّتي جابهت أمير المؤمنين عليه السلام ـ وانتصر عليها طبعًا ـ هي فئة المارقين الّتي وجّه لها ضربة قاصمة في معركة النّهروان. ولكن كان لهم وجود في المجتمع، وفي ختام المطاف كان استشهاده على أيديهم.
ينبغي أن لا يُشتبه في فهم الخوارج، فهنالك من يصف الخوارج بالتحجّر والتنسّك الجامد، ولكن المتنسّك يتّصف بالعزلة والانطواء على صلاته ودعائه، وهذا المعنى لا يصدق على الخوارج، لأنّ الخوارج عناصر متمرّدة تُثير الأزمات، ولها وجود فاعل في السّاحة، وتشنّ حربًا ضدّ عليّ عليه السلام، ولكن أساس عملها خاطئ، وحربها خاطئة، وأساليبها مرفوضة، وغايتها باطلة. هذه هي الفئات الثّلاث الّتي جابهت أمير المؤمنين.
الفرق بين حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحكومة علي عليه السلام
الفارق الأساس بين أمير المؤمنين عليه السلام في عهد حكومته، وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أيّام حياته وعهد حكومته هو أنّ الخنادق في عهد الرسول كانت مشخّصة ومشخّصة تمامًا، خندق الإيمان وخندق الكفر، أمّا المنافقون فكثيرًا ما كانت الآيات القرآنية تُشير إليهم وتُحذّر منهم وتُقوّي صفوف المؤمنين في مواجهتهم وتُضعف من شوكتهم، أي إنّ كلّ شيء كان في النّظام الإسلاميّ في عهد الرسول واضحًا تمام الوضوح، وكانت الصفوف مفروزة فرزًا جليًّا، فطائفة كانت على الجاهليّة والكفر والطاغوت، وأخرى كانت على الإيمان والإسلام والتوحيد، ومن الطّبيعيّ أنّ كلّ واحدة من هاتين الطائفتين كانت تضمّ صنوفًا شتّى من النّاس، لكن الصفوف كانت مشخّصة وواضحة كلّ الوضوح. أمّا في عهد أمير المؤمنين عليه السلام فكانت المشكلة الكبيرة في تداخل الصفوف والخنادق، وهذا هو السّبب الّذي جعل للفئة الثانية ــ أي النّاكثين ــ وضعًا مقبولًا ومبرّرًا. وكان كلّ مسلم يتردّد كثيرًا في محاربة شخصيّات من أمثال طلحة أو الزبير، فالزبير هو ابن عمّة الرّسول وكان من الشخصيّات البارزة والمقرّبة إليه، حتّى أنّه كان ممّن اعترضوا على السّقيقة دفاعًا عن أمير المؤمنينعليه السلام بعد عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الأمور بخواتيمها. نسأل الله أن يجعل عاقبتنا إلى خير. فقد يؤثّر حبّ الدّنيا ومظاهر الحياة في بعض النّاس إلى درجة تجعل المرء يشكّ حتّى في الخواصّ، فما بالك بالعوام. وعلى كلّ الأحوال، كانت الظروف آنذاك عصيبة حقًّا.
ولا بدّ أنّ النّاس الّذين صمدوا مع أمير المؤمنين عليه السلام وحاربوا إلى جانبه كانوا على قدرٍ كبير من البصيرة. والشاهد على هذا قول أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر والصّبر"[15]. فلا بدّ من توفّر البصيرة بالدّرجة الأولى. ويُستدّل من هذه التّداخلات على طبيعة المشاكل الّتي واجهت أمير المؤمنين عليه السلام، وعلى الأساليب الملتوية الّتي اتّبعها النّاس الّذين حاربوه. ففي صدر الإسلام، كان هناك أفكار خاطئة كثيرة تُطرح في السّاحة، ولكن كانت تنزل آية قرآنية وتفنّدها بصراحة، سواء عندما كان النبيّ في مكّة أم في المدينة، فسورة البقرة - على سبيل المثال - وهي سورة مدنية، عندما ينظر المرء فيها يراها حافلة بصور من التحدّيات والاشتباكات بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمنافقين واليهود، حتّى أنّها تناولت التفاصيل الجزئيّة واستعرضت الأساليب الّتي كان يتّبعها يهود المدينة في إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسيًّا، ومنها ﴿لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا﴾[16] وما شابه ذلك. وجاءت أيضًا سورة الأعراف، وهي سورة مكّية، زاخرة بمحاربة الخُرافات وكُرّس فصلٌ منها للحديث عن تحريم وتحليل أنواع اللحوم، في مقابل التّحليل والتّحريم الزائف الّذي اصطنعه النّاس لأنفسهم يومذاك: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾[17]. هذه هي المحرّمات الحقيقية وليست تلك الّتي اصطنعتموها أنتم لأنفسكم من أمثال البحيرة والسّائبة وما شاكل ذلك. وكان القرآن يحارب هذه الأفكار صراحةً. أمّا في عهد أمير المؤمنين عليه السلام، فقد كان أعداؤه يستغلّون تلك الآيات القرآنية. وهذا ما صعّب كثيرًا من مهمّة أمير المؤمنين عليه السلام. لقد قضى عليه السلام مدّة خلافته القصيرة في أمثال هذه المصاعب والمعضلات.
وفي مقابل هؤلاء كانت جبهة عليّ نفسه، وهي جبهة قوية حقًّا، وفيها رجال كعمّار ومالك الأشتر وعبد الله بن عباس ومحمّد بن أبي بكر وميثم التمّار وحُجر بن عديّ، كانوا شخصيّات مؤمنة ذوي بصيرة ووعي، وكان لهم دورٌ مؤثّر في توعية النّاس الآخرين. فكان من جملة المواقف الجميلة في عهد أمير المؤمنين - ويُعزى جمالها طبعًا إلى الجهود الطيّبة لهؤلاء الأكابر، إلا أنّها في الوقت ذاته كانت مريرة بسبب ما لحقهم من جرّائها من عناءٍ وعذاب ــ هو مسيرهم نحو الكوفة والبصرة من بعد ما هبّ طلحة والزّبير وغيرهما واستولوا على البصرة وأرادوا المسير منها نحو الكوفة، حيث أرسل أمير المؤمنين عليه السلام الإمام الحسن عليه السلام وبعض هؤلاء الأصحاب، وكان لهم مع النّاس في المسجد مداولات وأحاديث ومحاجّات تُعتبر من المواقف المثيرة وذات مغزًى عميق في تاريخ الإسلام. ولهذا السبب يُلاحظ أنّ الهجمات الأساس لأعداء أمير المؤمنين عليه السلام وُجّهت صوب هذه الشّخصيّات، ضدّ مالك الأشتر، وضدّ عمّار بن ياسر، وضدّ محمّد بن أبي بكر، وضدّ كلّ من وقف إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام منذ البداية وأثبتوا صلابة إيمانهم وسلامة بصيرتهم. ولم يتورّع الأعداء عن كيل أنواع التّهم لهم والسّعي لاغتيالهم. ولهذا قضى أكثرهم شهداء، فاستشهد عمّار في الحرب، واستشهد محمّد بن أبي بكر بتحايل أهل الشام، وكذا استشهد مالك الأشتر بحيلةٍ من أهل الشام.
وبقي البعض الآخر، ولكنّهم عادوا واستشهدوا على نحوٍ قاسٍ وفجيع.
هذه هي الظروف الّتي عاشها أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وفي عهد حكومته. ولو أردنا الخروج بنتيجة مختصرة عنها لقلنا إنّها كانت حكومة قويّة ولكنّها في الوقت ذاته مظلومة ومنتصرة، بمعنى أنّه استطاع قهر أعدائه في أيّام حياته، واستطاع من بعد استشهاده مظلومًا أن يتحوّل إلى شعلةٍ وهّاجة على مدى تاريخ الإنسانيّة. ولا شكّ في أنّ المرارة الّتي ذاقها أمير المؤمنين عليه السلام خلال هذه الفترة تُعتبر من أشدّ وأصعب المحن في التاريخ.
[1] نهج البلاغة، ص 136.
[2] نهج البلاغة، ص 396.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج32، ص 19.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج32، ص 21.
[5] م.ن، ص 22.
[6] نهج البلاغة، ص 231.
[7] تصنيف غرار الحكم ودرر الكلم، ص 69.
[8] بحار الانوار، ج33، ص273.
[9] وذكرت بعض المصادر أنّهم جاؤوا إلى الإمام الحسين عليه السلام.
[10] نعمان بن محمد المغربي، دعائم الإسلام، تحقيق وتصحيح: آصف الفيضي، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الطبعة الثانية، 1427هـ، ج 2، ص 443.
[11] بحار الأنوار، ج 41، ص 113.
[12] الشيخ الكليني، الكافي، ج 4، ص 576.
[13] راجع: بحار الأنوار، ج39، ص 314.
[14] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 36.
[15] نهج البلاغة، ص 248.
[16] سورة البقرة، الآية 104.
[17] سورة الأعراف، الآية 33.
الاكثر قراءة في بيعته و ماجرى في حكمه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
