تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
قصة النبي يونس مع قومه
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص262-269.
2025-06-08
6
قصة النبي يونس مع قومه
قال تعالى : {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [يونس : 98].
قال أبو عبيدة الحذّاء ، سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : « وجدنا في بعض كتب أمير المؤمنين عليه السّلام ، قال : حدّثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن جبرئيل عليه السّلام حدّثه أن يونس بن متّى عليه السّلام بعثه اللّه إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة ، وكان رجلا يعتريه الحدّة وكان قليل الصّبر على قومه والمداراة لهم ، عاجزا عمّا حمّل من ثقيل حمل أوقار النبوّة وأعلامها ، وأنّه تفسّخ تحتها كما يتفسّخ الجذع تحت حمله « 1 ».
وأنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان باللّه والتصديق به واتّباعه ثلاثا وثلاثين سنة ، فلم يؤمن به ولم يتّبعه من قومه إلا رجلان اسم أحدهما روبيل ، واسم الآخر تنوخا ، وكان روبيل من أهل بيت العلم والنبوّة والحكمة ، وكان قديم الصحبة ليونس بن متّى من قبل أن يبعثه اللّه بالنبوّة . وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا ، منهمكا في العبادة ، وليس له علم ولا حكم ، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها ، وكان تنوخا رجلا حطّابا يحتطب على رأسه ، ويأكل من كسبه . وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا ، لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته.
فلمّا رأى يونس أن قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ، ضجر وعرف من نفسه قلّة الصّبر ، فشكا ذلك إلى ربّه ، وكان فيما شكا أن قال : يا ربّ ، إنّك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة ، فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك والتّصديق برسالاتي ، وأخوّفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة ، فكذّبوني ولم يؤمنوا بي ، وجحدوا نبوّتي واستخفّوا برسالاتي ، وقد تواعدوني وخفت أن يقتلوني ، فأنزل عليهم عذابك ، فإنّهم قوم لا يؤمنون ».
قال : « فأوحى اللّه إلى يونس : أنّ فيهم الحمل والجنين والطفل ، والشيخ الكبير والمرأة الضّعيفة والمستضعف المهين ، وأنا الحكم العدل ، سبقت رحمتي غضبي ، لا أعذّب الصغار بذنوب الكبار من قومك ، وهم - يا يونس - عبادي وخلقي وبريّتي في بلادي وفي عيلتي ، أحبّ أن أتأنّاهم وأرفق بهم وأنتظر توبتهم ، وإنّما بعثتك إلى قومك لتكون حيّطا عليهم ، تعطف عليهم لسخاء الرّحم الماسّة منهم ، وتتأنّاهم برأفة النّبوّة ، وتصبر معهم بأحلام الرسالة ، وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الدّاء ، فخرقت بهم « 2» ، ولم تستعمل قلوبهم بالرّفق ، ولم تسسهم بسياسة المرسلين ، ثمّ سألتني عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلّة الصّبر منك ، وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه ، وأحسن صحبة ، وأشدّ تأنّيا في الصّبر عندي ، وأبلغ في العذر ، فغضبت له حين غضب لي ، وأجبته حين دعاني .
فقال يونس : يا ربّ ، إنّما غضبت عليهم فيك ، وإنّما دعوت عليهم حين عصوك ، فوعزّتك لا أتعطّف عليهم برأفة أبدا ، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم إيّاي ، وجحدهم نبوّتي ، فأنزل عليهم عذابك ، فإنّهم لا يؤمنون أبدا .
فقال اللّه : يا يونس ، إنّهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي ، يعمرون بلادي ، ويلدون عبادي ، ومحبّتي أن أتأنّاهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك ، وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك ، وأنت المرسل وأنا الربّ الحكيم ، وعلمي فيهم - يا يونس - باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه ، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له . يا يونس ، قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم ، وما ذلك - يا يونس - بأوفر لحظّك عندي ، ولا أحمد لشأنك ، وسيأتيهم العذاب في شوّال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس ، فأعلمهم ذلك ».
قال : « فسرّ ذلك يونس ولم يسؤه ، ولم يدر ما عاقبته ، فانطلق يونس إلى تنوخا العابد ، فأخبره بما أوحى اللّه إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم ، وقال له : انطلق حتى أعلمهم بما أوحى اللّه إليّ من نزول العذاب .
فقال تنوخا : فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتى يعذّبهم اللّه تعالى .
فقال له يونس : بل نلقى روبيل فنشاوره ، فإنّه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوّة ، فانطلقا إلى روبيل ، فأخبره يونس بما أوحى اللّه إليه من نزول العذاب على قومه في شوّال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشّمس .
فقال له : ما ترى ؟ انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك .
فقال له روبيل : ارجع إلى ربّك رجعة نبيّ حكيم ورسول كريم ، وسله أن يصرف عنهم العذاب فإنّه غنيّ عن عذابهم ، وهو يحبّ الرّفق بعباده ، وما ذلك بأضرّ لك عنده ولا أسوأ لمنزلتك لديه ، ولعلّ قومك بعد ما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما ، فصابرهم وتأنّهم .
فقال له تنوخا : ويحك يا روبيل ! ما أشرت على يونس وأمرته به بعد كفرهم باللّه ، وجحدهم لنبيّه ، وتكذيبهم إيّاه ، وإخراجهم إيّاه من مساكنه ، وما همّوا به من رجمه !
فقال روبيل لتنوخا : اسكت ، فإنك رجل عابد ، لا علم لك ، ثمّ أقبل على يونس ، فقال : أرأيت يا يونس إذا أنزل اللّه العذاب على قومك ، أينزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا ويبقى بعضا ؟ فقال له يونس : بل يهلكهم اللّه جميعا ، وكذلك سألته ، ما دخلتني لهم رحمة تعطّف فأراجع اللّه فيها وأسأله أن يصرف عنهم .
فقال له روبيل : أتدري - يا يونس - لعلّ اللّه إذا أنزل عليهم العذاب فأحسّوا به أن يتوبوا إليه ويستغفروا فيرحمهم ، فإنّه أرحم الراحمين ، ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن اللّه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء ، فتكون بذلك عندهم كذّابا .
فقال له تنوخا : ويحك - يا روبيل - لقد قلت عظيما ، يخبرك النّبيّ المرسل أنّ اللّه أوحى إليه بأنّ العذاب ينزل عليهم ، فتردّ قول اللّه وتشكّ فيه وفي قول رسوله ؟ ! اذهب فقد حبط عملك .
فقال روبيل لتنوخا : لقد فشل رأيك ، ثمّ أقبل على يونس ، فقال : إذا نزل الوحي والأمر من اللّه فيهم على ما أنزل عليك فيهم من إنزال العذاب عليهم وقوله الحقّ ، أرأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم ، أليس يمحو اللّه اسمك من النبوّة ، وتبطل رسالتك ، وتكون كبعض ضعفاء الناس ، ويهلك على يديك مائة ألف أو يزيدون من الناس ؟
فأبى يونس أن يقبل وصيّته ، فانطلق ومعه تنوخا إلى قومه ، فأخبرهم أنّ اللّه أوحى إليه أنّه منزل العذاب عليكم يوم الأربعاء في شوّال في وسط الشّهر بعد طلوع الشّمس . فردّوا عليه قوله ، فكذّبوه ، وأخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا . فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية ، وتنحّيا عنهم غير بعيد ، وأقاما ينتظران العذاب .
وأقام روبيل مع قومه في قريتهم ، حتّى إذا دخل عليهم شوّال صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم : أنا روبيل ، شفيق عليكم ، رحيم بكم ، هذا شوّال قد دخل عليكم ، وقد أخبركم يونس نبيّكم ورسول ربّكم أنّ اللّه أوحى إليه أنّ العذاب ينزل عليكم في شوّال في وسط الشّهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشّمس ، ولن يخلف اللّه وعده رسله ، فانظروا ما أنتم صانعون ؟ فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب ، فأجفلوا نحو روبيل ، وقالوا له : ماذا أنت مشير به علينا - يا روبيل - فإنّك رجل عالم حكيم ، لم نزل نعرفك بالرّأفة علينا والرّحمة لنا ، وقد بلغنا ما أشرت به على يونس فينا ، فمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك .
فقال لهم روبيل : فإنّي أرى لكم وأشير عليكم أن تنظروا وتعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشّهر أن تعزلوا الأطفال عن الأمّهات في أسفل الجبل في طريق الأودية ، وتوقفوا النساء وكلّ المواشي جميعا عن أطفالها في سفح الجبل ، ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس ، فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق ، فعجّوا عجيجا ، الكبير منكم والصغير بالصراخ والبكاء ، والتضرّع إلى اللّه ، والتّوبة إليه والاستغفار له ، وارفعوا رؤوسكم إلى السّماء ، وقولا : ربّنا ظلمنا أنفسنا وكذّبنا نبيّك وتبنا إليك من ذنوبنا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين المعذّبين ، فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين . ثمّ لا تملّوا من البكاء والصراخ والتضرّع إلى اللّه والتوبة إليه حتى تتوارى الشّمس بالحجاب ، أو يكشف اللّه عنكم العذاب قبل ذلك فأجمع رأي القوم جميعا على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل .
فلما كان يوم الأربعاء الذي توقّعوا فيه العذاب ، تنحّى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا نزل ، فلمّا طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به ، فلمّا بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة ، لها صرير وحفيف وهدير ، فلمّا رأوها عجّوا جميعا بالصراخ والبكاء والتضرّع إلى اللّه ، وتابوا إليه واستغفروه ، وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمّهاتها ، وعجّت سخال « 3 » البهائم تطلب الثّدي ، وعجّت الأنعام تطلب الرّعي ، فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان ضجيجهم وصراخهم ، ويدعوان اللّه بتغليظ العذاب عليهم ، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ، ويرى ما نزل ، وهو يدعو اللّه بكشف العذاب عنهم .
فلمّا أن زالت الشمس ، وفتحت أبواب السماء ، وسكن غضب الرّبّ تعالى ، رحمهم الرّحمن فاستجاب دعاءهم ، وقبل توبتهم ، وأقالهم عثرتهم ، وأوحى اللّه إلى إسرافيل عليه السّلام : أن اهبط إلى قوم يونس ، فإنّهم قد عجّوا إليّ بالبكاء والتضرّع ، وتابوا إليّ واستغفروني ، فرحمتهم وتبت عليهم ، وأنا اللّه التواب الرحيم ، أسرع إلى قبول توبة عبدي التائب من الذنوب ، وقد كان عبدي يونس ورسولي سألني نزول العذاب على قومه ، وقد أنزلته عليهم ، وأنا اللّه أحقّ من وفى بعهده ، وقد أنزلته عليهم ، ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم ، فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي .
فقال إسرافيل : يا ربّ ، إنّ عذابك قد بلغ أكتافهم ، وكاد أن يهلكهم ، وما أراه إلّا وقد نزل بساحتهم ، فإلى أين أصرفه ؟
فقال اللّه : كلّا إني قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه ، ولا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم وعزيمتي ، فاهبط - يا إسرافيل - عليهم ، واصرفه عنهم ، واضرب به إلى الجبال بناحية مفائض العيون ومجاري السيول في الجبال العاتية ، المستطيلة على الجبال ، فأذلّها به وليّنها حتى تصير ملتئمة حديدا جامدا . فهبط إسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب ، حتى ضرب بها تلك الجبال التي أوحى اللّه إليه أن يصرفه إليها - قال أبو جعفر عليه السّلام : وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم - فصارت حديدا إلى يوم القيامة . فلمّا رأى قوم يونس أنّ العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال ، وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم ، وحمدوا اللّه على ما صرف عنهم .
وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه ، لا يشكّان أنّ العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا ، لمّا خفيت أصواتهم عنهما ، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ، ينظران إلى ما صار إليه القوم ، فلمّا دنوا من القوم واستقبلهم الحطابون والحمّارة « 4 » والرعاة بأغنامهم ، ونظروا إلى أهل القرية مطمئنّين ، قال يونس لتنوخا : يا تنوخا ، كذّبني الوحي ، وكذبت وعدي لقومي ، لا وعزّة ربّي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي « 5 » فانطلق يونس هاربا على وجهه ، مغاضبا لربّه « 6 » ، ناحية بحر أيلة متنكّرا ، فرارا من أن يراه أحد من قومه ، فيقول له : يا كذّاب ، فلذلك قال اللّه : {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } [الأنبياء : 87] الآية .
ورجع تنوخا إلى القرية ، فلقي روبيل ، فقال له : يا تنوخا ، أيّ الرّأيين كان أصوب وأحقّ أن يتّبع : رأيي ، أو رأيك ؟
فقال له تنوخا : بل رأيك كان أصوب ، ولقد كنت أشرت برأي الحكماء والعلماء .
وقال له تنوخا : أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي ، حتى استبان فضلك لفضل علمك ، وما أعطاك اللّه ربّك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم . فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ، ومضى يونس على وجهه مغاضبا لربّه ، فكان من قصّته ما أخبر اللّه به في كتابه إلى قوله : {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات : 148] .
قال أبو عبيدة : قلت لأبي جعفر عليه السّلام : كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوّة والرّسالة فآمنوا به وصدّقوه ؟
قال : « أربعة أسابيع : سبعا منها : في ذهابه إلى البحر ، وسبعا منها في رجوعه إلى قومه ».
فقلت له : وما هذه الأسابيع شهور أو أيّام ، أو ساعات ؟
فقال : « يا أبا عبيدة ، إنّ العذاب أتاهم يوم الأربعاء ، في النصف من شوّال ، وصرف عنهم من يومهم ذلك ، فانطلق يونس مغاضبا فمضى يوم الخميس ، سبعة أيّام في مسيرة إلى البحر ، وسبعة أيّام في بطن الحوت ، وسبعة أيّام تحت الشّجرة بالعراء ، وسبعة أيّام في رجوعه إلى قومه ، فكان ذهابه ورجوعه مسير ثمانية وعشرين يوما ، ثمّ أتاهم فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه ، فلذلك قال اللّه : فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ « 7 ».
______________
( 1 ) الجذع : الشاب من الإبل ، والكلام كناية عن عدم التحمّل لما يعرض له .
( 2 ) أي لم ترفق بهم وتحسن معاملتهم .
( 3 ) السخال : جمع سخلة ، ولد الغنم ذكرا كان أو أنثى . « الصحاح - سخل : ج 5 ، ص 1728 » .
( 4 ) الحمّارة : أصحاب الحمير في السفر . « الصحاح - حمر - ج 2 ، ص 637 » .
( 5 ) قال المجلسي ( رحمه اللّه ) : قوله عليه السّلام : « بعد ما كذبني الوحي » أي باعتقاد القوم ، البحار ج 17 ، ص 399 .
( 6 ) قال المجلسي ( رحمه اللّه ) : قوله : « مغاضبا لربّه » أي على قومه لربه تعالى ، أي كان غضبه للّه تعالى لا للهوى ، أو خائفا عن تكذيب قومه لما تخلّف عنه من وعد ربّه ، البحار : ج 17 ، ص 399 .
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )، ج 3، الشيخ ماجد ناصر الزبيدي، ص 269
( 7 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 129 ، ح 44 .