تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
النقد والنقد المضاد لتفسير كوبنهاجن لنظرية الكم
المؤلف:
فرينر هايزنبرج
المصدر:
لفيزياء والفلسفة ـ ثورة في العلم الحديث
الجزء والصفحة:
ص129
2025-05-17
31
قاد تفسير كوبنهاجن لنظرية الكم الفيزيائيين بعيدا عن وجهات النظر المادية البسيطة التي سادت العلوم الطبيعية في القرن التاسع عشر. ولما كانت هذه الوجهات من النظر لا ترتبط بشكل جوهري بالعلوم الطبيعية في تلك الحقبة، فقد حظيت بتحليل منهجي من بعض الأنساق الفلسفية وتغلغلت في أعماق عقل رجل الشارع العادي، وهذا ما يفسر جيدا لماذا كانت تلك المحاولات التي بذلت لنقد تفسير كوبنهاجن لإحلال تفسير آخر ، أكثر انسجاما مع مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية أو الفلسفة المادية.
يمكن تقسيم تلك المحاولات إلى ثلاث مجموعات مختلفة، لا ترغب المجموعة الأولي في تفسير كوبنهاجن فيما يتعلق بتنبؤات النتائج التجريبية، بيد أنها تحاول لغة هذا التفسير لتصبح أكثر شبها بالفيزياء الكلاسيكية، بعبارة أخري، تحاول ، تغير الفلسفة دون أن تغير الفيزياء اقتصرت بعض الأبحاث في هذه المجموعة الأولي على الاتفاق مع التنبؤات التجريبية لتفسير كوبنهاجن على تلك التجارب التي اجريت حتى الآن، والتي تنتمي للفيزياء الإلكترونية العادية.
أما المجموعة الثانية فتدرك أن تفسير كوبنهاجن هو التفسير الوحيد الملائم، اذا كانت النتائج التجريبية، في كل مكان، تتفق مع تنبؤات هذا التفسير. لذا حاولت ابحاث هذه المجموعة تغيير نظرية الكم، إلى حد ما، في بعض النقاط الحرجة. أما المجموعة الثالثة والأخيرة، فقد عبرت عن استيائها العام من نتائج تفسير كوبنهاجن، وبخاصة نتائجه الفلسفية، دون أن تقدم مقترحات بديلة. تنتمي أبحاث كل من آينشتين وفون لاوه و شرودنجر إلى المجموعة الثالثة التي كانت تاريخيا أول تلك المجموعات الثلاث.
ومع ذلك، فإن كل معارضي تفسير كوبنهاجن اتفقوا على نقطة واحدة، كانت من وجهة نظرهم الرغبة في العودة إلى مفهوم الواقع في الفيزياء الكلاسيكية أو استخدام مصطلح أكثر فلسفيا، إلى أنطولوجيا المذهب المادي، حيث يفضلون العودة إلى فكرة العالم الحقيقي الموضوعي، حيث توجد أصغر أجزائه في حالة وجود موضوعي بالمعني ذاته الذي نجده في وجود الأحجار والأشجار، بصرف النظر عما إذا كنا نلاحظها أم لا. ومع ذلك، قد يبدو مستحيلاً، أو على الأقل غير ممكن بسبب طبيعة الظواهر الذرية، التي تمت مناقشتها في بعض الفصول السابقة، فإن مهمتنا ليست مجرد صياغة رغبات عما ينبغي أن تكون عليه الظواهر الذرية، بل مهمتنا تكمن فقط في فهم تلك الظواهر.
عندما يحلل المرء أبحاث المجموعة الأولى، يدرك منذ البداية عدم إمكانية دحض تفسيرهم عن طريق التجربة، فهذه الأبحاث تقوم بتكرار تفسير كوبنهاجن ولكن بلغة مختلفة. قد يقول قائل من وجهة نظر الوضعية الدقيقة، إننا هنا لا نهتم بالمقترحات المضادة لتفسير كوبنهاجن، وإنما بالتكرار الدقيق بلغة مختلفة، لذلك، فليس أمام المرء سوى أن يناقش مدى ملائمة هذه اللغة. تعمل المجموعة الأولى من المقترحات المضادة مع فكرة "القياسات المخبأة .. ولما كانت القوانين النظرية الكمية تحدد بشكل عام، نتائج تجربة ما إحصائيا، فإن هذا يجعل المرء يميل، من وجهة نظر كلاسيكية، إلى الاعتقاد بأن ثمة بعض القياسات المخبأة التي تقلت من الملاحظة في أية تجربة عادية، ولكنها تحدد نتيجة التجربة بالطريقة السببية المعهودة. لذا تحاول بعض الأبحاث أن تشيد قياسات تدخل في إطار ميكانيكا الكم.
قدم بوم Bohm في هذا الخط مقترح مضاد لتفسير كوبنهاجن، والذي اتخذه فيما بعد دي بروى . أساسا له، ويمكن أن يكون تفسير يوم عونا لنا هنا في هذه المناقشة. يعتبر يوم أن الجسيمات بنيات واقعية موضوعية، مثلها مثل الكتل النقطية في الميكانيكا النيوتونية، وأن الموجات في المكان الشكلي، وهو مكان له أكثر من بعد، يشير إلى الإحداثيات المختلفة لكل الجسيمات التي تنتمي إلى هذا النظام. هنا نواجه الصعوبة الأولى ماذا نعنى عندما نقول إن موجات المكان الشكلي واقعية؟ هذا المكان هو مكان مجرد للغاية. وإن كلمة "واقعي تعود إلى الكلمة اللاتينية التى تعنى "الشيء"، بيد أن الأشياء في المكان ثلاثي الأبعاد، ليس مكانا شكلنا مجرداً. يمكننا أن نطلق على الموجات في المكان الشكلي "موضوعية" عندما نرغب في القول إن هذه الموجات لا تعتمد على أي ملاحظ؛ بل نادرا ما نصفها بأنها "واقعية" ما لم نكن على استعداد لتغيير معنى الكلمة. يمضى يوم في تعريف الخطوط العمودية على أسطح الطور الموجى الثابت على أنها المدارات المحتملة للجسيمات. أما أي من هذه الخطوط هو مدار "واقعي" يتوقف، وفقا لبـوم، علــى تاريخ النظام وجهاز القياس، ولا يمكن أن نقرر دون معرفة المزيد عن النظام وجهاز القياس مقارنة بما هو معروف بالفعل. يشتمل هذا التاريخ، في حقيقة الأمر، على قياسات مخبأة، المدار الفعلي قبل بدأ التجربة.
أحد نتائج هذا التفسير، كما أكد على ذلك ،بولى أن الإلكترونات في حالاتها الأرضية في العديد من الذرات، لا بد من أن تكون ساكنة ولا تقوم بأي حركة مدارية حول نواة الذرة، يبدو هذا مناقضا للتجارب، لأن قياسات سرعة الإلكترونات في الحالة الأرضية (عن طريق تأثير كمبتون مثلاً) يكشف دائما عن توزيع سرعات للحالة الأرضية يتفق مع قواعد ميكانيكا الكم والتي تتحدد عـــن طريق مربع دالة الموجة في مكان كمية الحركة أو السرعة.
يمكن لبوم هنا أن يعترض بالقول إن القوانين العادية لم تعد قادرة على تقييم القياس. وإن التقييم العادي للقياس سيؤدي حقا إلى توزيع السرعة، بيد أننا عندما نضع نظرية الكم في الاعتبار بالنسبة لجهاز القياس، بخاصة بعض الجهود الكهربائية الكمية التي قدمها بوم بوصفها فرضا عينيا، فإن العبارة القائلة إن الإلكترونات واقعية ودائما ثابتة في قياسات موضع الجسيم، يعتبرهــا بـــوم صحيحة وفقا للتفسير المعهود للتجارب، في حين يرفضه في قياسات السرعة، وعلى هذا الأساس يرى بوم نفسه قادرا على تأكيد أننا لسنا في حاجة إلى التخلى عن الوصف الدقيق والعقلاني والموضوعي للأنظمة الفردية في مجال نظرية الكم هذا الوصف الموضوعي، يكشف، مع ذلك، عن نفسه بوصفه "بنية فوقية أيديولوجية" ليس لها علاقة بالواقع المادي المباشر. إن القياسات المخبأة فـــي تفسير يوم هي من هذا النوع، لأنها لا توجد البتة في وصف العمليات الواقعية إذا بقيت نظرية الكم دون تغيير .
ولتجاوز هذه الصعوبة أعرب بوم في حقيقة الأمر عن أمله في أن تلعب القياسات الخفية دورا عاديا في تجارب المستقبل، وفي مجال الجسيمات الأولية، وهذا من شأنه أن يظهر خطأ نظرية الكم. عندما أعرب بور عن هذه الأمال الغريبة، اعتاد القول بأنها تشبه في بنيتها هذه الجملة تأمل أن يأتي اليوم أن يكون 2×2-5 لأن هذا سيكون مفيذا للغاية لمواردنا المالية. إن أمال بوم تعمل حقا على تقويض دعائم نظرية الكم، ليس هذا فحسب، بل دعائم تفسير بوم ذاته بطبيعة الحال يجب أن تؤكد، في الوقت ذاته، أن التشبيه الذي ذكرناه توا، على الرغم من اكتماله، لا يمثل حجة منطقية دامغة تحول دون أي تغيير محتمل لنظرية الكـــم مستقبلا بالطريقة التي اقترحها بوم لا يوجد ما يمنع المرء أن يتصور، مثلا، تطور مستقبلي للمنطق الرياضياتي أن يعطى معنى محدد في حالات استثنائية للعبارة التى تقول إن 2×2=5، بل قد يكون من المحتمل أن هذه الرياضيات المتطورة يكون لها فائدتها في العمليات الحسابية في مجال الاقتصاد، رغم ذلك فنحن مقتنعون فعلا، حتى دون أن يكون هناك أسباب منطقية مقنعة، بأن مثل هذه التغيرات في الرياضيات لن يفيدنا في النواحى المالية. لذا من الصعوبة بمكان أن نفهم كيف يمكن أن نستخدم المقترحات الرياضياتية التي تقوم على أمال بـوم فـي وصف الظواهر الفيزيائية.
إذا تغاضينا عن هذه التعديلات المحتملة لنظرية الكم، فإن لغة بوم، كما سبق وأشرنا إليها، لا تقول شيئا البتة عن الفيزياء يختلف عن ما يقوله تفسير كوبنهاجن. يبقى السؤال حول مدى ملائمة هذه اللغة، فضلا عن الاعتراض الذي سبق الحديث عنه فيما يتعلق بمدارات الجسيمات عند مناقشة البناء الفوقي الأيديولوجي" عديم الفائدة، يجب أن أذكر هنا على وجه الخصوص أن لغة يوم تقوض التماثل بين الموضع والسرعة المفهومة ضمنيا في نظرية الكم، يقبل بوم قياسات الموضع بالتفسير المعتاد، في حين يرفضه عند قياس السرعة وكمية الحركة. ولما كانت خصائص التماثل تشكل دائما السمات الجوهرية لأية نظرية ، فمن الصعوبة بمكان أن نرى أي مكسب من جراء التخلى عن اللغة المناظرة لهذا لا يمكن أن تعتبر الاقتراح المضاد الذي قدمه يوم لتفسير كوبنهاجن بمثابة إضافة قدمت تحسين ما.
يمكن طرح اعتراض مماثل في صورة مختلفة نوعا ما، ضد التفسيرات الإحصائية التي قدمها بوب (لكن) باتجاه مختلف إلى حد ما وفينيس. يعتبر بوب Popp أن خلق وفناء جسيم ما هما عملية أساسية لنظرية الكم، فالجسيم واقعي بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، أما بالمعنى الوارد في الأنطولوجيا المادية، فقد تم اعتبار قوانين نظرية الكم كحالة خاصة بالإحصاءات الملازمة لوقائع الخلق والفناء. إن هذا التفسير، الذي يشتمل على العديد من الملاحظات المتعلقة بالقوانين الرياضياتية لنظرية الكم، يمكن أن يؤدي بهذه الطريقة إلى نتائج فيزيائية، تكون النتائج نفسها التي تنتج عن تفسير كوبنهاجن، وهو إلى هـذا الحد، بالمعنى الوضعي، تفسير مساو في الشكل لتفسير بوم. إلا إنه يقوض في لغته التماثل بين الجسيمات والموجات تلك السمة التى تميز النهج الرياضياتي لنظرية الكم. أوضح جوردن وكلاين وفيجنر منذ عام 1928 أنه يمكن تفسير النهج الرياضياتي ليس فقط باستخدام لغة الكم لحركة الجسيم، بل باستخدام هذه اللغة للموجات ثلاثية الأبعاد، وبالتالي ليس ثمة سبب يدعونا إلى اعتبار الموجات أقل واقعية من الجسيمات. يمكن أن نضمن هذا التماثل بين الموجات والجسيمات في تفسير يوم إذا طورنا الإحصاءات الملازمة للتناظر لموجات المادة في المكان والزمان أيضا، ولكن يظل السؤال مطروحًا ما إذا كانت الجسيمات أو الموجات واقعية فعلا. يقودنا افتراض أن الجسيمات واقعية بالمعنى الأنطولوجي المادي دائما إلى إغراء المرء بأن ينظر إلى الانحرافات عن مبدأ اللايقين بوصفها انحرافات ممكنة بشكل أساسي"، يذهب فينيس إلى القول إن وجود مبدأ اللايقين (والذي يربطه بعلاقات إحصائية محدودة) لا يعنى أن القياس المتزامن للموضع والسرعة بدقة صارمة، أمرا مستحيلاً، إلا إن فينيس لا يذكر ما الذي ينبغي الاضطلاع به فيما يتعلق بالقياسات العلمية ومن ثم بقيت اعتباراته مجرد رياضيات بحتة.
أما فايتسيل Weizel حيث تعد تفسيراته المضادة لتفسير كوبنهاجن أقرب إلى كل من يوم وفينيس، يربط بين القياسات المخبأة"، وجسيم من نوع جديد اقترحه كفرض عينى أطلق عليه الـ "زيرون" وهو جسيم لا يمكن ملاحظته. بيد أن الخطر في مثل هذا المفهوم يكمن في ذلك التفاعل بين الجسيمات الحقيقية والزيرون الذي يبدد الطاقة بين العديد من درجات حرية مجال الزيرون، بحيث تصبح كل الديناميكا الحرارية فوضى (كاوس). لم يقدم فايتسيل تفسيرا لكيفية تجنب هذا الخطر.
ربما أفضل وسيلة للوصول إلى تعريف لوجهة نظر مجموعة كاملة من الأبحاث المنشورة التي ذكرتها حتى الآن أن نستدعى تلك المناقشات المماثلة المتعلقة بنظرية النسبية الخاصة . فكل هؤلاء المستائين من إنكار آينشتين لفرض الأثير، وللمكان والزمان المطلقين يمكنهم أن يجادلوا على هذا النحو: لا تقدم نظرية النسبية الخاصة أي إثبات على الإطلاق بعدم وجود مكان وزمان مطلقين إن كل ما قامت هذه النظرية بتوضيحه أن المكان والزمان الحقيقيين لا يحدثان مباشرة في أي تجربة عادية، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار مظهرا من مظاهر قوانين الطبيعة وأدخلنا، بشكل صحيح، الأزمنة "الظاهرة في النظم المتحركة.
النظيرة، فلا تبقى أية حجة ضد افتراض مكان مطلق. وقد يصبح عندئذ من المعقول افتراض أن جاذبية مجرتنا تكون (تقريبا على الأقل) في حالة سكون في المكان المطلق. وقد يتسنى لمنتقدي نظرية النسبية الخاصة أن يضيفوا أننا ما زلنا نأمل في أن القياسات المستقبلية ستسمح بتعريف، لا لبس فيه، للمكان المطلق (أعنى القياسات المخبأة لنظرية النسبية وبالتالي يمكن تفنيد نظرية النسبية. بالنظر، لأول وهلة، لهذه الحجة سندرك أنها ليست قادرة على تفنيد التجربة، لأنها لا تقدم بعد تأكيدات تختلف عن تلك التأكيدات التي تقدمها نظرية النسبية الخاصة. إلا إن مثل هذا التفسير يقوض باللغة المستخدمة، الخاصية التماثلية للنظرية، أعنى لا متغير لورنتز، لذا كان ينبغي أن نقر بأنه غير ملائم. يبدو وجه التشابه مع نظرية الكم ،واضحا فقوانين نظرية الكم هي قياسات مخبأة من هذا القبيل، وقد وضعت بوصفها فرضا عينيا ، ولا يمكن البتة ملاحظتها. وبالتالي يتم تقويض الخصائص التماثلية الحاسمة إذا ما قدمنا القياسات الخفية ككيان وهمي في تفسير النظرية.
كانت أعمال بلوشنزيف Blochinzev وألكسندروف Alexandrov مختلفة تماما في عرضها للمشكلة التي تم مناقشتها من قبل، فقد حدد هذين الباحثين، منذ البداية، اعتراضاتهم على تفسير كوبنهاجن للجانب الفلسفي للمشكلة. تم قبول هذا التفسير للفيزياء دون أي تحفظ.
فإذا ما حاولنا انتقاد الأثر الموضوعي لألكسندروف، بالقول إن اللوحة في الواقع اصطبغت باللون الأسود، عند نقطة معينة بعد التفاعل، فإن العدد الممكن هو أننا لم نعد نطبق هنا معالجة الكم الميكانيكية للنظام المغلق المكون من الإلكترون وأجهزة القياس واللوحة، ذلك لأن خاصية الواقعية لواقعة ما، والتي توصف بمصطلحات مفاهيم الحياة اليومية والتي تخلو من ملاحظات، لا تتضمنها الصورية الرياضياتية لنظرية الكم، والتى تظهر في تفسير كوبنهاجن عن طريق مقدمة الملاحظ. يجب بطبيعة الحال، أن لا يساء فهم مقدمة الملاحظ على أنها تعنى جلب مزيد من بعض الملامح الذاتية في وصف الطبيعة . تنحصر مهمة الملاحظ بالأحرى، في تسجيل النتائج، أعنى العمليات في المكان والزمان، ولا يهم إذا كان الملاحظ هنا جهازا أو إنسانا، فالتسجيل هنا يعنى الانتقال من الممكن إلى "الفعلي" وهي عملية ضرورية تماما لا يمكن إقصاؤها من تفسير نظرية الكم. ومن ثم نجد أن نظرية الكم ترتبط ارتباطا وثيقا بالديناميكا الحرارية، بمعنى أن كل فعل للملاحظة هو بطبيعته عملية لا يمكن إلغاؤها؛ فمن خلال هذه العمليات التي لا يمكن إلغاؤها وحدها، يمكن ربط صورية نظرية الكم، بشكل متسق، مع الوقائع الفعلية في المكان والزمان هذه القابلية لعدم الإلغاء - إذا ما تم طرحها في التمثيل الرياضياتي للظواهر - تعد نتيجة لمعرفة الملاحظ غير الكاملة للنظام، وبالتالي فهي لیست "موضوعية تماما.
أما صياغة بلوشنزيف للمادة فهي مختلفة إلى حد ما عن ألكسندروف. "فنحن في ميكانيكا الكم لا نصف حالة الجسيم ذاته، وأنما حقيقة أن الجسيم ينتمي إلى هذا الصنف الإحصائي أو ذاك. هذا الانتماء موضوعي تماما ولا يتوقف على أية عبارات أدلى بها الملاحظ إلا إن هذا الانتماء إلى صنف إحصائي في تفسير الديناميكا الحرارية الكلاسيكية، إذا ما حدد الملاحظ درجة حرارة نظام ما وأراد أن يستنبط من نتائجه شيئا عن حركات الجزيئات في النظام، فقد يقول إن النظام مجرد عينة واحدة من أصل مجموعة من القوانين، وبالتالي يمكن اعتبار أن النظام يمكن أن يكون له طاقات مختلفة، لكن النظام في الواقع وفقا للفيزياء الكلاسيكية - له طاقة واحدة معروفة في وقت محدد، ومع ذلك، فإن المظهر الخارجي للجدل كـــان أكثر حدة. فقد كتب بلوشنزيف في مقدمة كتابه إن من بين الاتجاهات المثالية المختلفة في الفيزياء المعاصرة نجد مدرسة كوبنهاجن الأكثر رجعية، ولقد تم تخصيص هذه المقالة الحالية لإماطة اللثام عن التأملات المثالية الملحدة لهذه المدرسة بشأن المشاكل الأساسية في فيزياء الكم". تظهر فظاظة هذا الجدل أننا لا نتعامل مع العلم وحده بل مع الإيمان العقائدي، والالتزام بعقيدة معينة، وقد تم التعبير عن هذا الهدف، في نهاية المطاف باقتباس من كتابات لينين. "مهما كانت روعة تحويل الأثير الذي لا وزن له إلى ماده قابلة للوزن من وجهة نظر العقل البشري الجمعي، مهما كانت تلك الإلكترونات تفتقر إلى كتلة إلا الكتلة الكهرومغناطيسية، مهما كان غريبا أن تقتصر قوانين الحركة الميكانيكية على مجال الظواهر الطبيعية وحدها وخضوعها لقوانين أعمق للظواهر الكهرومغناطيسية، وهكذا - كل هذا ليس سوى إثبات إضافي لتأكيد المادية الجدلية. إن هذه العبارة الأخيرة تجعل مناقشة بلوشنزيف فيما يتعلق بعلاقة نظرية الكم بفلسفة الجدلية المادية، أقل إثارة للاهتمام، لأنها تحط من مرتبتها إلى مرتبة محاكمة معروف فيها الحكم مسبقا من الأهمية بمكان أن نوضح توضيحا كاملا حجج كل من بلوشنزيف والكسندروف.
كانت المهمة هي إنقاذ الأنطولوجيا المادية، فقد وجه الهجوم رأســا علــى مقدمة الملاحظ في تفسير نظرية الكم، وقد كتب ألكسندروف ينبغي علينا أن نفهم نتيجة القياس في نظرية الكم على أنها أثر موضوعى للتفاعل بين الإلكترون و موضوع مناسب ويجب أن نتجنب الإشارة إلى الملاحظ. ويجب علينا التعامل مع الشروط والآثار الموضوعية. إن الكم الفيزيائي يعد خاصية موضوعية للظاهرة، ولكن ليس باعتباره نتيجة للملاحظة. فدالة الموجة في مكان صوري، وفقا لالكسندروف، تميز الحالة الموضوعية للإلكترون.
أغفل الكسندروف، في عرضه، حقيقة أن صورية نظرية الكــم لا تسمح بالدرجة الموضوعية نفسها الموجودة في الفيزياء الكلاسيكية. فعلى سبيل المثال، إذا عالجنا ككل، تفاعل نظام ما مع جهاز قياس وفقا لميكانيكا الكم، وإذا ما اعتبرنا أن كليهما منفصلان عن بقيه العالم، عندئذ لن تؤدي صورية نظرية الكم إلى نتيجة بعينها، فهي لا تؤدي على سبيل المثال، إلى اصطباغ اللوحة الفوتوغرافية باللون الأسود في نقطة معينة ولن تحقق فيه أية طاقات أخرى. ويخطئ الملاحظ إذا اعتبر إمكانية أن توجد طاقة مختلفة في تلك اللحظة. فالمجموعة القانونية تشتمل على عبارات ليس فحسب عن النظام ذاته، بل عن معرفة الملاحظ غير الكاملة للنظام. فإذا ما حاول بلوشنزيف في نظرية الكم أن يصف، انتماء نظام مــا إلـى مجموعة ما بأنه موضوعي تماما؛ فإنه يستخدم كلمة موضوعي" بمعنى مغاير عن ما تعنيه الكلمة في الفيزياء الكلاسيكية. حيث يعنى الانتماء في الفيزياء الكلاسيكية، كما قيل إنما هو عبارات ليس فحسب عن النظام، بل هي عن درجة معرفة الملاحظ لهذا النظام. بل يجب أن نؤكد أن ثمة استثناء لهذا التاكيد في نظرية الكم. إذا كانت هذه المجموعة في نظرية الكم تتميز بدالة موجية واحدة في مكان صوري (وليس كما جرت العادة - بمصفوفة إحصائية)، فإننا سنواجه حالة خاصة (تسمى الحالة الخالصة) حيث يمكن أن نطلق على الوصف بأنه موضوعي، بمعنى ما، ولا يظهر فيه أي عنصر من عناصر المعرفة غير المكتملة، ولما كان كل قياس (بسبب عدم قابليته للمعكوسية (Irreversible) يعيد تقديم عنصر المعرفة غير المكتملة، فإن الوضع لن يكون مختلفا بشكل جذري.
فوق كل هذا ندرك مدى صعوبة هذه الصياغات عندما نحاول دفع الأفكار الجديدة في نظام قديم للمفاهيم ينتمى إلى فلسفة قديمة. أو ، كما يقول المثل القديم، أن نضع خمرًا جديدًا في قارورات قديمة. إن مثل هذه المحاولات دائما ما تكون مضنية، لأنها تضللنا باستمرار في الانشغال بشروخ الزجاجات القديمة بدلاً من الابتهاج أكثر بالخمر الجديد. لا يمكن أن نتوقع من أولئك المفكرين الذين قدموا المادية الجدلية Dialectic Materialism) منذ قرن مضى أن يتنبؤوا بتطور نظرية الكم، لأن مفاهيمهم عن المادة والواقع لم تتكيف مع نتائج التقنية التجريبية الدقيقة في عصرنا الراهن.
من الممكن أن نضيف هنا بعض الملاحظات العامة عن موقف العالم إزاء عقيدة ما، قد تكون دينية أو سياسية إن الفارق الجوهري بين العقيدة الدينية والسياسية، هو أن الأخيرة تتعلق بالواقع المادي المباشر للعالم من حولنا، في حين إن موضوع الأولى هو واقع آخر فيما وراء العالم المادي. هذا الواقع ليس ذا أهمية بالنسبة لهذه القضية بالذات ولكن ما يستحق المناقشة هو مشكلة العقيدة ذاتها. بعد كل ما قيل بهذا الصدد فالمطلوب من العالم ألا يركن إلى عقائد بعينها، وألا يقيد منهجه في التفكير بفلسفة بعينها، وأن يكون مستعدا دائما أن يتقبل أي تغير لأسس معرفته جراء خبرة جديدة. إلا إن هذا المطلب تبسيطا مخلا لوضعنا في الحياة وذلك لسببين: الأول، أن بنية تفكيرنا تحددها في شبابنا الأفكار التي اكتسبناها في ذلك الوقت، أو عبر احتكاكنا بشخصيات قوية تعلمنا منها تشكل هذه البنية جزءا لا يتجزأ من كل أعمالنا ،اللاحقة، وقد يكون من الصعب بالنسبة لنا أن نتكيف تماما الأفكار المختلفة في وقت لاحق. أما السبب الثاني فهو أننا ننتمى إلى جماعة أو مجتمع هذا المجتمع تجمعه أفكار مشتركة، من خلال سلم مشترك من القيم الأخلاقية، أو عبر لغة مشتركة تعبر عن المشاكل العامة للحياة، قد تدعم السلطة أو الكنيسة أو الحزب أو الدولة مثل هذه الأفكار العامة، وحتى لو لم يكن الأمر كذلك فمن الصعب أن نذهب بعيدا عن الأفكار العامة دون الدخول في صراع مع المجتمع، ومع ذلك فإن نتائج التفكير العلمى قد تتعارض مع بعض الأفكار العامة ليس من الحكمة بالتأكيد أن نطالب العالم بوجه عام ألا يكون عضوا مخلصنا لمجتمعه، وأن نحرمه من السعادة التي قد يجنيها من انتمائه لمجتمع ما، وبالمثل ليس من الحكمة أن نطالب بتغيير الأفكار العامة في المجتمع والتي تبدو من وجهة النظر العلمية تبسيطا مخلا، وينبغي تغييرها على الفور لتفسح المجال لتقدم المعرفة العلمية، وأن تكون بالضرورة متغيرة مثل النظريات العلمية، لذا نعود في عصرنا الحاضر إلى المشكلة القديمة الحقيقة المزدوجة التي ملأت تاريخ الديانة المسيحية خلال العصور الوسطى المتأخرة. فهناك المذهب القائل إن الدين الوضعي - وأيا كان الشكل الذي يتخذه - هو ضرورة لا غنى عنه لعامة الشعب، بينما يسعى رجل العلم إلى الحقيقة الواقعية خلف الدين، ولا يبحث عنها إلا هناك، ويقولون إن العلم مقصور على فئة معينة، إنه للنخبة فقط .. فإذا كانت المذاهب السياسية والأنشطة الاجتماعية تأخذ في وقتنا الحاضر دور الدين الوضعي في بعض البلدان، فإن المشكلة تظل كما هي إن أول ما يتحلى به العالم هو الأمانة الفكرية، بينما يطالب المجتمع العالم - في ضوء تباين العلوم - أن ينتظر على الأقل بضعة عقود قبل أن يعرب للعامة عن أرائه المعارضة. ربما لا يوجد حلا بسيطا لهذه المشكلة، إذا كان التسامح وحده لا يكفي، ولكن قد نجد بعض العزاء في حقيقة أنها بالتاكيد مشكلة قديمة تنتمى إلى حياة البشر.
نعود الآن إلى الاقتراحات المضادة لتفسير كوبنهاجن لنظرية الكم لنناقش المجموعة الثانية من الاقتراحات، والتي تحاول تغيير نظرية الكم للوصول إلى تفسير فلسفي مختلف من أكثر المحاولات الدقيقة للغاية في هذا الاتجاه هــي محاولة جانوسي Janussy، حيث أدرك أن صحة ميكانيكا الكم الصارمة تجبرنا على التخلي عن مفهوم الواقع في الفيزياء الكلاسيكية، لذلك فقد سعى إلى تغيير ميكانيكا الكم بطريقة تقترب في بنيتها من الفيزياء الكلاسيكية، على الرغم من أن كثيرا من النتائج يظل صحيحا، كانت نقطة الهجوم هي ما تسمى بــــ رد دفعات الموجات أي حقيقة أن دالة الموجة، أو بوجه عام، دالة الاحتمال، تتغير بشكل منفصل عندما يدرك الملاحظ نتيجة القياس. لاحظ جانوسي أن هذا الرد لا يمكن استنباطه من المحاولات التفاضلية للصورية الرياضياتية، وأعتقد أنه في استطاعته أن يستنتج وجود تضارب في التفسير المعتاد. من المعروف جيدا أن ارد دفعات الموجات" يظهر دائما في تفسير كوبنهاجن عند اكتمال عملية الانتقال من الممكن إلى الفعلى فجأة تتحول دالة الاحتمال التى تغطى مجالاً واسعا من الاحتمالات إلى مجال أضيق بكثير ، ذلك لأن حقيقة أن التجربة قد أدت إلى نتيجة محددة، وأن واقعة ما قد حدثت بالفعل، يتطلب الرد في هذه الصورية تحطيم ما يسمى بتداخل الاحتمالات، والذي يعد أهم ظاهرة تميز نظرية الكم، عن طريق تفاعلات النظام غير المعروفة جزئيا وبصورة غير قابلة للالغاء مع جهاز القياس وبقية العالم. حاول جانوسي في ذلك الوقت أن يغير ميكانيكا الكم بإدخال يسمى بحدود التضاول إلى المعادلات حيث إنها تختفى معها تلقائيا حدود التداخل بعد فترة زمنية محددة، حتى لو كان هذا يتفق مع الواقع، وليس هناك سبب يدعو لإجراء مثل هذه التجارب - سيبقى لهذا التفسير عددا من النتائج المفزعة، كما أشار جانوسي نفسه على سبيل المثال، الموجات التي تنتشر بسرعة تفوق سرعة الضوء، بتبادل التسلسل الزمنى للسبب والنتيجة وهلم جرا؛ لذلك يصعب أن نكون على استعداد للتضحية ببساطة بنظرية الكم من أجل مثل هذه الوجهة من النظر، إلا إذا أجبرتنا التجارب على ذلك.
من بين ما تبقى من المعارضين هو ما يسمى أحيانا التفسير الأرثوذكسي" لنظرية الكم، فقد اتخذ شرودنجر موقفا استثنائيا إلى حد ما، فقد نسب الواقع الموضوعي للموجات وليس للجسيمات، فضلا عن عدم استعداده لتفسير الموجات على أنها موجات احتمال فقط في بحثه المعنون هل ثمة قفزات كمية؟" يحاول شرودنجر أن ينكر وجود قفزات للكم على الإطلاق (ربما) يتشكك البعض في مدى ملائمة مصطلح قفزة الكم" في هذا الصدد، ويمكن الاستعاضة عنه بمصطلح أقــل إثارة هو "الانفصال".
يشتمل بحث شرودنجر في المقام الأول على سوء فهم للتفسير المعتاد، فهو يغفل حقيقة أن الموجات في المكان الصورى أو مصفوفات التحويل) هي فقط، موجات احتمال بالتفسير المعتاد، في حين أن موجات الإشعاع أو موجات المادة، ثلاثية الأبعاد ليست كذلك، وهذه الأخيرة لها من الواقعية بالقدر نفسه للجسيمات تماما، وليس لديها أي ارتباط مباشر بموجات الاحتمال، ولكن لها كثافة مستمرة من الطاقة وكمية الحركة، مثل المجال الكهرومغناطيسي في نظرية ماكسويل، لذلك أكد شرودنجر ، بصدد هذه النقطة، أنه من الممكن أن نتصور أن العمليات أكثر استمرارية مقارنة مما هي عليه في المعتاد. إلا إن هذا التفسير من شأنه ألا يستبعد عنصر الانفصال الذي تم العثور عليه في كل مكان في الفيزياء الذرية وتشهد أية شاشة وميضا أو عداد جيجر Geiger counter) الذي يثبت وجود هذا العنصر لأول وهلة. وهو موجود في التفسير المعتاد لنظرية الكم في التحول من الممكن إلى الفعلي. لم يقدم شرودنجر ذاته أي اقتراح مضاد عن الكيفية التي ينوى من خلالها تقديم عنصر الانفصال، القابل للملاحظة في كل مكان، بطريقة تختلف عن التفسير المعتاد.
وأخيرا، فإن النقد الذي ظهر في العديد من أبحاث أينشتين ولاوه وغيرهم، ركز على سؤال ما إذا كان تفسير كوبنهاجن يسمح بوصف فريد وموضوعي للوقائع الفيزيائية، ويمكن أن نعرض حججهم الأساسية على النحو التالي: يبدو النهج الرياضياتي لنظرية الكم وصفا كافيا تمامًا لإحصائيات الظواهر الذرية. حتى لو كانت عباراته المتعلقة باحتمالية الأحداث الذرية صحيحة تماما، فإن هذا التفسير لا يصف ما يحدث بالفعل وصفا مستقلاً عن الملاحظات أو من بين الملاحظات بل ثمة شيء يجب أن يحدث لا يمكننا الشك فيه وهو أن هذا الشيء ليس في حاجة إلى وصف باستخدام مصطلحات الإلكترونات أو موجات أو كم الضوء، وأن مهمة الفيزياء لا تكتمل إلا أن نصفه بشكل أو بآخر. ولا يمكن أن نقر أنه يشير إلى فعل الملاحظة فقط".
ويجب على الفيزيائي أن يسلم في العلم أنه يدرس هذا العالم الذي لم يصنعه هو، وأن هذا العالم موجود دون أي تغيير جوهري، حتى إذا لم يكن موجودا في هذا العالم، وعلى هذا لا يقدم تفيسر كوبنهاجن أي فهم حقيقي للظواهر الذرية. من السهولة بمكان أن نرى أن هذا النقد يتطلب مرة أخرى الأنطولوجيا
المادية القديمة، ولكن ماذا سيكون الجواب من وجهة نظر تفسير كوبنهاجن؟ يمكن القول إن الفيزياء جزء من العلم، ومن ثم فهى تهدف إلى وصف وفهم الطبيعة، وإن استنباط أي نوع من الفهم - سواء كان عمليا أولا، يتوقف على لغتنا، و على تبادل الأفكار. فأى وصف للظواهر ، وللتجارب ونتائجها، يرتكز على اللغة وسيلة من وسائل الاتصال، وتمثل كلمات هذه اللغة مفاهيم الحياة اليومية والتي تم تهذيبها في اللغة العلمية للفيزياء في صورة مفاهيم للفيزياء الكلاسيكية، هذه المفاهيم هي أدوات وحيدة لاتصال يخلو من أي غموض فيما يتعلق بالوقائع وإجراء التجارب ونتائجها، لذلك إذا ما سُئل الفيزيائي أن يقدم وصفا لما يحدث واقعيا في تجاربه ، فإن كلمات "وصف" و"واقعي" و"يحدث" لا تشير إلا إلى مفاهيم الحياة اليومية أو إلى الفيزياء الكلاسيكية، فإذا ما تخلى الفيزيائي عن هذا فإنه يفقد وسائل الاتصال الواضحة، فلا يستطيع المضي قدما في علمه. لذا فإن أية عبارة عن ما حدث فعلياً" هي عبارة قد صيغت في حدود المفاهيم الكلاسيكية، وهي بطبيعتها ناقصة بالنسبة لتفاصيل الوقائع الذرية - بسبب الديناميكا الحرارية وعلاقات اللايقين. إن مطلبنا أن نصف ما يحدث في عملية الكم النظرية بين ملاحظتين متعاقبتين هو تناقض في السمة، لأن كلمة الوصف تشير إلى استخدام مفاهيم كلاسيكية، في حين أن هذه المفاهيم لا يمكن تطبيقها على المكان بين الملاحظات، فهى لا تطبق إلا عند مواقع الملاحظة. يجب أن نلاحظ هذه النقطة وهي أن تفسير كوبنهاجن لنظرية الكــم لـيس وضعيا، حيث تستند الوضعية على الإدراكات الحسية للملاحظ باعتبارها عناصر واقعية، فضلا عن أن تفسير كوبنهاجن يضع في الاعتبار الأشياء والعمليات التي يمكن وصفها بلغة المفاهيم الكلاسيكية، أعنى الواقعية، باعتبارها أساسا لأي تفسير فيزيائي، في الوقت ذاته نلاحظ أننا لا يمكن أن نتجنب الطبيعة الإحصائية لقوانين الفيزياء الميكروسكوبية، لأن أى معرفة عن الواقعي هي بطبيعتها معرفة ناقصة - بسبب قوانين الكم – النظرية.
ارتكزت الأنطولوجيا المادية على وهم وهو أن نوع الوجود، أي "الواقعية" المباشرة للعالم من حولنا يمكن استنتاجه من المجال الذري، ومع ذلك يظل هذا الاستنتاج مستحيلا .
يمكن إضافة بعض الملاحظات بشأن البنية الصورية لكل المقترحات المضادة التي ناقشناها حتى الآن ضد تفسير كوبنهاجن لنظرية الكم. وقد وجدت كل هذه الاقتراحات نفسها مضطرة إلى التضحية بالخصائص التماثلية الجوهرية لنظرية الكم (على سبيل المثال، التماثل بين الموجات والجسيمات أو بين الموضع والسرعة) لذا نفترض أيضا أننا لا نستطيع أن نتجنب تفسير كوبنهاجن إذا كانت هذه الخصائص التماثلية - مثلها مثل ثابت لورنتز في نظرية النسبية - تعتبر ملمحا حقيقيا للطبيعة، وكل التجارب التى أجريت حتى الآن تؤيد هذه الوجهة من النظر.