مكة بعهد حميضة بن محمد بن بركات
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 356-362
15-11-2020
1818
حميضة بن محمد بن بركات :
وبوفاته تولى الامر اخوه حميضة في ١٩ رجب عام ٩٠٩ ونودي به في البلاد دون ان يناوئه أحد وقد كتبوا بذلك الى الغوري سلطان الشراكسة في مصر.
وأهل الموسم في تلك السنة فقابل حميضة وفود الحج وألبسه أمير الحج المصري الخلعة الواردة الا انه لم يشرق يوم التروية حتى ضجت البلدة بفتنة جديدة وصاح النذير يعلن وصول بركات بن محمد على رأس جيش مهاجم (١).
بركات بن محمد بن بركات للمرة الرابعة:
وكان بركات هذا قد فر من منزله الذي خصه به الغوري على اثر وصوله مأسورا في ركب الحج المصري كما اسلفنا في حوادث العام السالف.
فر من مصر الى ينبع وعلم فيها باخبار قتل اخيه أحمد في المطاف واستيلاء أخيه الثاني حميضة على مكة فقرر الارتحال الى بعض الجهات شرقي مكة (٢) ليعمل على انتهاز الفرصة فيها لاستخلاص مكة من اخيه حميضة.
وقد أقام ببعض القبائل وتزوج فيها بسيدة من بنات الحسين انجبت له فيما بعد ابنه أبا نمي الثاني (3).
ولم يدم انتظاره الا بضعة اشهر وقد استطاع أثناء ذلك ان يستنفر بعض القبائل من بني عقبة وبني لام وغيرهم حتى اجتمع لديه عدد وافر استطاع ان يهاجم به مكة يوم التروية ثم يمضي في جيوشه الى عرفات وينصب خيامه على كثب من جبل الرحمة.
ومضى امراء الحج يصحبون اتباعهم الى عرفات فنزلوا بها وتبعهم سائر الحجاج ولم تحدث الا مناوشات بسيطة مع بعض الاعراب في طريق منى بينما تخلف عن الحج اكثر اهل مكة في ذلك العام ، ثم نفر الناس الى المزدلفة ثم الى منى سالمين الا من حوادث «فردية» نهب فيها بعضهم (4).
ويبدو ان الحجاج شعروا بضرورة اسراعهم في العودة الى جدة قبل اشتباك المتنازعين فما كادت القوافل تغادر منى حتى واصلت رحيلها الى جدة وقد استغل الفرصة بعض رجال البادية فاعترضوا القافلة الاولى في طريق جدة وكانت تبلغ ألف جمل فجعلوا على كل جمل ستة «محلقة» وعلى كل حمار «محلقان» وفعلوا مثل ذلك في قافلة بعدها كانت في مثل حمولتها ولم يجدوأ من يصرفهم عن ذلك لان حميضة كان في شغل عن ذلك بنفسه.
ولم يجد جيش بركات من يقاومه كثيرا ولعل حميضة شعر باستحالة ثباته امام المهاجمين فغادر مكة فرارا من سيف اخيه وبذلك استولى بركات على مكة في ١٢ ذي الحجة عام ٩٠٩ للمرة الرابعة (5).
وأمن بركات الحجاج والاهالي على اثر ذلك ثم كتب الى السلطان الغوري يطلب منه التأييد فوافاه التأييد ودعى له ولعلي ابنه على قبة زمزم كما دعى له وحده بعد السلطان الغوري على المنبر وخلع عليه وعلى اخيه قايتباي (6)
وفي عام ٩١٣ جرد بركات على بعض القبائل التي نهبت البيوت في مكة أثناء هجمات اخيه السابقة واحضر بعض الخارجين الذين جعلوا على قوافل الحجاج أتاوات خاصة فأمر بضرب اعناقهم وارسل بعضم الى الشراكسة في مصر فضربت اعناقهم فيها.
ومن غريب ما يرويه التاريخ في هذا العهد ان المكلف بامر التنظيفات في مكة كان يمر في شوارعها وازقتها فاذا وجد تحت بيت احدهم شيئا من القمامة دعا صاحب البيت وامر بضربه على رجليه وانه فعل ذلك بعدة أشخاص سماهم المؤرخ ، فأمسك الناس عن القاء «القمام» في الطرق العامة (7).
وأوفد بركات في عام ٩١٥ بعض اقاربه الى السلطان الغوري في مصر بهدايا نفيسة كان من جملتها عشرون عبدا حبشيا وعشرون ألف دينار ذهبا وعشرون فرسا وثلاثة آلاف دينار للدويدار «الكاتب» (8) وهكذا تنعكس الآية في مثل هذه المناسبات ويصبح الحجاز الفقيز الى ما يقيم اوده ويشبع اهله يقدم الهدايا في ارقام بليغة الى البيوت الملكية في البلاد الغنية ويترك بلاده في حاجة الى كل قرش من هذه الارقام تصرفه في مرافقها العامة وتغني به عوز فقرائها ممن تركوا يحترفون الصدقات.
وفي عام ٩١٨ أرسل السلطان الغوري يدعو بركات لزيارة مصر فاعتذر بكبر سنه واوفد اليه ابنه محمدا أبا نمي الثاني في جماعة من علماء مكة كان بينهم قاضياها صلاح الدين بن ظهيرة القرشي ونجم الدين بن يعقوب المالكي وكانت سن أبي نمي اذ ذاك لا تتجاوز الثامنة وقد قوبل بحفاوة عظيمة وابدى أبو نمي من ذكائه ما اعجب به السلطان الغورى.
وقبل الغوري يد أبي نمي أول ما قابله ثم كتب له مرسوما يخوله حق الشركة مع ابيه في امارة مكة (9).
قتال البرتغال :
وفي هذا العهد كانت هجمات البرتغال على بلاد الهند قد اشتد اوارها وامتدت الى البحر الاحمر فارسل الغوري جيشا من الترك والمغاربة الى جدة ليدفعوا عنها وجعل رياسة الجيش الى حسين الكردي الذي بنى سورها وشيد فوقه أبراجا للدفاع ، كما ارسلوا قوة بحرية الى جزيرة «كمران» (10) فاتخذتها قاعدة للانطلاق وحماية بلاد العرب.
وكان الكردي شديد الوطأة فقد فرض على عامة الاهالي والتجار حمل الطين والحجر حتى أتم بناء السور في اقل من عام وبلغ من قسوته أن أحد البنائين تأخر عن موعده فبنى عليه السور وتركه يموت في جوفه (11).
وقد ظل حسين الكردي على امارة جدة الى نهاية عهد الشراكسة حيث أمر العثمانيون بقتله غرقا في البحر (12) وحجت زوجة السلطان الغوري في عام ٩٢٠
فاستقبلها بركات استقبالا حافلا واكرم وفادتها فلما عادت الى مصر دعته ليصحبها فسافر معها فاحتفلت بقدومه مصر وظل فيها الى أن عاد الى مكة في شهر رجب من العام نفسه (13).
واستطاع بركات بعد ذلك أن يعيد الأمور الى نصابها وأن يشيع الامن في اطراف البلاد ويسع الحجاج بحكمته وعدله.. وظل على امره فيها حتى وافته اخبار سقوط الشراكسة بمصر ودخول العثمانيين الى القاهرة في عام ٩٢٣ كما سيأتي.
__________________
(١) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»
(٢) لعل الصواب : شرقي المدينة ، كما يظهر من سياق الحديث المقبل ، لأن بني لام وبني عقبة ليسو من سكان شرقي مكة.
(3) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٤٩
(4) بلوغ القرى لعبد العزيز القرشي «مخطوط»
(5) بلوغ القرى .. ويورد ابن ظهيرة في الجامع اللطيف ما يخالف هذا فيدكر أن حميضة بقي في امارته سنوات وهى رواية انفرد بها دون غيره من المؤرخين وليس فى مجرى الحوادث ما يدل عليها.
(6) منائح الكرم للسنجاري. ويذكر ابن ظهيرة أن قايتباي تولى امر مكة بعد قتل حميضة وظل فيها نحو سنتين وأعتقد ان ما سقناه اقرب الى الصحة فقد ساقه اكثر مؤرخي مكة.
(7) بلوغ القرى لعبد العزيز بن نجم الدين بن فهد القرشي «مخطوط»
(8) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط».
(9) افادة الانام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(10) مجموعة جزر تقع قرب ميناء اللحية من ساحل اليمن بينها وبين الحديدة.
(11 و12) الاعلام للقطبي على هامش كتاب خلاصة الكلام ١٦٦ ويورد الشيخ عبد القادر الخطيب في السلاح والعدة ان سور جدة بني في عام ٩١١ على اثر هجوم بني ابراهيم في ينبع على جدة في ٩٠٨ وكنا ذكرنا خبر هذا الهجوم في حوادث القتال الذي اشعله أحمد الجازاني في العام المذكور والذي أحسبه أن السور بني على اثر حوادث البرتغال حوالي عام ٩١٨ كما اورده القطبي.
(13) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ٥٠
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة