الإِرداف - عبد الرحمن الميداني
المؤلف:
عبد الرحمن الميداني
المصدر:
البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها
الجزء والصفحة:
ص826
26-03-2015
2341
الإرداف شبيه بالتنكيت إلاَّ أنّه يُتْرَكُ فيه اللّفظُ الذي يُدَلُّ به عادة على المعنى، ويُسْتَخْدَمُ تعبيرٌ غيره لتحقيق أغراضٍ فكريَّة ومعاني لا تُؤَدَّى بالتعبير المتروك.
* ومن أمثلة الإِرْداف ما جاء في قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (هود/ 11 مصحف/ 52 نزول):
{وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيا سَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
قالوا: إن عبارة: {وَقُضِيَ الأَمْرُ} اختيرت بإحكام بدل أن يُقالَ: وهلَكَ من قضى الله إهلاكَهُمْ، ونجا من قضى الله نجاتهم.
وحصل العدول عن التعبير المتروك، واخْتِيرَ رَدِيفٌ لَهُ يُؤَدّي المقصودَ منه مع أغراض أخرى، منها: الإِيجاز في العبارة، والتنبيهُ على أنْ هلاك الهالك ونجاة الناجي كانَ بأمْرِ آمرٍ أمْرُهُ تكْوين، إذا أراد شيئاً فإنّما يقول له: كن فيكون، وكان بقضاء مَنْ لا رادّ لقضائه، ومنها توازن الفقرات في الآية.
وإن عبارة: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} اختيرت بإحكام بَدَل أن يقال: وجَلَستْ على الجودي. أو واسْتَقَرَّتْ على الجودي. لما في التعبير بالاستواء من الإِشعار بأنّها اسْتَقَرّت على جبل الجودي استقرارَ تَمَكُّنِ لا زيغ فيه ولا مَيْلَ إلى جهة الأمام، أو إلى جهة الخلف، أو إلى اليمين، أو إلى الشمال، فالاسْتقرار المستوي لا تفيدُه عبارةٌ أُخرى كما تفيده عبارة: {واسْتَوَت}.
* وذكروا من أمثلته قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (ص/ 38 مصحف/ 38 نزول) بشأن أهل جنات عَدْن:
{وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ}.
أتراب: أي: على سِنٍّ واحدة، وهنَّ الحور العين.
جاء التعبير بعبارة {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} للكناية بها عن أنَّهُنَّ عفيفات، وقد عُدِلَ عن عبارة "عفيفات" إلى عبارة أُخْرى تؤدّي معناها لإِضافةِ معنىً آخر لا تؤدّيه العبارة المتروكة، وذلك لأنّ العبارة المختارة تدُلُّ على أنَّهُنَّ مع عِفَّتهنَّ لا تَطْمَحُ أَعْيُهُنَّ إلى غير أزواجِهِنَّ، ولا يَشْتَهين غَيْرَهُمْ.
وهذا المعنى لا تَدُلُّ عليه عبارة "عفيفات" فالعفَّةُ التطبيقيّة قد تكون مصحوبة بتطلُّعٍ وتَشَهٍّ.
* وذكروا من أمثلة الإِرداف قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النجم/ 53 مصحف/ 23 نزول):
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى}.
جاء في الجملة الأولى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ} فاختير فيها التعبير بعبارة: {بِمَا عَمِلُواْ} دون عبارة: بالسُّوأى. مع ما في هذه العبارة من مقابلةٍ عَكْسِيَّة لعبارة {بِالْحُسْنَ} في الجملة الثانية يتحقق بها الطباق، لتأدية معاني لا تؤدّى بعبارة: بالسوأى، أو بالسّيئة، ومن هذه المعاني: أنَّ الجزاء على السيئة يكون بمِثْلِها تماماً، وهذا المعنى تؤدّيه عبارة {بِمَا عَمِلُواْ} أداءً وافياً، أمّا عبارة: بالسُّوأَى، فهي غير صالحة، لأن لفظ السُّوأى مؤنَّثُ أسْوء، والله لا يجزي على السَّيئة بالأسُوَءِ منها. وأمّا عبارة: بالسيئة، فهي عبارة عامّة لا تَدُلُّ على المماثلة، إذ قد تكون سيئة الجزاء أكثر من سيّئة العمل، وهذا أمْرٌ غير مُراد. مع ما في عبارة: {بِمَا عَمِلُواْ} من البُعْدِ عن نسبة فعْلِ السيئة إلى الله ولو كانت على سبيل الجزاء.
الاكثر قراءة في البديع
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة