كانَ إمامُنَا الحسنُ المجتبى (صلواتُ اللهِ عليه) في جميعِ مواقفِهِ ومراحلِ حياتِهِ مثالاً كريمًا للخُلُقِ الإسلاميِّ النبويِّ الرَّفيعِ في تحمّلِ الأذى والمكروهِ في ذاتِ اللّهِ، والتحلِّي بالصّبرِ الجميلِ والحِلْمِ الكبيرِ.
وتُعتبَرُ مرحلةُ الصُّلْحِ مِن أصعبِ مراحلِ حياتِهِ (عليه السّلام) وأكثرِهَا تعقيدًا وحساسيةً، وقد أصبحَ ذلكَ الصُّلْحُ مِن أهمِّ الأحداثِ في التاريخِ الإسلاميِّ بِمَا يَستبطنُهُ مِن موقفٍ بطوليٍّ للإمامِ المعصومِ (صلواتُ اللهِ عليه)، وبِمَا أدَّى إليه مِن تطوّراتٍ واعتراضاتٍ وتفسيراتٍ مختلفةٍ طوالَ القرونِ السَّالفةِ وحتَّى عصرِنَا الحاضِرِ.
وَيُمكِنُ تلخيصُ أسبابِ الصُّلْحِ بِمَا يَأتِي:
1 - تخاذلُ الكثيرِ ممّن كان يدّعي أنّه من أصحابِ الإمامِ وأنصارِهِ (عليه السّلام) بعدَ تأثيرِ دسائسِ ابْنِ هندٍ اللعينِ فيهِم.
2 ـ صيانَةُ الثلَّةِ المؤمنةِ بحقَّانِيَّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) وحِفْظُهَا مِنَ التّصفيةِ والإبادةِ الأمويَّةِ الشَّاملةِ بعدَ إحرازِ بقاءِ الحِقْدِ الأمويِّ لبني هاشمٍ ومَن يحذُو حَذْوَهُمْ، كمَا أثبتَتْهُ حوادثُ التاريخِ الإسلاميّ الدَّامِي.
3 ـ حَقْنُ دِمَاءِ المسلمينَ حيثُ لا تُجدِي الحربُ مَعَ الفِئَةِ البَاغِيَةِ.
4 ـ كَشْفُ واقعِ المُخطَّطِ الأُمويِّ الجاهليِّ وتحصينُ الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ ضِدَّهُ.
5 ـ ضرورةُ تهيئةِ الظروفِ الملائمةِ لمقارعةِ الكفرِ والنّفاقِ المُستَتِرِ مِن مَوقِعِ القُوَّةِ.
لقد خَفِيَتِ الأسبابُ الحقيقيّةُ التي كانَتْ تكمنُ وراءَ المَوقفِ الإلهيِّ الذي اتّخذَّهُ الإمامُ المعصومُ (عليه السّلام) على كثيرٍ منَ النَّاسِ المعاصرينَ للحدثِ وعلى بعضِ اللاحقينَ من أصحابِ الرُّؤى السَّطحيَّةِ أو المُضلَّلِينَ الذينَ وقَعُوا تحتَ تأثيرِ التزييفِ للحقائقِ، لكنَّ الأحداثَ التي أعقَبَتِ الصُّلْحَ والسّياساتِ العدوانيّةَ التي انتهجَهَا معاويةُ وبقيّةُ الحُكَّامِ الأُمويّينَ (لعائنُ اللهِ عليهِم) والتي ألحَقَتْ أضرارًا جسيمةً بالإسلامِ والمسلمينَ قد كشَفَتْ عن بعضِ أسرارِ موقفِ الإمامِ (صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه) (1).
حقَنْتَ الدِّمَاءَ سيّدي ولم يكنْ يخفى عليكَ ما يُسِرُّهُ القومُ مِنَ الغَدْرِ والخِيَانَةِ وسُوءِ السَّرِيرَةِ والعَاقِبَةِ إلّا أنَّكَ أرَدْتَ أن تُقيمَ الحُجَّةَ عليهِمِ وعلى النَّاسِ وقد أقَمْتَهَا وائْتَمَرْتَ بأمرِ اللهِ تعالى ولم تعصِهِ طرفةَ عَينٍ.
ذهبْتَ إلى ربِّكَ شهيدًا صابرًا مسمومًا بسُمِّ الكفرةِ الفجرةِ، ورَكِبَ الخِزْيُ والعَارُ أولئِكَ الخونةَ إلى يومِ الحِسَابِ فعليهِم اللعنةُ ولَهُم سُوءُ الدَّارِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر: أعلام الهداية.