بقلم: الشيخ صالح الكرباسي.
لمعرفة جواب هذا السؤال لا بُدَّ وأن نعرف أهداف الإمام الحسين عليه السلام من ثورته المباركة أولاً حتّى يتضح سبب إصراره على التوجّه إلى العراق وبالتحديد إلى الكوفة.
لقد بيَّن الامام الحسين عليه السلام بوضوح أهدافه من ثورته المقدسة في خطاباته ولقاءاته التي سبقت خروجه إلى العراق، ولقد أعلن أنّ الهدف الرئيس لنهضته هو الوقوف أمام جور الجائرين المستحلين لِحُرَم الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إذن لم تكن بيعة أهل الكوفة هي العامل الأساس في قيامه ونهضته، بل إنّ بيعة أهل الكوفة جاءت بعد إعلانه القيام بوجه الانحراف والظلم و بعد خروجه من المدينة، فلم تكن بيعة أهل الكوفة للامام الحسين عاملا أساسيًا في نهضة الامام الحسين، وأدلّ دليل على ذلك أنّه عليه السلام خرج من المدينة قبل وصول رسائل أهل الكوفة اليه.
أهل الكوفة و نقض العهود:
ثم انّ مَن يقرأ كتاب الامام الحسين عليه السلام إلى وجهاء الكوفة يرى بوضوح أنّ الامام الحسين عليه السلام كان يتوقّع من أهل الكوفة نقض العهود والخذلان، لكنّه عليه السلام كان يقوم بواجبه الديني سوى وقف أهل الكوفة بجانبه أم لا، و يريد أيضا أن يُتمَّ الحجة على أهل الكوفة وغيرهم، ويظهر هذا ممّا صرَّح به الإمام الحسين عليه السلام في كتابه الذي أرسله الى جماعة من وجهاء الكوفة في جواب رسائل أهل الكوفة و كتبهم المتوالية عليه، قال فيه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَالْمُسَيَّبِ بْنِ نَجَبَةَ وَرِفَاعَةَ بْنِ شَدَّادٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَالٍ وَجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ:
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَدْ قَالَ فِي حَيَاتِهِ: مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللَّهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ كَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ وَتَوَلَّوْا عَنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ وَحَرَّمُوا حَلَالَهُ، وَإِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ لِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، وَقَدْ أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ وَقَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لَا تُسَلِّمُونِّي وَلَا تَخْذُلُونِّي، فَإِنْ وَفَيْتُمْ لِي بِبَيْعَتِكُمْ فَقَدْ أُصِبْتُمْ حَظَّكُمْ وَ رُشْدَكُمْ وَ نَفْسِي مَعَ أَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِي وَوُلْدِي مَعَ أَهَالِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَلَكُمْ بِي أُسْوَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عُهُودَكُمْ وَخَلَعْتُمْ بَيْعَتَكُمْ فَلَعَمْرِي مَا هِيَ مِنْكُمْ بِنُكْرٍ، لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي وَأَخِي وَابْنِ عَمِّي وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِكُمْ، فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ وَنَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ، وَالسَّلَامُ" (1).
لماذا لم يغيّر الامام الحسين وجهة سيره بعد مقتل مسلم بن عقيل؟
إنّ موقف الامام الحسين عليه السلام بعد الاطّلاع على خبر استشهاد ابن عمه ورسوله إلى الكوفة رغم تغيّر الاوضاع، وإصراره على متابعة السير إلى الكوفة دليل على أنّه عليه السلام لم يعول في ثورة المقدسة على بيعة الناس (أهل الكوفة) له، بل يدل على أنّ ثورته كانت لها عواملها وأسبابها الرئيسية وأنّ بيعة أهل الكوفة قد تُقيَّم ضمن الأسباب الثانوية ، ومن باب إتمام الحجة على الناس والتاريخ.
(1) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام): 44 / 381، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة: 1414 هجرية.