أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/التوحيد/اسماء الله تعالى/الإمام الرضا عليه السلام
الدقاق، عن الكليني، عن علان، عن محمد
بن عيسى، عن الحسين ابن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: اعلم علمك
الله الخير أن الله تبارك وتعالى قديم، والقدم صفة دلت العاقل على أنه لا شئ قبله
ولا شئ معه في ديموميته فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة أنه لا شئ
قبل الله، ولا شئ مع الله في بقائه، وبطل قول من زعم أنه كان قبله شئ، أو كان معه
شئ في بقائه، لم يجز أن يكون خالقا له لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقا لمن لم يزل
معه ؟ ولو كان قبله شئ كان الاول ذلك الشيء لا هذا، وكان الاول أولى
بأن يكون خالقا للأول الثاني. ثم وصف نفسه تبارك
وتعالى بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلى أن يدعوه بها فسمى نفسه
سميعا، بصيرا، قادرا، قاهرا، حيا، قيوما، ظاهرا، باطنا، لطيفا، خبيرا، قويا،
عزيزا، حكيما، عليما، وما أشبه هذه الاسماء فلما رأى ذلك من أسمائه الغالون المكذبون
وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لا شئ مثله، ولا شئ من الخلق في حاله قالوا: أخبرونا
إذ زعمتم أنه لا مثل لله ولا شبه له كيف شاركتموه في أسمائه الحسنى فتسميتم بجميعها؟
فإن في ذلك دليلا على أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض إذ قد جمعتكم
الاسماء الطيبة. قيل لهم: إن الله تبارك وتعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه
على اختلاف المعاني، وذلك كما يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين، والدليل على
ذلك قول الناس الجائز عندهم السائغ وهو الذي خاطب الله عزوجل به الخلق فكلمهم
بما يعقلون ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا، وقد يقال للرجل: كلب وحمار وثور
وسكرة وعلقمة وأسد كل ذلك على خلافه لأنه لم تقع الاسماء على معانيها التي كانت
بنيت عليها لان الانسان ليس بأسد ولا كلب فافهم ذلك رحمك الله. وإنما تسمى الله
بالعالم لغير علم حادث علم به الاشياء واستعان به على حفظ ما يستقبل من أمره، والروية
فيما يخلق من خلقه ويفنيه مما مضى مما أفنى من خلقه مما لو لم يحضره ذلك
العلم ويغيبه كان جاهلا ضعيفا كما أنا رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث،
إذ كانوا قبله جهلة، وربما فارقهم العلم بالأشياء فصاروا إلى الجهل. وإنما سمي الله
عالما لأنه لا يجهل شيئا فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العلم واختلف المعنى
على ما رأيت. وسمي ربنا سميعا لا بجزء فيه يسمع به الصوت
لا يبصر به كما أن جزءنا الذي نسمع به لا نقوي على النظر به، ولكنه عزوجل أخبر أنه
لا تخفى عليه الاصوات ليس على حد ما سمينا به نحن فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف
المعنى، وهكذا البصير لا بجزء به أبصر كما أنا نبصر بجزء منا لننتفع به في غيره،
ولكن الله بصير لا يجهل شخصا منظورا إليه فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى و هو قائم
ليس على معنى انتصاب وقيام على ساق في كبد كما قامت الاشياء ولكنه أخبر أنه قائم
يخبر أنه حافظ كقول الرجل: القائم بأمرنا فلان، وهو عزوجل القائم على كل نفس بما
كسبت، والقائم أيضا في كلام الناس الباقي، والقائم أيضا يخبر عن الكفاية كقولك للرجل:
قم بأمر فلان أي اكفه، والقائم منا قائم على ساق فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى،
وأما اللطيف فليس على قلة وقضافة وصغر، ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء والامتناع
من أن يدرك كقولك: لطف عني هذا الامر، ولطف فلان في مذهبه، وقوله يخبرك أنه
غمض فبهر العقل وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم فهكذا لطف الله تبارك
وتعالى عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف، واللطافة منا الصغر والقلة فقد جمعنا الاسم
واختلف المعنى. وأما الخبير فالذي لا يعزب عنه شئ ولا يفوته ليس للتجربة ولا
للاعتبار بالأشياء فتفيده التجربة والاعتبار علما لولاهما ما علم لان من كان كذلك
كان جاهلا والله لم يزل خبيرا بما يخلق، والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم
وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى. وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب
فوقها وقعود عليها وتسنم لذراها، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الاشياء وقدرته عليها
كقول الرجل: ظهرت على أعدائي، وأظهرني الله على خصمي يخبر عن الفلج والغلبة فهكذا
ظهور الله على الاشياء. ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده لا يخفي عليه شئ، وأنه
مدبر لكل ما يرى فأي ظاهر أظهر وأوضح أمرا من الله تبارك وتعالى فإنك لا تعدم
صنعته حيثما توجهت وفيك من آثاره ما يغنيك، والظاهر منا البارز
بنفسه والمعلوم بحده فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى. وأما الباطن فليس على
معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها، ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا
وتدبيرا كقول القائل: أبطنته يعني خبرته وعلمت مكتوم سره، والباطن منا بمعنى الغائر
في الشيء المستتر، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى وأما القاهر فإنه ليس على علاج
ونصب واحتيال ومداراة ومكر كما يقهر العباد بعضهم بعضا فالمقهور منهم يعود قاهرا
والقاهر يعود مقهورا، ولكن ذلك من الله تبارك وتعالى على أن جميع ما خلق متلبس
به الذل لفاعله وقلة الامتناع لما أراد به لم يخرج منه طرفة عين غير أنه يقول له:
كن فيكون، فالقاهر منا على ما ذكرت ووصفت فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى. وهكذا جميع
الاسماء وإن كنا لم نسمها كلها فقد تكتفي للاعتبار بما ألقينا إليك والله
عوننا وعونك في إرشادنا وتوفيقنا.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 4 / صفحة [ 176]
تاريخ النشر : 2023-11-26