أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/التوحيد/اثبات وجود الله تعالى ووحدانيته/الإمام الصادق عليه السلام
روي عن هشام بن الحكم أنه قال: كان من سؤال
الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه السلام قال: ما الدليل على صانع العالم
؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: وجود الافاعيل
التى دلت على أن صانعها صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت
أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده. قال: وما هو ؟ قال: هو شئ بخلاف الاشياء،
أرجع بقولي: شئ إلى إثباته وأنه شئ بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة
ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الاوهام، ولا تنقصه الدهور،
ولا يغيره الزمان. قال السائل: فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا، قال أبو عبد الله
عليه السلام: لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد منا مرتفعا فإنا لم نكلف أن نعتقد
غير موهوم، لكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا فهو مخلوق،
ولابد من إثبات صانع الاشياء خارجا من الجهتين المذمومتين: إحديهما النفى إذا
كان النفي هو الابطال والعدم، والجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب
والتأليف، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه أنهم
مصنوعون، و أن صانعهم غيرهم وليس مثلهم، إذا كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب
والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا، وتنقلهم من صغر إلى كبر،
وسواد إلى بياض، وقوة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيره لثباتها ووجودها.
قال السائل: فأنت قد حددته إذا ثبتت وجوده، قال أبو عبد الله عليه السلام: لم احدده
ولكن اثبته، إذ لم يكن بين الاثبات والنفي منزلة. قال السائل: فقوله: الرحمن
على على العرش استوى ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول
على العرش، بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له، ولا أن العرش محل له،
لكنا نقول: هو حامل للعرش وممسك للعرش، ونقول في ذلك: ما قال: وسع كرسيه السموات
والارض. فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاويا
له وأن يكون عزوجل محتاجا إلى مكان إو إلى شئ مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه. قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم
إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض ؟ قال
أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ولكنه عزوجل أمر أولياءه
وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق فثبتنا ما ثبته
القرآن والاخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله
عزوجل، وهذا تجمع عليه فرق الامة كلها.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 3 / صفحة [ 29 ]
تاريخ النشر : 2023-11-25