أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/إمامة الائمة الاثني عشر عليهم السلام/إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام/الامام علي عليه السلام
أخبرنا محمد بن
محمد، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن خالد، قال: حدثنا العباس بن الوليد، قال: حدثنا
محمد بن عمرو الكندي، قال: حدثنا عبد الكريم بن إسحاق الرازي، قال: حدثنا محمد بن يزداد،
عن سعيد بن خالد، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن عبد الرحمن بن قيس البصري، قال: حدثنا
زاذان، عن سلمان الفارسي (رحمة الله عليه)، قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله)
وتقلد أبو بكر الامر، قدم المدينة جماعة من النصارى يتقدمهم جاثليق له سمت ومعرفة بالكلام
ووجوهه وحفظ التوراة والإنجيل وما فيهما، فقصدوا أبو بكر، فقال له الجاثليق: إنا وجدنا
في الإنجيل رسولا يخرج بعد عيسى، وقد بلغنا خروج محمد بن عبد الله يذكر أنه ذلك الرسول،
ففزعنا إلى ملكنا فجمع وجوه قومنا، وأنفذنا في التماس الحق فيما اتصل بنا، وقد فاتنا
نبيكم محمد، وفيما قرأناه من كتبنا أن الأنبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة
أوصياء لهم يخلفونهم في أممهم، يقتبس منهم الضياء فيما أشكل، فأنت أيها الأمير وصيه،
لنسألك عما نحتاج إليه؟
فقال عمر: هذا خليفة
رسول الله (صلى الله عليه وآله). فجثا الجاثليق لركبتيه، وقال له: خبرنا - أيها الخليفة
- عن فضلكم علينا في الدين، فإنا جئنا نسال عن ذلك؟
فقال أبو بكر: نحن
مؤمنون وأنتم كفار، والمؤمن خير من الكافر، والايمان خير من الكفر.
فقال الجاثليق:
هذه دعوى تحتاج إلى حجة، فخبرني أنت مؤمن عند الله أم عند نفسك؟
فقال أبو بكر: أنا
مؤمن عند نفسي، ولا علم لي بما عند الله.
قال: فهل أنا كافر
عندك على مثل ما أنت مؤمن، أم أنا كافر عند الله؟
فقال: أنت عندي
كافر، ولا علم لي بحالك عند الله.
فقال الجاثليق:
فما أراك إلا شاكا في نفسك وفي، ولست على يقين من دينك، فخبرني ألك عند الله منزلة
في الجنة بما أنت عليه في الدين تعرفها؟
فقال: لي منزلة
في الجنة أعرفها بالوعد، ولا أعلم هل أصل إليها أم لا.
فقال له: فترجو
أن تكون لي منزلة في الجنة؟ قال: أجل أرجو ذلك. فقال الجاثليق: فما أراك إلا راجيا
لي، وخائفا على نفسك، فما فضلك علي في العلم؟
ثم قال له: أخبرني
هل احتويت على جميع علم النبي المبعوث إليك؟ قال: لا ولكن أعلم منه ما قضى لي علمه.
قال: فكيف صرت خليفة
للنبي، وأنت لا تحيط علما بما تحتاج إليه أمته من علمه، وكيف قدمك قومك على ذلك؟
فقال له عمر: كف
- أيها النصراني - عن هذا العنت والا أبحنا دمك. فقال الجاثليق: ما هذا عدل على من
جاء مسترشدا طالبا.
فقال سلمان (رحمه
الله): فكأنما ألبسنا جلباب المذلة، فنهضت حتى أتيت عليا (عليه السلام) فأخبرته الخبر،
فأقبل - بأبي وأمي - حتى جلس والنصراني يقول: دلوني على من أساله عما أحتاج إليه، فقال
له أمير المؤمنين (عليه السلام): سل - يا نصراني - فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا
تسألني عما مضى ولا ما يكون إلا أخبرتك به عن نبي الهدى محمد (صلى الله عليه وآله).
فقال النصراني:
أسالك عما سألت عنه هذا الشيخ، خبرني أمؤمن أنت عند الله، أم عند نفسك؟
فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام): أنا مؤمن عند الله كما أنا مؤمن في عقيدتي.
فقال الجاثليق:
الله أكبر هذا كلام وثيق بدينه، متحقق فيه بصحة يقينه، فخبرني الآن عن منزلتك في الجنة
ما هي؟
فقال (عليه السلام):
منزلتي مع النبي الأمي في الفردوس الاعلى، لا أرتاب بذلك، ولا أشك في الوعد به من ربي.
فقال النصراني.
فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): بالكتاب
المنزل وصدق النبي المرسل.
قال: فبماذا علمت
صدق نبيك؟ قال (عليه السلام): بالآيات الباهرات والمعجزات البينات.
قال الجاثليق: هذا
طريق الحجة لمن أراد الاحتجاج، فخبرني عن الله تعالى، أين هو اليوم؟
فقال: يا نصراني،
إن الله تعالى يجل عن الأين، ويتعالى عن المكان، كان فيما لم يزل ولا مكان، وهو اليوم
على ذلك لم يتغير من حال إلى حال.
فقال: أجل أحسنت
أيها العالم وأوجزت في الجواب، فخبرني عنه تعالى أمدرك بالحواس عندك، فيسلك المسترشد
في طلبه استعمال الحواس، أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الامر كذلك؟
فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام): تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار، أو تدركه الحواس، أو يقاس بالناس،
والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول، الدالة ذوي الاعتبار بما هو عنده مشهود
ومعقول.
قال الجاثليق: صدقت،
هذا والله الحق الذي قد ضل عنه التائهون في الجهالات، فخبرني الان عما قاله نبيكم في
المسيح، وانه مخلوق، من أين أثبت له الخلق، ونفى عنه الإلهية، وأوجب فيه النقص؟ وقد
عرفت ما يعتقد - فيه كثير من المتدينين.
فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام): أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه، والتصوير والتغيير من حال إلى حال،
والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان، ولم أنف عنه النبوة، ولا أخرجته من العصمة والكمال
والتأييد، وقد جاءنا عن الله تعالى بأنه مثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون.
فقال له الجاثليق:
هذا ما لا يطعن فيه الان، غير أن الحجاج مما تشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم،
فبم بنت أيها العالم من الرعية الناقصة عنك؟
قال: بما أخبرتك
به من علمي بما كان وما يكون.
قال الجاثليق: فهلم
شيئا من ذكر ذلك أتحقق به دعواك.
فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام): خرجت - أيها النصراني - من مستقرك مستفزا لمن قصدت بسؤالك له، مضمرا
خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد، فأريت في منامك مقامي، وحدثت فيه بكلامي، وحذرت
فيه من خلافي، وأمرت فيه باتباعي. قال: صدقت والله الذي بعث المسيح، وما اطلع على ما
أخبرتني به إلا الله تعالى، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأنك
وصي رسول الله، وأحق الناس بمقامه. وأسلم الذين كانوا معه كإسلامه وقالوا: نرجع إلى
صاحبنا، فنخبره بما وجدنا عليه هذا الامر وندعوه إلى الحق.
فقال له عمر: الحمد
لله الذي هداك - أيها الرجل - إلى الحق وهدى من معك إليه، غير أنه يجب أن تعلم أن علم
النبوة في أهل بيت صاحبها، والامر من بعده لمن خاطبت أولا برضا الأمة واصطلاحها عليه،
وتخبر صاحبك بذلك وتدعوه إلى طاعة الخليفة. فقال: قد عرفت - أيها الرجل - وأنا على
يقين من أمري فيما أسررت وأعلنت.
وانصرف الناس وتقدم
عمر ألا يذكر ذلك المقام من بعد، وتوعد على من ذكره بالعقاب، وقال: أما والله لولا
أنني أخاف أن يقول الناس: قتل مسلما، لقتلت هذا الشيخ ومن معه، فإني أظن أنهم شياطين
أرادوا الافساد على هذه الأمة وايقاع الفرقة بينها.
فقال أمير المؤمنين
(عليه السلام) لي: يا سلمان، اما ترى كيف يظهر الله الحجة لأوليائه، وما يزيد بذلك
قومنا عنا إلا نفورا !
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 218
تاريخ النشر : 2023-09-07