التفسير بالمأثور/تأويل الآيات والروايات/الإمام الباقر (عليه السلام)
روى ابن مردويه
بإسناده عن رجاله مرفوعا إلى الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال في
قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم »
قال : إلى ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام.
ونحوه روى أبو
الجارود عنه عليه السلام. وذكر علي بن يوسف في كتاب نهج الايمان قال : ذكر أبو
عبد الله محمد بن علي بن سراج في كتابه في تأويل هذه الآية حديثا يرفعه بإسناده
إلى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا ابن مسعود
إنه قد نزلت في علي آية » واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأنا
مستودعكها ومسم لك خاصة الظلمة ، فكن لما أقول واعيا وعني مؤديا ، من ظلم عليا
مجلسي هذا كان كمن جحد نبوتي ونبوة من كان قبلي ، فقال له الراوي : يا أبا
عبدالرحمان أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه السلام؟ قال : نعم ، فقلت له :
فكيف وكنت للظالمين ظهيرا؟ قال : لا جرم حلت بي عقوبة عملي ، إني لم أستأذن إمامي
كما استأذنه جندب وعمار وسلمان ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه.
وقوله تعالى : «
ويستبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين تأويله ما ذكره أبوعبد الله الحسين بن جبير رحمه
الله في نخب المناقب روى حديثا مسندا عن الباقر عليه السلام في هذه الآية ، قال
: يسألونك يا محمد أعلي وصيك؟ قل : إي وربي إنه لوصيي.
ونقل ابن مردويه
عن رجاله بالإسناد إلى ابن عباس أنه قال : إن قوله تعالى : « أفمن يعلم أنما انزل
إليك من ربك الحق » هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، تأويله ما ذكره أبوعبد الله
الحسين بن جبير في نخب المناقب قال : روينا حديثا مسندا عن أبي الورد الامامي
المذهب عن أبي جعفر عليه السلام قال : قوله عزوجل : « أفمن يعلم أنما انزل إليك من
ربك الحق » علي بن أبي طالب عليه السلام والاعمى هنا هو عدوه ، واولوا الالباب
شيعته الموصفون بقوله تعالى : « الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق »
المأخوذ عليهم في الدين بولايته يوم الغدير.
قوله تعالى : «
واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من أعناب » الآية ، معناه ظاهر وباطن ،
فالظاهر ظاهر ، وأما الباطن فهو ما ذكره محمد بن العباس رحمه الله قال : حدثنا
الحسين بن العباس ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن
عثمان ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل : «
واضرب لهم مثلا رجلين » قال : هما علي عليه السلام ورجل آخر ، معنى هذا التأويل
ظاهر ، وهو يحتاج إلى بيان حال هذين الرجلين ، وبيان ذلك ، أن حال علي عليه السلام
لا يحتاج إلى بيان ، وأما البحث عن الرجل الآخر ـ وهو عدوه ـ فقوله : « جعلنا
لاحدهما جنتين » هما عبارة عن الدنيا ، فجنة منهما له في حياته ، والاخرى للتابعين
له بعد وفاته ، لأنه كافر والدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، وإنما جعل الجنتين له لأنه
هو الذي أنشأها وغرش أشجارها وأجرى أنهارها ، وذلك على سبيل المجاز ، معنى ذلك أن
الدنيا يستوثق له ولاتباعه ليتمتعوا بها حتى حين. ثم قال تعالى : « فقال » أي صاحب
الجنة « لصاحبه » وهو علي : « أنا أكثر منك مالا » أي دنيا وسلطانا « واعز نفرا »
أي عشيرة وأعوانا « ودخل جنته » أي دخل دنياه وانعم فيها وابتهج به وركن إليها «
وهو ظالم لنفسه » بقوله وفعله ، ولم يكفه ذلك حتى « قال : ما أظن أن تبيد هذه أبدا
» أي جنته ودنياه ثم كشف عن اعتقاده فقال : « وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى
ربي » كما تزعمون أنتم مردا إلى الله « لأجدن خيرا منها » أي من جنته « منقلبا »
فقال له صاحبه وهو علي عليه السلام : « أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم
سواك رجلا لكنا هو الله ربي ، معنى ذلك : أنت كفرت بربك فإني أنا أقول : هو الله
ربي وخالقي ورازقي » ولا اشرك بربي أحدا « ثم دله على ما كان أولى لو قاله ، فقال
: « ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله » كان في جميع اموري ، ولا قوة لي عليها
إلا بالله.
ثم إنه عليه
أرجع القول إلى نفسه فقال له : « إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا » أي فقيرا محتاجا
إلى الله تعالى ، ومع ذلك « فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك » ودنياك في الدنيا
ولدي القائم دولة وملكا وسلطانا ، وفي الآخرة حكما وشفاعة وجنانا ومن الله رضوانا
، « ويرسل عليها » أي على جنتك « حسبانا من السماء » أي عذابا ونيرانا فتحرقها ،
أو سيفا من سيوف القائم عليه السلام فيمحقها « فتصبح صعيدا » أي أرضا لا نبات بها
« زلقا » أى يزلق الماشي عليها « واحيط بثمرة » التي اثمرتها جنته ، يعني ذهبت دنياه
وسلطانه « فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها » من دينه ودنياه ، وآخرته « وهي خاوية
على عروشها ويقول يا ليتني لم اشرك بربي أحدا * ولم تكن له فئة » ولا عشيرة «
ينصرون من دون الله وما كان منتصرا ».
ثم إنه سبحانه
لما أبان حال علي عليه السلام وحال عدوه بأنه إن كان له في الدنيا دولة ولولاية
من الشيطان فإن لعلي عليه السلام الولاية في الدنيا والآخرة من الرحمان ، وولاية
الشيطان ذاهبة وولاية الرحمان ثابتة ، وذلك قوله تعالى : « هنالك الولاية لله أنها ولاية علي عليه السلام وهو ما رواه محمد
بن العباس رحمه الله ، عن محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر ، عن محمد بن
عبدالحميد ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام
قال : قلت له : قوله تعالى : « هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا »
قال : هي ولاية علي عليه السلام هي خير ثوابا وخير عقبا أي عاقبة من ولاية عدوه
صاحب الجنة التي حرم الله عليه الجنة ، ويؤيده ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب رحمه الله
عن الحسن بن محمد ، عن المعلى ، عن محمد بن اورمة ، عن علي بن حسان ، عن
عبدالرحمان بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قوله تعالى : «
هنالك الولاية لله الحق » قال : يعني : الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام هي
الولاية لله.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 36 / صفحة [ 182 ]
تاريخ النشر : 2025-12-09