نهج البلاغة/الخطب/الخطبة -28- وهو فصل من الخطبة التي أولها: "الحمد لله غير مقنوط من رحمته"
|
كلامه عليه السلام في التزهيد في الدنيا تاريخ النشر : 2023-06-18
|
ومن
خطبة له (عليه السلام)
([1])
[في
التزهيد في الدنيا]:
أَمَّا
بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ، وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ، وَإِنَّ
الآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاَع، أَلاَ وَإِنَّ اليَوْمَ
المِضْمارَ([2])،
وَغَداً السِّبَاقَ، وَالسَّبَقَةُ الجَنَّةُ، وَالغَايَةُ النَّارُ؛ أَفَلاَ
تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ! أَلاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ
يَوْمِ بُؤْسِهِ! أَلَا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ،
فَمَنْ عَمِلَ في أَيَّامِ أَمَلهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ
عَمَلُهُ، وَلَمْ يَضرُرْهُ أَجَلُهُ; وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ
قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ، وَضَرَّهُ أَجَلُهُ، أَلاَ
فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ، أَلاَ وَإِنِّي
لَمْ أَرَ كَالجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَلا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، أَلا
وَإنَّهُ مَنْ لاَ يَنْفَعُهُ الحقُّ يَضْرُرْهُ البَاطِلُ، وَمَنْ لا
يَسْتَقِيْمُ بِهِ الهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلاَلُ إِلَى الرَّدَى، أَلاَ
وَإِنَّكُمْ قَد أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ([3])، وَدُلِلْتُمْ عَلى
الزَّادِ؛ وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخافُ عَلَيْكُمُ: اتِّبَاعُ الهَوَى، وَطُولُ
الأمَلِ، تَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحُوزُونَ بِهِ
أَنْفُسَكُمْ غَداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ رواها الإسكافي (ت220) في المعيار والموازنة :
283، والجاحظ (ت255) في البيان والتبيين 2 : 66، وابن قتيبة (ت276) في الامامة
والسياسة 1: 70، وابن عبد ربه (ت328) في العقد الفريد 4 : 70، والمسعودي (ت346) في
مروج الذهب 2: 436، وابن شعبة (ق4) في تحف العقول : 153، والباقلاني (ت403) في
إعجاز القرآن : 145، والشيخ المفيد (ت413) في الارشاد 1: 235 وقال: «اشتهر بين
العلماء وحفظه ذوو الفهم والحكماء».
[2]ـ
المضمار: المكان والزمان الذي تضمّر فيه الخيل للسباق، والضمر: الهزال وخفة اللحم.
[3]
ـ ظَعَنَ: سار وارتحل، والظعن: السفر.
تاريخ النشر : 2023-06-18