نهج البلاغة/الخطب/الخطبة -23-تشتمل على تهذيب الفقراء بالزهد وتأديب الأغنياء بالشفقة
|
كلمة له تشتمل على تهذيب الفقراء بالزهد وتأديب الأغنياء بالشفقة تاريخ النشر : 2023-06-18
|
ومن
خطبة له (عليه السلام)
[وتشتمل على
تهذيب الفقراء بالزهد وتأديب الأغنياء بالشفقة]:
أمَّا
بَعْدُ، فَإِنَّ الأمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأرْضِ كَقَطرِ المَطَرِ
إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَـهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ؛ فإذا رَأَى أَحَدُكُمْ لأخيه
غَفِيرَةً([1])
في
أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَلَا تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً، فَإِنَّ المَرْءَ
المُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ فَيَخْشَعُ لَـهَا إِذَا ذُكِرَتْ،
وَيُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ، كانَ كَالفَالِجِ اليَاسِرِ([2]) الَّذِي
يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ المَغْنَمَ، وَيُرْفَعُ
عَنْهُ بِهَا المَغْرَمُ. وَكَذْلِكَ المَرْءُ الـمُسْلِمُ البَرِيءُ مِنَ
الخِيَانَةِ يَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ؛ إِمَّا دَاعِيَ اللهِ
فَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لَهُ، وَإِمَّا رِزْقَ اللهِ، فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ
وَمَالٍ، وَمَعَهُ دِينُهُ وَحَسَبُهُ.
إِنَّ
المَالَ وَالبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا، والعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الآخِرَةِ؛ وَقَدْ
يَجْمَعُهُمَا اللهُ لِأَقْوَامٍ، فَاحْذَرُوا مِنَ اللهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ
نَفْسِهِ، وَاخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ([3])، وَاعْمَلُوا في غَيْرِ
رِيَاءٍ وَلا سُمْعَةٍ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللهِ يَكِلْهُ اللهُ
إِلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ. نَسْأَلُ اللهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَمُعَايَشَةَ
السُّعَدَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأنْبِيَاءِ.
أَيُّهَا
النّاسُ، إِنَّهُ لا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ
عَشِيرَتِهِ، وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلسِنَتِهمْ، وَهُمْ أَعْظَمُ
النَّاسِ حَيْطَةً([4])
مِنْ
وَرَائِهِ، وأَلَـمُّهُمْ لِشَعَثِهِ، وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ
إنْ نَزَلَتْ بِهِ، وَلِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللهُ لِلْمَرْءِ في النَّاسِ
خَيْرٌ لَهُ مِنَ المَالِ يُورِّثُهُ غيرَهُ.
ومنها:
أَلَا
لا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ القَرَابَةِ يَرَى بِهَا الخَصَاصَةَ أنْ
يَسُدَّهَا بِالَّذِي لايَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ وَلا يَنْقُصُهُ إِنْ
أَهْلَكَهُ، وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ
عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ; وَمَنْ
تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ المَوَدَّةَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]ـ
الغفيرة: الزيادة والكثرة.
[2]ـ
الفالج: الظافر الفائز. والياسر: الذي يلعب بالقداح، واليَسَر مثله.
[3]ـ
التعذير في الأمر: التقصير فيه، وأعذر: قصّر ولم يبالغ وهو يرى انّه مبالغ.
[4]ـ
الحيطة: الرعاية.
[5]
ـ كذا في النسخ المعتمدة، وفي البحار 71: 105 «عن صونه».
تاريخ النشر : 2023-06-18