أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الفتنة والفقر والابتلاء والامتحان/الفتنة والشبهة واتباع الهوى/الإمام علي (عليه السلام)
كتاب سليم بن
قيس ، عن أبان عنه أنه قال : صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر فحمد الله
وأثنى عليه وقال أيها الناس أنا الذي فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليجترئ عليها غيري
.
وأيم الله لو لم
أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل ، ولا أهل صفين ، ولا أهل النهروان .
وأيم الله لولا
أن تتكلوا وتدعوا العمل ، لحدثتكم بما قضى الله على لسان نبيه [ محمد ] صلى الله
عليه وآله لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم ، عارفا بالهدى الذي نحن عليه .
ثم قال : سلوني
عما شئتم قبل أن تفقدوني ، فوالله إني بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض .
أنا يعسوب
المؤمنين ، وأول السابقين ، وإمام المتقين ، وخاتم الوصيين ، ووارث النبيين وخليفة
رب العالمين .
أنا ديان الناس
يوم القيامة ، وقسيم الله بين أهل الجنة والنار .
وأنا الصديق
الأكبر ، والفاروق الذي أفرق بين الحق والباطل ، وإن عندي علم المنايا والبلايا
وفصل الخطاب ، وما من آية نزلت إلا وقد علمت فيما نزلت وعلى من نزلت .
أيها الناس !
إنه وشيك أن تفقدوني ، إني مفارقكم ، وإني ميت أو مقتول ، ما ينتظر أشقاها أن
يخضبها من فوقها ؟ !
وفي رواية أخرى
: ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا ؟ ! – يعني لحيته من دم رأسه - .
والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة - وفي نسخة أخرى : والذي نفسي بيده - لا تسألوني عن فئة تبلغ ثلاث
مائة فما فوقها مما بينكم وبين قيام الساعة ، إلا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها
، وبخراب العرصات ، متى تخرب ، ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة .
فقام رجل فقال :
يا أمير المؤمنين أخبرنا عن البلايا .
فقال [ عليه
السلام ] : إذا سأل سائل فليعقل ، وإذا سئل [ مسؤول ] فليتثبت ، إن من ورائكم
أمورا ملتجة مجلجلة ، وبلاءا مكلحا مبلحا .
والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة ، لو قد فقدتموني ونزلت عزائم الأمور وحقائق البلاء ، لقد أطرق كثير
من السائلين ، واشتغل كثير من المسؤولين – وفي نسخة أخرى : وفشل كثير من المسؤولين
- وذلك إذا ظهرت حربكم ونصلت عن ناب ، وقامت على ساق ، وصارت الدنيا بلاءا عليكم
حتى يفتح الله لبقية الأبرار .
فقال رجل : يا
أمير المؤمنين حدثنا عن الفتن .
فقال [ عليه
السلام ] : إن الفتن إذا أقبلت شبهت - وفي رواية أخرى : اشتبهت - وإذا أدبرت أسفرت
. وإن الفتن لها موج كموج البحر ، وإعصار كإعصار الريح ، تصيب بلدا وتخطئ الآخر .
فانظروا أقواما
كانوا أصحاب رايات يوم بدر ، فانصروهم تنصروا وتوجروا وتعذروا.
ألا [ و ] إن
أخوف الفتن عليكم عندي فتنة بني أمية ، [ ف ] إنها فتنة عمياء وصماء ، مطبقة
مظلمة عمت فتنتها وخصت بليتها ، أصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عمي
عنها ، أهل باطلها ظاهرون على [ أهل ] حقها ، يملأون الأرض بدعا وظلما وجورا وأول
من يضع جبروتها ويكسر عمودها .
وينزع أوتادها ،
الله رب العالمين وقاصم الجبارين .
ألا [ و ] إنكم
ستجدون بني أمية أرباب سوء بعدي ، كالناب الضروس تعض بفيها ، وتخبط بيديها ، وتضرب
برجليها ، وتمنع درها .
وأيم الله لا
تزال فتنتهم حتى لا يكون نصرة أحدكم لنفسه إلا كنصرة العبد لنفسه من سيده ، إذا
غاب سبه ، وإذا حضر أطاعه .
وفي رواية أخرى
: يسبه في نفسه . وفي رواية : وأيم الله لو شردوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر
يوم لهم .
فقال الرجل :
فهل من جماعة يا أمير المؤمنين بعد ذلك !
قال : إنها
ستكونون جماعة شتى ، عطاؤكم وحجكم وأسفاركم [ واحدة ] والقلوب مختلفة.
قال واحد [ منهم
] : كيف تختلف القلوب ؟ قال : هكذا - وشبك بين أصابعه - ثم قال : يقتل هذا هذا ،
وهذا هذا ، هرجا هرجا ويبقى طغاما ، جاهلية ليس فيها منار هدى ، ولا علم يرى ، نحن
أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة .
قال [ الرجل ] :
فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين ؟ قال : انصروا أهل بيت نبيكم ، فإن
لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا وتعذروا ، فإنهم لن يخرجوكم من هدى
ولن يدعوكم إلى ردى ، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء .
قال [ الرجل ] :
فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟
قال : يفرج الله
البلاء برجل من أهل بيتي كانفراج الأديم من بيته ، ثم يرفعون إلى من يسومهم خسفا
ويسقيهم بكأس مصبرة ، لا يعطيهم ولا يقبل منهم إلا السيف هرجا هرجا ، يحمل السيف
على عاتقه ثمانية أشهر ، حتى تود قريش بالدنيا وما فيها أن يروني في مقام واحد ،
فأعطيهم وآخذ منهم بعض ما قد منعوني وأقبل عنهم بعض ما يرد عليهم حتى يقولوا : ما
هذا من قريش ، لو كان هذا من قريش ومن ولد فاطمة لرحمنا . ويغريه الله ببني أمية
فجعلهم [ الله ] " ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في
الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا " .
أما بعد فإنه
لابد من رحى تطحن ضلالة ، فإذا طحنت قامت على قطبها ، ألا وإن لطحنها روقا ، وإن
روقها حدها وعلى الله فلها .
ألا وإني وأبرار
عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا ، معنا راية الحق والهدى ، من
سبقها مرق ، ومن خذلها محق ومن لزمها لحق . وفي رواية أخرى : ومن لزمها سبق - .
إنا أهل بيت من
علم الله علمنا ومن حكم الله الصادق قيلنا ، ومن قول الصادق سمعنا ، فإن تتبعونا
تهتدوا ببصائرنا ، وإن تتولوا عنا يعذبكم الله بأيدينا أو بما شاء .
نحن أفق الإسلام
بنا يلحق المبطئ وإلينا يرجع التائب .
والله لولا أن
تستعجلوا ويتأخر الحق ، لنبأتكم بما يكون في شباب العرب والموالي ، فلا تسألوا أهل
بيت نبيكم محمد العلم قبل إبانه ، ولا تسألوهم المال على العسر فتبخلوهم فإنه ليس
منهم البخل .
وكونوا أحلاس
البيوت ولا تكونوا عجلا بذرا ، [ و ] كونوا من أهل الحق تعرفوا به وتتعارفوا عليه
، فإن الله خلق الخلق بقدرته وجعل بينهم الفضائل بعلمه ، وجعل منه عبادا اختارهم
لنفسه ليحتج بهم على خلقه ، فجعل علامة من أكرم منهم طاعته ، وعلامة من أهان منهم
معصيته ، وجعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمن والخلد الذي لا يروع
أهله ، وجعل عقوبة معصيته نارا تأجج لغضبه ، [ و ] ما ظلمهم الله تعالى ولكن كانوا
أنفسهم يظلمون .
يا أيها الناس !
إنا أهل بيت بنا بين الله الكذب ، وبنا يفرج الله الزمان الكلب ، وبنا ينزع الله
ربق الذل من أعناقكم ، وبنا يفتح الله وبنا يختم الله .
فاعتبروا بنا
وبعدونا وبهدانا وبهداهم وبسيرتنا وسيرتهم ومنيتنا ومنيتهم ، يموتون بالدال والقرح
والدبيلة ، ونموت بالبطن والقتل والشهادة وبما شاء الله .
ثم التفت إلى
بنيه فقال : يا بني ليبر صغاركم كباركم ، وليرحم كباركم صغاركم ، ولا تكونوا أمثال
السفهاء الجفاة الجهال الذي لا يعطون في الله اليقين ، كقيض بيض في أداح .
ألا ويح للفراخ
فراخ آل محمد من خلف مستخلف عتريف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف بعدي .
أما والله لقد
علمت تبليغ الرسالات ، وتنجيز العدات ، وتمام الكلمات ، وفتحت لي الأسباب ، وأجري
لي السحاب ، ونظرت في الملكوت ، لم يعزب عني شيء فات ولم يفتني ما سبقني ، ولم
يشركني أحد فيما أشهدني ربي ، أقوم به يوم يقوم الأشهاد ، وبي يتم الله موعده
ويكمل كلماته .
وأنا النعمة
التي أنعمها الله على خلقه ، والإسلام الذي ارتضاه لنفسه ، كل ذلك من الله به علي
وأذل به منكبي .
وليس إمام إلا
وهو عارف بأهل ولايته ، وذلك قول الله جل وعز : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) [
7 / الرعد : 13 ] .
ثم نزل [ عن
المنبر ] صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين الأخيار وسلم تسليما كثيرا .
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 34 / صفحة [ 258 ]
تاريخ النشر : 2025-10-27