أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/أحاديث وروايات عامة/الإمام الصادق (عليه السلام)
عن مسعدة بن
صدقة عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : خطب أمير المؤمنين [ عليه السلام ] فقال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : كيف أنتم إذا ألبستم الفتنة ، ينشأ فيها
الوليد ، ويهرم فيها الكبير ، وتجري الناس عليها حتى يتخذوها سنة ، فإذا غير منها
شيء قيل : أتى الناس بمنكر غيرت السنة .
ثم تشتد البلية
، وتنشأ فيها الذرية ، وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب ، وكما تدق الرحى بثفالها
. يتفقه الناس لغير الدين ، ويتعلمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة .
ثم أقبل أمير
المؤمنين عليه السلام ، ومعه ناس من أهل بيته وخاص من شيعته ، فصعد المنبر فحمد
الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ، ثم قال : لقد عملت [ عمل
" خ " ] الولاة قبلي بأمور عظيمة ، خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه
وآله متعمدين لذلك ، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها التي كانت
عليها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، لتفرق عني جندي ! حتى أبقى وحدي إلا
قليلا من شيعتي الذين عرفوا فضلي وإمامتي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه
وآله .
أرأيتم لو أمرت
بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه
وآله فيه ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام ، ورددت صاع رسول الله صلى الله
عليه وآله ومده إلى ما كان ، وأمضيت قطائع كان رسول الله صلى الله عليه وآله
أقطعها لناس مسمين ، ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته وهدمتها [ وأخرجتها ]
من المسجد ، ورددت الخمس إلى أهله ، ورددت قضاء كل من قضى بجور ، وسبي ذراري بني
تغلب ، ورددت ما قسم من أرض خيبر ، ومحوت ديوان العطاء ، وأعطيت كما كان يعطي رسول
الله صلى الله عليه وآله ، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء !
والله لقد أمرت
الناس أن لا يجمعوا [ لا يجتمعوا " خ " ] في شهر رمضان إلا في فريضة ،
فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل دوني ، وسيفه معي أتقي به في الإسلام وأهله : غيرت
سنة عمر ونهى أن يصلى في شهر رمضان في جماعة ، حتى خفت أن يثور بي ناحية عسكري ما
لقيت هذه الأمة من أئمة الضلالة والدعاة إلى النار !.
وأعظم من ذلك ،
سهم ذوي القربى الذين قال الله تبارك وتعالى [ في حقهم ] :( واعلموا أنما غنمتم من
شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم
آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ) [ 41 / الأنفال : 8 ] نحن والله
عنى بذوي القربى الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه صلى الله عليه وآله ، ولم يجعل لنا
في الصدقة نصيبا ، أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه ، وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي
الناس .
فقال له رجل :
إني سمعت من سلمان وأبي ذر الغفاري والمقداد ، أشياء من تفسير القرآن والرواية عن
النبي صلى الله عليه وآله ، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس
أشياء كثيرة من تفسير القرآن والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله ، [ و ] أنتم
تخالفونهم وتزعمون أن ذلك باطل ، أفترى الناس يكذبون متعمدين على نبي الله صلى
الله عليه وآله ويفسرون القرآن بآرائهم ؟
قال : فأقبل [
إليه أمير المؤمنين ] عليه السلام فقال له : قد سألت فافهم الجواب :
إن في أيدي
الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعاما وخاصا ، ومحكما ومتشابها
، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو حي ، حتى قام خطيبا
فقال : " أيها الناس قد كثرت علي الكذابة ، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده
من لنار " . وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر
للإيمان متصنع بالإسلام ، لا يتأثم ولا يتحرج في أن يكذب على الله وعلى رسول الله
صلى الله عليه وآله متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم
يصدقوا قوله ، ولكنهم قالوا : " صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع
منه ولقف عنه " ويأخذون [ فيأخذون " خ " ] بقوله وقد أخبرك الله عن
المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك .
ثم بقوا بعده
صلى الله عليه وآله فتقربوا إلى أئمة الضلالة ، والدعاة إلى النار بالزور والبهتان
، فولوهم الأعمال وجعلوهم حكاما على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا وإنما الناس
مع الملوك والدنيا إلا من عصمه الله .
فهذا أحد
الأربعة .
و [ ثاني
الأربعة ] رجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا لم يحفظه على وجهه ، فوهم
فيه ولم يتعمد كذبا ، وهو في يديه يرويه ويعمل به ويقول : " أنا سمعت من رسول
الله صلى الله عليه وآله " . فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوا منه ،
ولو علم هو أنه كذلك لرفضه .
ورجل ثالث سمع
من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا يأمر به ثم نهى [ رسول الله ] عنه وهو لا
يعلم ، أو سمعه نهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ .
فلو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه .
وآخر رابع لم
يكذب على الله ولا على رسوله ، مبغض للكذب خوفا لله وتعظيما لرسول الله صلى الله
عليه وآله ، ولم يهم به ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه ، ولم يزد
فيه ولم ينقص منه ، وحفظ الناسخ فعمل به وحفظ المنسوخ فجنب عنه ، وعرف الخاص
والعام فوضع كل شيء موضعه ، وعرف المتشابه والمحكم .
وقد يكون من
رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان ، فكلام خاص وكلام عام ، فيسمعه من
لا يعرف ما عنى الله به ، ولا ما عنى به رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيحمله
السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه ولا ما قصد به وما خرج من أجله .
وليس كل أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله يسأله ويستفهمه ، حتى أن كانوا ليحبون أن يجئ
الأعرابي أو الطاري فيسأله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا كلامه وكان لا يمر بي من
ذلك شئ إلا سألت عنه وحفظته .
فهذه وجوه ما
عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم .
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 34 / صفحة [ 167]
تاريخ النشر : 2025-10-27