أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام علي (عليه السلام)
جماعة عن محمد
بن عمران المرزباني ، عن محمد بن موسى محمد بن سهل عن هشام عن أبي مخنف عن ابن
حصيرة عن أبي صادق عن جندب بن عبد الله الأزدي قال : قام علي بن أبي طالب عليه
السلام في الناس ، ليستنفرهم إلى أهل الشام ، وذلك بعد انقضاء المدة التي كانت
بينه وبينهم ، وقد شن معاوية على بلاد المسلمين الغارات ، فاستنفرهم في الرغبة في
الجهاد والرهبة فلم ينفروا ، فأضجره ذلك ، فقال : يا أيها الناس المجتمعة أبدانهم
المختلفة أهواؤهم ! ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم . كلامكم
يوهن الصم الصلاب ، وتثاقلكم عن طاعتي يطمع فيكم عدوكم [ المرتاب ] . إذا أمرتكم
قلتم : " كيت وكيت وعسى " أعاليل بأباطيل وتسألوني التأخير ، دفاع ذي
الدين المطول .
هيهات هيهات !
لا يدفع الضيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلا بالجد والصبر . أي دار بعد داركم تمنعون
! ومع أي إمام بعدي تقاتلون ! المغرور والله من غررتموه ، ومن فاز بكم فاز بالسهم
الأخيب .
أصبحت لا أطمع
في نصرتكم ، ولا أصدق قولكم ، فرق الله بيني وبينكم ، وأعقبني بكم من هو خير لي
منكم .
أما إنكم ستلقون
بعدي ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة ، يفرق جماعتكم ،
وتبكي عيونكم ، وتمنون عما قليل أنكم رأيتموني فنصرتموني ، وستعرفون ما أقول لكم
عما قليل ، ولا يبعد الله إلا من ظلم .
قال : فكان جندب
لا يذكر هذا الحديث إلا بكى ، وقال : صدق والله أمير المؤمنين ، قد شملنا الذل
ورأيناه الأثرة ، ولا يبعد الله إلا من ظلم .
_ روي أنه لما
عزم على المسير إلى الشام لقتال معاوية ، قال بعد حمد الله والثناء عليه ، والصلاة
على رسول الله صلى الله عليه وآله : اتقوا الله عباد الله ! وأطيعوه وأطيعوا
إمامكم ، فإن الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل ، ألا وإن الرعية الفاجرة تهلك
بالإمام الفاجر .
وقد أصبح معاوية
غاصبا لما في يديه من حقي ، ناكثا لبيعتي ، طاعنا في دين الله عز وجل .
وقد علمتم أيها
المسلمون ما فعل الناس بالأمس ، فجئتموني راغبين إلي في أمركم ، حتى استخرجتموني
من منزلي لتبايعوني، فالتويت عليكم لأبلو ما عندكم ، فراودتموني القول مرارا ،
وراددتكم ، وتداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها ، حرصا على بيعتي ، حتى خفت
أن يقتل بعضكم بعضا ، فلما رأيت ذلك منكم ، رأيت في أمركم وأمري ، وقلت : إن أنا
لم أجبهم إلى القيام بأمرهم ، لم يصيبوا أحدا منهم يقوم فيهم مقامي ، ويعدل فيهم
عدلي . وقلت : والله لألينهم وهم يعلمون حقي وفضلي ، أحب إلي من أن يلوني ولا
يعرفون حقي وفضلي .
فبسطت يدي
فبايعتموني يا معاشر المسلمين ، وفيكم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان ،
وأخذت عليكم عهد بيعتي وواجب صفقتي [ و ] عهد الله وميثاقه . وأشد ما أخذ على
النبيين من عهد وميثاق لتقرن لي ، ولتسمعن لأمري ، ولتطيعوني وتناصحوني ، وتقاتلون
معي كل باغ علي ، أو مارق إن مرق .
فبايعتم لي بذلك
جميعا ، وأخذت عليكم عهد الله وميثاقه وذمة الله وذمة رسوله ، فأجبتموني إلى ذلك ،
وأخذت عليكم عهد الله وميثاقه وذمة الله وذمة رسوله ، فأجبتموني إلى ذلك ، وأشهدت
الله عليكم ، وأشهدت بعضكم على بعض .
فقمت فيكم بكتاب
الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله . فالعجب من معاوية بن أبي سفيان ! ينازعني
الخلافة ، ويجحدني الإمامة ، ويزعم أنه أحق بها مني ، جرأة منه على الله ورسوله
صلى الله عليه وآله وسلم ، بغير حق له فيها ، ولا حجة .
ولم يبايعه
المهاجرون ، ولا سلم له الأنصار والمسلمون .
يا معاشر
المهاجرين والأنصار وجماعة من سمع كلامي ! أما أوجبتم لي على أنفسكم الطاعة ؟ أما
بايعتموني على الرغبة ؟ أما أخذت عليكم العهد بالقبول لقولي ؟ أما بيعتي لكم يومئذ
أوكد من بيعة أبي بكر وعمر ؟ فما بال من خالفني لم ينقض عليهما حتى مضيا ، ونقض
علي ولم يوف لي ! أما يجب عليكم نصحي ويلزمكم أمري ؟ أما تعلمون أن بيعتي تلزم
الشاهد منكم والغائب ؟ فما بال معاوية وأصحابه طاعنون في بيعتي ! ولم لم يفوا لي
وأنا في قرابتي وسابقتي وصهري ، أولى بالأمر ممن تقدمني ؟ أما سمعتم قول رسول الله
صلى الله عليه وآله يوم الغدير في ولايتي وموالاتي .
فاتقوا الله
أيها المسلمون ! وتحاثوا على جهاد معاوية القاسط الناكث وأصحابه القاسطين ، [ و ]
اسمعوا ما أتلو عليكم من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل لتتعظوا ، فإنه والله
عظة لكم . فانتفعوا بمواعظ الله وازدجروا عن معاصي الله ، فقد وعظكم الله بغيركم
فقال لنبيه صلى الله عليه وآله : ( ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى
إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم
القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا
وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين * وقال
لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق
بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم
والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم ) [ 246 - 247 / البقرة : 2 ] .
أيها الناس ! إن
لكم في هذه الآيات عبرة ، لتعلموا أن الله جعل الخلافة والإمرة من بعد الأنبياء في
أعقابهم ، وأنه فضل طالوت وقدمه على الجماعة بإصطفائه إياه ، وزاده بسطة في العلم
والجسم ، فهل تجدون الله اصطفى بني أمية على بني هاشم ، وزاد معاوية علي بسطة في
العلم والجسم ؟ !
فاتقوا الله
عباد الله ! وجاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم له ، قال الله سبحانه :
( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا
وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) [ 78 - 79
/ المائدة : 5 ] .
[ وقال الله
تعالى : ] ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا
بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ) [ 15 / الحجرات : 49 ] .
وقال سبحانه : (
يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله
ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون *
يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك
الفوز العظيم ) [ 10 - 12 / الصف : 61 ] .
اتقوا الله عباد
الله ! وتحاثوا على الجهاد مع إمامكم . فلو كان لي بكم عصابة بعدد أهل بدر ، إذا
أمرتهم أطاعوني ، وإذا استنهضتهم نهضوا معي ، لاستغنيت بهم عن كثير منكم ، وأسرعت
النهوض إلى حرب معاوية وأصحابه ، فإنه الجهاد المفروض .
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 34 / صفحة [ 131 ]
تاريخ النشر : 2025-10-26