أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
من خطبة له عليه
السلام : روي عن نوف البكالي قال : خطبنا [ ب ] هذه الخطبة أمير المؤمنين [ عليه السلام
] وهو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، وعليه مدرعة من صوف ،
وحمائل سيفه ليف [ من ليف " خ " ] وفي رجليه نعلان من ليف ، وكأن جبينه
ثفنة بعير ! فقال : الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق وعواقب الأمر ، نحمده على
عظيم إحسانه ، ونير برهانه ، ونوامي فضله وامتنانه ، حمدا يكون لحقه قضاء ، ولشكره
أداء ، وإلى ثوابه مقربا ، ولحسن مزيده موجبا .
ونستعين به
استعانة راج لفضله مؤمل لنفعه ، واثق بدفعه ، معترف له بالطول ، مذعن له بالعمل
والقول .
ونؤمن به إيمان
من رجاه موقنا ، وأناب إليه مؤمنا ، وخنع له مذعنا وأخلص له موحدا ، وعظمه ممجدا ،
ولاذ به راغبا مجتهدا .
لم يولد سبحانه
فيكون في العز مشاركا ، ولم يلد فيكون موروثا هالكا ، ولم يتقدمه وقت ولا زمان ،
ولا يتعاوره زيادة ولا نقصان ، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن
والقضاء المبرم .
فمن شواهد خلقه
خلق السماوات موطدات بلا عمد ، قائمات بلا سند ، دعاهن فأجبن طائعات مذعنات غير
متلكئات ولا مبطئات ، ولولا إقرارهن بالربوبية وإذعانهن بالطواعية ، لما جعلهن
موضعا لعرشه ولا مسكنا لملائكته ولا مصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه .
جعل نجومها
أعلاما يستدل به الحيران في مختلف فجاج الأقطار .
لم يمنع ضوء
نورها إدلهمام سجف الليل المظلم ، ولا استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن ترد ما شاع
في السماوات من تلألؤ نور القمر .
فسبحان من لا
يخفى عليه سواد غسق داج ، ولا ليل ساج في بقاع الأرضين المتطأطئات ، ولا في يفاع
السفع المتجاورات ، وما يتجلجل به الرعد في أفق السماء ، وما تلاشت عنه بروق
الغمام ، وما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء ، وانهطال السماء .
ويعلم مسقط
القطرة ومقرها ، ومسحب الذرة ومجرها ، وما يكفي البعوضة من قوتها ، وما تحمل
الأنثى في بطنها .
والحمد لله
الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش أو سماء أو أرض أو جان أو إنس . لا يدرك بوهم ،
ولا يقدر بفهم ، ولا يشغله سائل ، ولا ينقصه نائل ، ولا ينظر بعين ، ولا يحد بأين
، ولا يوصف بالأزواج ، ولا يخلق بعلاج ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ،
الذي كلم موسى تكليما وأراه من آياته عظيما ، بلا جوارح ولا أدوات ، ولا نطق ولا
لهوات .
بل إن كنت صادقا
أيها المتكلف لوصف ربك ! فصف جبرئيل وميكائيل وجنود الملائكة المقربين ، في حجرات
القدس مرجحنين ، متولهة عقولهم أن يحدوا أحسن الخالقين .
وإنما يدرك
بالصفات ذوو الهيئات والأدوات ، ومن ينقضي إذا بلغ أمد حده بالفناء .
فلا إله إلا هو
، أضاء بنوره كل ظلام ، وأظلم بظلمته كل نور .
أوصيكم عباد
الله بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش ، وأسبغ عليكم المعاش ، ولو أن أحدا يجد إلى
البقاء سلما ، أو لدفع الموت سبيلا ، لكان ذلك سليمان بن داود الذي سخر له ملك
الجن والإنس مع النبوة ، وعظيم الزلفة ، فلما استوفى طعمته ، واستكمل مدته ، رمته
قسي الفناء بنبال الموت ، وأصبحت الديار منه خالية ، والمساكن معطلة وورثها قوم
آخرون .
وإن لكم في
القرون السالفة لعبرة ، أين العمالقة وأبناء العمالقة ؟ أين الفراعنة وأبناء
الفراعنة ؟ أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين وأطفأوا سنن المرسلين وأحيوا
سنن الجبارين ؟ أين الذين ساروا بالجيوش وهزموا الألوف وعسكروا العساكر ومدنوا
المدائن ؟ !
[ و ] منها : قد
لبس للحكمة جنتها ، وأخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها ، والمعرفة بها ، والتفرغ
لها ، وهي عند نفسه ضالته التي يطلبها ، وحاجته التي يسأل عنها ، فهو مغترب إذا
اغترب الإسلام ، وضرب بعسيب ذنبه ، وألصق الأرض بجرانه بقية من بقايا حجته ، خليفة
من خلائف أنبيائه .
ثم قال عليه
السلام : أيها الناس ! إني قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ بها الأنبياء أممهم ،
وأديت إليكم ما أدت الأوصياء إلى من بعدهم ، وأدبتكم بسوطي فلم تستقيموا ، وحدوتكم
بالزواجر فلم تستوثقوا ، لله أنتم أتتوقعون إماما غيري يطأ بكم الطريق ويرشدكم
السبيل ؟ !
ألا إنه قد أدبر
من الدنيا ما كان مقبلا ، وأقبل منها ما كان مدبرا ، وأزمع الترحال عباد الله
الأخيار ، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى .
ماضر إخواننا
الذين سفكت دماؤهم - وهم بصفين - أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ، ويشربون
الرنق ، قد والله لقوا الله فوفاهم أجورهم ، وأحلهم دار الأمن بعد خوفهم .
أين إخواني
الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق ؟ أين عمار ؟ وأين ابن التيهان ؟ وأين ذو
الشهادتين ؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية ، وأبرد برؤوسهم
إلى الفجرة؟
قال [ نوف : ]
ثم ضرب يده إلى لحيته وأطال البكاء ، ثم قال عليه السلام : أوه على إخواني الذين
تلوا القرآن فأحكموه ! وتدبروا الفرض فأقاموه ! وأحيوا السنة وأماتوا البدعة ،
دعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتبعوا ! ثم نادى بأعلى صوته .
الجهاد الجهاد
عباد الله ! ألا وإني معسكر في يومي هذا ، فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج [
فليبرح " خ " ] .
قال نوف : وعقد
للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد
- رحمه الله -
في عشرة آلاف ، ولأبي أيوب الأنصاري [ في ] عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد أخر ،
وهو يريد الرجعة إلى صفين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم ، لعنه
الله ، فتراجعت العساكر . فكنا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كل مكان .
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 34 / صفحة [ 124 ]
تاريخ النشر : 2025-10-26