أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
روى ابن أبي
الحديد من كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي ، كما رأيته في أصل كتابه ، روى
بإسناده عن جندب الأزدي ، عن أبيه قال : أول غارة كانت بالعراق ، غارة الضحاك بن
قيس ، بعد الحكمين ، وقبل قتال النهروان ، وذلك أن معاوية لما بلغه أن عليا عليه
السلام بعد واقعة الحكمين ، تحمل إليه مقبلا هاله ذلك ، فخرج من دمشق معسكرا ،
وبعث إلى كور الشام ، فصاح بها [ فيها " خ ل " ] إن عليا قد سار إليكم .
وكتب إليهم نسخة واحدة ، فقرئت على الناس ، أما بعد ، فإنا كنا كتبنا بيننا وبين
علي كتابا ، وشرطنا فيه شروطا ، وحكمنا رجلين يحكمان علينا وعليه بحكم الكتاب ، لا
يعدوانه ، وجعلنا عهد الله وميثاقه على من نكث العهد ، ولم يمض الحكم ، وإن حكمي الذي
كنت حكمته أثبتني ، وإن حكمه خلعه ، وقد أقبل إليكم ظالما ، " ومن نكث فإنما
ينكث على نفسه " تجهزوا للحرب ، بأحسن الجهاز ، وأعدوا آلة القتال ، وأقبلوا
خفافا وثقالا وكسالا ونشاطا ، يسرنا الله وإياكم لصالح الأعمال .
فاجتمع إليه ناس
من كل كورة ، وأرادوا المسير إلى صفين ، فاستشارهم فاختلفوا في ذلك ، فمكثوا
يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة ، حتى قدمت عليهم عيونهم ، أن عليا عليه السلام اختلف
عليه أصحابه ، ففارقته منه فرقة أنكرت أمر الحكومة ، وأنه قد رجع عنكم إليهم ،
فكبر الناس سرورا لانصرافه عنهم ، وما ألقي من الخلاف بينهم .
فلم يزل معاوية
معسكرا في مكانه ، حتى جاء الخبر أن عليا عليه السلام ، قد قتل أولئك الخوارج ،
وأنه أراد بعد قتلهم أن يقبل إليه بالناس ، وأنهم استنظروه ودافعوه ، فسر بذلك هو
ومن قبله من الناس .
وعن عبد الرحمن
بن مسعدة قال : جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط من الكوفة ، ونحن معسكرون مع
معاوية نتخوف أن يفرغ علي من خارجته ، ثم يقبل إلينا ، وكان في كتابه : أما بعد
فإن عليا خرج عليه علية أصحابه ونساكهم ، فخرج إليهم فقتلهم ، وقد فسد عليه جنده
وأهل مصره ، ووقعت بينهم العداوة وتفرقوا أشد الفرقة ، فأحببت إعلامك . والسلام .
قال فقرأه [
معاوية ] على أخيه وعلى أبي الأعور ، ثم نظر إلى أخيه الوليد بن عقبة وقال : لقد
رضي أخوك أن يكون لنا عينا . قال : فضحك الوليد وقال : إن في ذلك أيضا لنفعا .
فعند ذلك دعا
معاوية الضحاك بن قيس الفهري ، وقال له : سر حتى تمر بناحية الكوفة ، وترتفع عنها
ما استطعت ، فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي ، فأغر عليه ، وإن وجدت له مسلحة أو
خيلا فاغر عليهما ، وإذا أصبحت في بلدة ، فأمس في أخرى ، ولا تقيمن لخيل بلغك عنها
أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها . فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف .
فأقبل الضحاك
لنهب الأموال ، وقتل من لقي من الأعراب ، حتى مر بالثعلبية فأغار على الحاج ، فأخذ
أمتعتهم ، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي - وهو ابن أخي عبد الله بن
مسعود - فقتله في طريق الحاج ، عند القطقطانة ، وقتل معه ناسا من أصحابه .
فصعد أمير
المؤمنين عليه السلام المنبر وقال : يا أهل الكوفة ! اخرجوا إلى [ العبد ] الصالح
عمرو بن عميس وإلى جيوش لكم قد أصيب منهم طرف ، اخرجوا فقاتلوا عدوكم ، وامنعوا
حريمكم إن كنتم فاعلين .
فردوا عليه ردا
ضعيفا ورأى منهم عجزا وفشلا فقال : والله لوددت أن لي بكل مائة منكم رجلا منهم ،
ويحكم أخرجوا معي ، ثم فروا عني ما بدا لكم ، فوالله ما أكره لقاء ربي على نيتي
وبصيرتي ، وفي ذلك روح لي عظيم ، وفرج من مناجاتكم ومعاناتكم ومقاساتكم ومداراتكم
، مثل ما تدارى البكار العمدة ، والثياب المتهترة ، كلما خيطت من جانب ، تهتكت على
صاحبها من جانب آخر .
ثم نزل ، فخرج
يمشي حتى بلغ الغريين ، ثم دعا حجر بن عدي الكندي فعقد له راية على أربعة آلاف ،
فخرج حجر حتى مر بالسماوة وهي أرض كلب ، فلقي بها امرأ القيس بن عدي بن أوس الكلبي
، وهم أصهار الحسين بن علي عليه السلام ، فكانوا أدلاءه في الطريق ، وعلى المياه ،
فلم يزل مغذا في أثر الضحاك ، حتى لقيه بناحية تدمر فواقعه ، فاقتتلوا ساعة ، فقتل
من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلا ، وقتل من أصحاب حجر رجلان ، وحجز الليل بينهم ،
فمضى الضحاك ، فلما أصبحوا لم يجدوا له ولأصحابه أثرا ، فكتب عقيل هذا الكتاب إليه
عليه السلام في إثر هذه الواقعة .
- وقال ابن أبي
الحديد أيضا : ذكر صاحب كتاب الغارات ، أن النعمان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على
علي عليه السلام من عند معاوية ، بعد أبي مسلم الخولاني ، يسألانه أن يدفع قتلة
عثمان إلى معاوية ، ليقيدهم بعثمان .
وإنما أراد أن
يشهدا له عليه أهل الشام بذلك ، وأن يظهرا عذره ، فلما أتياه عليه السلام ، وأديا
الرسالة ، قال عليه السلام للنعمان : حدثني عنك أأنت أهدى من قومك سبيلا ؟ يعني
الأنصار . قال : لا . قال : فكل قومك قد اتبعني ، إلا شذاذ منهم ثلاثة أو أربعة ،
فتكون أنت من الشذاذ ؟ فقال النعمان : أصلحك الله ، إنما جئت لأكون معك ، وقد طمعت
أن يجري الله تعالى بينكما صلحا ، فإذا كان غير ذلك رأيك ، فإني ملازمك .
فأقام النعمان ،
ولحق أبو هريرة بالشام . وفر النعمان بعد أشهر منه عليه السلام إلى الشام ، فأخذه
في الطريق مالك بن كعب الأرحبي ، وكان عامل علي عليه السلام بعين التمر ، فتضرع
واستشفع [ له قرظة عند مالك بن كعب ] حتى خلى سبيله ، وقدم على معاوية وخبر بما
لقي ولم يزل معه .
فلما غزى الضحاك
بن قيس أرض العراق ، بعث معاوية النعمان مع ألفي رجل وأوصاه أن يتجنب المدن
والجماعات ، وأن لا يغير على مسلحة ، وأن يعجل الرجوع ، فأقبل النعمان حتى دنا من
عين التمر وبها مالك ، ومع مالك ألف رجل ، وقد أذن لهم فرجعوا إلى الكوفة فلم يبق
معه إلا مائة أو نحوها ، فكتب مالك إلى علي عليه السلام ، فصعد عليه السلام المنبر
، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أهل الكوفة ! المنسر من مناسر أهل الشام ، إذا
أظل عليكم انجحرتم في بيوتكم وأغلقتم أبوابكم ، انجحار الضبة في جحرها ، والضبع في
وجارها ، الذليل والله من نصرتموه ، ومن رمى بكم رمى بأفوق ناصل ، أف لكم ، لقد
لقيت منكم ترحا ! ! ويحكم يوما أناجيكم ، ويوما أناديكم ، فلا أحرار عند النداء ،
ولا إخوان صدق عند اللقاء ، أنا والله منيت بكم ، صم لا تسمعون ، بكم لا تعقلون ،
عمي لا تبصرون ! ! فالحمد لله رب العالمين ، ويحكم اخرجوا هداكم الله إلى مالك بن
كعب أخيكم ، فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع من أهل الشام ليس بالكثير ،
فانهضوا إلى إخوانكم لعل الله يقطع بكم من الكافرين طرفا.
ثم نزل .
فلم يخرجوا ،
فأرسل إلى وجوههم وكبرائهم ، فأمرهم أن ينهضوا ويحثوا الناس على المسير ، فلم
يصنعوا شيئا . واجتمع منهم نفر يسير نحو ثلاثمائة أو دونها فقام عليه السلام فقال
: إلا إني منيت بمن لا يطيع إذا أمرت ، ولا يجيب إذا دعوت ، لا أبا لكم ، ما
تنتظرون بنصركم ربكم ؟ أما دين يجمعكم ؟ ولا حمية تحمشكم ؟ أقوم فيكم مستصرخا ،
وأناديكم متغوثا ، فلا تسمعون لي قولا ، ولا تطيعون لي أمرا ، حتى تكشف الأمور عن
عواقب المساءة ، فما يدرك بكم ثار ، ولا يبلغ بكم مرام ! ! دعوتكم إلى نصر إخوانكم
فجرجرتم جرجرة الجمل الأسر ، وتثاقلتم تثاقل النضو الأدبر ، ثم خرج إلي منكم جنيد
متذائب كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون .
ثم نزل فدخل
منزله .
فقام عدي بن
حاتم فقال : هذا والله الخذلان ، ما على هذا بايعنا أمير المؤمنين عليه السلام . [
ثم دخل عليه فقال : يا أمير المؤمنين ] إن معي من طي ألف رجل لا يعصوني ، فإن شئت
أن أسير بهم سرت . قال : ما كنت لأعرض قبيلة واحدة من قبائل العرب للناس ، ولكن
أخرج إلى النخيلة وعسكر بهم .
فخرج [ عدي ]
فعسكر وفرض علي عليه السلام لكل رجل منهم سبعمائة .
فاجتمع إليه ألف
فارس ، عدا طيا أصحاب عدي . وورد عليه عليه السلام الخبر بهزيمة النعمان ونصرة
مالك .
وروى عبد الله
بن جوزة الأزدي قال : كنت مع مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان ، وهو في ألفين وما
نحن إلا مائة ، فقال لنا : قاتلوهم في القرية واجعلوا الجدر في ظهوركم ، ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة ، واعلموا أن الله تعالى ينصر العشرة على المائة ، والمائة
على الألف ، والقليل على الكثير . ثم قال : إن أقرب من هاهنا إلينا من شيعة أمير
المؤمنين قرظة بن كعب ، ومخنف بن سليم ، فاركض إليهما فأعلمهما حالنا ، وقل لهما
فلينصرانا .
فمررت بقرظة
فاستصرخته ، فقال : إنما أنا صاحب خراج ، وليس عندي من أغيثه به ! ! فمضيت إلى
مخنف ، فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلا ، وقاتل مالك وأصحابه ، النعمان
وأصحابه إلى العصر ، فأتيناه وقد كسر هو وأصحابه جفون سيوفهم ، واستقبلوا الموت ،
فلو أبطأنا منهم هلكوا ، فما هو إلا أن رآنا أهل الشام وقد أقبلنا عليهم ، أخذوا
ينكصون عنهم ويرتفعون ، ورآنا مالك وأصحابه ، فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية ،
فاستعرضناهم فصرعنا منهم رجالا ثلاثة ، فظن القوم أن لنا مددا ، وحال الليل بيننا
وبينهم ، فانصرفوا إلى أرضهم .
وكتب مالك إلى
علي عليه السلام : أما بعد ، فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل الشام
كالظاهر علينا ، وكان عظم أصحابي متفرقين ، وكنا للذي كان منهم آمنين ، فخرجنا
إليهم رجالا مصلتين ، فقاتلناهم حتى المساء ، واستصرخنا مخنف بن سليم ، فبعث إلينا
رجالا من شيعة أمير المؤمنين وولده ، فنعم الفتى ، ونعم الأنصار كانوا ، فحملنا
على عدونا وشددنا عليهم ، فأنزل الله علينا نصره ، وهزم عدوه ، وأعز جنده ، والحمد
لله رب العالمين ، والسلام على أمير المؤمنين ، ورحمة الله وبركاته .
وعن أبي الطفيل
قال ، قال : علي عليه السلام : يا أهل الكوفة دخلت إليكم وليس لي سوط إلا الدرة ،
فرفعتموني إلى السوط ، ثم رفعتموني إلى الحجارة ، أو قال : الحديد ، ألبسكم الله
شيعا ، وأذاق بعضكم بأس بعض ، فمن فاز بكم فقد فاز بالقدح الأخيب .
وعن أبي صالح
الحنفي قال : رأيت عليا عليه السلام يخطب ، وقد وضع المصحف على رأسه ، حتى رأيت
الورق يتقعقع على رأسه قال ، فقال : اللهم قد منعوني ما فيه ، فأعطني ما فيه ،
اللهم قد أبغضتهم وأبغضوني ، ومللتهم وملوني وحملوني على غير خلقي وطبيعتي وأخلاق
لم تكن تعرف لي .
اللهم فأبدلني
بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني . اللهم أمث قلوبهم ميث الملح في الماء .
وعن سعد بن
إبراهيم عن ابن أبي رافع قال : رأيت عليا عليه السلام قد ازدحموا عليه حتى أدموا
رجله ، فقال : اللهم قد كرهتهم وكرهوني ، فأرحني منهم ، وأرحهم مني .
وروى محمد بن
فرات الجرمي ، عن زيد بن علي عليه السلام قال : قال علي عليه السلام في هذه الخطبة
: أيها الناس ! إني دعوتكم إلى الحق فتوليتم عني وضربتكم بالدرة فأعييتموني .
أما إنه سيليكم
بعدي ولاة لا يرضون منكم بذلك حتى يعذبونكم بالسياط والحديد ، فأما أنا فلا أعذبكم
بهما ، إنه من عذب الناس في الدنيا عذبه الله في الآخرة ، وآية ذلك أن يأتيكم صاحب
اليمن حتى يحل بين أظهركم ، فيأخذ العمال وعمال العمال رجل يقال له : يوسف بن عمر
، ويقوم عند ذلك رجل منا أهل البيت فانصروه ، فإنه داع إلى الحق.
قال : فكان
الناس يتحدثون أن ذلك الرجل هو زيد [ عليه السلام ].
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 34 / صفحة [ 28 ]
تاريخ النشر : 2025-10-25