أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
قال ابن أبي
الحديد : كتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه علي عليه السلام ، حين بلغه خذلان أهل
الكوفة وتقاعدهم به : لعبد الله علي أمير المؤمنين ، من عقيل بن أبي طالب : سلام
الله عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو : أما بعد ، فإن الله جارك من
كل سوء ، وعاصمك من كل مكروه ، وعلى كل حال . إني خرجت إلى مكة معتمرا ، فلقيت عبد
الله بن سعد بن أبي سرح ، في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء ، فعرفت المنكر
في وجوههم . فقلت : إلى أين يا أبناء الشانئين ، أبمعاوية تلحقون ؟ عداوة والله
منكم قديما ، غير مستنكر ، تريدون بها إطفاء نور الله ، وتبديل أمره . فأسمعني
القوم ، وأسمعتهم .
فلما قدمت مكة ،
سمعت أهلها يتحدثون : أن الضحاك بن قيس ، أغار على الحيرة ، فاحتمل من أموالها ما
شاء ، ثم انكفأ راجعا سالما . فأف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك ، وما الضحاك ؟ !
فقع بقرقر ، وقد توهمت حيث بلغني ذلك ، أن شيعتك وأنصارك خذلوك ، فاكتب إلي يا ابن
أمي برأيك ، فإن كنت الموت تريد ، تحملت إليك ببني أخيك وولد أبيك ، فعشنا معك ما
عشت ، ومتنا معك إذا مت ، فوالله ما أحب أن أبقى في الدنيا بعدك فواقا ، وأقسم
بالأعز الأجل ، أن عيشا نعيشه بعدك في الحياة ، لغير هنئ ولا مرئ ولا نجيع والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته .
فكتب إليه أمير
المؤمنين عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين ،
إلى عقيل بن أبي طالب ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو : أما
بعد ، كلأنا الله وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب ، إنه حميد مجيد .
قد وصل إلي
كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي ، تذكر فيه أنك لقيت عبد الله ابن [ سعد بني ]
أبي سرح ، مقبلا من " قديد " في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء ،
متوجهين إلى جهة الغرب ، وإن ابن أبي سرح ، طال ما كاد الله ورسوله وكتابه ، وصد
عن سبيله وبغاها عوجا ، فدع ابن أبي سرح ، ودع عنك قريشا وخلهم وتركاضهم في الضلال
وتجوالهم في الشقاق .
ألا وإن العرب
قد اجتمعت على حرب أخيك اليوم ، اجتماعها على حرب النبي صلى الله عليه وآله قبل
اليوم ، فأصبحوا قد جهلوا حقه ، وجحدوا فضله وبادئوه العداوة ، ونصبوا له الحرب ،
وجهدوا عليه كل الجهد ، وجروا إليه جيش الأحزاب . اللهم فاجز قريشا عني الجوازي ،
فقد قطعت رحمي ، وتظاهرت علي ، ودفعتني عن حقي ، وسلبتني سلطان ابن أمي ، وسلمت
ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول ، وسابقتي في الإسلام ، إلا أن يدعي مدع
ما لا أعرفه ، ولا أظن الله يعرفه ، والحمد لله على كل حال .
وأما ما ذكرت من
غارة الضحاك على أهل الحيرة ، فهو أقل وأذل من أن يلم بها ، أو يدنو منها ، ولكنه
قد كان أقبل في جريدة خيل ، فأخذ على السماوة ، حتى مر بواقصة وشراف والقطقطانة ،
فما والى ذلك الصقع ، فوجهت إليه جندا كثيفا من المسلمين ، فلما بلغه ذلك فر هاربا
، فأتبعوه ، فلحقوه ببعض الطريق ، وقد أمعن ، وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب ،
فتناوش القتال قليلا كلا ولا ، فلم يصبر لوقع المشرفية ، وولى هاربا ، وقتل من
أصحابه بضعة عشر رجلا ، بعدما أخذ منه بالمخنق ، فلأيا بلأي ما نجا .
وأما ما سألتني
أن أكتب إليك برأيي فيما أنا فيه : فإن رأيي جهاد المحلين حتى ألقى الله ، لا
يزيدني كثرة الناس معي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، لأني محق ، والله مع المحق .
ووالله ما أكره الموت على الحق ، وما الخير كله إلا بعد الموت ، لمن كان محقا .
وأما ما عرضت به
مسيرك إلي ببنيك وبني أبيك ، فلا حاجة لي في ذلك ، فأقم راشدا محمودا ، فوالله ما
أحب أن تهلكوا معي إن هلكت ، ولا تحسبن ابن أمك - وإن أسلمه الناس - متخشعا ، ولا
متضرعا ، إنه لكما قال أخو بني سليم :
فإن تسأليني كيف
أنت فإنني * صبور على ريب الزمان صليب
يعز علي أن ترى
بي كآبة * فيشمت عاد أو يساء حبيب
- أقول : روى السيد رضي الله عنه في النهج ، بعض هذا الكتاب هكذا : فسرحت إليه
جيشا كثيفا من المسلمين ، فلما بلغه ذلك ، شمر هاربا ، ونكص نادما . فلحقوه ببعض
الطريق ، وقد طفلت الشمس للإياب ، فاقتتلوا شيئا كلا ولا ، فما كان إلا كموقف ساعة
، حتى نجا جريضا ، بعد ما أخذ منه بالمخنق ، ولم يبق منه غير الرمق ، فلأيا بلأي
ما نجا .
فدع عنك قريشا
وتركاضهم في الضلال ، وتجوالهم في الشقاق ، وجماحهم في التيه ، فإنهم قد أجمعوا
على حربي ، كإجماعهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله قبلي . فجزت قريشا عني
الجوازي فقد قطعوا رحمي ، وسلبوني سلطان ابن أمي .
وأما ما سألت
عنه من رأيي في القتال ، فإن رأيي قتال المحلين حتى ألقى الله ، لا يزيدني كثرة
الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، ولا تحسبن ابن أبيك - ولو أسلمه الناس -
متضرعا متخشعا ، ولا مقرا للضيم واهنا ، ولا سلس الزمام للقائد ولا وطئ الظهر
للراكب المقتعد ، ولكنه كما قال أخو بني سليم ، ثم ذكر البيتين .
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 34 / صفحة [ 21 ]
تاريخ النشر : 2025-10-23