الوضع الليلي
انماط الصفحة الرئيسية

النمط الأول

النمط الثاني

النمط الثالث

0
اليوم : الخميس ٠١ جمادى الأولى ١٤٤٧هـ المصادف ۲۳ تشرين الأول۲۰۲٥م

أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر
أحاديث وروايات عامة
أحداث الظهور وآخر الزمان
الأخذ بالكتاب والسنة وترك البدع والرأي والمقايس
الأخلاق والآداب
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
التقوى والعمل والورع واليقين
التقية
التوبة والاستغفار
الجنة والنار
الحب والبغض
الحديث والرواية
الخلق والخليقة
الدنيا
الذنب والمعصية واتباع الهوى
الشيعة
العقل
العلم والعلماء
الفتنة والفقر والابتلاء والامتحان
القلب
المعاشرة والمصاحبة والمجالسة والمرافقة
الموت والقبر والبرزخ
المؤمن
الناس واصنافهم
أهل البيت (عليهم السلام)
بلدان واماكن ومقامات
سيرة وتاريخ
عفو الله تعالى وستره ونعمته ورحمته
فرق وأديان
وصايا ومواعظ
مواضيع متفرقة
الفقه وقواعده
الاسراء والمعراج
الإيمان والكفر
الأنصاف والعدل والظلم بين الناس
الاسلام والمسلمين
الاطعمة والاشربة
أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
مقتل مالك الاشتر ومحمد بن أبي بكر وأحداث تلك الحقبة...
تاريخ النشر : 2025-10-22
رواية الثقفي روى بإسناده عن عاصم بن كليب عن أبيه أن معاوية لما بلغه خبر الأشتر بعث رسولا يتبعه إلى مصر وأمره باغتياله فحمل معه مزودين فيهما شراب فاستسقى الأشتر يوما فسقاه من أحدهما فاستسقى يوما آخر فسقاه من الآخر وفيه سم فشربه ومال عنقه فطلب الرجل ففاته .
وعن مغيرة الضبي أن معاوية دس للأشتر مولى لآل عمر فلم يزل المولى يذكر للأشتر فضل علي وبني هاشم حتى اطمأن إليه فقدم الأشتر يوما ثقله واستسقى ماء فسقاه المولى شربة سويق فيها سم فمات .
قال : وقد كان معاوية قال لأهل الشام لما دس له مولى عمر : ادعوا على الأشتر فدعوا عليه فلما بلغه موته قال : ألا ترون كيف استجيب لكم .
وقد روي من بعض الوجوه أن الأشتر قتل بمصر بعد قتال شديد والصحيح أنه سقي سما فمات قبل أن يبلغ مصر .
وعن علي بن محمد المدائني أن معاوية أقبل يقول لأهل الشام : أيها الناس ان عليا قد وجه الأشتر إلى مصر فدعوا الله أن يكفيكم فكانوا يدعون عليه في دبر كل صلاة وأقبل الذي سقاه السم إلى معاوية فأخبره بهلاك الأشتر فقام معاوية لعنه الله خطيبا فقال : أما بعد فإنه كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان فقطعت إحداهما يوم صفين وهو عمار بن ياسر وقد قطعت الأخرى اليوم وهو مالك الأشتر .
وقال إبراهيم : فلما بلغ عليا عليه السلام موت الأشتر قال : إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر .
ثم قال : رحم الله مالكا فلقد وفى بعهده وقضى نحبه ولقى ربه مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى الله عليه وآله فإنها من أعظم المصيبات .
وعن معاوية الضبي قال : لم يزل أمر علي عليه السلام شديدا حتى مات الأشتر وكان الأشتر بالكوفة أسود من الأحنف بالبصرة .
وعن جماعة من أشياخ النخع قالوا : دخلنا على أمير المؤمنين عليه السلام حين بلغه موت الأشتر فوجدناه يتلهف ويتأسف عليه ثم قال : لله در مالك وما مالك لو كان من جبل لكان فندا ولو كان من حجر لكان صلدا أما والله ليهدن موتك عالما وليفرحن عالما ! ! على مثل مالك فلتبك البواكي وهل مرجو كمالك ؟ وهل موجود كمالك ؟
قال علقمة بن قيس النخعي : فما زال علي يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا وعرف ذلك في وجهه أياما .
قال إبراهيم : وحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني عن رجاله أن محمد بن أبي بكر لما بلغه أن عليا عليه السلام قد وجه الأشتر إلى مصر شق عليه فكتب علي عليه السلام إليه عند مهلك الأشتر : أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك ولم أفعل ذلك استبطاء لك عن الجهاد ولا استزادة لك مني في الجد ولو نزعت ما حوت يداك من سلطانك لوليتك ما هو أيس مؤنة عليك وأعجب ولاية إليك إلا أن الرجل الذي كنت وليته مصر كان رجلا لنا مناصحا وعلى عدونا شديدا فرحمة الله عليه فقد استكمل أيامه ولاقى حمامه ونحن عنه راضون فرضي الله عنه وضاعف له الثواب وأحسن له المآب .
فاصحر لعدوك وشمر للحرب وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وأكثر ذكر الله والاستعانة به والخوف منه يكفك ما أهمك ويعنك على ما ولاك أعاننا الله وإياك على ما لا ننال إلا برحمته والسلام .
فكتب محمد رحمه الله إلى عبد الله أمير المؤمنين عليه السلام من محمد بن أبي بكر سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد ، [ فقد ] انتهى إلي كتاب أمير المؤمنين وفهمته وعرفت ما فيه وليس أحد من الناس أشد على عدو أمير المؤمنين ولا أرق خرجت فعسكرت وأمنت الناس إلا من نصب لنا حربا وأظهر لنا خلافا وأنا أتبع [ متبع " خ ل " ] أمر أمير المؤمنين وحافظه ولاجئ إليه وقائم به والله المستعان على كل حال والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
وعن أبي جهضم الأسدي قال : إن أهل الشام لما انصرفوا عن صفين وأتى بمعاوية خبر الحكمين وبايعه أهل الشام بالخلافة لم يزدد إلا قوة ولم يكن له هم إلا مصر فدعا عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن أرطأة والضحاك بن قيس وعبد الرحمن بن خالد وشرحبيل بن السمط وأبا الأعور السلمي وحمزة بن مالك فاستشارهم في ذلك فقال عمرو بن العاص : نعم الرأي رأيت في افتتاحها عزك وعز أصحابك وذل عدوك وقال آخرون : نرى ما رأى عمرو .
فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري وإلى معاوية حديج الكندي وكانا قد خالفا عليا عليه السلام فدعاهما إلى الطلب بدم عثمان فأجابا وكتبا إليه عجل إلينا بخيلك ورجلك فإنا ننصرك ويفتح الله عليك .
فبعث معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف فسار عمرو في الجيش حتى دنا من مصر فاجتمعت إليه العثمانية فأقام وكتب إلى محمد بن أبي بكر : أما بعد فتنح عني بد ؟ ك يا ابن أخي فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر وإن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك وندموا على إتباعك وهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فأخرج منها إني لك من الناصحين والسلام .
قال : وبعث عمرو مع هذا الكتاب كتاب معاوية إليه وهو : أما بعد فإن غب الظلم والبغي عظيم الوبال وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة وما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا ولا أسوأ له عيبا ولا أشد عليه خلافا منك سعيت عليه في الساعين وساعدت عليه مع المساعدين وسفكت دمه مع السافكين ثم تظن أني نائم عنك فأتيت بلدة فتأمن فيها وجل أهلها أنصاري يرون رأيي ويرفعون قولك ويرقبون عليك وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك يستسفكون دمك ويتقربون إلى الله عز وجل بجهادك وقد أعطوا الله عهدا ليقتلنك ولو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك الله بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه وأنا أحذرك وأنذرك فإن الله مقيد منك ومقتص لوليه وخليفته بظلمك له وبغيك عليه ووقيعتك فيه وعدوانك يوم الدار عليه تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه وأوداجه ومع هذا إني أكره قتلك ولا أحب أن أتولى ذلك منك ولن يسلمك الله من النقمة أين كنت أبدا فتنح وانج بنفسك والسلام .
قال : فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما وبعث بهما إلى علي عليه السلام وكتب إليه : أما بعد يا أمير المؤمنين فإن العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر واجتمع عليه من أهل البلد كل من كان برى رأيهم وهو في جيش جرار وقد رأيت ممن قبلي بعض الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمددني بالأموال والرجال والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
فكتب إليه [ أمير المؤمنين ] رضي الله عنه أما بعد فقد أتاني رسولك بكتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل أداني مصر في جيش جرار وأن من كان على مثل رأيه قد خرج إليه وخروج من كان على رأيه خير لك من إقامته عندك .
وذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا فلا تفشل وإن فشلوا حصن قريتك واضمم إليك شيعتك وأول الحرس في عسكرك واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والتجربة والبأس وأنا نادب إليك الناس على الصعب والذلول فاصبر لعدوك وامض على بصيرتك وقاتلهم على نيتك وجاهدهم محتسبا لله سبحانه وإن كان فئتك أقل الفئتين فإن الله تعالى يعين القليل ويخذل الكثير .
وقد قرأت كتاب الفاجرين المتحابين على المعصية والمتلائمين على الضلالة والمرتبئين [ المرتشين " خ ل " ] في الحكومة والمتكبرين على أهل الدين الذين استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلافهم فلا يضرنك إرعادهما وإبراقهما وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت والسلام .
قال : فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه : أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه وتأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح وتخوفني بالحرب كأنك علي شفيق وأنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم وأن يخذلكم الله في الوقعة وأن ينزل بكم الذل وأن تولوا الدبر فإن يكن لكم الامر في الدنيا فكم وكم لعمري من ظالم قد نصرتم وكم من مؤمن قد قتلتم ومثلتم به وإلى الله المصير وإليه ترد الأمور وهو أرحم الراحمين والله المستعان على ما تصفون .
قال : وكتب محمد بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص جواب كتابه : أما بعد فقد فهمت كتابك وعلمت ما ذكرت وزعمت أنك لا تحب أن يصيبني منك ظفر فأشهد بالله أنك لمن المبطلين وزعمت أنك لي ناصح وأقسم أنك عندي ظنين وزعمت أن أهل البلد قد رفضوني وندموا على اتباعي فأولئك حزبك وحزب الشيطان الرجيم وحسبنا الله رب العالمين وتوكلت على الله العزيز الرحيم رب العرش العظيم .
قال إبراهيم : فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال : فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد يا معاشر المسلمين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة ويغشون أرض الضلالة قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود فمن أراد الجنة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله انتدبوا رحمكم الله مع كنانة بن بشر ومن يجيب معه من كندة .
ثم ندب معه ألفي رجل وتخلف محمد في ألفين واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو على مقدمة محمد فلما دنا عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة فلم تأته كتيبة من كتائب أهل الشام إلا شد عليها بمن معه فيضربها حتى يلحقها بعمرو ففعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدهم  فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه ونزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه وهو يقول : * ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) * [ 145 / آل عمران : 3 ] فلم يزل يضاربهم بالسيف حتى استشهد رحمه الله.
فلما قتل كنانة أقبل ابن العاص نحو محمد وقد تفرق عنه أصحابه فخرج محمد فمضى في طريق حتى انتهى إلى خربة فآوى إليها وجاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط.
وخرج ابن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج على قارعة الطريق فسألهم هل مر بكم أحد تنكرونه قالوا : لا قال أحدهم إني دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل جالس قال ابن حديج : هو هو ورب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى دخلوا على محمد فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط .
فوثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص وكان في جنده فقال : لا والله لا يقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه عن قتله .
فأرسل عمرو بن العاص إلى معاوية أن ائتني بمحمد فقال معاوية أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمي وأخلي عن محمد هيهات " أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر " فقال لهم محمد : أسقوني قطرة من ماء فقال له ابن حديج : لا سقاني الله إن سقيتك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فسقاه الله من الرحيق المختوم والله لأقتلنك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن ويسقيك الله من الحميم والغسلين .
فقال محمد : يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك ولا إلى عثمان إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه وهم أنت وقرنائك ومن تولاك وتوليته والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم .
فقال له معاوية بن حديج أتدري ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار .
قال : إن فعلتم ذلك بي فطال ما فعلتم ذلك بأولياء الله وأيم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها بردا وسلاما كما جعلها الله على إبراهيم خليله وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وعلى أوليائه وإني لأرجو أن يحرقك الله وإمامك معاوية وهذا - أشار إلى عمرو بن العاص - بنار تلظى عليكم كلما خبت زادها الله عليكم سعيرا فقال معاوية بن حديج : إني لا أقتلك ظلما إنما أقتلك بعثمان بن عفان ! ! قال محمد : وما أنت رجل عمل بالجور وبدل حكم الله والقرآن وقد قال الله عز وجل : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون . . . وأولئك هم الظالمون . . . وأولئك هم الفاسقون " فنقمنا عليه أشياء عملها فأردناه أن يختلع من عملنا فلم يفعل فقتله من قتله من الناس فغضب ابن حديج فقدمه فضرب عنقه ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار .
فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج وقبضت عيال محمد أخيها وولده إليها فكان القاسم بن محمد في حجرها .
قال : وكان ابن حديج ملعونا خبيثا يسب عليا عليه السلام فقد روي عن داود بن أبي عوف قال : دخل معاوية بن حديج عن الحسن بن علي عليهما السلام في مسجد المدينة فقال له الحسن : ويلك يا معاوية أنت الذي تسب أمير المؤمنين عليا ؟ ! أما والله لئن رأيته يوم القيامة - ولا أظنك تراه - لترينه كاشفا عن ساق يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرايب الإبل  .
وعن محمد بن عبد الله بن شداد قال : حلفت عائشة [ أن ] لا تأكل شواء أبدا بعد قتل محمد فلم تأكل شواء حتى لحقت بالله وما عثرت قط الا قالت : تعس معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج .
ويروى عن كثير النوا : أن أبا بكر خرج في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله في غزاة فرأت أسماء بنت عميس وهي تحته كأن أبا بكر متخضب بالحناء رأسه ولحيته وعليه ثياب بيض فجاءت إلى عائشة فأخبرتها فبكت عائشة وقالت : إن صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر ، إن خضابه الدم وإن ثيابه أكفانه . فدخل النبي صلى الله عليه وآله وهي كذلك فقال : ما أبكاها ؟ فذكروا الرؤيا فقال عليه السلام : ليس كما عبرت عائشة ولكن يرجع أبو بكر صالحا فتحمل منه أسماء بغلام تسميه محمدا يجعله الله غيظا على الكافرين والمنافقين .
قال : فكان كما أخبر عليه السلام .
وعن الحارث بن كعب عن حبيب ابن عبد الله  قال : والله إني لعند علي عليه السلام جالسا إذ جاءه عبيد الله بن قعين من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخه قبل الوقعة فقام علي عليه السلام فنادى في الناس : الصلاة جامعة .
فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى عليه ثم قال : أما بعد فهذا صريخ محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله وعدو من والاه وولي من عادى الله ، فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا على باطلهم منكم على حقكم ، فكأنكم بهم قد بدؤكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر .
عباد الله إن مصر أعظم من الشام خيرا وخير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم وكبت لعدوكم ، أخرجوا إلى الجرعة - والجرعة بين الحيرة إلى الكوفة - لنتوافى هناك كلنا غدا إن شاء الله .
قال : فلما كان الغد خرج يمشي فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه مائة رجل فرجع ! ! !
فلما كان العشي بعث إلى الاشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر وهو كئيب حزين فقال : الحمد لله على ما قضى من أمر وقدر من فعل وابتلاني بكم أيتها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها ولا تجيب إذا دعوتها ، لا أبا لغيركم ماذا تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم ؟ ! الموت خير من الذل في هذه الدنيا لغير الحق ، والله إن جاءني الموت - وليأتيني فليفرقن بيني وبينكم - لتجدنني لصحبتكم قاليا .
ألا دين يجمعكم ؟ ألا حمية تغيظكم ؟ ألا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم ويشن الغارة عليكم .
أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة فيجيبونه في السنة المرة والمرتين والثلاث إلى أي وجه شاء ، ثم أنا أدعوكم وأنتم أولى النهى وبقية الناس [ ف‍ ] تختلفون وتفترقون عني وتعصوني وتخالفون علي ؟ !
فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي فقال : يا أمير المؤمنين اندب الناس معي فإنه لا عطر بعد عروس ، لمثل هذا اليوم [ كنت أدخر نفسي ] وإن الاجر لا يأتي إلا بالكرة . ثم التفت إلى الناس وقال : اتقوا الله وأجيبوا إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا عدوكم إنا نسير إليهم يا أمير المؤمنين .
فأمر علي سعدا مولاه أن ينادي : ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر .
وكان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك فعسكر بظاهر الكوفة وخرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو من ألفين فقال علي عليه السلام : سيروا والله ما أنتم ؟ ! ما أخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم.
فخرج مالك بهم وسار خمس ليال فقدم الحجاج بن غزية الأنصاري من مصر فأخبره بما عاين من هلاك محمد .
وقدم عبد الرحمان بن شبيب وكان عينا لعلي عليه السلام وأخبره أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشر من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضه بعضا بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر وقال : يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد .
فقال علي عليه السلام : أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به ، لا بل يزيد أضعافا . فرد عليه السلام مالكا من الطريق وحزن على محمد حتى رؤي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا ، ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمة الله عليه وعند الله نحتسبه ، أما والله لقد كان - ما علمت - ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب سمت المؤمن ، وإني والله ما ألوم نفسي على تقصير ولا عجز ، وإني لمقاساة الحرب مجد [ خ ل : لجد ] بصير ، إني لأقدم على الحرب وأعرف وجهه وجه الحزم وأقوم بالرأي المصيب ، فأستصرخكم معلنا ، وأناديكم مستغيثا ، فلا تسمعون لي قولا ، ولا تطيعون [ لي ] أمرا ، حتى تصير الأمور إلى عواقب المساءة ، وأنتم القوم لا يدرك بكم الثار ولا ينقص بكم الأوتار .
دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فجرجرتم علي جرجرة الجمل الأسر وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من لا نية له في الجهاد ولا رأي له في اكتساب الاجر ، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ! ! فأف لكم ، ثم ؟ ؟ ودخل رحله .
قال إبراهيم : فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال : كتب علي عليه السلام إلى عبد الله بن العباس وهو على البصرة : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس : سلام عليك ورحمة الله وبركاته أما بعد ، فإن مصر قد افتتحت وقد استشهد محمد بن أبي بكر وعند الله عز وجل - نحتسبه ، وقد كنت أوعزت إلى الناس وتقدمت إليهم في بدء الامر ، وأمرتهم بإعانته قبل الوقعة ، ودعوتهم سرا وجهرا ، وعودا وبدءا ، فمنهم الآتي كارها ، ومنهم المعتل كاذبا ، ومنهم القاعد خاذلا . أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا وأن يريحني منهم عاجلا ، فوالله لولا طمعي عند لقاء العدو في الشهادة وتوطيني نفسي عند ذلك لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ، عزم الله لنا ولك على تقواه وهداه إنه على كل شيء قدير والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
قال : فكتب إليه عبد الله بن عباس : لعبد الله علي أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس : سلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر وهلاك محمد بن أبي بكر وأنك سألت ربك أن يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا ومخرجا ، وأنا أسأل الله أن يعلي كلمتك وأن يأتي بما تحبه عاجلا ، وأعلم أن الله صانع لك ومقر دعوتك وكابت عدوك ، وأخبرك يا أمير المؤمنين أن الناس ربما قبضوا ثم نشطوا فارفق بهم يا أمير المؤمنين ودارهم ومنهم واستعن بالله عليهم ، كفاك الله المهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
قال المدائني : وروي أن عبد الله بن عباس قدم من البصرة على علي فعزاه بمحمد بن أبي بكر .
وعن مالك بن الجون الحضرمي أن عليا عليه السلام قال : رحم الله محمدا كان غلاما حدثا لقد كنت أردت أن أولي المرقال هاشم بن عتبة مصر فإنه والله لو وليتها لما حلى لابن العاص وأعوانه العرصة ولا قتل إلا وسيفه في يده بلا ذم لمحمد فلقد أجهد نفسه وقضى ما عليه .
قال المدائني : وقيل لعلي عليه السلام : لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعا شديدا يا أمير المؤمنين فقال : وما يمنعني إنه كان لي ربيبا وكان لبني أخا وكنت له والدا أعده ولدا .
وروى إبراهيم [ الثقفي ] عن رجاله عن عبد الرحمان بن جندب عن أبيه قال : دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث الأعور وعبد الله بن سبأ على أمير المؤمنين بعد ما افتتحت مصر وهو مغموم حزين فقالوا له : بين لنا ما قولك في أبي بكر وعمر ؟ فقال لهم علي عليه السلام : هل فرغتم لهذا ؟ ! وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت ، أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرؤوه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا وهذه نسخة الكتاب : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرء كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين السلام عليكم ، فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد فان الله بعث محمدا نذيرا للعالمين وأمينا على التنزيل وشهيدا على هذه الأمة ، وأنتم معاشر العرب يومئذ على شر دين وفي شر دار ، منيخون على حجارة خشن ، وجنادل صم ، وشوك مبثوث في البلاد ، تشربون الماء الخبيث ، وتأكلون الطعام الجشب ، وتسفكون دماءكم ، وتقتلون أولادكم ، وتقطعون أرحامكم ، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل ، سبلكم خائفة ، والأصنام فيكم منصوبة ، ولا يؤمن أكثركم بالله إلا وهم مشركون ، فمن الله عز وجل عليكم بمحمد صلى الله عليه وآله فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم وقال فيما أنزل من كتابه : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) [ 2 / الجمعة / 62 ] وقال : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) [ 128 / التوبة ] وقال : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) [ 164 / آل عمران ] وقال : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) [ 4 / الجمعة ] .
فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلاح ذات البين ، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها ، وأمركم أن تعاطفوا وتباروا وتباشروا وتباذلوا وتراحموا ، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتباغي والتقاذف ، وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان ، وتقدم إليكم فيما تلا عليكم أن لا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين .
فكل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به ، وكل شر يدني إلى النار ويباعد من الجنة نهاكم عنه .
فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله إليه سعيدا حميدا فيالها مصيبة خصت الأقربين وعمت جمع المسلمين ما أصيبوا قبلها بمثلها ولن يعاينوا بعدها أختها .
فلما مضى لسبيله صلى الله عليه وآله وسلم تنازع المسلمون الامر من بعده فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يحظر على بالي أن العرب تعدل هذا الامر بعد محمد عن أهل بيته ، ولا أنهم منحوه عني من بعده ، فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام محمد صلى الله عليه وآله وملة محمد صلى الله عليه وآله في الناس بمن تولى الامر بعده .
فلبثت بذلك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعو إلى محق دين الله وملة محمد فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون المصيبة بهما علي أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما ينقشع السحاب فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الاحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون .
فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد ويسر وقارب واقتصد فصحبته مناصحا وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا وما طمعت أن لو حدث به حدث وأنا حي أن يرد إلي الامر الذي بايعته فيه طمع مستيقن ولا يئست منه يأس من لا يرجوه ، فلولا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه لا يدفعها عني .
فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا وتولى عمر الامر فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة حتى إذا احتضر قلت في نفسي : لن يعدلها عني ليس بدافعها عني فجعلني سادس ستة ! ! ! .
فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أحاج أبا بكر وأقول : يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الامر منكم أما كان فينا من يقرء القرآن ويعرف السنة ويدين بدين الحق .
فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم من الامر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي ثم قالوا : هلم بايع وإلا جاهدناك . فبايعت مستكرها وصبرت محتسبا فقال قائلهم : يا ابن أبي طالب إنك على هذا الامر لحريص ، فقلت : إنهم أحرص مني وأبعد ، أينا أحرص ؟ أنا الذي طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله أولى به أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه ؟ ! فبهتوا والله لا يهدي القوم الظالمين .
اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي وأصغوا إنائي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه فاصبر كمدا أو مت أسفا وحنقا .
فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا ناصر ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى وتجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وألم للقلب من حز الشفار .
حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني ، وبسطت يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، وازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو أنكم قاتلي فقلتم : بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك بايعناك لا نفترق ولا تختلف كلمتنا ، فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي فمن بايع طوعا قبلته منه ومن أبى لم أكرهه وتركته .
فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما فما لبثنا إلا يسيرا حتى بلغني أنهما قد خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة وسمع لي بالبيعة .
فقدما على عاملي وخزان بيت مالي وعلى أهل مصري الذين كلهم على بيعتي وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم ، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم عذرا وطائفة صبرا ، وطائفة منهم غضبوا لله ولي فشهروا سيوفهم وضربوا بها [ خ ل : غضبوا بأسيافهم فضاربوا ] حتى لقوا الله صادقين فوالله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين .
ثم إني نظرت في أمر أهل الشام فإذا أعراب وأهل طمع جفاة طغاة ، يجتمعون من كل أوب ، ومن كان ينبغي أن يؤدب أو يولى عليه ويؤخذ على يديه ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة فأبوا إلا شقاقا وفراقا ، ونهضوا في وجوه المسلمين ينظمونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلما عضهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها فأنبأتكم أنهم ليسوا باهل دين ولا قران وأنهم رفعوها غدرا ومكيدة وخديعة ووهنا وضعفا فامضوا على حقكم وقتالكم فأبيتم علي وقلتم اقبل منهم فان أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم .
فقبلت منهم وكففت عنهم إذ ونيتم وأبيتم وكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين يحييان ما أحيا القران ويميتان ما أمات القران فاختلف رأيهما وتفرق حكمهما ونبذا ما في حكم القران وخالفا ما في الكتاب فجنبهما السداد ودلاهما في الضلالة فنبذا حكمهما وكانا أهله .
فانخزلت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتى إذا عثوا في الأرض يقتلون ويفسدون أتيناهم فقلنا : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثم كتاب الله بينا وبينكم ؟ قالوا : كلنا قتلهم وكلنا استحل دماءهم ودماءكم . وشدت علينا خيلهم ورجالهم فصرعهم الله مصارع الظالمين.
فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم : كلت سيوفنا ونفدت نبالنا ونصلت أسنة رماحنا ، وعاد أكثرها قصدا ، فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا فإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا وفارقنا فإن ذلك ؟ أقوى لنا على عدونا .
فأقبلت بكم حتى إذا أظللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة وأن تلزموا معسكركم وأن تضموا قواصيكم وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم ولا تكثروا زبارة أبنائكم ونسائكم ، فإن أهل الحرب المصابروها ، وأهل التشمير فيها الذين لا ينقادون من سهر ليلهم ولا ظلما نهارهم ولا خمص بطونهم ولا نصب أبدانهم ، فنزلت طائفة منكم معي معذرة ، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية ، فلا من بقي منكم صبر وثبت ، ولا من دخل المصر عاد إلي ورجع فنظرت إلى معسكري وليس فيه خمسون رجلا .
فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فلم أقدر إلى أن تخرجوا إلى يومنا هذا .
فما تنتظرون ؟ ! أما ترون أطرافكم قد انتقصت ؟ وإلى مصركم قد فتحت وإلى شيعتي بها قد قتلت وإلى مسالحكم تعرى وإلى بلادكم تغزى ؟ ! وأنتم ذووا عدد كثير وشوكة وبأس ، فما بالكم ! لله أنتم ! من أين تؤتون ؟ وما لكم تسحرون ؟ ! وأنى تؤفكون ؟ ولو أعزمتم وأجمعتم لم تراموا .
ألا إن القوم قد اجتمعوا وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قد ونيتم وتغاششتم وافترقتم ، ما أنتم إن أتممتم عندي على هذا بمنقذين ، فانتهوا عما نهيتم واجمعوا على حقكم وتجردوا لحرب عدوكم ، قد أبدت الرغوة من الصريح ، وبين الصبح لذي عينين ، إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء وأولي الجفاء ومن أسلم كرها فكان لرسول الله صلى الله عليه وآله أنف الاسلام كله حربا ، أعداء الله والسنة والقران وأهل البدع والاحداث ، ومن كانت بوائقة تتقى ، وكان على الاسلام وأهله مخوفا ، وأكلة الرشا وعبدة الدنيا .
[ و ] لقد انتهى إلي أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه وشرط له أن يؤتيه أتية هي أعظم مما في يده من سلطانه ، ألا صفرت يد هذا البايع دينه بالدنيا وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين .
وإن فيهم من قد شرب فيكم الخمر وجلد الحد يعرف بالفساد في الدين والفعل السئ ، وإن فيهم من لم يسلم حتى رضخ له على الاسلام رضيخة ، فهؤلاء قادة القوم ، ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل هو شر منهم ، ويود هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر والفساد والكبر والفجور والتسلط بالجبرية ، واتبعوا الهوى وحكموا بغير الحق.
ولأنتم على ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلا فيكم العلماء والفقهاء النجباء والحكماء وحملة الكتاب والمتهجدون بالأسحار وعمار المساجد بتلاوة القرآن أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم والأشرار الأراذل منكم .
فاسمعوا قولي هداكم الله إذا قلت وأطيعوا أمري إذا أمرت فوالله لان أطعتموني لا تغوون وإن عصيتموني لا ترشدون خذوا للحرب أهبتها وأعدوا لها عدتها وأجمعوا إليها فقد شبت نارها وعلا شنارها وتجرد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عباد الله ويطفؤوا نور الله ! ! ! ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والمكر والجفاء بأولى بالجد في غيهم وضلالهم وباطلهم من أولياء الله أهل البر والزهادة والاخبات بالجد في حقهم وطاعة ربهم ومناصحة إمامهم .
إني والله لو لقيتهم فردا وهم ملا الأرض ما باليت ولا استوحشت وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبينة ويقين وبصيرة وإني إلى لقاء ربي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر ولكن أسفا يعتريني وحزنا يخامرني من أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا والفاسقين حزبا وأيم الله لولا ذلك لما أكثرت تأنيبكم وتحريضكم ولتركتكم إذا ونيتم وأبيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حم لي لقاءهم فوالله إني لعلى الحق وإني للشهادة لمحب ف‍ " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون " [ 41 / التوبة ] ولا تثاقلوا إلى الأرض فتفروا بالخسف وتبوؤا بالذل ويكن نصيبكم الاخسر إن أخا الحرب اليقظان الارق من نام لم ينم عنه ومن ضعف أودى ومن ترك الجهاد في الله كان كالمغبون المهين .
اللهم اجمعنا وإياهم على الهدى وزهدنا وإياهم في الدنيا واجعل الآخرة لنا ولهم خير من الأولى والسلام .
المصدر :  بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 33 / صفحة [ 555 ] 
تاريخ النشر : 2025-10-22


Untitled Document
دعاء يوم الخميس
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ اللَّيْلَ مُظْلِماً بِقُدْرَتِهِ، وَجاءَ بِالنَّهارِ مُبْصِراً بِرَحْمَتِهِ، وَكَسانِي ضِياءَهُ وَأَنا فِي نِعْمَتِهِ. اللّهُمَّ فَكَما أَبْقَيْتَنِي لَهُ فَأَبْقِنِي لأَمْثالِهِ، وَصَلِّ عَلى النَّبِيّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلا تَفْجَعْنِي فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ اللَّيالِي وَالأَيّامِ بِارْتِكابِ المَحارِمِ وَاكْتِسابِ المَآثِمِ، وَارْزُقْنِي خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما فِيهِ وَخَيْرَ ما بَعْدَهُ، وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّهُ وَشَرَّ ما فِيهِ وَشَرَّ ما بَعْدَهُ. اللّهُمَّ إِنِّي بِذِمَّةِ الإِسْلامِ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ، وَبِحُرْمَةِ القُرْآنِ أَعْتَمِدُ عَلَيْكَ، وَبِمُحَمَّدٍ المُصْطَفى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ أسْتَشْفِعُ لَدَيْكَ، فَاعْرِفِ اللّهُمَّ ذِمَّتِي الَّتِي رَجَوْتُ بِها قَضاءَ حاجَتِي، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الخَمِيسِ خَمْساً، لا يَتَّسِعُ لَها إِلّا كَرَمُكَ، وَلا يُطِيقُها إِلّا نِعَمُكَ: سَلامَةً أَقْوى بِها عَلى طاعَتِكَ، وَعِبادَةً أسْتَحِقُّ بِها جَزِيلَ مَثُوبَتِكَ، وَسَعَةً فِي الحَالِ مِنَ الرّزْقِ الحَلالِ، وَأَنْ تُؤْمِنَنِي فِي مَواقِفِ الخَوْفِ بِأَمْنِكَ، وَتَجْعَلَنِي مِنْ طَوارِقِ الهُمُومِ وَالغُمُومِ فِي حِصْنِكَ، وَصَلِّ عَلى مُحمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْ تَوَسُّلِي بِهِ شافِعاً يَوْمَ القِيامَةِ نافِعاً، إِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

زيارات الأيام
زيارة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يوم الخميس
َلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ وَخالِصَتَهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اِمامَ الْـمُؤْمِنينَ وَوارِثَ الْمُرْسَلينَ وَحُجَّةَ رَبِّ الْعالَمينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ، يا مَوْلايَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ اَنَا مَوْلىً لَكَ وَلاِلِ بَيْتِكَ وَهذا يَوْمُكَ وَهُوَ يَوْمُ الْخَميسِ وَاَنـَا ضَيْفُكَ فيهِ وَمُسْتَجيرٌ بِكَ فيهِ فَاَحْسِنْ ضيافتي واِجارَتي بِحَقِّ آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ.