أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
أخبرني الكاتب
عن الزعفراني عن الثقفي عن محمد بن زكريا عن عبد الله بن الضحاك عن هشام بن محمد
قال : لما ورد الخبر على أمير المؤمنين عليه السلام بمقتل محمد بن أبي بكر رضي الله
عنه كتب إلى مالك بن الحارث الأشتر رحمه الله وكان مقيما بنصيبين : أما بعد فإنك
ممن أستظهر به على إقامة الدين وأقمع به نخوة الأثيم وأسد به الثغر المخوف وقد كنت
وليت محمد بن أبي بكر رحمه الله مصر فخرج عليه خوارج وكان حدثا لا علم له بالحروب
فاستشهد رحمه الله فأقدم علي لننظر في أمر مصر واستخلف على عملك أهل الثقة
والنصيحة من أصحابك .
فاستخلف مالك
على عمله شبيب بن عامر الأزدي وأقبل حتى ورد على أمير المؤمنين عليه السلام فحدثه
حديث مصر وأخبره عن أهلها وقال له ليس لهذا الوجه غيرك فأخرج فإني إن لم أوصك
اكتفيت برأيك واستعن بالله على ما أهمك واخلط الشدة باللين وارفق ما كان الرفق
أبلغ واعتزم على الشدة متى لم يغن عنك إلا الشدة .
قال : فخرج مالك
الأشتر فأتى رحله وتهيأ للخروج إلى مصر وقدم أمير المؤمنين أمامه كتابا إلى أهل
مصر : بسم الله الرحمن الرحيم سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو
وأسأله الصلاة على نبيه محمد وآله وإني قد بعثت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام
أيام الخوف ولا ينكل عن الأعداء حذر الدوائر من أشد عبيد الله بأسا وأكرمهم حسبا
أضر على الفجار من حريق النار وأبعد الناس من دنس أو عار وهو مالك بن الحارث
الأشتر لا نابي الضريبة ولا كليل الحد حليم في الحذر رزين في الحرب ذو رأي أصيل
وصبر جميل فاسمعوا له وأطيعوا أمره فإن أمركم بالنفير فانفروا وإن أمركم أن تقيموا
فأقيموا فإنه لا يقدم ولا يحجم إلا بأمري فقد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم وشدة
شكيمة على عدوكم عصمكم الله بالهدى وثبتكم بالتقوى ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ولما تهيأ مالك
الأشتر للرحيل إلى مصر كتب عيون معاوية بالعراق إليه يرفعون خبره فعظم ذلك على
معاوية وقد كان طمع في مصر فعلم أن الأشتر ان قدمها فاتته وكان أشد عليه من ابن
أبي بكر فبعث إلى دهقان من أهل الخراج بالقلزم أن عليا قد بعث بالأشتر إلى مصر وإن
كفيتنيه سوغتك خراج ناحيتك ما بقيت فاحتل في قتله بما قدرت عليه .
ثم جمع معاوية
أهل الشام وقال لهم : إن عليا قد بعث بالأشتر إلى مصر فهلموا ندعو الله عليه
يكفينا أمره ثم دعا ودعوا معه .
وخرج الأشتر حتى
أتى القلزم فاستقبله ذلك الدهقان فسلم عليه وقال : أنا رجل من أهل الخراج ولك
ولأصحابك علي حق في ارتفاع أرضى فأنزل علي أقم بأمرك وأمر أصحابك وعلف دوابكم
واحتسب بذلك لي من الخراج فنزل عليه الأشتر فأقام له ولأصحابه بما احتاجوا إليه
وحمل إليه طعاما دس في جملته عسلا جعل فيه سما فلما شربه الأشتر قتله ومات وبلغ
معاوية خبره فجمع أهل الشام وقال لهم : أبشر فإن الله قد أجاب دعاءكم وكفاكم
الأشتر وأماته فسروا بذلك واستبشروا به .
ولما بلغ أمير
المؤمنين عليه السلام وفاة الأشتر جعل يتلهف ويتأسف عليه ويقول : لله در مالك لو
كان من جبل لكان أعظم أركانه ولو كان من حجر كان صلدا أما والله ليهدن موتك عالما
فعلى مثلك فلتبك البواكي .
ثم قال : إنا
لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب
الدهر فرحم الله مالكا فقد وفى بعهده وقضى نحبه ولقي ربه مع أنا قد وطنا أنفسنا أن
نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى الله عليه وآله فإنها أعظم المصيبة .
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 33 / صفحة [ 552 ]
تاريخ النشر : 2025-10-21