أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
قال ابن طلحة :
لما عاد أمير المؤمنين من صفين إلى الكوفة بعد إقامة الحكمين أقام ينتظر انقضاء
المدة التي بينه وبين معاوية ليرجع إلى مقاتلته والمحاربة إذ انخزلت طائفة من خاصة
أصحابه في أربعة آلاف فارس وهم العباد والنساك فخرجوا من الكوفة وخالفوا عليا عليه
السلام وقالوا : لا حكم إلا لله ولا طاعة لمن عصى الله .
وانحاز إليهم
نيف عن ثمانية آلاف ممن يرى رأيهم فصاروا اثني عشر ألفا وساروا إلى أن نزلوا
بحروراء وأمروا عليهم عبد الله بن الكواء .
فدعا علي عليه
السلام عبد الله بن عباس رضي الله عنه فأرسله إليهم فحادثهم فلم يرتدعوا وقالوا :
ليخرج إلينا علي بنفسه لنسمع كلامه عسى أن يزول ما بأنفسنا إذا سمعناه .
فرجع ابن عباس
فأخبره فركب في جماعة ومضى إليهم فركب ابن الكواء في جماعة منهم فواقفه فقال له
علي عليه السلام : يا ابن الكواء إن الكلام كثير فأبرز إلي من أصحابك لأكلمك فقال
: وأنا آمن من سيفك فقال : نعم فخرج إليه في عشرة من أصحابه فقال له علي عليه
السلام عن الحرب مع معاوية وذكر له رفع المصاحف على الرماح وأمر الحكمين وقال : ألم
أقل لكم إن أهل الشام يخدعونكم بها فإن الحرب قد عضتهم فذروني أناجزهم فأبيتم .
ألم أرد أن أنصب
ابن عمي حكما وقلت : إنه لا ينخدع فأبيتم إلا أبا موسى ؟ ! وقلتم : رضينا به حكما
فأجبتكم كارها ولو وجدت في ذلك الوقت أعوانا غيركم لما أجبتكم وشرطت على الحكمين
بحضوركم أن يحكما بما أنزل الله من فاتحته إلى خاتمته والسنة الجامعة وإنهما إن لم
يفعلا فلا طاعة لهما علي كان ذلك أو لم يكن ؟
قال ابن الكواء
: صدقت قد كان هذا كله فلم لا ترجع الآن إلى حرب القوم ؟ فقال : حتى تنقضي المدة
التي بيننا وبينهم قال ابن الكواء : وأنت مجمع على ذلك ؟ قال : نعم لا يسعني غيره
.
فعاد ابن الكواء
والعشرة الذين معه إلى أصحاب علي عليه السلام راجعين عن دين الخوارج .
وتفرق الباقون
وهم يقولون : " لا حكم إلا لله " وأمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي
وحرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية وعسكروا بالنهروان .
وخرج [ إليهم
علي عليه السلام ] فسار حتى بقي على فرسخين منهم وكاتبهم وراسلهم فلم يرتدعوا
فأركب إليهم ابن عباس وقال : سلهم ما الذي نقموه وأنا ردفك فلا تخف منهم فلما
جاءهم ابن عباس قال : ما الذي نقمتم من أمير المؤمنين ؟ قالوا : نقمنا أشياء لو
كان حاضرا لكفرناه بها وعلي عليه السلام وراءه يسمع ذلك فقال ابن عباس : يا أمير
المؤمنين قد سمعت كلامهم وأنت أحق بالجواب .
فتقدم وقال :
أيها الناس أنا علي بن أبي طالب فتكلموا بما نقمتم علي ؟ فقالوا : نقمنا عليك أولا
: أنا قاتلنا بين يديك بالبصرة فلما أظفرك الله بهم أبحتنا ما في عسكرهم ومنعتنا
النساء والذرية فكيف حل لنا ما في العسكر ولم تحل لنا النساء ؟ فقال لهم علي عليه
السلام : يا هؤلاء إن أهل البصرة قاتلونا وبدؤنا بالقتال فلما ظفرتم اقتسمتم سلب
من قاتلكم ومنعتكم من النساء والذرية فإن النساء لم يقاتلن والذرية ولدوا على الفطرة
ولم ينكثوا ولا ذنب لهم ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله من على المشركين
فلا تعجبوا إن مننت على المسلمين فلم أسلب نساءهم ولا ذريتهم .
وقالوا نقمنا
عليك يوم صفين كونك محوت اسمك من امرة المؤمنين فإذا لم تكن أميرنا فلا نطيعك ولست
أميرا لنا .
فقال : يا هؤلاء
إنما اقتديت برسول الله صلى الله عليه وآله حين صالح سهيل بن عمرو قالوا : فإنا
نقمنا عليك أنك قلت للحكمين : " أنظرا كتاب الله فإن كنت أفضل من معاوية
فأثبتاني في الخلافة " فإذا كنت شاكا في نفسك فنحن فيك أشد وأعظم شكا ! !
فقال عليه
السلام : إنما أردت بذلك النصفة فإني لو قلت أحكما لي وذرا معاوية لم يرض ولم يقبل
ولو قال النبي صلى الله عليه وآله لنصارى نجران لما قدموا عليه : تعالوا حتى نبتهل
واجعل لعنة الله عليكم لم يرضوا ولكن أنصفهم من نفسه كما أمره الله تعالى فقال : *
( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) * فأنصفهم عن نفسه فكذلك فعلت أنا ولم أعلم بما
أراد عمرو بن العاص من خدعه أبا موسى .
قالوا : فإنا
نقمنا عليك أنك حكمت حكما في حق هو لك .
فقال : إن رسول
الله حكم سعد بن معاذ في بني قريظة ولو شاء لم يفعل وأنا اقتديت به فهل بقي عندكم
شئ ؟ .
فسكتوا وصاح
جماعة منهم من كل ناحية التوبة التوبة يا أمير المؤمنين واستأمن إليه ثمانية آلاف
وبقي على حربه أربعة آلاف فأمر عليه السلام المستأمنين بالاعتزال عنهم في ذلك
الوقت وتقدم بأصحابه حتى دنا منهم وتقدم عبد الله بن وهب وذو الثدية حرقوص وقالا :
ما نريد بقتالنا إياك إلا وجه الله والدار الآخرة فقال علي عليه السلام : "
هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم
يحسنون صنعا " .
ثم التحم القتال
بين الفريقين واستعر الحرب بلظاها وأسفرت عن زرقة صبحها وحمرة ضحاها فتجادلوا
وتجالدوا بألسنة رماحها وحداد ظباها فحمل فارس من الخوارج يقال له الأخنس الطائي
وكان شهد صفين مع علي عليه السلام فحمل وشق الصفوف يطلب عليا عليه السلام فبدره
علي بضربة فقتله فحمل ذو الثدية ليضرب عليا فسبقه علي عليه السلام وضربه ففلق
البيضة ورأسه فحمله فرسه وهو لما به فألقاه في آخر المعركة في حرف دالية على شط النهروان
وخرج من بعده ابن عمه مالك بن الوضاح وحمل على علي عليه السلام فضربه [ علي ]
فقتله .
وتقدم عبد الله بن وهب الراسبي فصاح يا ابن أبي طالب والله لا نبرح من هذه
المعركة أو تأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فأبرز إلي وأبرز إليك وذر الناس
جانبا .
فلما سمع علي
عليه السلام كلامه تبسم وقال : قاتله الله من رجل ما أقل حياؤه أما إنه ليعلم أني
حليف السيف وخدين الرمح ولكنه قد يئس من الحياة أو أنه ليطمع طمعا كاذبا ثم حمل
على علي عليه السلام فضربه [ علي ] وقتله وألحقه بأصحابه القتلى واختلطوا فلم يكن
إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم وكانوا أربعة آلاف فما أفلت منهم إلا تسعة أنفس رجلان
هربا إلى خراسان إلى أرض سجستان وبها نسلهما ورجلان صارا إلى بلاد عمان وبها
نسلهما ورجلان صارا إلى اليمن وفيها نسلهما وهم الأباضية ورجلان صارا إلى بلاد
الجزيرة إلى موضع يعرف بالسن والبوازيج وإلى شاطئ الفرات وصار آخر إلى تل موزن .
وغنم أصحاب علي
عليه السلام غنائم كثيرة وقتل من أصحاب علي عليه السلام تسعة بعدد من سلم من
الخوارج وهي من جملة كرامات علي عليه السلام فإنه قال : نقتلهم ولا يقتل منا عشرة
ولا يسلم منهم عشرة .
فلما قتلوا قال
علي عليه السلام : التمسوا المخدج . فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي عليه السلام
بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال : أخروهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر
علي عليه السلام وقال صدق الله وبلغ رسوله .
قال أبو الوضئ
فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل شعر
ذنب اليربوع .
وهذا أبو الوضئ
هو عباد بن نسيب القيسي تابعي يروي عنه هذا القول أبو داود في سننه كما قال.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 33 / صفحة [ 394 ]
تاريخ النشر : 2025-10-19