أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/أحاديث وروايات عامة/الإمام علي (عليه السلام)
فيما أجاب به
أمير المؤمنين عليه السلام اليهودي السائل عما فيه من خصال الاوصياء قال عليه
السلام: وأما السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم ومحاربة ابن آكلة الاكباد وهو طليق
بن طليق معاند لله عزوجل ولرسوله وللمؤمنين منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله
إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة فأخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم وفي
ثلاثة مواطن بعده وأبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين وجعل يحثني على
النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي يجدد لي بيعته كلما أتاني. وأعجب العجب أنه لما
رأى ربي تبارك وتعالى قد رد إلي حقي وأقره في معدنه وانقطع طمعه أن يصير في دين
الله رابعا وفي أمانة حملناها حاكما كر على العاصي بن العاص فاستماله فمال إليه ثم
أقبل به بعد إذ أطمعه مصر وحرام عليه أن يأخذ من الفيء دون قسمه درهما وحرام على
الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه فأقبل يخبط البلاد بالظلم ويطأها بالغشم فمن بايعه
أرضاه ومن خالفه ناواه. ثم توجه إلي ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا وغربا
ويمينا وشمالا والانباء تأتيني والاخبار ترد علي بذلك.
فأتاني أعور
ثقيف فأشار علي أن أوليه البلاد التي هو بها لأداريه بما أوليه عنها وفي الذي أشار
به الرأي في أمر الدنيا لو وجدت عند الله عزوجل في توليته لي مخرجا وأصبت لنفسي في
ذلك عذرا فأعملت الرأي في ذلك وشاورت من أثق بنصيحته لله عزوجل ولرسوله صلى الله
عليه وآله ولي وللمؤمنين فكان رأيه في ابن آكلة الاكباد كرأيي ينهاني عن توليته
ويحذرني أن أدخل في أمر المسلمين يده ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا فوجهت
إليه أخا بجيلة مرة وأخا الاشعريين مرة كلاهما ركن إلى الدنيا وتابع هواه فيما
أرضاه فلما لم أره يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا شاورت من معي من
أصحاب محمد صلى الله عليه وآله البدريين والذين ارتضى الله عزوجل أمرهم ورضي عنهم
بعد بيعتهم وغيرهم من صلحاء المسلمين والتابعين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه
ومحاربته ومنعه مما نالت معه يده.
وإني نهضت إليه بأصحابي أنفذ إليه من كل موضع
كتبي وأوجه إليه رسلي وأدعوه إلى الرجوع عما هو فيه والدخول فيما فيه الناس معي
فكتب [إلي] يتحكم علي ويتمنى علي الاماني ويشترط علي شروطا لا يرضاها الله عزوجل
ورسوله ولا المسلمون ويشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد صلى الله
عليه وآله أبرارا فيهم عمار بن ياسر وأين مثل عمار ؟ والله لقد رأيتنا مع النبي
صلى الله عليه وآله ما يعد منا خمسة إلا كان سادسهم ولا أربعة إلا كان خامسهم
اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم وانتحل دم عثمان ولعمر والله ما ألب على عثمان
ولا جمع الناس على قتلة إلا هو وأشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في
القرآن. فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه بحمير
لا عقول لهم ولا بصائر فموه لهم أمرا فاتبعوه وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه
فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عزوجل بعد إلا عذار والانذار. فلما لم يزده ذلك إلا
تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودنا من النصر على أعدائه وعدونا وراية رسول
الله بأيدينا لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه
وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله في كل المواطن
فلم يجد من الموت منجا إلا الهرب فركب فرسه وقلب رايته ولا يدري كيف يحتال.
فاستعان برأي ابن العاص فأشار عليه بإظهار المصاحف ورفعها على الاعلام والدعاء إلى
ما فيها وقال ان ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وبقيا وقد دعوك إلى كتاب الله
أولا وهم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجا له من
القتل أو الهرب غيره فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه. فمالت إلى المصاحف قلوب
من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم
فظنوا أن ابن آكلة الاكباد له الوفاء بما دعا إليه فأصغوا إلى دعوته وأقبلوا
بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر ومن ابن العاص معه وأنهما إلى النكث
أقرب منهما إلى الوفاء فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري وأبوإلا إجابته كرهت أم
هويت شئت أو أبيت حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو ادفعوه
إلى ابن هند برمته. فجهدت - علم الله جهدي ولم أدع علة في نفسي إلا بلغتها - في أن
يخلوني ورأيي فلم يفعلوا وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس
فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ - وأومئ بيده إلى الاشتر - وعصبة من أهل بيتي فوالله
ما منعني أن أمضى على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان - وأومئ بيده إلى الحسن
والحسين - فينقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وذريته من أمته ومخافة أن يقتل
هذا وهذا وأومئ بيده إلى عبد الله بن جعفر ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما فإني
أعلم لولا مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه
من علم الله عزوجل. فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الامور وتخيروا الاحكام
والآراء وتركوا المصاحف وما دعوا إليه من حكم القرآن وما كنت أحكم في دين الله
أحدا إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه ولا امتراء.
فلما أبوا إلا ذلك
أردت أن أحكم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضى رأيه وعقله وأثق بنصيحته ومودته
ودينه وأقبلت لا أسمي أحدا الا امتنع منه ابن هند ولا أدعوه إلى شيء من الحق إلا
أدبر عنه، وأقبل ابن عند يسومنا عسفا وما ذاك إلا باتباع أصحابي له على ذلك. فلما
أبوإلا غلبتي على التحكيم تبرأت إلى الله عزوجل منهم وفوضت ذلك إليهم فقلدوه إمرءا
فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الارض وغربها وأظهر الامانة في قوله تعالى *
(إنا عرضنا الامانة) * هي الخلافة كما مر وسيأتي وكونه حاكما أن يكون بمشورته وكون
الامر شورى كما كان يظهر كثيرا " وخبط البعير الارض بيده خبطا " ضربها
ومنه قيل: خبط عشواء وهي الناقة التي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئا.
والغشم: الظلم. ويقال: أبقيت على فلان إذا رعيت عليه ورحمته والاسم منه البقيا
قاله الجوهري وقال: الرمة: قطعة من الحبل بالية ومنه قولهم: دفع إليه الشيء برمته
وأصله أن رجلا دفع إلى رجل بعيرا بحبل في عنقه فقيل ذلك لكل من دفع شيئا بجملته.
ويقال: سامه خسفا أي أورده عليه والعسف: الاخذ على غير الطريق والظلم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 33 / صفحة [ 317 ]
تاريخ النشر : 2025-10-14