أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام الصادق (عليه السلام)
الحسين بن عبيد
الله الكسيني عن أبي سعيد البجلي عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد الله عن آبائه
صلوات الله عليهم قال: لما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام أمر معاوية عليه اللعنة
وأنه في مائة ألف قال: من أي القوم ؟ قالوا: من أهل الشام. قال عليه السلام: لا
تقولوا من أهل الشام ولكن قولوا من أهل الشؤم وهم من أبناء مصر لعنوا على لسان
داود فجعل منهم القردة والخنازير.
ثم كتب إلى
معاوية: لا تقتل الناس بيني وبينك ولكن هلم إلى المبارزة فإن أنا قتلتك فإلى النار
أنت ويستريح الناس منك ومن ضلالتك وإن قتلتني فأنا إلى الجنة ويغمد عنك السيف الذي
لا يسعني غمده حتى أرد مكرك وبدعتك، وأنا الذي ذكر الله اسمه في التوراة والانجيل
بمؤازرة رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه
وآله تحت الشجرة في قوله تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت
الشجرة) *.
فلما قرأ معاوية
كتابه وعنده جلساؤه قالوا: قد والله لقد أنصفك. فقال معاوية: والله ما أنصفني
والله لأرمينه بمائة ألف سيف من أهل الشام من قبل أن يصل إلي ووالله ما أنا من
جاله ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: والله يا علي لو بارزك أهل
الشرق والغرب لقتلتهم أجمعين. فقال له رجل من القوم: ما يحملك يا معاوية على قتال
من تعلم وتخبر فيه عن رسول الله بما تخبر ما أنت ونحن في قتاله إلا على الضلالة.
فقال معاوية: إنما هذا بلاغ من الله وما استطعت والله ما استطيع أنا وأصحابي رد
ذلك حتى يكون ما هو كائن. قال: وبلغ ذلك ملك الروم وأخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان
الملك فسأل: من أين خرجا ؟ فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام. قال: فأمر الملك
وزراءه فقال: تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي ؟ فأتى برجلين من تجار
الشام ورجلين من تجار مكة فسألهم عن صفتهما فوصفوهما له ثم قال لخزان بيوت خزائنه:
أخرجوا إلي الاصنام فأخرجوها فنظر إليها فقال: الشامي ضال والكوفي هاد.
ثم كتب إلى
معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك وكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام أن ابعث إلي
أعلم أهل بيتك فأسمع منهما ثم أنظر في الانجيل كتابنا ثم أخبركما من أحق بهذا
الامر وخشي على ملكه. فبعث معاوية يزيد ابنه وبعث امير المؤمنين الحسن ابنه عليهما
السلام. فلما دخل يزيد لعنه الله على الملك أخذ بيده وقبلها ثم قبل رأسه ثم دخل
الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال: الحمد لله الذي لم يجعلني يهوديا ولا
نصرانيا ولا مجوسيا ولا عابدا للشمس والقمر ولا الصنم والبقر وجعلني حنيفا مسلما
ولم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. ثم
جلس لا يرفع بصره. فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما. ثم فرق بينهما. ثم بعث
إلى يزيد فأحضره ثم أخرج من خزائنه [ثلاث] مائة وثلاثة عشر صندوقا فيها تماثيل
الانبياء وقد زينت بزينة كل نبي مرسل فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ثم عرض
عليه صنم صنم فلا يعرف منها شيئا ولا يجيب منها بشيء ثم سأله عن أرزاق الخلائق وعن
أرواح المؤمنين أين تجتمع وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا فلم يعرف من ذلك
شيئا.
ثم دعا الملك
الحسن بن علي عليهما السلام فقال: إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما
لا يعلم ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه فقد وصف [لي] أبوك وأبوه ونظرت في الانجيل
فرأيت فيه محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والوزير عليا عليه السلام ونظرت في
الاوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال له الحسن:
سلني عما بدا لك فيما تجده في الانجيل وعما في التوراة وعما في القرآن أخبرك به إن
شاء الله. فدعا الملك بالأصنام فأول صنم عرض عليه في صفة القمر فقال له الحسن عليه
السلام فهذه صفة آدم أبي البشر ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس فقال الحسن عليه
السلام هذه صفة حواء أم البشر ثم عرض عليه آخر في صفة حسنة فقال: هذه صفة شيث بن
آدم وكان أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين عاما [يوما " خ
"] ثم عرض عليه صنم آخر فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة وكان عمره ألفا
وأربعمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ثم عرض عليه صنم آخر فقال: هذه
صفة إبراهيم عليه السلام عريض الصدر طويل الجبهة ثم عرض عليه صنم فقال هذه صفة
إسرائيل وهو يعقوب ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة اسماعيل ثم أخرج إليه صنم
آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثم عرض عليه صنم آخر فقال:
هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين إبراهيم
خمسمائة عام ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة داود صاحب الحرب ثم أخرج إليه صنم
آخر فقال: هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى بن مريم روح الله وكلمته وكان
عمره في الدنيا ثلاثا وثلاثين سنة ثم رفعه الله إلى السماء ويهبط إلى الارض بدمشق
وهو الذي يقتل الدجال ثم عرض عليه صنم صنم فيخبر باسم نبي نبي ثم عرض عليه
الاوصياء والوزراء فكان يخبر باسم وصي وصي ووزير وزير ثم عرض عليه أصنام بصفة
الملوك فقال الحسن عليه السلام هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الانجيل
ولا في الزبور ولا في القرآن فلعلها من صفة الملوك. فقال الملك أشهد عليكم يا أهل
بيت محمد أنكم قد أعطيتم علم الاولين والآخرين وعلم التوراة والانجيل والزبور وصحف
إبراهيم وألواح موسى. ثم عرض عليه صنم يلوح فلما نظر إليه بكى بكاء شديدا فقال له
الملك: ما يبكيك ؟ فقال: هذه صفة جدي محمد صلى الله عليه وآله كث اللحية عريض
الصدر طويل العنق عريض الجبهة أقنى الانف أفلج الاسنان حسن الوجه قطط الشعر طيب
الريح حسن الكلام فصيح اللسان كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بلغ عمره ثلاثا
وستين سنة ولم يخلف إلا بعده خاتم مكتوب عليه " لا إله إلا الله محمد رسول
الله " صلى الله عليه وآله وكان يتختم في يمينه وخلف سيفه ذو الفقار وقضيبه
وجبة صوف وكساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله. فقال الملك:
إنا نجد في الانجيل أنه يكون له ما يتصدق به على سبطيه فهل كان ذلك ؟ فقال له
الحسن عليه السلام: قد كان ذلك. فقال الملك: فبقي لكم ذلك ؟ فقال: لا قال الملك:
لهذه أول فتنة من هذه الامة غلبا أباكما ثم على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية
نبيهم منكم القائم بالحق والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. قال: ثم سأل الملك
الحسن عليه السلام عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم فقال الحسن: أول هذا
آدم ثم حواء ثم كبش إبراهيم ثم ناقة الله ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب
الذي ذكره الله في القرآن.
قال: ثم سأله عن
أرزاق الخلائق فقال الحسن عليه السلام: أرزاق الخلائق في السماء الرابعة تنزل بقدر
وتبسط بقدر. ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا ماتوا ؟ قال: تجتمع عند
صخرة بيت المقدس في كل ليلة الجمعة وهو عرش الله الادنى منها يبسط الله الارض
وإليها يطويها وإليه [ومنها " خ "] المحشر ومنها استوى ربنا إلى السماء
والملائكة.
ثم سأله عن
أرواح الكفار أين تجتمع ؟ قال: تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث
الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعها بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة
بيت المقدس فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة ويزلف المتقين وتصير جهنم عن يسار
الصخرة في تخوم الارضين السابعة وفيها الفلق والسجين فيعرف الخلائق من عند الصخرة
فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها وذلك قوله: * (فريق في الجنة
وفريق في السعير) *. فلما أخبر الحسن صلوات الله عليه بصفة ما عرض عليه من الاصنام
وتفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد بن معاوية لعنه الله وقال: أشعرت أن ذلك علم
لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي موازر قد أكرمه الله بموازرة نبيه صلى الله عليه
وآله أو عترة نبي مصطفى وغيره المعادي فقد طبع الله على قلبه وآثر دنياه على آخرته
وهواه على دينه وهو من الظالمين. قال: فسكت يزيد وخمد. قال: فأحسن الملك جائزة
الحسن وأكرمه وقال له: ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني
وبين ذلك وأظنه سما مرديا وعذابا أليما. قال: فرجع يزيد إلى معاوية وكتب إليه
الملك: إنه يقال من آتاه الله العلم بعد نبيكم وحكم بالتوراة وما فيها والانجيل وما
فيه والزبور وما فيه والفرقان وما فيه فالحق والخلافة له. وكتب إلى علي بن أبي
طالب عليه السلام أن الحق والخلافة لك وبيت النبوة وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه
الله بيدك ثم يخلده في نار جهنم فإن من قاتلك نجده في الانجيل أن عليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين وعليه لعنة أهل السموات والارضين.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 33 / صفحة [ 233 ]
تاريخ النشر : 2025-10-12