أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
لما عزم معاوية
على قتال علي عليه السلام شاور فيه ثقاته وأهل وده فقالوا: هذا أمر عظيم لا يتم
إلا بعمرو بن العاص فإنه قريع زمانه في الدهاء والمكر وقلوب أهل الشام مائلة إليه
وهو يخدع ولا يخدع فقال: صدقتم ولكنه يحب عليا فأخاف أن يمتنع فقالوا: رغبه بالمال
واعطه مصر فكتب إليه من معاوية بن أبي سفيان خليفة عثمان بن عفان إمام المسلمين
وخليفة رسول رب العالمين ذي النورين ختن المصطفى على ابنتيه وصاحب جيش العسرة وبئر
رومة المعدوم الناصر الكثير الخاذل المحصور في منزله المقتول عطشا وظلما في محرابه
المعذب بأسياف لفسقة إلى عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وثقته
وأمير عسكره بذات السلاسل المعظم رأيه المفخم تدبيره أما بعد فلن يخفى عليك احتراق
قلوب المؤمنين وفجعتهم بقتل عثمان وما ارتكبه جاره بغيا وحسدا وامتناعه عن نصرته
وخذلانه إياه حتى قتل في محرابه فيا لها مصيبة عمت الناس وفرضت عليهم طلب دمه من
قتلته وأنا أدعوك إلى الحظ الاجزل من الثواب والنصيب الاوفر من حسن المآب بقتال من
آوى قتلة عثمان. فكتب إليه عمرو بن العاص: من عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى
الله عليه وآله إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد وصل كتابك فقرأته وفهمته فأما
ما دعوتني إليه من قتال علي فقد دعوتني والله إلى خلع ربقة الاسلام من عنقي
والتهور في الضلالة معك وإعانتي إياك على الباطل واختراط السيف في وجه علي بن أبي
طالب عليه السلام وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه ووارثه وفاضي دينه
ومنجز وعده وزوج ابنته سيدة نساء العالمين وأبو السبطين سيدي شباب أهل الجنة. وأما
قولك: إنك خليفة عثمان فقد صدقت ولكن تبين اليوم عزلك من خلافته وقد بويع لغيره
فزالت خلافتك.
وأما ما عظمتني
به ونسبتني إليه من صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وأني صاحب جيشه فلا أعتر
بالتزكية ولا أميل بها عن الملة. وأما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول الله صلى الله
عليه وآله ووصيه إلى البغي والحسد لعثمان وسميت الصحابة فسفة وزعمت أنه أشلاهم على
قتله فهذا كذب وغواية ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول
الله صلى الله عليه وآله وبات على فراشه وهو صاحب السبق إلى الاسلام والهجرة وقال
فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: هو مني وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبي بعدي.
وقال فيه يوم الغدير: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
وقال فيه يوم خيبر: لأعطين
الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
وقال فيه يوم
الطير: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فلما دخل قال: وإلي وإلي.
وقال فيه يوم النضير:
علي إمام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله.
وقال فيه: علي وليكم
بعدي. وأكد القول علي وعليك وعلى جميع المسلمين.
وقال: إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب
الله وعترتي. وقال أنا مدينة العلم وعلي بابها.
وقد علمت يا
معاوية ما أنزل الله من الآيات المتلوات في فضائله التي لا يشركه فيها أحد، كقوله
تعالى: " يوفون بالنذر " [7 / الدهر، وكقوله]: " إنما وليكم الله
ورسوله " [55 / المائدة، وكقوله]: " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه
شاهد منه " [17 / هود، وكقوله]: " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
" [23 / الاحزاب، وكقوله]: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى " [23 / الشورى].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن
يكون سلمك سلمي وحربك حربي وتكون أخي ووليي في الدنيا والآخرة يا أبا الحسن من
أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أحبك أدخله الله الجنة ومن أبغضك أدخله
الله النار.
وكتابك يا معاوية الذي هذا جوابه ليس مما ينخدع به من له عقل ودين
والسلام. فكتب إليه معاوية يعرض عليه الاموال والولايات وكتب في آخر كتابه:
جهلت ولم تعلم
محلك عندنا * فأرسلت شيئا من خطابوما تدري
فثق
بالذي عندي لك اليوم آنفا * من العز والاكرام والجاه والنصر
فاكتب عهدا
ترتضيه مؤكدا * وأشفعه بالبذل مني وبالبر
فكتب إليه عمرو
بأبيات - ليس بالشعر الجيد - يطلب فيها مصر [وأولها:]
أبى القلب مني
أن أخادع بالمكر * بقتل ابن عفان اجر إلى الكفر
فكتب له معاوية
بذلك وأنفذه إليه ففكر عمرو ولم يدر ما يصنع وذهب عنه النوم فقال:
تطاول ليلي
بالهموم الطوارق * وصافحت من دهري وجوه البوائق
ءأخدعه والخدع
مني سجية * أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق
أم أقعد في بيتي
وفي ذاك راحة * لشيخ يخاف الموت في كل شارق
فلما أصبح دعا
مولاه وردان وكان عاقلا فشاوره في ذلك فقال وردان: إن مع علي آخرة ولا دنيا معه
وهي التي تبقى لك وتبقى فيها وإن مع معاوية دنيا ولا آخرة معه وهي التي لا تبقى
على أحد فاختر ما شئت فتبسم عمرو وقال:
يا قاتل الله
وردانا وفطنته * لقد أصاب الذي في القلب وردان
لما تعرضت
الدنيا عرضت لها * بحرص نفسي وفي الاطباع ادهان
نفس تعف وأخرى
الحرص يغلبها * والمرء يأكل نتنا وهو غرثان
أما علي فدين
ليس بشركه * دنيا وذاك له دنيا وسلطان
فاخترت من طمعي
دنيا على بصري * وما معي بالذي اختار برهان
إني لأعرف ما
فيها وأبصره * وفي أيضا لما أهواه ألوان
لكن نفسي تحب
العيش في شرف * وليس يرضى بذل العيش إنسان
ثم إن عمرا رحل
إلى معاوية فمنعه ابنه عبد الله ووردان فلم يمتنع فلما بلغ مفرق الطريقين الشام
والعراق قال له وردان: طريق العراق طريق الآخرة وطريق الشام طريق الدنيا فأيهما
تسلك ؟ قال: طريق الشام ! !
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 33 / صفحة [ 51 ]
تاريخ النشر : 2025-09-11